تمر مصر هذه الفترة بموجة من التقلبات في النشاط الاقتصادي، التي انعكست وبشكل واضح على كافة مفاصل الدولة، اذ يبدو ان جميع المحاولات التي اتخذتها الحكومة من اجل انعاش الوضع الاقتصادي لم تؤتِ ثمارها، فرغم الوعود التي أطلقتها الحكومة الا انها مازالت لم تصل للنتائج المطلوبة، بل صاحب ذلك تعثرات جديدة لسير عملية الاصلاح الاقتصادي الحكومي، وهذا مادفع مصر الى ان تلجأ مضطرة الى جهات أخرى دولية للمساعدة في اصلاح الجانب الاقتصادي في مصر قبل وقوع الأزمة التي بات يراها الجميع انها قريبة، وبالفعل يبدو ان الخيار كان صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على قرض مالي لتحسين الوضع الاقتصادي، وبعد العديد من المفاوضات مع الصندوق حصلت مصر على موافقة صندوق النقد الدولي على اتفاق قرض قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات يهدف إلى إنعاش اقتصاد متعثر وخفض الدين العام والسيطرة على التضخم في الوقت الذي يسعى فيه لحماية الفقراء.
وصرح الصندوق إن موافقة المجلس على برنامج القرض تسمح بإعطاء البنك المركزي المصري شريحة أولى من القرض قيمتها 2.75 مليار دولار، وسيتم تقديم المبلغ المتبقي على دفعات خلال الثلاث سنوات ستخضع لخمس مراجعات للإصلاحات اللازمة.
وذكر التلفزيون الرسمي المصري أن ضخ المبالغ الجديدة سيرفع احتياطي البنك المركزي المصري من النقد الأجنبي إلى 23.3 مليار دولار، ووصفت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي برنامج القرض لمصر بأنه"برنامج اقتصادي محلي" سيدعمه صندوق النقد الدولي "لمعالجة التحديات القائمة منذ فترة طويلة للاقتصاد.
"وتشمل هذه (التحديات) مشكلة في ميزان المدفوعات تتجلى في سعر صرف مبالغ في قيمته ونقص في العملات الأجنبية وعجز ضخم في الميزانية أدى إلى ارتفاع الدين العام وانخفاض النمو مع مستوى مرتفع من البطالة.
وتكافح مصر التي تعتمد على الواردات من أجل جذب الدولارات وإنعاش اقتصادها منذ عزوف السياح والمستثمرين عن البلاد بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في الحكم، ومع مواجهتها لعجز في الموازنة وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي وازدهار السوق السوداء للعملة وافقت القاهرة على قرض صندوق النقد الدولي في أغسطس آب لكن كان عليها الحصول على تمويل ثنائي تتراوح قيمته بين خمسة وستة مليارات دولار لإكمال اتفاق الصندوق، واتخذت مصر الخطوة النهائية تجاه الحصول على القرض بعد أن قرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف الأسبوع الماضي وهو قرار رحب به الصندوق والبنك الدولي، فضلاً عن إجازة ضريبة القيمة المضافة لزيادة العائدات وتخفيضات في دعم الوقود، ويتطلب البرنامج أيضا تشريعا لخفض ميزانية رواتب القطاع العام بمصر.
من جهته ذكر صندوق النقد الدولي إن البرنامج يهدف إلى تخفيض معدل الدين العام لإجمالي الناتج المحلي للبلاد-الذي يناهز الآن نحو 100 في المئة- نحو عشر نقاط مئوية على مدى ثلاث سنوات، وان بعضا من المدخرات المالية من إجراءات التقشف ستستخدم في تقوية شبكات الأمان الاجتماعي بما في ذلك زيادة دعم الغذاء والدعم المالي المباشر للفقراء.
وشددت لاجارد أيضا على أن مصر بحاجة إلى القيام بإصلاحات هيكلية في اقتصادها مثل تيسير الإجراءات للشركات الناشئة وإجازة إصلاحات في نظام إفلاس الشركات وإصلاحات عمالية تهدف إلى زيادة المشاركة العمالية، وسيصاحب برنامج صندوق النقد الدولي الذي يبلغ حجمه 12 مليار دولار نحو ستة مليارات دولار من اتفاقيات تمويل ثنائي من الصين ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول مجموعة السبع وقروض مصرفية وإصدار سندات، ومن المتوقع إعلان هذه المعاملات بشكل منفصل.
يذكر ان ستاندرد آند بورز عدلت نظرتها المستقبلية لديون مصر السيادية من سلبية إلى مستقرة وان التصنيف الحالي لها هو –B، الا إنها بينت ان التصنيفات الخاصة بمصر ما زالت يكبحها العجز المالي الواسع النطاق والدين العام المرتفع ومستويات الدخل المنخفضة والهشاشة المؤسسية والمجتمعية، وتتوقع الوكالة أن يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر أربعة بالمئة بحلول 2019، واضافت إن الاستهلاك المحلي سيتعرض لضغوط جراء زيادة التضخم في مصر في الأجل القريب بفعل تخفيض قيمة العملة وتقليص الدعم بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة، وان النمو الاقتصادي المصري سيبدأ بالتعافي في 2018-2019 بدعم من الاستثمارات والاستهلاك المحلي.
مصر ومعاناة تحرير سعر الجنيه
ذكر رجال أعمال واقتصاديون إن مصر قد تشعر بأوجاع الخفض الكبير في قيمة العملة المحلية قبل فترة طويلة من جني الفوائد المتوقعة مما يخلق فترة تمتد لعدة أشهر على الأقل من فقر الأنباء الإيجابية في مقابل ارتفاع التضخم وانخفاض مستويات المعيشة.
وبخفض قيمة الجنيه إلى مستويات تعتبرها السوق القيمة العادلة للعملة فإن ذلك يبشر بجذب أموال جديدة إلى البلاد وحل أزمة نقص العملة الصعبة التي عرقلت الاقتصاد لأعوام.
ويرى مسؤولون تنفيذيون بشركات إنهم سيتمكنون أخيرا من اتخاذ قرارات استثمارية بناء على سوق شفافة للعملة تديرها البنوك ويمكن التنبؤ بما يحدث فيها وليس بناء على سوق سوداء غامضة تتأرجح بشدة وسط عمليات تربح ومضاربات.
ورغم سجل الاحتجاجات في مصر 2011 فلا توجد أي مؤشرات حتى الآن على أن خفض قيمة الجنيه سيطلق احتجاجا كبيرا ويقول كثير من المصريين إنهم يتفهمون أن الخطوة كانت حتمية، غير أن المشكلات الاقتصادية الأخرى التي تعاني منها مصر تعني أن التدفقات المأمولة من العملات الأجنبية إلى البلاد ربما تتباطأ في الوصول ولو على الأقل بالأحجام الكبيرة اللازمة لحل أزمة شح الدولار وإقناع المستثمرين باستقرار الجنيه.
وما زالت المعوقات الحكومية والعقبات الإدارية والقواعد التنظيمية البدائية تعرقل الاستثمار الأجنبي. ومن المتوقع أن يدرس مجلس الوزراء المصري هذا الشهر مسودة قانون للاستثمار يزيل تلك العقبات لكن الأمر قد يستغرق أشهرا حتى يظهر تأثير ذلك.
وتهدف الحكومة إلى الحصول على دفعة أولى قدرها 2.5 مليار دولار من القرض المزمع لصندوق النقد الدولي البالغة قيمته 12 مليار دولار في هذا الشهر. لكن تأثير ذلك سيكون ضعيفا في ظل شدة احتياج البلاد للنقد الأجنبي.
ولاتوجد بيانات رسمية متاحة لكن مصرفيين يقولون في أحاديثهم الخاصة إنهم يعتقدون أن البنوك المصرية تحتاج عدة مليارات من الدولارات لتلبية التزاماتها القائمة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الطلب التجاري غير المُلبى يقدر بنحو ثمانية إلى عشرة مليارات دولار.
وأوضح بنك الاستثمار الإقليمي أرقام كابيتال إن خفض قيمة الجنيه ربما يجلب 12 مليار دولار من النقد الأجنبي إلى سوق السندات المصرية و4.5 مليار دولار إلى سوق الأسهم لكن ذلك قد يستغرق عاما.
ومن جهة أخرى فإن مصر قد لا تستطيع أن تأمل في ارتفاع عائدات التصدير كما في اقتصادات أخرى خفضت قيمة عملاتها نظرا لاعتمادها الكثيف على استيراد الغذاء والمكونات والمواد اللازمة لصناعاتها، فمنذ التخلي عن سعر الصرف الرسمي للعملة البالغ 8.8 جنيه للدولار هبطت العملة المصرية مقتربة من 17 جنيها للدولار مسجلة أكبر تراجع لها في سلسلة تخفيضات على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة.
وقد لا يكون ارتفاع التضخم الناجم عن خفض قيمة الجنيه كبيرا بقدر هبوط العملة لأسباب من بينها أن نحو 90 بالمئة من المنتجات الاستهلاكية المستوردة تم بالفعل سداد فاتورتها بأسعار السوق السوداء في الأشهر التي سبقت الخفض.
وقدرت ريهام الدسوقي كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى أرقام كابيتال أن خفض قيمة الجنيه ورفع أسعار الوقود الذي تقرر يوم الجمعة الماضي سيدفعان التضخم السنوي للصعود إلى 18-20 بالمئة بنهاية العام وإلى 22-24 بالمئة العام القادم من 14.1 بالمئة في سبتمبر أيلول، وأشارت إلى أن الاقتصاد تكيف مع تضخم قريب من تلك المستويات في الخمسة عشر عاما الأخيرة وقالت "ستكون هناك صدمة لكن أعتقد أنها من النوع الذي يمكن استيعابه."
لكن خفض قيمة العملة سيؤدي إلى تآكل دخل المصريين، ففي الطبقات المتوسطة أصبح السفر إلى الخارج أكثر صعوبة وتقوضت خطط الطلاب الذين يدخرون للدراسة في الخارج وأصبحت السلع الفاخرة بعيدة المنال، وبالنسبة لمن يعيشون تحت خط الفقر - أكثر من ربع السكان البالغ عددهم نحو 91 مليون نسمة بحسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - فإن ارتفاع التضخم ربما يكون أكثر إيلاما.
تذبذب مستمر للجنية المصري بعد التعويم
يتوقع الكثير من المصريين أن يواصل الجنيه الهبوط يوم الاحد عندما تبدأ البنوك تداوله بحرية بعد أن تخلت البلاد الأسبوع الماضي عن ربطه بالدولار الأمريكي في مسعى لانهاء سوق سوداء مزدهرة، وظلت البنوك مفتوحة في مصر في العطلة الأسبوعية يومي الجمعة والسبت.
وأفاد مسؤولون تنفيذيون بشركات إن الحكومة تراهن على أنها يمكنها إتمام اتفاق مدته ثلاث سنوات لقرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في الأسابيع المقبلة وتعزيز الثقة باستخدام الشريحة الأولى من القرض لتقديم سيولة من العملة الاجنبية.
وفي هذه الأثناء تستعد الشركات لمزيد من التقلبات مع توقع الكثيرين أن يواصل الجنيه التراجع بسبب زيادة كبيرة في الطلب على العملة الصعبة.
وصرح بضعة رجال أعمال ومسؤول تنفيذي كبير بشركة متعددة الجنسيات إنهم يعتقدون أنه إذا هوى الجنيه فإن الشركات ستحجم عن شراء الدولار للمساعدة في إنجاح النظام الجديد لسعر الصرف وتفادي توجيه الأرباح إلى السوق السوداء التي يريد الكثيرون أن يرونها خارج النشاط.
وبعد تعويم الجنيه بخفض قيمته في باديء الامر بحوالي الثلث عن سعر الصرف الرسمي الذي كان يبلغ 8.8 للدولار تركه البنك المركزي يهبط إلى 15.35-15.75، وأنهى التعويم تقنينا صارما لامدادات الدولارات لدى البنوك ووجه ضربة إلى سوق سوداء رائجة للدولار في ظل ربط الجنيه بالعملة الأمريكية.
وفي نهاية الأسبوع الماضي بلغ سعر الدولار في العقود الآجلة غير القابلة للتسلم التي مدتها ثلاثة أشهر 15.95 جنيه وفي العقود التي مدتها 12 شهرا 17.10 جنيه، وأصيب بعض المصرفيين المصريين بخيبة أمل لأن البنك المركزي لم يغرق النظام المصرفي بالعملة الصعبة للمساعدة في استقرار الجنيه قائلين إن السوق السوداء ستعود إذا اتضح أن البنوك غير قادرة على تلبية متأخرات الطلب.
الا ان الجنيه المصري ارتفع بعدما أعلن البنك المركزي عن صفقة تمويل بملياري دولار مع بنوك أجنبية وبعدما أشار صندوق النقد الدولي إلى أنه سيوافق على برنامج القرض الخاص بالبلاد البالغة قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات.
وبلغ أعلى سعر شراء معروض 17.15 جنيه للدولار من بنك الإسكندرية في ختام معاملات بين البنوك (الانتربنك) يوم الخميس مقارنة مع 17.50 جنيه يوم الأربعاء. وعرض البنك التجاري الدولي والبنك الأهلي المصري الشراء يوم الخميس بسعر 16.16 جنيه بينما عرض بنك مصر 16.26.
وبلغ أعلى سعر بيع يوم الخميس 17.5 جنيه من البنك الأهلي الكويتي مقارنة مع 18.01 يوم الأربعاء. وعرض البنك الأهلي المصري الدولار يوم الخميس للبيع بسعر 16.66 جنيه وعرضه بنك مصر بسعر 16.75 جنيه والبنك التجاري الدولي بسعر 16.65 جنيه.
وأعطى إعلان صندوق النقد الدولي وصفقة الملياري دولار التي أعلنها البنك المركزي أملا للأسواق في سرعة تدفق سيولة جديدة لتحقيق استقرار سعر العملة وتخفيف حدة ما قد تكون حقبة تقشف مؤلم، وحرر البنك المركزي المصري سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة بواقع 300 نقطة أساس لاستعادة التوازن بأسواق العملة وأعاد العمل بسوق العملة فيما بين البنوك وهي خطوة رحب بها مجتمع الأعمال.
وعاشت مصر في السنوات القليلة الماضية حالة تدهور اقتصادي وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح شديد في العملة الصعبة في ظل غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس.
وسيشجع تحرير العملة الاستثمارات الأجنبية وقد يزيد الصادرات ويمكن الشركات من الحصول على الدولار من البنوك بأسعار السوق بما يعيدها للإنتاج الكامل من جديد بعد خفض العمليات الإنتاجية خلال الفترة الماضية بسبب عدم توافر الدولار اللازم لشراء المواد الخام.
ومن شأن تحرير العملة تشجيع الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات وتمكين الشركات من الحصول على الدولار من البنوك بأسعار السوق بما يعيدها للإنتاج الكامل من جديد بعد خفض العمليات الإنتاجية خلال الفترة الماضية بسبب عدم توافر الدولار اللازم لشراء المواد الخام.
مصدر تصدر سندات بأربعة مليارات دولار
صرحت الحكومة المصرية إنها أصدرت سندات بأربعة مليارات دولار في طرح خاص يهدف إلى سد عجز الميزانية وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية لكنها قد تؤجل إصدارا مزمعا لسندات دولية، وتتفاوض مصر على مساعدات بمليارات الدولارات من مقرضين شتى للمساعدة في إنعاش اقتصادها الذي أنهكته القلاقل السياسية والاقتصادية منذ انتفاضة 2011.
وتتوقع القاهرة هذا الأسبوع نيل الموافقة النهائية على قرض قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات من صندوق النقد الدولي لدعم برنامج طموح للإصلاح الاقتصادي، وصرحت وزارة المالية في بيان إن الطرح البالغة قيمته أربعة مليارات دولار يشمل إصدار سندات بقيمة 1.360 مليار دولار بعائد سنوي 4.62 بالمئة تستحق في العاشر من ديسمبر كانون الأول 2017 وسندات بقيمة 1.320 مليار دولار بعائد سنوي 6.75 بالمئة تستحق في العاشر من نوفمبر تشرين الثاني 2024 وسندات بقيمة 1.32 مليار دولار بعائد سنوي سبعة بالمئة تستحق في العاشر من نوفمبر تشرين الثاني 2028.
وفي خطوة لتعزيز الاحتياطيات الأجنبية قال البنك المركزي إنه توصل إلى اتفاق مع مجموعة بنوك دولية لاستخدام السندات كأساس لاتفاق إعادة شراء بملياري دولار.
وسيتم التمويل من خلال عملية بيع وإعادة شراء عن طريق بيع سندات دولية دولارية قامت وزارة المالية المصرية بطرحها مؤخرا في بورصة ايرلندا بآجال استحقاق ديسمبر 2017 ونوفمبر 2024 ونوفمبر 2028.
وهوت الاحتياطيات الأجنبية لمصر إلى حوالي 19 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول من 36 مليار دولار عشية انتفاضة 2011 حيث واجه البلد صعوبات في استعادة السياح والمستثمرين الأجانب العازفين بسبب سنوات عدم الاستقرار، ومع اتساع عجز الميزانية وتناقص الاحتياطيات وازدهار السوق السوداء للعملة عكفت مصر على سلسلة إصلاحات اقتصادية لاستعادة ثقة المستثمرين شملت تحرير سعر صرف الجنيه.
وقد يجلب قرار تحرير سعر صرف الجنيه سيولة أجنبية إلى مصر في نهاية المطاف لكن مديري صناديق يقولون إن عدم التيقن الذي يكتنف الاقتصاد يعني أن تدفق أموال محافظ الاستثمار من الخارج لن يكون سريعا.
ولتحقيق استقرار العملة بعد قرار الأسبوع الماضي تحتاج مصر إلى زيادة كبيرة في إيراداتها من النقد الأجنبي لتغطية العجز الحالي في ميزان المعاملات الجارية الذي بلغ 18.7 مليار دولار في الاثني عشر شهرا حتى يونيو حزيران الماضي.
ومن المتوقع أن يكون تغير الاستثمار الأجنبي المباشر البالغ 6.8 مليار دولار بطيئا فقط لأن قرارات الشركة تمر بعملية معقدة. ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على الاستيراد ومن المستبعد أن يشهد طفرة تصديرية في أي وقت قريب.
وربما يشجع الجنيه الرخيص مزيدا من العاملين المصريين في الخارج على تحويل الأموال إلى مصر لكن التحويلات البالغة 17.1 مليار دولار لم تشهد تغيرا يذكر على مدى سنوات، وهذا يجعل محافظ الاستثمار الأجنبية أحد أفضل المصادر المحتملة للأموال الجديدة، وقبل الاضطرابات السياسية في 2011 وما أعقبها من قلاقل اقتصادية تمكنت مصر من جذب مليارات الدولارات من تلك الاستثمارات سنويا. وشهدت السنة المالية الماضية صافي تدفقات إلى الخارج بلغ 1.3 مليار دولار.
لكن مديري صناديق أجنبية كثيرين أفادوا إن خفض قيمة العملة كان إجراء إيجابيا لأنه يزيل بشكل كبير القيمة الزائدة للجنيه عن قوته الحقيقية لكن مخاطر أخرى ما زالت تعرقل الاستثمار، ورغم أن صناديق أجنبية اشترت سندات مصرية دولارية في نهاية الأسبوع الماضي فلم تكن هناك علامات تذكر على مشتريات أجنبية للأصول بالعملة المحلية.
ولكي يحدث ذلك يرى مديرو الصناديق إن على القاهرة أن تظهر قدرتها على تحقيق نجاح كالذي أحرزته برامج إقراض أخرى لصندوق النقد الدولي وعلى سبيل المثال في باكستان وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر.
اذ دفع تحرير سعر الصرف الجنيه للتراجع من 8.8 جنيه للدولار إلى نحو 15.35-15.75 جنيه، ولن يكون كثير من المستثمرين الأجانب مستعدين لضخ الأموال في أصول بالعملة المحلية ما لم يقتنعوا بأن الجنيه بلغ أقصى درجات الهبوط وهو ما قد يكون بعيدا. وتسعر العقود الآجلة غير القابلة للتسليم الجنيه عند 17 جنيها مقابل الدولار في 12 شهرا.
يرجع ذلك لأسباب من بينها الطلب المتراكم على الدولار والذي يقدره المحللون لدى سيتي جروب بنحو تسعة مليارات إلى 11 مليار دولار ويقولون إنه يجب تلبيته قبل استقرار الجنيه، وهناك مخاطر أخرى مثل التضخم. فرغم أن فاتورة واردات معظم السلع قد تم سدادها بالفعل بسعر الصرف في السوق السوداء فإن خفض قيمة الجنيه سيزيد أسعار الوقود المستورد وربما السلع الغذائية المهمة. ويقدر سيتي أن ذلك سيضيف ثلاث نقاط مئوية إلى معدل التضخم الذي يتوقعه بنهاية العام عند 14 بالمئة إضافة إلى نقطة مئوية واحدة أو نقطتين مئويتين العام القادم.
وسوق الأسهم مشكلة أخرى حيث أصبحت في ظل قيمة سوقية دون الثلاثين مليار دولار أصغر من أن تستوعب الكثير من التدفقات الجديدة، لكن سوق السندات وأذون الخزانة الحكومية بالعملة المحلية البالغة نحو 1.40 تريليون جنيه أكبر حجما بكثير.
ارتفاعات كبيرة في تكلفة دعم الوقود في مصر
وفي ذات السياق صرح وزير البترول المصري طارق الملا إن تكلفة دعم المواد البترولية في البلاد ستزيد إلى 64 مليار جنيه (4.10 مليار دولار) خلال 2016-2017 بعد تعويم العملة وارتفاع أسعار النفط العالمية، وبلغ الدعم المقدر للمواد البترولية خلال السنة المالية الجارية 35 مليار جنيه وهو ما يعني أن التكلفة ستقفز بنحو 83 بالمئة عما كان مستهدفا.
ورفعت مصر أسعار الوقود يوم الجمعة بين 30 و47 بالمئة بعد أن حرر البنك المركزي يوم الخميس سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس لاستعادة التوازن بأسواق العملة، و إن الدعم المستهدف في السنة المالية الحالية 35 مليار جنيه على أساس سعر صرف 9 جنيهات وسعر برنت 40 دولارا لكن مع التعويم وارتفاع أسعار برنت الدعم سيصل إلى 64 مليار جنيه، في حين بلغ دعم المواد البترولية 51 مليار جنيه في 2015-2016 انخفاضا من 71.5 مليار جنيه في السنة المالية 2014-2015.
وتسعى مصر لتطبيق إصلاحات مثل تدشين نظام للبطاقات الذكية لمراقبة الاستهلاك في محطات الوقود وتوزيع اسطوانات البوتاجاز من خلال بطاقات التموين التي تحصل بموجبها الأسر على سلع مدعمة. لكن لم يتم إقرار هذه الإصلاحات حتى الآن.
وتقييماً لما يحصل في مصر، يبدو ان الوضع الحالي لمصر بات مشابهاً للوضع الاقتصادي في العراق، اذ يعاني العراق من انخفاض اسعار النفط الذي دفعه في الاخير الى الاقتراض من صندوق النقد من اجل توفير السيولة اللازمة لتغطية تفقات الدولة، مقابل التزام العراق بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، وهذه الشروط هي نفسها التي ستخضع لها مصر مع اختلاف في بعض الفقرات والتفاصيل بسبب خاصية مصر الاقتصادية، والتي منها تعويم العملة ورفع الدعم عن مشتقات النفط والسلع الاساسية، وتقليل الانفاق الحكومي ... الخ، كل هذا يقع ضمن برنامج اصلاحي أعده الصندوق لمصر، وسيتابع الصندوق تنفيذ هذه الاجراءات وان مدى التزام مصر بها هو الذي سيجعل باقي دفعات القرض تستمر والا فأن الصندوق سيوقف تسديد باقي القرض لمصر، والسؤال هنا ؟ هل ان القرض هذا هو الحل الحقيقي للوضع في مصر؟ وماهي حدود قدرة مصر في تنفيذ شروط الصندوق، وهل سيكون هذا القرض بداية لقروض جديدة وبالتالي إغراق مصر بالديون وزيادة تبعيتها للخارج؟
اضف تعليق