يتفق الجميع على ان الثروة الموجودة في العالم باتت محصورة في ايدي قليلة من الافراد، حتى اصبح هولاء يتحكمون بمصير العالم بأجمعه، نتيجة لثرواتهم الواسعة ونفوذهم الطاغي عبر مايمتلكوه من شركات عابرة للقومية والحدود واموال يستطيعون من خلالها الوصول والنفاذ الى مصادر القرار في كل مكان والتاثير فيها بما ينسجم ومصالحهم الخاصة حتى وان كانت ستلحق الضرر بالاخرين، وبسبب ذلك نجد ان فجوة الفقر في اتساع متزايد بسبب عدم العدالة في توزيع الثروات بين افراد المجتمع، حتى ان بعضهم يرى ان زيادة مستوى العنف والجريمة هو نتيجة لاتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء وللزيادة في الثراء الفاحش على حساب الفقراء، وتشير التقارير الى ارتفاع عدد اصحاب المليارديرات في العالم، على الرغم من ان مجموع ثرواتهم تراجع بسبب الوضع الاقتصادي العالمي على ما جاء في تقرير لمصرف "يو بي اس، حتى مع استمرار ظهور ملياردير جديد في آسيا كل ثلاثة أيام، فقد دخل العام الماضي 210 اشخاص نادي كبار الاثرياء الضيق جدا والذي بات يضم نحو 1400 عضو ثلثهم تقريبا من الاميركيين (538) على ما اوضحت هذه الدراسة التي اجريت بالتعاون مع "برايس ووتر هاوس كوبرز، وضمت منطقة آسيا-المحيط الهادئ 520 مليارديرا وحلت في المرتبة الثانية وباتت تهدد موقع الولايات المتحدة مع انضمام ثري جديد الى هذا النادي كل ثلاثة ايام. وحلت اوروبا ثالثة مع 339 شخصا.
ويبقى مجموع ثروات هؤلاء هائلا ويبلغ 5100 مليار دولار اي ضعف اجمالي الناتج المحلي في فرنسا الا انه تراجع بنسبة 6 % في غضون عام، ويذكر معدو التقرير ان هذه النتيجة عائدة بنظرهم الى "الرياح المعاكسة" التي تهب على الاقتصاد العالمي مثل تراجع اسعار المواد الاولية كالنفط وارتفاع سعر صرف الدولار، الا ان الصعوبات التي يواجهها هؤلاء الاثرياء تبقى نسبية فمتوسط ثروة اغنى الاغنياء يصل الى 3,7 مليارات دولار في حين يعيش نحو 800 مليون شخص في العالم مع اقل من دولارين في اليوم بحسب ارقام البنك الدولي.
وساعد نقل الأصول بين أفراد العائلات وتراجع أسعار السلع وارتفاع سعر الدولار في خفض القيمة الإجمالية لثروات المليارديرات بنحو 300 مليار دولار في 2015 إلى 5.1 تريليون دولار، ويعني ذلك أن ثروة الملياردير الواحد -وكان هناك 1397 منهم بزيادة 50 عن عددهم في 2014- بلغت في المتوسط 3.7 مليار دولار وفقا لما أظهرته دراسة شملت 14 سوقا كبيرة أعدها بنك يو.بي.اس السويسري لإدارة الثروات ومجموعة بي.دبليو.سي الاستشارية.
وعرضت الدراسة انه بعد أكثر من 20 عاما من تراكم غير مسبوق للثروات انتهي العصر الذهبي الثاني، وزاد العدد الصافي للمليارديرات في الولايات المتحدة بخمسة فقط إذ انضم 41 مليارديرا جديدا وخرج 36 من صفوف أصحاب المليارات. وفي الصين وحدها ظهر 80 مليارديرا جديدا، واضافت الدراسة إن عشرين عاما من التراكم غير المسبوق للثروات يفسح المجال الآن لأكبر تحويل للثروات في التاريخ، حيث قدرت الدراسة أن أقل من 500 شخص سينقلون ما يزيد على 2.1 تريليون دولار -وهو ما يقرب من حجم اقتصاد الهند- لورثتهم خلال العشرين عاما المقبلة.
وفي وقت سابق نشرت مجلة فوربز قائمة بالعائلات الاكثر ثراءا وجاءت عائلة والتون التي تملك تقريبا 50 بالمئة من أسهم متاجر وول مارت لبيع التجزئة تصدرت قائمة أغنى العائلات في الولايات المتحدة للعام الثالث على التوالي، ومن بين العائلات الأخرى بقائمة فوربز عائلة كوك التي تملك أغلبية أسهم شركة كوك للصناعات ثاني أكبر شركة خاصة بالولايات المتحدة. ويبلغ إجمالي ما يملكونه 82 مليار دولار، حيث اكدت فوربز إن عائلة مارس صاحبة شركة مارس العملاقة للحلوى جاءت بالمركز الثالث بثروة بلغت 78 مليار دولار، وبلغ مجموع ما تملكه أكثر 25 عائلة ثراء في أمريكا 722 مليار دولار بانخفاض 15 بالمئة أو 11 مليار دولار عن العام السابق.
كما تضنت القائمة جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون ورئيسها التنفيذي الذي أصبح ثالث أغنى رجل في العالم للمرة الأولى متفوقا على وارين بافيت الرئيس التنفيذي لشركة بيركشير هاثاواي، وبلغت ثروة بيزوس 65.3 مليار دولار حتى الساعة 2030 بتوقيت جرينتش يوم الخميس مقارنة بثروة بافيت التي وصلت قيمتها إلى 64.9 مليار دولار، ولا يزال بيل جيتس أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت أغنى رجل في العالم بثروة بلغت قيمتها 77.7 مليار دولار بينما حل الإسباني أمانثيو أورتيجا الذي أسس سلسلة متاجر زارا للأزياء في المركز الثاني بثروة قيمتها 72.7 مليار دولار. وحل مارك زوكربرج الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك ومؤسس موقع التواصل الاجتماعي في المركز الخامس بثروة قيمتها 54 مليار دولار، وبحسب المجلة فقد جمع المشاهير المائة الأكبر أجراً حول العالم ما يقرب من 5.1 مليار دولار على مدار الـ 12 شهراً الماضية. هذا المبلغ أكبر من مجموع الناتج القومي لثلاث دول مجتمعة، وهي بليز وغامبيا وبوتان، بحسب تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
اما عن النساء الثريات، فقد كانت نسبة النساء بين أغني 53 ألف شخص في بريطانيا لم يتجاوز 9 بالمئة فقط، عام 2013، حيث نشرت كلية لندن للاقتصاد تقريرا عن أوضاع النساء في مجتمع المال والأعمال ببريطانيا كشف عن أنهن يمثلن أقلية بين أغني أغنياء بريطانيا ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبحسب التقرير، فإن نسبة النساء بين أغنى 53 ألف شخص في بريطانيا لم تتجاوز 9 بالمئة فقط عام 2013.
واعتمد التقرير على مراجعة بيانات الضرائب لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يقدم الأزواج إقرارات ضريبية منفصلة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي منظمة دولية مكونة من مجموعة من البلدان المتقدمة التي تقبل مبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر، وأنشئت عام 1948 عن منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي العملية، وذكر التقرير أن هناك عوائق أمام النساء للوصول إلى حد معين من الثروة، مما يجعلهن أقلية واضحة في مجتمع الأثرياء الكبار.
وعند مقارنة بريطانيا ببقية دول المنظمة الست، كان عدد النساء البريطانيا الثريات الأقل بين تلك الدول جميعا، من جانبه، يوضح جون هيلز، المدير المشارك في معهد انعدام المساواة الدولي التابع لكلية لندن للاقتصاد الذي نشر التقرير، أن "الحق في الوصول إلى قمة الثروة ما زال يخضع لعالم الذكور"، كما ذكرا بأن "قدرة النساء على زيادة وجودهن بين الأثرياء بنسبة 10 بالمئة يعود لنجاحهن في المهن والأعمال، لكن مازالت النسبة قليلة بين الفئة الأكثر ثراءً".
ويرى الباحثون إن مراجعة مستويات الرواتب كان مهما بجانب استخدام بيانات الضرائب لمعرفة الصورة الكاملة لدخل كل شخص سواء من عائدات أرباح الأسهم والفوائد وخيارات الأسهم.
وأقر التقرير بأن حتى هذه الصورة قد تتغير فجأة حين ينقل أحد الأزواج جزءا من ثروته إلى زوجته للتهرب من الضرائب، ودرس التقرير أيضا بيانات الضرائب في كل من أسبانيا والدانمارك وكندا ونيوزلندا وإيطاليا وأستراليا والنرويج، لأن كل تلك الدول تنتهج نظام الإقرارات الضريبية المنفصلة مثل بريطانيا تماما.
وأشار التقرير ايضا إلى أنه على الرغم من التقدم فيما يتعلق بنشر المزيد من الحيادية بين الجنسين في الثروة بين أغنى 10 بالمئة، ما زالت النساء يمثلن أقل من الربع بين نسبة 1 بالمئة الأكثر ثراءً وتحقيقا للعائدات في الدول الثماني جميعا، وأوضحت سام سميثرز، الرئيسة التنفيذية لجمعية فاوست إن "الأمر محبط ولكنه ليس مستغربا" فالنساء غير ممثلين بشكل جيد بين من لديهم أعلى مستويات من الدخل، حيث بينت "ان هناك حواجز بنيوية وثقافية في العمل، وعلينا أن نعالجها مسبقا إذا كنا نريد أن نرى المزيد من تقدم النساء".
وتابعت "التحيز غير الواعي، من الاستعانة بالرجال من الشبكات غير الرسمية، وهيمنة الذكور...كلها عوامل تساهم في بقاء النساء بعيدا عن الوصول للقمة المحظورة، ويجب أن يتغير هذا"، وافاد فرانسيس أوغرادي، الأمين العام لاتحاد النقابات: "على الرغم من تشريعات المساواة الموجودة منذ عقود لا تزال النساء تواجه عقبات هائلة للصعود نحو القمة، ولن يتغير شيء دون فرص أفضل للعمل بدوام جزئي ومرونة، وأشار إلى أنه من أجل تغيير ذلك "نحتاج من الرجال أن يتحملوا المزيد من رعاية الأطفال أيضا. وقد يكون منح الآباء أجازة مدفوعة الأجر بداية جيدة."
ومازال الصراع مستمراً حول التوسع في الثروة وزيادتها بين اثرياء العالم، اذ تذكر مصادر ان أمانسيو أورتيجا أغنى أغنياء أوروبا ومؤسس مجموعة (إنديتيكس) للأزياء ومالك سلسلة متاجر زارا اشترى إحدى أشهر ناطحات السحاب في مدريد بسعر 490 مليون يورو (551 مليون دولار) من خلال ذراع الاستثمار العقاري التابعة له، ويمثل شراء ناطحة السحاب خطوة أخرى على طريق استراتيجية الملياردير لبناء امبراطورية عقارية من خلال شركة بونتيجايدا انموبيلياريا إحدى أكبر الشركات العقارية في إسبانيا وشركة بونتيجايدا انفرثيونيس القابضة التي يملكها.
وتذكر المصادر أن شركة بونتيجايدا انموبيلياريا اشترت البرج من الإماراتي خادم القبيسي الذي كان الصندوق التابع له قد اتخذ قرارا في اللحظة الأخيرة بشراء ناطحة السحاب من مصرف بانكيا الإسباني المالك السابق لها، وأحجمت بونتيجايدا انموبيلياريا عن التعليق على أنباء شرائها للبرج الذي يعرف باسم (سيبسا تاور) استنادا إلى اسم شركة سيبسا لتكرير النفط التي استأجرت البرج وتهيمن مع ثلاث شركات أخرى على ناطحات السحاب في منطقة شمال مدريد.
واشترى أورتيجا عقارات في شارعي مايفير وأوكسفورد بلندن إلى جانب عقارات أخرى في مواقع رئيسية مهمة بنيويورك ومدريد وسول. ويخصص أورتيجا جزءا كبيرا من المساحة لمتاجر (إنديتيكس) مثل زارا ولمنافسين له مثل اتش آند إم، وأتم أورتيجا عامه الثمانين هذا العام وهو ثاني أغنى رجل في العالم بثروة تصل إلى 72.7 مليار دولار في المجمل وفقا لما أعلنته مجلة فوربس في يوليو تموز بعد بيل جيتس الذي ساهم في تأسيس شركة مايكروسوفت، وبلغت قيمة الأصول المحجوزة لبونتيجايدا انموبيلياريا 6.06 مليار يورو في نهاية 2015 بارتفاع 8.3 بالمئة عن العام السابق.
وفقاً لذلك نجد، ان اتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء تمثل صورة مشوهه عن العدالة في توزيع الثروات والدخل بين شرائح المجتمع، وبالتالي فأن تكدس الثروة عند اشخاص محددين قد يدفع المجتمع باتجاه تحقيق العدالة خارج اطار القانون، وهذا ماقد يهدد السلم المجتمعي تحت وطأة الصراع بين الاغنياء والاثرياء، وعلى الرغم من ما يقوم به الاغنياء من برامج اجتماعية تشمل التبرعات والاعمال الخيرية، الا ان هذا في منظور الفقراء غير كافي، اذ يروا في هولاء ان سارقي لقوتهم الشخصي وان مايحصلون عليه هو اقل من مايبذولوه من عمل وجهد، اي الشعور التهميش وعدم المساواة، وهذا قد ينذر بمزيد من التوتر والقلق الذي يجب على الحكومات ان تنتبه له وتعمل على ردم هذه الفجوة ومنعها من الاتساع من خلال الاساليب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
اضف تعليق