الاقتصاد الإيراني وعلى الرغم من الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرم بين إيران والدول الكبرى، لايزال محط اهتمام العديد من الخبراء والمراقبين، الذين اختلفت توقعاتهم وآرائهم في ما يتعلق بمستقبل الاقتصاد الايراني المنهك بسبب العقوبات الدولية، حيث يرى البعض منهم ان هذا الاتفاق المهم سيسهم بتعافي الاقتصاد في هذا البلد، خصوصا وان الحكومة الايرانية قد سعت الى وضع خطط واصلاحات كبيرة سيكون لها اثر ايجابي في المستقبل القريب.
بعض المراقبين قلل من هذا التفاؤل واكدوا على ان الاقتصاد الإيراني وبعد عقوبات طويلة خلقت مشاكل وازمات خطيرة سيحتاج الى سنوات طويلة من اجل ان ينهض من جديد هذا في حالة استمرار الاتفاق، يضاف الى ذلك الازمات والتحديات الاخرى المتمثلة بهبوط اسعار النفط واستمرار الصراعات والخلافات السياسية الداخلية والخارجية التي قد تعيق بعض اصلاحات وخطط الحكومة، خصوصا وان البعض يرى انها ستساعد في جعل ايران سوقا عالمية التنافس الشركات وهو ما سيضر بالصناعة الوطنية.
في هذا الشأن فقد حذر مسؤولون من كساد اقتصادي إذ يحجم المستهلكون عن شراء البضائع المحلية مفضلين انتظار تدفق البضائع التي تحمل علامات تجارية عالمية على أسواق البلاد. فمن السيارات إلى البرادات وأجهزة التلفزيون يتحمس المتسوقون لآفاق وجود مساحة أكبر من حرية الاختيار والمنافسة التي قد تجبر المنتجين الإيرانيين على خفض الأسعار وتحسين الجودة.
ومن المرجح أن يؤدي الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع القوى الدولية في يوليو تموز إلى رفع العقوبات المصرفية والعقوبات الأخرى العام المقبل مما سيجعل من الأسهل على الأجانب الدخول في شراكة مع شركات إيرانية أو التصدير إلى إيران. ومنذ التوصل إلى الاتفاق شهدت الشركات الإيرانية تراجعا كبيرا في نمو أسعار البيع مقارنة بمستوى التضخم بحسب بيانات البنك المركزي بينما يقول مسؤولون ومحللون إن هناك تباطؤا في إنفاق المستهلكين وإن المخازن ممتلئة بالبضائع الراكدة.
وقال مهرداد عمادي الخبير الاقتصادي لدى بيتاماتريكس للاستشارات في لندن "ما تلا (الاتفاق النووي) من هرولة الشركات الغربية لدخول السوق الإيرانية أوعز للمستهلكين الإيرانيين بأنه قريبا ستكون هناك إمدادات بديلة للسلع الاستهلاكية بأسعار أكثر تنافسية وجودة أعلى وخدمات ما بعد البيع." ومن المرجح أن تؤدي المنافسة إلى ارتقاء الاقتصاد الإيراني على المدى الطويل لكن توقعات المستهلكين بانخفاض الأسعار والسلع الأجنبية تمثل تحديا للمصنعين المعتادين على السوق الاحتكارية.
ونقلت كالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن نائب الرئيس إسحاق جهانجيري قوله "للأسف بعض الناس يعتقدون أن الأسعار ستهبط فجأة بعد الاتفاق النووي ولهذا السبب تواجه السوق كسادا." وتوقع مهدي بورغازي رئيس لجنة الصناعة في الغرفة التجارية بطهران احتمال تراجع النمو إلى صفر مقابل ثلاثة بالمئة العام الماضي بحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية. وعلى وجه الخصوص تواجه شركات صناعة السيارات - أكبر قطاع غير نفطي في الاقتصاد الإيراني - تباطؤا.
ونقلت وكالة أنباء الطلبة عن تاجي مهري رئيس شرطة المرور قوله إن عمليات تسجيل السيارات تراجعت بنسبة 15 بالمئة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الإيراني الذي يبدأ في 21 مارس اذار مقارنة بالعام السابق. وانطلقت مؤخرا حملة على مواقع الإعلام الاجتماعي تدعو لمقاطعة شركات السيارات مسلطة الضوء على حالة الإحباط السائدة بسبب عدم وجود البدائل والخيارات.
ويقول مؤيدو الحملة إن شركتي تصنيع السيارات الإيرانيتين "إيران خودرو" و"سايبا" تستفيدان من الرسوم المفروضة على الواردات لبيع سيارات قديمة الطراز وغير آمنة بأسعار مرتفعة جدا. وقال أحد مؤيدي الحملة ويدعى مهدي على فيسبوك "بعت سيارتي قبل أسبوعين وكنت أريد أن أشتري واحدة جديدة لكنني قررت أن أنتظر حتى ينخفض السعر. يجب أن تتعلم الشركات المنتجة للسيارات إنه لا يمكنها أن تحكم السوق بالاحتكار."
وتنتج إيران خودرو وسايبا طرزا من السيارات الأجنبية ولكن ليست لديها إمكانية لإنتاج الطرز الحديثة. ويقول المستهلكون إن شركات التصنيع ليس بإمكانها شراء المكونات بسبب العقوبات لذا تستخدم مكونات مقلدة أو حتى قطعا مستعملة مما يؤدي إلى ضعف مستوى الأمان والاعتمادية في هذه السيارات. وقالت إحدى الزبائن إن محرك سيارتها الإيرانية الجديدة احترق على بعد 20 كيلومترا من مركز البيع.
وألقى وزير الصحة حسن قاضي زادة هاشمي اللوم على السيارات منخفضة الجودة في ارتفاع معدلات الوفيات في حوادث الطرق التي بلغت نحو 17 ألف حالة وفاة سنويا في واحدة من أعلى المعدلات العالمية. وتتوافر في السوق الإيرانية سيارات مصنعة في الخارج لكن رسوم الواردات التي تصل إلى 90 بالمئة تجعل الغالبية غير قادرة على شراء تلك السيارات.
وتجري شركتا خودرو وسايبا مباحثات مع شركات صناعة السيارات الأجنبية للسماح لها بإنتاج المزيد من السيارات الحديثة بعد رفع العقوبات. وأرسلت شركة بيجو ممثلين لطهران إلى جانب أكثر من 100 شركة فرنسية مهتمة بدخول السوق الإيرانية. وارتفع مؤشر أسعار المنتجين في قطاع الصناعات التحويلية الإيراني واحدا بالمئة فقط في الشهر الإيراني الذي انتهى في 22 أغسطس آب مقابل 11.2 بالمئة في نفس الفترة من العام السابق العام وهو مستوى أقل كثيرا من معدلات التضخم التي تراوحت بين 14 و17 بالمئة.
وهبط مؤشر أسعار المنتجين في قطاع صناعة السيارات إلى 3.3 بالمئة من 20.7 بالمئة خلال نفس الفترة بحسب ما أظهرته بيانات البنك المركزي الإيراني. كما تعاني قطاعات أخرى في الاقتصاد الإيراني. ونقلت قناة آي.آر.آي.بي الحكومية عن وزير الصناعة محمد رضا نعمت زاده في أغسطس آب قوله إن "مبيعات الأجهزة المنزلية انخفضت ما بين خمسة وستة بالمئة بعد الاتفاق النووي." وتحدثت إحدى شركات بيع الأجهزة المنزلية في طهران أيضا عن تباطؤ في المبيعات. وقال نعمت زاده إن حملة الإعلام الاجتماعي ضد شركات تصنيع السيارات تمثل تهديدا للاقتصاد واصفا إياها بأنها "إثم وخيانة وضد الثورة." لكن الوزير اعتذر في وقت لاحق تحت ضغط من الرئيس حسن روحاني بحسب وسائل الإعلام الإيرانية بعدما أثارت تصريحاته غضب المواطنين. بحسب رويترز.
وقال محمد رضا سبز عليبور رئيس مركز التجارة العالمي في طهران "إذا كنا نؤمن باقتصاد السوق الحر فيجب علينا أن نقبل بأن الزبون دائما على حق." وأضاف "الناس دعموا هذه الحملة لأن هناك فراغا في السوق." لكن روحاني طلب من الشركات الأجنبية أيضا عدم معاملة إيران كسوق للتصدير فقط بعد رفع العقوبات عن البلاد. وأضاف "إذا كانت الشركات أو الدول الأجنبية تظن أن بإمكانها السيطرة على سوق بها 80 مليون نسمة فإنهم مخطئون ويجب ألا نسمح بذلك."
تشجيع البنوك لدعم الاقتصاد
الى جانب ذلك قال التلفزيون الايراني ان الحكومة أعلنت مقترحات لخفض أسعار الفائدة وتشجيع البنوك على الإقراض في مسعى لدعم اقتصاد راكد بعد عامين من سياسة نقدية متشددة. وأظهر اقتصاد إيران منذ أن توصلت إلى اتفاق نووي مع القوى العالمية في يوليو تموز فتورا مع انتظار المستهلكين رفع العقوبات ووصول علامات تجارية أجنبية. وحذر مسؤولون من أن الاقتصاد قد يسجل نموا صفريا أو ربما يدخل في ركود هذا العام.
ووفقا لملخص عرضه تلفزيون الدولة فان الحزمة الجديدة تدعو إلى خفض سعر فائدة البنك المركزي وزيادة في التسهيلات المصرفية لتحفيز الطلب وخفض أسعار فائدة الإقراض بين البنوك والاحتياطي القانوني الإلزامي. وورثت حكومة الرئيس حسن روحاني معدلات تضخم فوق 40 بالمئة عندما وصلت إلى السلطة في 2013 وشرعت على الفور في تشديد السياسات المالية والنقدية للسيطرة على التضخم. وهبط التضخم منذ ذلك الحين الى اقل من 15 بالمئة مما يعطي الحكومة متسعا لتيسير السياسة النقدية لمساعدة الاقتصاد.
وقال خبراء اقتصاديون إن المقترحات الجديدة ربما تكون غير كافية لإحياء اقتصاد تضرر على مدى سنوات من العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على إيران بسبب برنامجها النووي وانفاق جامح للدولة أثناء حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. وقال مهرداد عمادي الخبير الاقتصادي في بيتاماتريكس للاستشارات في لندن "الحكومة تحاول ان تستخدم القطاع المصرفي للافراج عن بعض الائتمان الي الاقتصاد ومن خلال ذلك تشجيع اقتراض القطاع الخاص للمشاريع." "هذا لا يعالج العوامل الجوهرية التي أبطأت الاقتصاد... إنه مرهون برد فعل إيجابي من القطاع الخاص على هبوط في تكلفة الاقتراض." بحسب رويترز.
وتتضمن المقترحات الجديدة خفض الاحتياطي القانوني الالزامي للبنوك إلى 10 بالمئة من 13 بالمئة وتخفيض سعر الفائدة بين البنوك إلى 26 بالمئة من 29 بالمئة. ولم يحدد التلفزيون الإيراني مدى الخفض الذي سيجريه البنك المركزي في سعر الفائدة ولم يقدم تفاصيل بشأن زيادة التسهيلات المصرفية. وقال التلفزيون دون ان يذكر تفاصيل أن الحكومة ستضخ أيضا 75 تريليون ريال (2.5 مليار دولار بسعر الصرف الرسمي) في "ميزانية للإعمار".
سلاح النفط
على صعيد متصل قال مسؤولون تنفيذيون إنه سينبغي لإيران أن تطرح عقودا مربحة لجذب شركات النفط العالمية من جديد في وقت يركز فيه القطاع أكثر على الربحية مع تأهبه لبقاء أسعار النفط منخفضة لفترة أطول. وقالت إيران في سبتمبر أيلول إنها وافقت على مسودة عقود النفط والغاز الدولية لجذب المستثمرين الأجانب والمشترين بمجرد فور رفع العقوبات الدولية لكنها لم تكشف عن تفاصيل حتى الآن. وستعلن إيران عضو منظمة أوبك عن عقود النفط والغاز الجديدة في مؤتمرين أحدهما في طهران يومي 21 و22 نوفمبر تشرين الثاني والآخر في لندن في الفترة بين 22 و24 فبراير شباط.
وقال باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال خلال مؤتمر في أبوظبي "إنها ليست مسألة موارد أو فرص فحسب بل مسألة أرباح." وأضاف "سنكون في وضع جيد يؤهلنا للبحث عن فرص في مجالات الغاز والنفط والبتروكيماويات والتسويق. لكن كل ذلك مرتبط بشروط تعاقدية جيدة لذا سوف نرى." وقال بويان إن من المحتمل أن تحضر شركته مؤتمر طهران الذي ستكشف فيه وزارة النفط عن إطار عمل العقود.
وقالت إيران إن العقود الجديدة ستمثل تحسنا كبيرا ليس فقط بالمقارنة بما يطلق عليها عقود "إعادة الشراء" لكن أيضا على مستوى العقود التي عرضها جارها العراق على شركات النفط الأجنبية عامي 2009 و2010. وقالت شركات نفط كبرى إنها ستعود للعمل في إيران إذا خضعت عقود "إعادة الشراء" المبرمة قبل العقوبات لتحسينات كبيرة بعدما اشتكت بعض الشركات من أنها لم تعد عليها بالربحية أو حتى كبدتها خسائر. بحسب رويترز.
وتراجع إنتاج إيران النفطي بسبب العقوبات إلى النصف ليبلغ 1.1 مليون برميل يوميا مقارنة مع نحو 2.5 مليون برميل قبل عام 2012. من جانب اخر ذكر تقرير ان طموحات ايران في استعادة قدراتها الكاملة لتصدير النفط بعد رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها سيستغرق سنوات وليس اشهرا على الارجح. وتوقعت الشركة العربية للاستثمارات البترولية(ابيكورب) في تقرير لها، ان تضيف الجمهورية الاسلامية الى السوق 400 الف برميل يوميا بنهاية العام المقبل، و300 الف برميل يوميا بنهاية 2017. وقالت ان ذلك سيزيد انتاج طهران الى نحو 3,5 مليون برميل، وصادراتها الى مليوني برميل بحلول 2017. وكان انتاج ايران قبل فرض العقوبات عليها يصل الى نحو اربعة ملايين برميل يوميا، وصادراتها نحو 2,5 مليون برميل يوميا.
وذكرت الشركة في تقريرها ان خطط ايران لاستعادة قدراتها النفطية ستعتمد بشكل كبير على شركات النفط الدولية، وحالة حقول النفط الكبيرة وتوفر المعدات. وتمتلك ايران رابع اكبر احتياطي من النفط في العالم يبلغ 158 مليار برميل، وثاني اكبر مخزون للغاز في العالم ما يجعلها رائدة عالمية في احتياطيات النفط والغاز.
وقال التقرير ان ايران تراهن على عودة شركات النفط العالمية بسرعة. واضاف "رغم ان التحضيرات لذلك هائلة، الا ان العقبات الفنية والتجارية تعني ان ثمار مشاركة شركات النفط العالمية لن تكون كبيرة قبل نهاية العقد الحالي على الارجح". ولكن اذا نجحت ايران في زيادة انتاجها الى مستويات ما قبل العقوبات باسرع من المتوقع، فان ذلك سيقضي على اي امل في انتعاش اسعار النفط، بحسب تقرير ابيكورب. وقال التقرير "اذا حققت زيادة امدادات ايران من النفط ارتفاعا مفاجئا، فان ذلك سيزيد من التخمة في المخزون، ويقضي على اي انتعاش لاسعار النفط".
من جانب اخر أكد مسؤولون إيرانيون بارزون في قطاع النفط أن طهران ستزيد إنتاجها من الخام حالما ترفع عنها العقوبات الدولية كما أكدوا عزم بلادهم استعادة حصتها السوقية التي فقدتها. ونقل موقع معلومات وزراة النفط الإيرانية على الإنترنت (شانا) عن المدير العام لشركة النفط الوطنية الإيرانية ركن الدين جوادي قوله إن إيران ستزيد إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميا في الأسبوع التالي لرفع العقوبات الدولية عنها. وقال جوادي "ستتحقق زيادة قدرها 500 ألف برميل في إنتاج إيران من النفط خلال أقل من أسبوع من تطبيق رفع العقوبات. وأضاف "سيكون غالبية عملائنا الذين سيشترون هذا الإنتاج الزائد من زبائننا التقليديين في أوروبا وآسيا".
اضف تعليق