في ختام اجتماعات الربيع التي عقدها صندوق النقد الدولي (IMF)، أول من أمس، أعلنت سلطة النقد للعملة الرقمية (DCMA)، إطلاق عملة رقمية جديدة، هي «العملة الرقمية العالمية (Unicoin) أو UMU، والتي يُرمّز لها بـ(Ü) والعملة الجديدة، بحسب ما يورد بيان النقد الدولي، هي سلعة مالية قانونية، تعمل مثل الـCBDC لفرض القوانين المصرفية و...
في ختام اجتماعات الربيع التي عقدها صندوق النقد الدولي (IMF)، أول من أمس، أعلنت سلطة النقد للعملة الرقمية (DCMA)، إطلاق عملة رقمية جديدة، هي «العملة الرقمية العالمية (Unicoin) أو UMU، والتي يُرمّز لها بـ(Ü). والعملة الجديدة، بحسب ما يورد بيان النقد الدولي، هي سلعة مالية قانونية،
تعمل مثل الـCBDC لفرض القوانين المصرفية وحماية السلامة المالية للنظام المصرفي الدولي. كما يمكن المصارف استخدامها عبر نظام «سويفت» والحسابات المصرفية المرتبطة بمحفظة UMU الرقمية.
بدايةً، لفهم ما تمّ الإعلان عنه، لا بدّ من مراجعة سريعة للفاصل بين عالم المال الحقيقي والعملات الرقمية والمشفّرة. ويوجِب ذلك العودة إلى عام 1944، إبّان اجتماع مندوبين عن 44 دولة في بريتون وودز في ولاية نيو هامبشر الأميركية، وإعلانهم عن نظام نقد دولي جديد، ورد في أحد بنوده «ربط الدولار الأميركي بقيمة الذهب».
ولاحقاً، تمّ ربْط جميع العملات الأخرى في النظام بقيمة الدولار الأميركي، فيما حدَّد سعر الصرف المطبّق في ذلك الوقت سعر الذهب عند 35 دولاراً للأوقية. كما أنشأت «اتفاقية بريتون وودز» منظمتَين، هما: «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»، وبات الدولار عملة احتياطية عالمية. وانتقالاً إلى عام 1971، أعلن الرئيس الأميركي في حينه، ريتشارد نيكسون، فكّ ارتباط الدولار بالذهب، ما حوّل الدولار إلى «fiat money»، ليس له قيمة جوهرية أو ثابتة وغير مدعوم بأيّ أصول ملموسة - مثل الذهب أو الفضة -، سوى الثقة والإيمان بالحكومة.
وبعدها بعامَين، في 1973، أُبرمت صفقة ما سيعرف بالـ«بترودولار» بين الولايات المتحدة والسعودية، والتي وافقت الأولى بموجبها على تقديم الحماية العسكرية للمملكة، في مقابل حصر الأخيرة بيع النفط بالدولار فقط، إلى جانب تدوير فائض الدولارات في النظام الاقتصادي الأميركي. هذا النموذج الذي سرى اعتباراً من ذلك العام، وتغوّل سياسات الاقتصاد الرأسمالي الهادفة إلى مراكمة الأرباح، أوصلا العالم إلى أزمة عام 2008 المالية.
ولقتامة ما حصل، كانت ثورة مالية رقمية تتهيّأ لإطلاق نفسها. وفي سنة الأزمة هذه، خرج من أقبية الإنترنت نظام لامركزي لنقل وتسجيل عمليات تبادل كلّ شيء رقمي، بما يشمل المال، يدعى «بلوكتشاين»، صمّمه شخص - أو مجموعة غير معروفة من الأشخاص حتى الآن - يطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو. ولاحقاً في عام 2009، أَطلق هذا الأخير عملة «بتكوين» المشفّرة، والتي هي عملياً بمثابة ردّ فعل على الدولار. ومع مضيّ السنوات وازدياد شعبية العملات المشفّرة، جنباً إلى جنب ارتفاع قيمة «بتكوين» إلى عشرات آلاف الدولارات، كما إصدار عملات مشفّرة مستقرّة، ومن ثمّ حلول جائحة «كورونا» والذي أدّى إلى ازدهار أفكار من قَبيل «مجتمع من دون كاش» لِما يمكن أن ينقله النقد من جراثيم... كلّ تلك العوامل مجتمعةً، أفضت إلى اللحظة التي تعلن فيها المصارف المركزية عن تجربتها لعملات رقمية تطبعها، أو «CBDC» اختصاراً لـ«central bank digital currency».
وكان اليوان الصيني هو العملة الرقمية الأولى التي يصدرها اقتصاد كبير. واعتباراً من بداية العام الجاري، أَطلقت خمسة مصارف مركزية «CBDC» خاصة بها: المصرف المركزي لجزر الباهاما (Sand Dollar)، والمصرف المركزي لشرق الكاري (DCash)، والمصرف المركزي النيجيري (e-Naira)، ومصرف جامايكا (JamDex)، وبنك الاحتياطي الهندي (الروبية الرقمية). وبحسب «المجلس الأطلسي»، وهو مركز أبحاث أميركي مختصّ في مجال الشؤون الدولية، فإن 114 دولة، تمثّل أكثر من 95% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تستكشف عملات رقمية خاصة بالمصارف المركزية «CBDC»، وهي مثل الـ«fiat money» غير مرتبطة بأيّ سلعة ذات قيمة مثل الذهب.
ووفق جورج ووكر، المختصّ في القانون الدولي، فإنّه على الرغم من أن «الصندوق» لم يدعم رسمياً العملة الرقمية العالمية الجديدة في اجتماعات الربيع، أو خلال اجتماعاته الأسبوعية مع «DCMA»، إلّا أنه لم يقدّم أيّ اعتراضات عليها بعد. وفي ورقته الأخيرة حول «CBDC»، أشار «النقد الدولي» إلى هيكل بمستويَين، حيث تقوم المصارف المركزية بإصدار عملة رقمية للبنوك التجارية، والتي بدورها تقوم بتوزيعها على المستهلكين، على أن يتمّ ربْط محافظ المستهلكين بشكل مباشر عبر شبكة «بلوكتشاين» خاصة بهم مع البنوك المركزية، بحيث تعمل البنوك التجارية كوسيط.
وبالتالي، يتمّ تقديم الـ«CBDC» على أنها حلّ، إذ تزوّد الشركات والمستهلكين بسهولة الوصول والتبادل السريع والآمن للنقد، كما تقلّل تكاليف نقل المال بين الدول. عملياً، هي تشبه العملات المشفّرة المستقرّة، لكنها عملات تنتجها وتشرف عليها المصارف المركزية. ووفقاً لداريل هوبارد، المدير التنفيذي لـ«DCMA»، وكبير مهندسي عمل «UMU»، فإن ورقة «صندوق النقد الدولي» حول «CBDC» هي الحلّ الذي ستقدّمه «DCMA» للبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم. وتمّت صياغة التشريع لقانون عملة «Unicoin» بالتعاون مع العديد من الدول، وهو يقترح جعل «UMU» سلعة نقدية تكميلية لتخزين القيمة، والتخفيف من احتمال انخفاض قيمة العملات المحلية، وطرْحها كعملة دفع في وقت التسوية. وعلى رغم أن «النقد الدولي» يقول إن «Unicoin» تعمل بمثابة «CBDC»، إلّا أنها في الواقع ليست كذلك. وبينما يحاول الصندوق الهروب من خوف الناس من عملات الـ«CBDC» وازدرائهم لها، يرى كثيرون في ما تَقدّم محاولة من النظام المالي الدولي للالتفاف على العملات المشفّرة اللامركزية مثل «بتكوين»، والتي لا يمكن أيّ جهة أن تسيطر عليها أو تتحكّم بطباعتها.
وتستبطن الـ«CBDC» مخاطر من مِثل أن كلّ عمليات الشراء والبيع وتبادل المال وسلوك المستهلك بات في الإمكان مراقبتها مركزيّاً من قِبَل البنوك، فضلاً عن أنها تعطي الحكومات سلطة منع وصول الناس إلى أموالهم. لكن، بمعزل عن هذا كلّه، يبدو الحديث عن «Unicoin» مؤشّراً إلى عالم جديد، فيه عملة رقمية عالمية تتشاركها حكومات الدول المشكّلة لـ«النقد الدولي»، في ما قد يمثّل أبرز تحوّل في إدارة المال عالميّاً، منذ صدمة نيكسون.
اضف تعليق