q
يبقى الرئيس التركي مقتنعا خلافا لسائر النظريات الاقتصادية الشائعة، أن معدلات الفائدة المرتفعة تشجع التضخم بدل احتوائه إذ تتسبب بتباطؤ النشاط الاقتصادي. إن مشكلات تركيا ناجمة عن هجمات غير منطقية على الاقتصاد، إن أسعار الصرف هي سلاح اللعبة التي تُلعب على تركيا وبمجرد استقرارها مع الأسعار سنرى أبواب تركيا أكبر...

انتعشت الليرة التركية الثلاثاء الماضي إثر التدابير الطارئة التي أعلنها الرئيس رجب طيب إردوغان بعدما تسببت موجة هلع الإثنين بتقلبات وصلت إلى ثلاثين نقطة في سعرها.

وبعد جلسة تداول فوضوية، فاجأ إردوغان الأسواق والمعارضة السياسية بإعلان قراره ربط قيمة بعض الودائع المصرفية بالليرة التركية بسعر الدولار.

وما زال خبراء الاقتصاد والعديد من الأتراك يحاولون حتى الآن فهم كيفية عمل هذه الآلية الجديدة للتبادل، وخصوصا كيف تعتزم الحكومة تمويلها، لكن من المؤكد أنها انعكست إيجابا على الليرة التي خسرت حتى الإثنين 45%من قيمتها بمواجهة الدولار منذ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر.

وبعدما خسرت الليرة 10% إضافية من قيمتها، سجلت بعد بضع ساعات من ظهور إردوغان على التلفزيون بعد الاجتماع الأسبوعي للحكومة، زيادة بنسبة 20% إزاء الدولار في المداولات.

وكتب الخبير الاقتصادي تيموثي آش من شركة "بلوباي أسيت ماناجمنت" في مذكرة أن "إدارة إردوغان تكترث في نهاية المطاف لسعر الصرف وتجنبت فرض ضوابط على رأس المال" مضيفا أن "إردوغان أثبت أنه يؤمن بالأسواق، إنما ليس بمعدلات الفائدة".

زيادة غير مباشرة لمعدلات الفائدة

إذ يبقى الرئيس التركي مقتنعا خلافا لسائر النظريات الاقتصادية الشائعة، أن معدلات الفائدة المرتفعة تشجع التضخم بدل احتوائه إذ تتسبب بتباطؤ النشاط الاقتصادي. وهو ضغط في الأشهر الأخيرة على البنك المركزي لحمله على خفض معدل فائدته أربع مرات رغم مواصلة ارتفاع التضخم الذي بلغ 21% في تشرين الثاني/نوفمبر بالمقارنة مع الشهر ذاته من العام الماضي.

وهذا يعني أن الأتراك الذين كانوا يودعون أموالا بالعملة الوطنية في حساباتهم المصرفية، كانوا يخسرون من قيمتها كل شهر، وحذر خبراء الاقتصاد من شلل النظام المصرفي التركي في حال هرع الناس لسحب أموالهم. بحسب فرانس برس.

والهدف من تدابير إردوغان التي وصفها المستشار السابق للخزانة التركية محفي إجلمز بأنها "زيادة غير مباشرة لنسب الفائدة"، حماية قيمة الأرصدة بالليرة من تقلبات أسعار الصرف، وهي تضمن للمواطنين بأن الحكومة ستعوض عن أي تراجع في قيمة الودائع المصرفية بالليرة بالنسبة للدولار من خلال مدفوعات دوريّة.

وأوضح إجلمز أنه "إذا ارتفع معدل الصرف بنسبة 40% ومعدل الفائدة بنسبة 14%، فسيتم تسديد الفارق البالغ 26 نقطة كتعويض".

وترمي هذه السياسة إلى طمأنة الأتراك عندما يودعون أموالا بالعملة الوطنية في المصارف. غير أن هذه الآلية لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد ثلاثة أشهر من إيداع الأموال، على ما أوضحت وزارة المالية في بيان الإثنين.

وساهمت التدابير الجديدة في طمأنة الأتراك، بدون أن تنجح تماما في إحلال الاستقرار في السوق، فاستمرت تقلبات الليرة، وبعدما ارتفعت بنسبة 22% صباح الثلاثاء، عادت وخسرت كل مكاسبها قبل أن ترتفع مجددا بنسبة 6% بعد الظهر.

غير أن العديد من خبراء الاقتصاد يتساءلون إن كانت هذه السياسة الجديدة قابلة للاستمرار.

ولفت وزير الاقتصاد السابق علي باباجان متحدثا للصحافيين، إلى أن "ضمان الودائع سيزيد من الإنفاق العام" موضحا أن "الخزانة العامة ستسدد مدفوعاتها بفضل الضرائب، إنها دولرة اقتصاد البلاد".

كما شكك خبراء الاقتصاد في قدرة هذا القرار على حماية الأتراك فعليا من الزيادة السريعة في تكاليف المعيشة. ورأى تيم آش "إنها تبقى سياسة سيئة" معتبرا أن "هذا البرنامج أتاح على الأرجح كسب الوقت وتفادي انهيار آني في القطاع المصرفي، لكن لم يتم القيام بأي شيء لمكافحة التضخم".

حرب الاستقلال الاقتصادي

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه خفض التضخم في بلاده إلى حوالي أربعة بالمئة من قبل، وإنه سيفعل ذلك مرة أخرى عما قريب، بينما بلغ معدل التضخم السنوي 21 بالمئة بسبب مسعى تبناه الرئيس لخفض كبير في أسعار الفائدة.

ويقول أردوغان إن هذه السياسة، التي أدت إلى انهيار الليرة، جزء من "حرب الاستقلال الاقتصادي". بحسب رويترز.

ويقول أيضا إن هذا النموذج سيعزز الصادرات والتوظيف والاستثمارات والنمو، غير أن خبراء الاقتصاد يرون أن هذه السياسة طائشة ويتوقعون أن يرتفع التضخم إلى أكثر من 30 بالمئة العام المقبل.

وسجلت الليرة أدنى مستوى قياسي لها تجاوز 17 مقابل الدولار الأمريكي يوم الجمعة بعد مخاوف من حدوث دوامة تضخم. وفقدت الليرة نحو 55 بالمئة من قيمتها هذا العام، منها 37 بالمئة في آخر 30 يوما.

وكرر أردوغان، خلال لقاء مع شبان أفارقة، وجهة نظره بأن أسعار الفائدة تسبب التضخم، مضيفا أنه يأمل في أن ينخفض التضخم قريبا.

وقال أردوغان "عاجلا أم آجلا، فمثلما خفضنا التضخم إلى أربعة بالمئة عندما وصلت إلى السلطة، سنخفضه مرة أخرى، وسنجعله ينخفض مرة أخرى. لن أسمح لأسعار الفائدة بسحق المواطنين". وأضاف "إن شاء الله سيبدأ التضخم في الانخفاض قريبا".

وانخفض التضخم إلى حوالي أربعة بالمئة في عام 2011، قبل أن يبدأ في الارتفاع تدريجيا من عام 2017. وقفز 3.5 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني إلى 21.3 بالمئة سنويا.

ويقول العديد من الأتراك إن زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50 بالمئة، والتي أعلنها أردوغان، لن تكون كافية. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تعزز الزيادة تضخم أسعار المستهلكين الإجمالية بمقدار يتراوح بين 3.5 وعشر نقاط مئوية.

وقال أردوغان إن مشكلات تركيا ناجمة عن "هجمات غير منطقية" على الاقتصاد، ورفض الدعوات لفرض قيود على رأس المال ووصفها بأنها "سخيفة".

وأضاف "التخفيضات المحدودة لأسعار الفائدة، والتي قمنا بها، لا يمكن أن تكون سبب هذا الوضع".

وتابع قائلا إن أسعار الصرف هي "سلاح اللعبة التي تُلعب على تركيا"، وبمجرد استقرارها مع الأسعار، "سنرى أبواب تركيا أكبر وأحدث كثيرا تُفتح أمامنا في غضون أشهر".

وخفض البنك المركزي التركي تحت ضغط من أردوغان أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس منذ سبتمبر أيلول.

ودعت أكبر جمعية لرجال الصناعة والأعمال في تركيا الحكومة إلى التخلي عن سياسة أسعار الفائدة المنخفضة والعودة إلى "قواعد علم الاقتصاد".

واتهمت أحزاب المعارضة أردوغان بالتسبب في واحدة من أكبر أزمات العملة في تركيا ودعت إلى انتخابات فورية، بينما أظهرت عدة استطلاعات للرأي تراجع التأييد للرئيس وحزبه الحاكم إلى أدنى مستوياته في عدة سنوات.

ومن المقرر إجراء الانتخابات في منتصف عام 2023. وقال أردوغان، الذي يتولى السلطة منذ 20 عاما، إنه لن يتم إجراء انتخابات مبكرة.

ووصف أردوغان بيان جمعية رجال الصناعة والأعمال في تركيا بأنها هجوم على الحكومة.

وقال "السياسة الاقتصادية لحكومتنا تمضي قدما كما قررنا بالضبط، بصرف النظر عن التقلبات المؤقتة في أسعار الصرف... إنني أدعو جميع المواطنين إلى الوقوف إلى جانب دولتهم وحكومتهم بمزيد من القوة فيما يتعلق بالاقتصاد".

وتظاهر الآلاف في إسطنبول ومدينة ديار بكر في جنوب شرق البلاد في مطلع هذا الأسبوع احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة.

وقال مشغلو عبّارات تعمل من إسطنبول وإليها إن بعض الخطوط توقفت يوم الأحد بسبب تكاليف ناجمة عن انهيار الليرة لا يمكن تحمل استدامتها.

الليرة التركية تواصل هبوطها

وتواصل الليرة التركية تسجيل هبوط غير مسبوق في قيمتها عند أكثر من 17.5 مقابل الدولار الإثنين. من جانبه تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخفض معدل التضخم، حيث يتبنى سياسة نقدية تخفض أسعار الفائدة بهدف تحفيز النمو والإنتاج وتعزيز الصادرات. وتسببت أزمة العملة في دفع الكثير من الأتراك إلى ما دون الخط الرسمي للفقر، فيما تظاهر المئات في شوارع أنقرة وإسطنبول خلال نهاية الأسبوع احتجاجا على السياسة النقدية للحكومة.

ويدعو الرئيس التركي إلى خفض أسعار الفائدة بهدف تحفيز النمو والإنتاج وتعزيز الصادرات. وخسرت الليرة التركية نحو 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية تشرين الثاني/نوفمبر، مع مخاوف من تراجع إضافي.

ودفعت أزمة العملة الكثير من الأتراك إلى ما دون الخط الرسمي للفقر، وخلال نهاية الأسبوع تظاهر مئات في شوارع أنقرة وإسطنبول احتجاجا على السياسة النقدية للحكومة.

وتسود مخاوف من اضطرار تركيا لفرض ضوابط على رؤوس الأموال بعد تدهور قيمة الليرة، إلا أن أردوغان وصف هذه الهواجس بأنها "تفاهات". وقال إن "الاقتصاد التركي سيواصل طريقه وفق قواعد السوق الحرة".

التجار الأتراك يدعون السلطة إلى التحرك لمواجهة الأزمة

وامام تصميم أردوغان على مواصلة الدعوة إلى خفض أسعار الفائدة، دعته جمعية رجال الأعمال الأتراك التي تمثل حوالي 85 بالمئة من شركات التصدير إلى تصحيح السياسة النقدية التي تدفع الاقتصاد والبلد نحو الهاوية.

وعزا أردوغان قراره إلى تعاليم الإسلام الذي يحرم الربا، وقال "كمسلم، سأفعل ما يأمرني به ديننا" و"بإذن الله سينخفض التضخم في أسرع وقت ممكن".

وكتبت جمعية المصدرين في بيان نُشر على الانترنت " أن الخيارات السياسية التي تم تنفيذها لم تخلق صعوبات جديدة لعالم الأعمال فحسب بل لمواطنينا كذلك".

وأشارت مجدداً إلى "تحذيراتها من مخاطر حدوث انخفاض كبير في قيمة الليرة والتضخم المتسارع والضغط على الاستثمارات والنمو والتوظيف وإفقار بلادنا".

وأضافت "وبالنظر إلى ذلك، لا بد من تقييم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد والعودة إلى المبادئ

وفيما يضغط الرئيس على البنك المركزي الذي أقال ثلاثة من حكامه منذ 2019، لخفض معدل فائدته، البالغ حالياً 14 بالمئة، وصل معدل التضخم السنوي إلى 21 بالمئة، وقد يبلغ 30 بالمئة في الأشهر المقبلة، وفقًا لخبراء الاقتصاد.

لكن المعارضة تتهم مكتب الإحصاء الوطني بتعمد التقليل، وإلى حد كبير، من زيادة الأسعار، حيث شهدت أسعار السلع الأساسية مثل زيت عباد الشمس ارتفاعاً بنسبة 50 بالمئة خلال عام.

ويسعى الأتراك إلى استبدال عملتهم المحلية بالدولار والذهب حفاظاً على قدرتهم الشرائية.

واشارت منظمة رجال الأعمال إلى ذلك مستنكرة "فقدان الثقة والبيئة غير المستقرة" مؤكدة أن "الطلب الهائل على العملات الأجنبية يعرقل سائر التوازنات الاقتصادية".

وتم تداول صور على نطاق واسع والتعليق عليها مؤخراً في تركيا، تظهر طوابير طويلة أمام مستودعات الخبز المدعومة من قبل بلديات المعارضة، في أنقرة واسطنبول بشكل خاص، حيث يباع الخبز بنصف سعر السوق.

أكشاك خبز الشعب ملجأ الأتراك

رغم الأمطار التي تغرق المدينة، يستمر الطابور في الامتداد أمام كشك صغير يديره بيرم دومان طلبا للخبز الذي يبيعه بنصف سعر معظم مخابز اسطنبول.

يؤكد الرجل الخمسيني أن "الأسعار ارتفعت بشكل كبير عند الخبازين. الناس يتدفقون باستمرار". يكافح العمال لتلبية الطلب في كشك "هالك إكمك" أي "خبز الشعب" في حي كارتال الشعبي في الضواحي الشرقية للمدينة.

تملك بلدية اسطنبول محل "خبز الشعب" الذي يقدم خبزه الخاص بسعر مخفّض منذ عام 1978. يبلغ سعر الخبز الذي يزن 250 غراما 1,25 ليرة تركية (حوالى 6 سنتات من اليورو) مقارنة بالأسعار التي تفوق 2,5 ليرة في بقية المحال حيث يزن الرغيف أحيانا 210 غرامات فقط.

بعد الانتظار تحت المطر، يغادر معظم الزبائن حاملين أربعة أو خمسة أرغفة من الخبز في كيس بلاستيك شفاف.

وجوههم شبه مرئية تحت أغطية الرأس أو المظلات، ويرفضون الحديث بين الحرج والغضب.

وتوفير من ثلاثين إلى خمسين سنتا لخمسة أرغفة خبز يكفي لتشكيل طوابير ممتدة كل يوم وطوال النهار أمام العديد من أكشاك الخبز في اسطنبول.

ويلاحظ الشيء نفسه في العاصمة التركية أنقرة حيث تقدم البلدية الخبز المدعوم كذلك.

تجاوز معدل التضخم رسميا 21 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر مدى عام. لكن المعارضة تقول إن معهد الإحصاء الرسمي يخفّض المعدل الحقيقي عن عمد، ويرى المستهلكون ذلك بأنفسهم في أسعار بعض المنتجات الأساسية، مثل زيت عباد الشمس والبيض والزبدة التي تضاعف سعرها تقريبا خلال عام.

وبحسب نقابة الخبازين، ارتفع سعر الطحين بنسبة 85 بالمئة بين نيسان/أبريل وتشرين الثاني/نوفمبر، ما دفع العديد من المخابز إلى رفع الأسعار.

وارتفاع التضخم نتيجة للسياسة النقدية التي يعتبرها العديد من المراقبين غير عقلانية مع خسارة الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها منذ بداية العام مقابل الدولار، وهو انخفاض ينعكس ارتفاعا في أسعار السلع.

تدهور قيمة الليرة التركية يجتذب متسوقين عبر الحدود

تكشف الحافلات الآتية من بلغاريا والمركونة بأعداد كبيرة في موقف سوق أدرنة قرب حدود تركيا، عن حجم الأزمة النقدية التي يعاني منها هذا البلد مع انهيار سعر الليرة في ظل السياسة النقدية التي أملاها الرئيس رجب طيب إردوغان.

وبعدما كانت المدينة في ما مضى عاصمة للامبراطورية العثمانية بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر، باتت أدرنة بمساجدها العديدة سوقا عملاقة لدول البلقان المجاورة وبلغاريا، وهي نفسها من أفقر دول الاتحاد الأوروبي.

ويتهافت المتسوقون عبر الحدود لشراء شتى المنتجات من الخضار والفاكهة إلى الملابس الداخلية الرديئة النوعية، فتتراكم البضائع في الحافلات.

وقالت المرشدة السياحية دانيالا ميرشيفا قبل الصعود في الحافلة عائدة إلى يامبول في بلغاريا "الأمر مفيد لنا، لكن الوضع في غاية القسوة على الأتراك".

وأوضحت المرأة المشارفة على الخمسين من العمر "كنا في الوضع نفسه قبل عشر سنوات أو 12 سنة"، في إشارة إلى الأزمة المالية العالمية العام 2008، مضيفة "كان الأمر صعبا جدا".

ويواجه المواطن التركي ارتفاعا كبيرا في أسعار الاستهلاك، لكن هذا لا يمنع دانييلا ميرشيفا من تكديس صفائح الزيت النباتي في حافلتها المكتظة بالمتسوقين البلغار بحثا عن صفقات مربحة. وتقول "هذا نصف السعر بالمقارنة مع بلغاريا. السعر متدن جدا جدا بالنسبة لنا".غير أن هذا الوضع يثير إحباط التجار الأتراك.

وراهن إردوغان على تدني سعر الليرة لتشجيع الصادرات وتحويل تركيا إلى مركز إمدادات مهم في السوق العالمية، على غرار الصين.

واستند كرئيس للوزراء ثم كرئيس للبلاد على قاعدة من الطبقة الشعبية لإبقاء حزبه الإسلامي المحافظ في السلطة منذ 2002.

واستفاد من نمو اقتصادي كبير في العقد الأول من عهده ليفتح تركيا على المستثمرين الأجانب. غير أن المراقبين وخبراء الاقتصاد والدبلوماسيين يرون اليوم أنه يصعب فهم موقف الرئيس.

وقال تينكو غاريف أحد الزبائن البلغار "لو كان الذين يحكمون تركيا يفعلون ما يتوجب عليهم أن يفعلوا، فستعود الليرة إلى مستواها السابق بسرعة كبرى" مضيفا "إنني متأسف حقا للأتراك لأنني أفهم ما تعنيه هذه الأسعار المتدنية بالنسبة لهم".

يقول بولند ريس أوغلو الذي يتولى إدارة سوق أدرنة الأشبه بحظيرة كبيرة منذ إقامتها قبل 15 عاما في موقعها الحالي، إن عدد المتسوقين ارتفع من 50 ألفا في الأسبوع إلى حوالى 150 ألفا منذ بدأت تظهر عواقب الأزمة.

وأوضح "تضاعف عدد الزبائن الأجانب بأربع أو خمس مرات"، في حين تراجعت عائدات التجار إذ أن المبيعات الإضافية لا تكفي للتعويض عن انهيار الليرة التركية.

وشكا أحد التجار يدعى أوتكو بيرتميز "يرسل لنا مزودونا لوائح أسعار جديدة كل أسبوع" وتابع "كل المواد الأولية تأتي من الخارج، من أوروبا والصين وإيطاليا" مشيرا إلى أن "أسعار المنتجات تضاعفت منذ العام الماضي".

ويؤكد ريس أوغلو أنه يرى التجار شاخصين في هواتفهم الذكية لمتابعة تطور أسعار الصرف. ويقول "إننا مصابون بصدمة. لم يتوقّع أحد انهيارا كهذا في قيمة" الليرة.

ويبدو المتسوقون البلغار أنفسهم محرجين. وقالت إيليانا تودوروفا التي تشتري ملابس مع ابنتها "هذا ليس جيدا بالنسبة للناس العاديين".

الاتراك يبحثون عن ادوية لم تعد متوفرة بسبب الازمة

منذ أسابيع يتنقل فاتح يوكسل، شأنه شأن آلاف الأتراك، من صيدلية إلى اخرى بحثا عن أدوية لم تعد متوفرة في السوق مع انهيار الليرة التركية.

ويقول الرجل البالغ من العمر 35 عامًا الذي يعاني منذ تسع سنوات من مرض بهجت، وهو مرض نادر من أمراض المناعة الذاتية يسبب صداعا مؤلما "أحيانا لا أجد أدويتي على الإطلاق وتزداد حالتي سوءًا". ويضيف "الأمر صعب للغاية لكن علي ان استمر في العمل".

يعتبر القطاع الطبي من الأكثر تضرراً بسبب اعتماده على الواردات مع انهيار العملة الوطنية.

أصبحت مجموعة كاملة من الأدوية المخصصة لعلاج أمراض مثل السكري والسرطان أو حتى نزلات البرد غير متوفرة في 27 الف صيدلية في تركيا.

يوضح فيدات بولوت الأمين العام لاتحاد أطباء تركيا أن "تركيا تمر بأزمة دواء. انسحب العديد من الموردين من السوق لأنهم بدأوا يخسرون الأموال، واستمرت وزارة الصحة في تسديد المال لهم بسعر الدولار عند 4 ليرات تركية".

يقول بولوت إن أكثر من 700 دواء انقطعت اليوم من السوق، والقائمة تطول يوما بعد يوم. لكن السلطات التركية تنفي وجود أزمة.

الاسبوع الماضي اعلن وزير الصحة فخر الدين قوجة "الأنباء التي تثير نقص الأدوية لا تعكس الواقع"، متهماً شركات الأدوية بمحاولة بيع منتجاتها "بأسعار مرتفعة".

ويقول بولوت "إنه إنكار للواقع" موضحا أن نفس الأزمة تطال أيضًا المعدات الطبية اللازمة للعمليات الجراحية.

ويحذر من أن "العديد من العمليات علقت اليوم. وصحة مواطنينا في خطر".

أمام يأس المرضى الذين يطلبون منهم تأمين أدوية لم تعد متوفرة، يدعو الصيادلة الحكومة بإعادة تقييم أسعار الأدوية ثلاث مرات على الأقل في السنة.

يوضح تانر إركانلي رئيس نقابة الصيادلة في أنقرة أن "الوضع تدهور بسبب انهيار الليرة التركية. تخيلوا حريقًا يسكب عليه الزيت ... هذا ما نعيشه". لكن رفع أسعار الأدوية المستوردة اليوم لن يكون بالضرورة كافياً.

بعد أن تسبب الوباء في زيادة أسعار المواد الأولية، تأثرت أيضًا العلاجات المنتجة في تركيا.

لذلك يطلب المنتجون المحليون من الحكومة أن تأخذ المدفوعات المتأخرة في الحسبان سعر الصرف الحالي وليس السعر المتفق عليه في ذلك الوقت. وتحذر جمعيات أرباب العمل من أن بعض الشركات ستضطر إلى التوقف عن العمل إذا لم تتمكن من تعويض خسائرها.

الأدوية التي لا يمكن العثور عليها هي أحيانا تلك التي كانت منتشرة بكثافة في السوق مثل أدوية السعال للأطفال.

واختبر أمين دورموس (62 عامًا) الأمر عندما بحث دون جدوى عن دواء ضد السعال لحفيده البالغ من العمر 5 سنوات. ويقول "نحن في وضع بائس. آمل أن يسمعنا المسؤولون".

كما يعاني إركان أوزتورك الذي يدير مركزًا صحيًا في أنقرة، من نقص أدوية الحمى والغثيان أو المسكنات. ويشرح "نواجه صعوبات جدية في إيجاد حقن لخفض الحمى لدى الأطفال".

عندما تكون شبكة الدعم بين المستشفيات غير قادرة على الاستجابة للطلب، عليها إعطاء الأدوية عن طريق الفم أو استخدام الكمادات الباردة التي تعمل بشكل أبطأ من الحقن. يرى الصيدلي جوكان بولموس أن الأزمة تتفاقم.

ويقول بقلق "كمية أدوية مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والربو والالتهاب الرئوي تتراجع أكثر وأكثر". ويضيف "نتجه نحو نقص معمم. ما بقي اليوم هو آخر الأدوية وبعد ذلك لن نتمكن من استبدالها".

اضف تعليق