تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب الانفجار الضخم الذي دمر ميناء بيروت واستمرار الفساد والفوضى السياسية، يضاف الى ذلك أزمة فيروس كورونا وهو ما اثار قلق ومخاو الكثير بشأن امن واستقرار هذا البلد، وتفجرت الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن هدر وفساد حكومي على مدى عقود...
تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب الانفجار الضخم الذي دمر ميناء بيروت واستمرار الفساد والفوضى السياسية، يضاف الى ذلك أزمة فيروس كورونا وهو ما اثار قلق ومخاو الكثير بشأن امن واستقرار هذا البلد، وتفجرت الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن هدر وفساد حكومي على مدى عقود وكما نقلت بعض المصادر، في الخريف الماضي في ظل شح تدفقات رؤوس الأموال واندلاع احتجاجات في أنحاء البلاد. وعلى مدى عام، انهارت العملة وأصيبت البنوك بحالة من الشلل فيما تستمر زيادة الأسعار وتسريح العمالة.
وأشارت تقديرات الأمم المتحدة في مايو (أيار) إلى أن عدد السكان الذين يعيشون في الفقر، أو على أقل من 14 دولاراً يومياً، في لبنان ارتفع إلى مثليه في العام الماضي وبلغ 55%. وداخل هذه الفئة زاد عدد من يعتبرون في حالة فقر مدقع إلى ثلاثة أمثاله وهو ما يشكل نحو ربع عدد السكان. وتتوقع الأمم المتحدة أن يقع المزيد من السكان في براثن الفقر، مما يزيد اتساع واحدة من أكبر فجوات الثروة في المنطقة. وأصبح المزيد من اللبنانيين أكثر تهديدا بفعل التضخم وفي أعقاب انفجار الميناء.
وبعد الانفجار زادت الاحتياجات المالية الخارجية للبنان للأعوام الأربعة المقبلة إلى ما يربو على 30 مليار دولار وفقاً لبعض التقديرات. وأكد المانحون الأجانب أنهم لن يقدموا مساعدات لبلد لا ينفذ إصلاحات. وأعلن لبنان في وقت سابق من العام تخلفه عن سداد ديونه الضخمة بالعملة الصعبة بدعوى انخفاض الاحتياطيات على نحو خطير. وزاد الدين العام بشدة من 131 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2012 إلى نحو 176% في نهاية 2019 وهو أحد أعلى معدلات الدين في العالم.
وتبادلت البنوك والحكومة في لبنان إلقاء المسؤولية عن الأزمة. والبنوك اللبنانية هي أكبر دائن للحكومة وأكبر كيان يضم المساهمين من حملة السندات الدولية. وتحوز البنوك اللبنانية 28% من بين أدوات دين مقومة بالليرة اللبنانية تبلغ قيمتها 59 مليار دولار، فيما يحوز البنك المركزي 60%. وتعهد رئيس وزراء لبنان المكلف سعد الحريري بأن يشكل سريعاً حكومة جديدة من الاختصاصيين تطبق إصلاحات من أجل وقف الانهيار الاقتصادي بالبلاد. وقال إنه سيعمل على تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين مهمتها تطبيق الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية التي وردت في المبادرة الفرنسية.
عودة الحريري
كلف الرئيس اللبناني، ميشال عون، رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، تشكيل حكومة جديدة بعد حصوله على غالبية أصوات النواب في الاستشارات النيابية التي أجراها. وتنتظر الحريري الذي استقالت حكومته قبل نحو عام على وقع احتجاجات شعبية، مهمة صعبة جراء الانقسامات السياسية ونقمة الشارع على الطبقة السياسية. وفي حال نجح في مهمته ستكون المرة الرابعة التي يرأس فيها الحكومة اللبنانية منذ 2009.
وأعلن الحريري أنه سيشكل مجلس وزراء مؤلفا من "اختصاصيين من غير الحزبيين"، بما يتطابق مع المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون لانتشال لبنان من دوامة الانهيار الاقتصادي. وقال الحريري إثر لقاء عون الذي كلفه تشكيل الحكومة بعد حصوله على غالبية أصوات النواب، أن مهمة الحكومة ستكون "تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة في تطبيقها". وأضاف "سأنكب على تشكيل حكومة بسرعة لأن الوقت داهم والفرصة أمام بلدنا هي الوحيدة والاخيرة".
وحاز الحريري، المرشح الوحيد للمنصب، على 65 صوتا، بحسب الرئاسة. فيما امتنع 53 نائباً عن التسمية. ويتألف مجلس النواب من 128 عضوا، لكن هناك ثمانية نواب مستقيلون لم يشاركوا في الانتخابات. وعشية تسميته، حمّل عون الحريري، من دون أن يسميه، مسؤولية معالجة الفساد وإطلاق ورشة الإصلاح. ووضع النواب أمام مسؤولياتهم داعياً اياهم الى التفكير "بآثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة".
وساهم انتشار فيروس كورونا في مفاقمة الأزمة بشكل كبير ، ثم جاء الانفجار المدمر في ميناء بيروت في شهر أغسطس/آب. وأدى انفجار الميناء الذي يعزوه الكثيرون إلى إهمال الحكومة، إلى استقالة حسان دياب الذي خلف سعد الحريري في منصب رئيس الوزراء. ثم استقال مصطفى أديب، الذي عين خلفا لدياب، بعد فشله في الحصول على دعم كاف لحكومته. وقد اشتكى الرئيس ميشيل عون في كلمة متلفزة من أن النواب والمسؤولين لم ينفذوا الخطوات التي وعدوا بها. وتساءل في كلمته "أين الإصلاحات؟ أين البنود التي قدمت إلى رؤساء الكتل البرلمانية والأحزاب؟ إن صمت أي مسؤول وغياب التعاون في عملية تدقيق حسابات البنك المركزي يثبت أنه شريك في الفساد والتبديد".
وبدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار خلال فترة حكومة الحريري الأخيرة. ووصل معدل النمو في البلد الأكثر مديونية في العالم إلى الصفر وفقدت العملة قيمتها في السوق السوداء بسبب نقض حاد في الدولارات الأمريكية. وارتفعت معدلات البطالة والفقر وتفاقم الغضب الشعبي بسبب عجز الحكومة عن تأمين الخدمات الأساسية. واندلعت الاحتجاجات التي أجبرت الحريري على الاستقالة بعد أن اقترحت حكومته فرض ضريبة على مكالمات تطبيق "واتسآب" من أجل زيادة عائدات الدولة. وتحول الغضب الشعبي إلى حراك شامل ضد النخبة السياسية التي يتهمها الكثير من اللبنانيين بالفساد وتبديد الثروات وسوء الإدارة والإهمال.
وكان من أهم مطالب المحتجين حكومة خبراء أو تكنوقراط. يذكر أن توزيع السلطة في لبنان مؤسس على مصالح طائفية، حيث تعتمد التعيينات السياسية والكثير من الوظائف الأخرى على الانتماء لواحدة من الطوائف الثمانية عشر المعترف بها ، وهو ما أدى إلى التقسيم الطائفي. وينص الميثاق الوطني لعام 1943 على أن يكون الرئيس مسيحيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا ورئيس البرلمان مسلما شيعيا.
وتبعت استقالة الحريري قبل سنة شهور من الأزمة، حيث لم يتفق السياسيون المتخاصمون على خليفة له بينما تفاقمت الأزمة واستمر الغليان الشعبي. ودفع حزب الله وحلفاؤه باتجاه تعيين دياب. وعجز لبنان عن سداد مستحقات الديون الأجنبية للمرة الأولى في تاريخه في شهر مارس/آذار ، بعد فترة قصيرة من اكتشاف أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا. وأدى الوباء إلى شل الاحتجاجات لكنه زاد في تفاقم الوضع وكشف عجز نظام التأمين. واضطرت الكثير من المشاريع التجارية إلى تسريح العاملين فيها أو صرفهم مؤقتا بدون رواتب. وفقدت الليرة اللبنانية قيمتها بشكل حاد، ووضعت البنوك قيودا على سحب العملات الصعبة، وعجزت بعض العائلات عن شراء الاحتياجات الأساسية. بحسب بي بي سي.
وكان لبنان قد بدأ باستعادة عافيته عندما أدى حريق إلى انفجار 2750 طنا من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في ميناء بيروت. وأدى الانفجار الضخم إلى مقتل 200 شخص وجرح 6 آلاف، وسبب أضرارا اقتصادية بقيمة تقدر ب 4.6 مليار دولار. وأشعل الانفجار الغضب الشعبي من جديد على الزعماء السياسيين وأدى إلى اندلاع احتجاجات جديدة . واستقال دياب وحمل "نظام الفساد المتغلغل في كل مناحي الدولة" المسؤولية.
مساعدة القطاع المصرفي
على صعيد متصل قال مسؤول فرنسي كبير إنه قد يكون من الصعب على البنوك في لبنان التمسك بمبدأ ضرورة ألا يخسر المودعون أيا من ودائعهم، وذلك حسبما جاء في محضر اجتماع حددت فيه فرنسا خطوات لمساعدة القطاع المصرفي المصاب بالشلل. وجاءت التصريحات خلال محادثات أجريت في باريس في وقت سابق بين مسؤولين فرنسيين كبار ووفد من جمعية مصارف لبنان.
وتصدرت فرنسا جهود دولية لدفع السياسيين المتشبثين بمواقفهم في لبنان لتنفيذ إصلاحات ضرورية لاجتذاب المساعدات وتخفيف أزمة أصابت القطاع المصرفي بالشلل وحالت دون حصول المودعين على معظم أموالهم. وقال بيير دوكين مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتنسيق الدعم الدولي للبنان، حسبما أفاد المحضر، “بينما هي مسألة مبدأ بالنسبة لجمعية مصارف لبنان أنه يجب ألا يتكبد المودعون أي خسائر، فإنه قد يكون من الصعب الدفاع عن هذا حتى النهاية. لكنها مسألة تفاوض”.
ويسعى مصرف لبنان المركزي والمصرفيون بالبنوك التجارية للحيلولة دون “خفض لقيمة الودائع”، أو خفض رسمي للأرصدة المحتفظ بها في حسابات الودائع. لكن المودعين الذين يملكون حسابات بالدولار في لبنان يقولون إنهم خسروا أموالا بالفعل لأنهم لا يستطيعون سحب المال أو لأن بإمكانهم فعل ذلك فقط عن طريق تحويله إلى الليرة اللبنانية بأقل من أسعار السوق. وانهارت قيمة الليرة اللبنانية، التي ارتبطت بالدولار على مدى أكثر من 20 عاما، خلال الأزمة المالية.
وقال مصرفي لبناني كبير شارك في المحادثات إنهم شعروا خلال اجتماعاتهم مع المسؤولين الفرنسيين التي تناولت مبادرة الرئيس بأنهم يدعمون ازدهار القطاع المصرفي. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن المحادثات كانت جزءا من جهود تهدف إلى تنفيذ خارطة الطريق الاقتصادية للبنان. وإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها دوكين بخصوص الودائع، فقد تناول أيضا إجراءات أخرى مطلوبة، منها التطبيق السريع لقيود رأس المال ودمج البنوك في بلد لديه 64 بنكا تسيطر عليها 32 مجموعة. بحسب رويترز.
وبشأن إعادة هيكلة جبل ديون لبنان الخارجية والداخلية، قال دوكين إنه يتعين اتخاذ مجموعة من الإجراءات. وأضاف أنه “لا يوجد حل سحري”. ويُظهر محضر الاجتماع أن ممثلي جمعية مصارف لبنان، ومنهم رئيس الجمعية سليم صفير، قالوا إن البنوك مستعدة للانضمام إلى “جهود جماعية” لحل الأزمة وحددوا اقتراحات شملت تأييد إنشاء صندوق لحشد أصول الدولة.
على صعيد متصل قال سليم صفير رئيس جمعية المصارف اللبنانية إن الحكومة المقبلة للبلاد في حاجة لوزراء أصحاب خبرة عملية في المالية وغيرها من المجالات لاستعادة الثقة في الاقتصاد المنهار. وتواجه البنوك أزمة منذ العام الماضي بعد الاضطرابات السياسية إذ تباطأت تحويلات المغتربين وتقلصت سيولة النقد الأجنبي مما أدى لمعاناة الحكومة في تمويل جبل من الديون.
وقال صفير في مقر بنك بيروت الذي يرأسه أيضا ”الخطوة الأهم هي إعادة تأسيس الثقة“. وأضاف بينما يجلس في مكتبه ”كل شيء سيعتمد على الحكومة الجديدة والخبرة التي سيملكها أعضاؤها“. وطالب البنك المركزي البنوك بإعادة الرسملة وتجنيب مخصصات لخسائر حيازاتها من السندات الدولية للبنان، وحثها أيضا على استرداد الأموال التي أرسلها المودعون الكبار إلى الخارج.
وقال صفير إن البنك المركزي طالب في تعميم باسترداد الأموال التي ظلت محجوبة لخمس سنوات مما يوفر سيولة لدعم القطاع الخاص. وأضاف أن الأموال ستودع في بنك مراسلة في الخارج وليس لدى مصرف لبنان المركزي. وأضاف أن ”الهدف النهائي“ هو تأمين استرداد ما بين أربعة وخمسة مليارات دولار. وصاغت فرنسا التي تقود الجهود الدولية لمساعدة لبنان خارطة طريق سياسية تشمل سن قانون للسيطرة على رأس المال وافق عليه صندوق النقد الدولي.
وقالت باريس إن البنوك قد تضطر لقبول أن المودعين سيخسرون أموالا عبر ما وصفته بأنه ”خفض قيمة“ الودائع. وصرح صفير بأن البنوك لا تزال معارضة لذلك وأضاف ”أسهل صيغة هي خفض القيمة لكن خفض القيمة سيخلق مشكلة اجتماعية“. وتشمل مقترحات البنوك إنشاء صندوق لحيازة أصول حكومية بقيمة 40 مليار دولار لتوفير ضمانات للمودعين. وقال صفير ”الهدف من الصندوق الحكومي هو غرس الثقة بأسرع وقت ممكن لدى كل من تساوره الشكوك بشأن رد الودائع“. وأضاف أن الأصول من الممكن أن تظل في قبضة الدولة وتوفر دخلا يدر سيولة.
دعم السلع والنقد الأجنبي
من جانب اخر قال مصدر رسمي إن لبنان لديه نحو 1.8 مليار دولار في احتياطياته من النقد الأجنبي يمكن إتاحتها لدعم واردات غذائية أساسية وواردات أخرى، لكنه قد يحافظ على بقائها لنحو ستة أشهر أخرى عن طريق إلغاء دعم بعض السلع. ويواجه لبنان، الذي يرزح تحت وطأة عبء ديون ثقيل، أشد أزماته الاقتصادية منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، وهو ما أثر على العملة المحلية وتسبب في ارتفاع الأسعار. وسقط الكثير من اللبنانيين في براثن الفقر وصاروا أكثر اعتمادا على الأغذية المدعومة.
وينذر تقليص الدعم بزيادة الغضب الشعبي في بلد تعصف به احتجاجات، إذ اندلعت الأزمة في 2019. ويقول حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، الذي رفض الإدلاء بتعليق لهذا التقرير، إنه سيتعين وقف الدعم فور الوصول إلى حد احتياطيات النقد الأجنبي الإلزامية، وذلك دون الإشارة إلى إطار زمني. وقال المصدر الرسمي إن الاحتياطيات التي لا تزال متاحة والبالغة 1.8 مليار دولار قد يجري الإبقاء عليها لستة أشهر أخرى من خلال خفض الدعم في لمجموعة من السلع مثل الكاجو والفيتامينات. ولم يعط المصدر قائمة مفصلة.
وفي ظل نضوب الموارد الدولارية، وفر البنك المركزي نقدا أجنبيا لواردات الوقود والقمح والأدوية بسعر رسمي مربوط عند 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار، وهو ما يقل كثيرا عن السعر المتداول الذي يقول متعاملون إنه بلغ نحو 8700 ويجري دعم قائمة تضم نحو 300 سلعة غذائية وأساسية أخرى عند سعر 3900. في أغسطس آب، قال سلامة إن احتياطيات المصرف المركزي من النقد الأجنبي بلغت 19.5 مليار دولار، والحد الإلزامي للاحتياطيات هو 17.5 مليار دولار. بحسب رويترز.
ويقول بعض المحللين إن احتياطيات المصرف المركزي قد تكون في حقيقة الأمر أقل من الأرقام التي سبق إعلانها بسبب تكبد خسائر في ظل أزمة النقد الأجنبي. وقال نافذ صاووك كبير الخبراء الاقتصاديين ومحلل الأسواق الناشئة في أوكسفورد إيكونوميكس "أدركنا خلال هذا العام بالكامل أن الاحتياطيات تنضب في نهاية المطاف، ولم يجر حتى الآن اتخاذ خطوات لعمل شبكة أمان اجتماعي".
اضف تعليق