q

يعد القطاع الزراعي واحداً من اهم القطاعات الانتاجية والاقتصادية في جميع دول العالم، وذلك لما له من دور هام في تحقيق الامن الغذائي والاستفادة المباشرة من الموارد الطبيعية واستغلال الغابات وغيرها من الفوائد الاخرى كما يقول بعض الخبراء في هذا المجال، مؤكدين في الوقت ذاته على ان القطاع الزراعي يعاني الكثير من الازمات والمشكلات الخطيرة ولأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالنمو السكاني والتغيرات المناخية وشحة المياه والتجاوزات المستمرة على الاراضي الصالحة للزراعة والاستخدام المفرط لبعض المبيدات والاسمدة الكيمياوية وغيرها من الاسباب الاخرى، التي دفعت بعض الحكومات الى اجراء خطط واصلاحات جديدة من اجل تطوير هذا القطاع المهم هذا بالإضافة الى اعتماد التقنيات العلمية والتكنلوجية الحديثة وانتاج محاصيل معدلة وراثيا لها سمات تفوق النباتات الموجودة طبيعياً، منها وفرة المنتوج ومقاومة الأمراض وسرعة الانبات، والهندسة الوراثية للنباتات لاتزال موضوع مثير للجدل خصوصاً في حالة النباتات المقاومة لمبيدات الحشائش.

تغير المناخ

وفي ما يخص اخبار ومشكلات هذا القطاع المهم فقد توصلت دراسة أجرتها جامعة بجنوب افريقيا إلى ان زيادة درجة حرارة الجو تعني تراجع حجم إنتاج تنزانيا من البن ما يؤثر سلبا على المنتجين وعشاق القهوة على السواء في البلاد. وقال الباحثون في دراسة أجرتها جامعة ويتووترزراند إن ارتفاع درجات الحرارة ليلا هو المسؤول الرئيسي عن التراجع الكبير في محصول تنزانيا من البن من صنف ارابيكا (البن العربي).

والبن هو محصول التصدير الرئيسي لتنزانيا إذ تنتج البلاد سنويا في المتوسط 50 ألف طن متري تقريبا منه 70 في المئة من صنف ارابيكا فيما تشير بيانات من مجلس البن التنزاني الى ان المبيعات تدر أكثر من 100 مليون دولار في العام. وتنتج تنزانيا الواقعة في شرق القارة الافريقية أقل من واحد في المئة من الانتاج العالمي من البن العربي ويعمل في هذه الصناعة نحو 2.4 مليون شخص في تنزانيا وبضعة ملايين في الدول المجاورة.

الا انه منذ عام 1966 انخفض حجم انتاج البن بنسبة 46 في المئة بتنزانيا وهو مؤشر يتوقع الباحثون استمراره. وفي خلال تلك الفترة الزمنية ارتفع متوسط درجة حرارة الجو ليلا في تنزانيا بواقع 1.4 درجة مئوية. وقالت الدراسة التي أوردتها دورية الأرصاد الجوية في قطاع الزراعة والغابات إن كل ارتفاع في درجة الحرارة بواقع درجة مئوية واحدة ليلا يستتبعه ان يتوقع المزارعون في تنزانيا احتمال تناقص غلة البن بواقع 137 كيلوجراما للهكتار الواحد وهو ما يمثل تقريبا نصف حجم إنتاج المزارع الصغيرة التي تدر حاليا 225 كيلوجراما للهكتار.

وتدور المفاوضات الخاصة بمحادثات الامم المتحدة لتغير المناخ حول التوصل لاتفاق عالمي للحد من الاحترار العالمي بواقع درجتين مئويتين لكن العلماء يقولون إن العالم يسير الآن على طريق يؤدي في نهاية القرن الحالي الى ارتفاع حرارة الارض بواقع أربع درجات مئوية على الأقل. وقالت دراسة جامعة ويتووترزراند "تشير توقعاتنا الى انه إذا استمر التوجه الراهن على حاله الذي ساد العقود الاخيرة فان حجم انتاج البن العربي في تنزانيا سينخفض الى 145 كيلوجراما للهكتار بحلول عام 2060 ".

ويقول الباحثون إن الخطر الذي يتهدد إنتاج البن في تنزانيا يتعين ان يستحث السلطات على تصميم اجراءات ذكية تتلاءم وتغير المناخ تتيح حماية المزارعين من تكبد خسائر فادحة. وحذرت الدراسة -التي بحثت في آثار تغير المناخ على إنتاج تنزانيا من البن العربي خلال العقود الخمسة الماضية- من ان تناقص انتاج البن سيؤثر على الدخول والوظائف ليس في تنزانيا فحسب بل في دول أخرى منتجة للبن مثل كينيا واثيوبيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا التي قد تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة بالمثل. بحسب رويترز.

وقال جودستيفن مارو خبير الاراضي بمعهد بحوث البن في تنزانيا إن تراجع محصول البن في البلاد ربما يرتبط سببه ايضا بمشاكل اخرى منها تقادم عمر اشجار البن وهو أمر تقره دراسة جامعة ويتووترزراند. وتقول الدراسة إنه على الرغم من الاستثمارات الضخمة التي تخصصها الحكومات المنتجة للبن في هذا القطاع إلا ان معظم هذه الدول لم تضع استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ مما يعرض للخطر هذه الصناعة المربحة ووظائف الملايين من العاملين والمزارعين الذين يعتمدون على هذه الصناعة.

حقوق السكان الاصليين

في السياق ذاته قالت فيكتوريا تول-كوربوز مقررة الامم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الشعوب الأصلية إن السكان الاصليين في شتى أرجاء العالم واجهوا حملات تهجير متزايدة خلال العقد الماضي مع زيادة الاحساس بقيمة الملكية الخاصة فيما تدافعت الشركات الكبرى نحو المناطق التقليدية القديمة لاستخراج الموارد. وقالت "ذهبت أموال طائلة في المضاربة على الاراضي الأمر الذي فاقم الوضع".

وأضافت قائلة على هامش مؤتمر للامم المتحدة عن السكان الأصليين وتمويل الزراعة "المزارع الضخمة تجور على أراضي السكان الأصليين... لحق الضرر بالتنوع الحيوي والغابات. تفاقم النزوح خلال السنوات العشر الماضية". ولم يتسن الحصول على احصاءات عن حجم تهجير السكان الاصليين خلال العقد الماضي إلا أن دراسة قامت بها جامعة لوند السويدية أوضحت ان رقعة تزيد على 32.7 مليون هكتار من الاراضي الزراعية -وهي مساحة تعادل تقريبا مساحة الفلبين بلد تول-كوربوز- تداولت الايدي ملكيتها عبر صفقات دولية بين عامي 2000 و2012.

وقالت تول-كوربوز إنه من أجل وقف ممارسات الاستحواذ على الأراضي يتعين أن تشكل الوكالات التابعة للامم المتحدة شراكة مباشرة مع مجتمعات السكان الأصليين بدلا من الاتكال على حكومات الدول المعنية لتفعيل خطط التنمية. وقال مسؤولون من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) التابع للامم المتحدة -والذي يتولى تقديم قروض للدول لتنفيذ مشروعات الاستثمار بالمناطق الريفية- إن مخاوف تول-كوربوز جديرة بالاعتبار. بحسب رويترز.

وقالت انتونيللا كوردوني المسؤولة في ايفاد "على مستوى البلد (حيث يجري التخطيط لمشروعات جديدة بدعم من الامم المتحدة) عادة ما لا يتم الاعتراف بحقوق الشعوب الاصلية". وقالت "إن الانصات لأصوات السكان الأصليين يساعدنا في دعم انظمتهم الغذائية التقليدية على نحو أفضل". وقالت ايفاد إن طرق الزراعة التي يستخدمها السكان الأصليون تتعرض للخطر جراء عدم تحديد زمامات الملكية الزراعية والتغير المناخي وزراعات المحصول الواحد مشيرة إلى ان الخبرة التقليدية يمكن أن تساعد في الحفاظ على التنوع البيولوجي. وقالت الأمم المتحدة إن ما يقدر بنحو 370 مليونا من السكان الأصليين ينتشرون في 70 دولة ويعانون من الفقر والتمييز وعدم تمثيلهم نيابيا على النحو الملائم.

مزيد من القوارض

الى جانب ذلك فربما أدى تحويل المناطق المقفرة في شرق القارة الافريقية الى أراض منزرعة لمضاعفة مخاطر انتشار الأمراض الوبائية إذ ان القوارض تتسلل إليها حاملة البراغيث التي تنقل مرض الطاعون للمحاصيل بعد حصادها. وقالت الدراسة التي وردت في الدورية الامريكية للصحة وطب المناطق الحارة إنه في شمال تنزانيا اتسعت الرقعة المنزرعة بالمحاصيل بنسبة 70 في المئة خلال العقود القليلة الماضية فيما تضاعفت تقريبا أعداد القوارض الحاملة لوباء الطاعون في المساحات المزروعة بالذرة اذا ما قورنت بالمناطق المقفرة المجاورة.

وربط العلماء بين اتساع رقعة حقول الذرة -اللازمة لاطعام السكان الذين تتضخم أعدادهم- وزيادة بواقع عشرين مرة في أعداد الجرذان الافريقية في شمال تنزانيا التي تنقل أمراضا فتاكة للبشر منها حمى لاسا والطاعون. وقالت هيلاري يانج الاستاذة بجامعة كاليفورنيا وكبيرة المشرفين على هذه الدراسة في بيان "وجدنا ان ادخال زراعة الذرة في المناطق الطبيعية يبدو انها تخلق بيئة خصبة لنقل الطاعون". وأضافت "غالبا ما يلجأ المزارعون المحليون... إلى تخزين محاصيلهم من الذرة بجوار منازلهم أو داخلها ما يغري جرذان الحقل الجائعة بالدخول للمنازل الامر الذي يؤدي بدوره الى تزايد فرص إصابة البشر". بحسب رويترز.

وأضافت الدراسة انه في تنزانيا وحدها تسبب الطاعون في نحو 675 حالة وفاة بين عامي 1980 و2011 وان هذه الارقام مرشحة للزيادة بعد أن صارت القفار أراضي قابلة للزراعة فيما ارتفعت اعداد الجرذان. وقالت الدراسة إنه على الرغم من كون الطاعون -الذي تسببه بكتريا تسمى (يرسينيا بيستيس)- أقل شراسة من الايبولا والأوبئة الأخرى غير انه يصير فتاكا في أكثر من 30 في المئة من حالات الاصابة إذا ترك دون علاج. وقال العلماء إنه مع تزايد عدد سكان القارة الافريقية وتصاعد الطلب على الغذاء يتعين على العلماء والمزارعين والساسة تحقيق التوازن بين الحاجة لمزيد من الرقعة الزراعية والمخاوف الخاصة بانتشار الأمراض.

مبيدات الآفات

على صعيد متصل قال تقرير نشره صناع السياسة في أوروبا إن الأدلة تتزايد على ان مبيدات الآفات المستخدمة على نطاق واسع تضر بالفراشات والطيور والنحل وذلك علاوة على مخاوف بشأن تأثر انتاج المحاصيل بسبب نقص الحشرات التي تقوم بعملية تلقيح النبات. وكانت المفوضية الأوروبية قد أقرت ضوابط على استخدام ثلاثة من مبيدات الآفات المعروفة باسم النيونيكوتينويدات بدءا من الأول من ديسمبر كانون الأول عام 2013 استنادا الى مخاوف بشأن آثارها الضارة على النحل لكنها قالت إنها ستراجع الموقف في غضون عامين على أكثر تقدير. ومن بين الشركات الاكثر تضررا باير وسينجينتا.

وعندما تمت الموافقة على هذه الضوابط قام المجلس الاستشاري الأوروبي للأكاديميات العلمية -وهو شبكة من الأكاديميات العلمية الأوروبية التي تسعى الى التعاون مع صناع السياسة في أوروبا- بتجميع 13 خبيرا لتقييم الأسس العلمية لهذه الجهود. وتوصل تقرير المجلس الذي نشر يوم الأربعاء إلى وجود "كم متزايد من الأدلة" الذي يؤكد ان النيونيكوتينويدات -المستخدمة في أكثر من 120 دولة- ذات "آثار سلبية شديدة على كائنات حية غير مستهدفة".

وإجمالا يعتبر النحل من أهم الكائنات التي تقوم بتلقيح المحاصيل. لكن التقرير قال إن الاعتماد على نوع واحد أمر يفتقر الى الحكمة مشيرا الى كائنات أخرى منها الفراشات والطيور التي تقتات على بعض الآفات. ويقول مؤيدو النيونيكوتينويدات ان لها فوائد اقتصادية جمة لانها تقضي على الآفات وتسهم في توفير الطعام لسكان العالم الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم. لكن التقرير أشار أيضا الى الفوائد المادية التي تتحقق من خلال حماية الكائنات التي تقوم بتلقيح المحاصيل والكائنات الطبيعية التي تكافح الآفات. بحسب رويترز.

والنيونيكوتينويدات مواد كيميائية تخليقية تمتص وتنتشر في الجهاز الوعائي للنبات والتي تصبح سامة اذا امتصت الحشرات العصارات النباتية او تغذت على أجزاء من هذه النباتات. وقالت الجمعية الاوروبية لوقاية المحاصيل التي تمثل صناعة مبيدات الآفات إن التقرير الجديد متحيز. وقال جان-شارل بوكيه المدير العام للجمعية في بيان إنه يعكس "تحيزا ضمن حملة مناهضة للنيونيكوتينويدات تميل الى تصديق التجارب المعملية ذات النتائج النظرية التي تغفل تماما الدراسات الميدانية المنشورة والبحوث المستقلة الأخرى التي تؤكد سلامة مبيدات الآفات هذه". ورحبت المفوضية الاوروبية بالتقرير وقالت إنها ستشرع في نهاية مايو آيار القادم في مراجعة البيانات العلمية الحديثة.

مفتاح التنوع

في السياق ذاته قال باحثون في أعقاب مراجعة بيانات واحصاءات دولية إن ما يصل الى 75 في المئة من البذور اللازمة لانتاج مختلف أنواع المحاصيل الغذائية في العالم تنحصر في أيدي صغار المزارعين. وقال كارل زيمرار استاذ الجغرافيا بجامعة بنسلفانيا الأمريكية الذي أشرف على البحث خلال مؤتمر للجمعية الامريكية لتطوير العلوم إن المزارعين الذين يمتلكون حيازة زراعية تقل عن سبعة أفدنة يحافظون على التنوع الوراثي من خلال "شبكة من تبادل البذور والمعرفة الفنية".

وقالت منظمة الاغذية والزراعة (فاو) التابعة للامم المتحدة إن نحو 75 في المئة من التنوع الوراثي النباتي في العالم اندثر منذ مطلع القرن الماضي بعد تحول المزارعين من زراعة الاصناف المحلية الى الاصناف المهجنة وراثيا ذات الانتاجية العالية. وقالت فاو إن نحو 75 في المئة من الغذاء في العالم ينتج من 12 نوعا نباتيا وخمسة أنواع حيوانية.

وعلى خلاف المزارع الكبيرة المنزرعة بمحصول واحد فقط فان صغار المزارعين عادة ما يزرعون عدة أنواع مختلفة من المحاصيل الاساسية مثل البطاطا (البطاطس) مما يمنحهم مرونة في تحسين نوعيات الغذاء مع مضاعفة التنوع الوراثي في آن واحد. ويقول المزراعون إنه على الرغم من ان المساحات الزراعية المحدودة أقل كفاءة من المزارع الكبيرة إلا ان زراعة تشكيلة من البذور يمكن ان تدعم منظومة الغذاء العالمي من حيث مقاومة الآفات ومجابهة آثار تغير المناخ.

وتساءلت ميرنا كاننجهام وهي ناشطة من السكان الأصليين في نيكاراجوا خلال مؤتمر للامم المتحدة قائلة "كم من الموارد تذهب الى زراعة المحصول الواحد وكم منها تذهب الى منظومة الانتاج الغذائي المتنوع؟" وأضافت "إذا شرعنا في ترسيخ دعائم الانتاج الغذائي على اساس خصوبة مجتمعاتنا المتنوعة فسيمكننا تحسين الوضع". ويقول نشطاء إن صغار المزارعين هم عادة أول من يواجه المجاعات وموجات النزوح إلا ان دورهم جوهري في الحفاظ على تنوع البذور. بحسب رويترز.

وأضاف النشطاء ان هذا البحث الحديث الذي استقى بياناته من 11 دولة في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية يبرز مدى أهمية دعم صغار المزارعين لا سيما النساء منهم اللائي يقدن مسيرة الحفاظ على التنوع الوراثي من خلال استخدام البذور. وقال الباحثون إن نسبة الخمسة والعشرين في المئة المتبقية من بذور المحاصيل الغذائية والتي ليست في حوزة صغار المزارعين تحفظ في بنوك الجينات. وقال ادولفو بريزي مدير السياسات بالصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) في مؤتمر الامم المتحدة "نحن كمجتمع معرضون للصدمات والمخاطر (في المنظومة الغذائية) بصورة متزايدة. نريد التنوع كقاعدة راسخة في حالة حدوث أي مكروه".

المحاصيل المعدلة

الى جانب ذلك قال مشرعون بريطانيون إن لوائح الاتحاد الاوروبي التي تمنع زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا في المملكة المتحدة -حتى وإن اجتازت اختبارات صارمة- لا تتلاءم والغرض منها ويتعين اصلاحها جذريا. وقال أعضاء لجنة العلوم والتكنولوجيا بالبرلمان البريطاني إن هذه اللوائح التنظيمية الخاصة بالاتحاد تدفعها أهداف ذات طبيعة سياسية أكثر منها علمية. وقالوا إن الشواهد العلمية جلية وتقول إن المحاصيل المحورة وراثيا "لا تشكل مخاطر على البشر أو الحيوانات أو البيئة اذا ما قورنت بالمحاصيل المناظرة التي تنتج بالاستعانة بطرق أكثر تقليدية".

وانتقدت اللجنة الإبطاء البالغ في اتخاذ القرار وقالت إن الإسلوب الذي يعمل به النسق التنظيمي للاتحاد الاوروبي يعني ان الدول الأعضاء المعارضة للمحاصيل المهندسة وراثيا يمكنها أن تمنع زراعة هذه المحاصيل في دول أخرى أعضاء بالاتحاد. وقال أندرو ميلر رئيس اللجنة في بيان "إن نسقا تنظيما يمكن ان يستغرق عقودا للتوصل إلى قرار ليس من الممكن اعتباره متلائما والغرض الذي أنشئ من اجله".

وقالت اللجنة في تقريرها إن اللوائح المتزمتة حرمت الاتحاد الاوروبي من الأنشطة البحثية وعرضت للخطر فرص بريطانيا كي تصبح لاعبا عالميا في مجال تكنولوجيا الزراعة الحديثة. وقال ميلر "يتعين علينا توظيف جميع الأدوات المتاحة لدينا سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو تكنولوجية من أجل مجابهة التحدي الهائل الخاص باطعام سكان العالم الذين تتضخم اعدادهم -فيما تستخدم موارد أقل- في حين بات المناخ غير مستقر بدرجة كبيرة. وفي حين تنتشر زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا في الأمريكتين وآسيا إلا انها نادرة في القارة الاوروبية. وتشتد المعارضة لهذه المحاصيل في بعض الدول ومنها فرنسا وألمانيا في حين تحبذها بريطانيا على نطاق واسع. بحسب رويترز.

وأبرزت اللجنة البرلمانية البريطانية ثلاثة من "نقاط القصور الرئيسية" في منظومة لوائح الاتحاد الاوروبي : أولها إنها ترتكز على فرضية ان المحاصيل المحورة وراثيا تشكل بالضرورة مخاطر جمة إذا ما قورنت بالمحاصيل المنتجة بالاستعانة بتقنيات أخرى. وثانيها إنها قيمت المخاطر التي تنطوي عليها المحاصيل المهندسة وراثيا لكنها أغفلت موازنتها بالفوائد الملموسة المحتملة بالنسبة للمنتج والمستهلك والبيئة. وثالثها إنها حرمت دول الاتحاد الاوروبي من اتخاذ قراراتها بنفسها بشأن ما اذا كانت ستتبنى المنتجات المعدلة وراثيا. وقال ميلر "يتعين ان يكون الغرض من اللوائح المشتركة هو ضمان الحماية المتبادلة من المنتجات غير الآمنة وليس تقييد الخيارات -دون وجه حق- المتاحة أمام الحكومات المنتخبة الأخرى وأمام المواطنين الذين تمثلهم هذه الحكومات".

الهند والثورة الخضراء

من جهة اخرى وعلى رقعة أرض محاطة بالأسوار ليست ببعيدة عن منزل رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي تبدو للعيان النورات الصفراء اليانعة لحقل من نبات الخردل العشبي الذي يقف شاهدا على عدول حكومته عن حظر فعلي على التجارب الحقلية الخاصة بالمحاصيل الغذائية المعدلة وراثيا. وقال علماء على دراية بهذا المشروع إن محصول الخردل المحور وراثيا القائم على قطعة الارض التي تبلغ مساحتها نصف فدان تابعة لمركز البحوث الزراعية بالهند في نيودلهي يمثل المرحلة الاخيرة من التجارب قبل إتاحة هذا الصنف للبيع تجاريا وقد يتم ذلك في غضون عامين.

وكانت الهند قد أصدرت قرارا رسميا بتأجيل زراعة الباذنجان المعدل وراثيا عام 2010 خشية وجود آثار على سلامة الغذاء والتنوع الحيوي. ولم يتم وقف رسمي للتجارب الاخرى للمحاصيل المهندسة وراثيا لكن الآليات التنظيمية توقفت. إلا ان السماح بزراعة المحاصيل المحورة وراثيا جوهري لتحقيق هدف مودي بمضاعفة الانتاجية الزراعية بالهند حيث أدت اتجاهات التحضر العمرانية الى التهام الرقعة القابلة للزراعة علاوة على النمو السكاني ما يعني ضرورة إطعام نحو 1.5 مليار فم بحلول عام 2030 وهو رقم أعلى من نظيره في الصين.

وبدءا من أغسطس آب من العام الماضي استأنفت حكومة مودي التجارب الحقلية بمجموعة منتقاة من المحاصيل التي لا تلقى شعبية تذكر. وقال باركاش جافاديكار وزير البيئة الهندي "تمضي التجارب الحقلية قدما في طريقها لان تفويضنا هو ايجاد مراجعة علمية وتقييم علمي". وأضاف "التجارب الحقلية المحدودة والآمنة مستمرة. وان كيفية الاطمئنان الى ان كانت آمنة تماما من عدمه عملية طويلة".

وكان مودي من مؤيدي المحاصيل المعدلة وراثيا عندما كان رئيسا لوزراء ولاية جوجارات منذ نحو عقد من الزمن وهو نفس الوقت الذي شهد ادخال القطن المحور وراثيا الى البلاد والذي كلل بالنجاح. وانطلقت زراعة هذا القطن عام 2002 وهو الذي يتميز بقدرته على انتاج مبيدات الآفات الخاصة به وهو المحصول الوحيد المحور وراثيا الذي يزرع رسميا في البلاد ويغطي نحو 95 في المئة من الرقعة المنزرعة قطنا في البلاد والبالغة 11.6 مليون فدان.

وبعد ان كانت واردات الهند أكثر من صادراتها من القطن اصبحت ثاني أكبر دولة منتجة ومصدرة للقطن في العالم. لكن جماعات من القاعدة الشعبية المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا الهندي القومي الحاكم في البلاد الذي يتزعمه مودي عارضت إنتاج محاصيل مهندسة وراثيا بسبب الاعتماد على التقاوي المسجلة لدى جهات متعددة القوميات. وتوعدت جماعة سواديشي جاجران مانش القومية التي تحبذ الاعتماد على الذات بالقيام باحتجاجات إذا اتيح انتاج المحاصيل المعدلة وراثيا على النطاق التجاري.

وتسيطر قلة من شركات التقاوي والكيماويات الزراعية على السوق العالمية للمحاصيل المحورة وراثيا ومنها شركة مونسانتو. وحققت الهند -التي تعتمد على الزراعة على نطاق واسع- الاكتفاء الذاتي في الحبوب الغذائية بعد انطلاق الثورة الخضراء في ستينات القرن الماضي عندما استنبطت اصنافا من الحبوب ذات الانتاجية العالية مع استخدام المخصبات وطرق الري الحديثة.

وينطوي التحدي الآن على اعادة استنساخ هذه الثورة التي نجحت في مجال الزيوت الغذائية والخضروات التي يشتد الطلب عليها. وقاد الباحثون في جامعة دلهي التجارب الحقلية لزراعة الخردل -الذي ينتج أعلى محصول من البذور الزيتية- برئاسة ديباك بنتال وهو عالم عاد الى بلاده الهند قادما من بريطانيا عام 1985 قائلا بانه استنبط سلالة عبر جينية من الخردل ترفع حجم الانتاج بنسبة 30 في المئة لكن التجارب توقفت فيما بعد بسبب قرار تأجيل الزراعة.

وبدأت وزارة البيئة الاتحادية الموافقة على التجارب الحقلية للمحاصيل المحورة وراثيا في اغسطس آب الماضي على الرغم من الزام من يقومون بذلك باستخراج شهادات من الولايات المعنية بشأن مكان اجراء هذه التجارب الحقلية. وتتزعم هذه التجارب الولايات التي يحكمها مسؤولون من حزب بهاراتيا جاناتا الهندي القومي الحاكم في البلاد ومنحت ولاية مهاراشترا الضوء الاخضر لتجارب الزراعة الحقلية للارز والحمص والذرة والباذنجان علاوة على اصناف أخرى من القطن.

وكانت ولاية البنجاب التي يشارك في حكمها حزب بهاراتيا جاناتا الهندي القومي الحاكم في البلاد وحزب محلي آخر قد أعطت الضوء الاخضر لزراعة الخردل المعدل وراثيا في اكتوبر تشرين الاول الماضي ثم ادارته الحكومة الاتحادية بصورة غير مباشرة في غياب الحكومة المحلية. وقال بنتال "الحكومة الاتحادية حاسمة على سبيل التغيير" مضيفا ان محصوله من سلالة الخردل قد يكون جاهزا لاطلاقه على النطاق التجاري في ظرف عام او اثنين.

لكن جماعة جرينبيس (السلام الاخضر) لا تزال على معارضتها. وقال مانفيندرا سينغ اينانيا وهو من ناشطي جماعة جرينبيس (السلام الاخضر) بالهند "إن اندفاع الحكومة الحالية باجراء تجارب حقلية صريحة دون معالجة الثغرات الاساسية في الآليات التنظيمية أمر يثير القلق البالغ". وأضاف "هذا يتركنا فريسة للتلوث باغذية مهندسة وراثيا غير مجربة ربما تكون خطرة. نحث الحكومة الاتحادية على التراجع عن موافقات منحت بالفعل للتجارب الحقلية الصريحة على المحاصيل المعدلة وراثيا". بحسب رويترز.

لكن مسؤول وزارة البيئة قال إن الدراسات لم تجد أي آثار ضارة من الأغذية المهندسة وراثيا وان على الشركات المحلية ان تتعاون مع شركات متعددة الجنسيات مثل مونسانتو التي اعطت تراخيص بالفعل لعدة شركات هندية لمنتجها من القطن. وقال متحدث باسم شركة مونسانتو في الهند "المزارعون أذكياء ويستحقون خيارات أوسع نطاقا. سيكافأون بالمنتجات والممارسات والشراكة التي سوف تضيف قيمة الى مزارعهم".

استراليا وأمريكا

في السياق ذاته تتسابق استراليا والولايات المتحدة -وهما من أكبر بلدان العالم المصدرة للقمح- كي تصبحا من الدول المنتجة بالجملة لمحصول الكينوا الذي يزرع أصلا في امريكا الجنوبية للاستثمار في سوق محصول خال من الجلوتين من المتوقع أن يصل حجمها لأكثر من ستة مليارات دولار بحلول عام 2018 . ويمثل محصول الكينوا أهمية خاصة بالنسبة لمزارعي القمح الاستراليين ممن يكافحون عادة موجات الجفاف التي تهلك محاصيلهم إذ ان بوسع هذه الحبوب الغذائية الصمود في وجه الظروف المناخية المتطرفة.

ويباع الكينوا بسعر نحو ثلاثة آلاف دولار للطن فيما يباع طن القمح دون 300 دولار للطن. وقالت المزارعة اشلي وايز في منطقة ناروجين إلى الجنوب الغربي من بيرث بولاية استراليا الغربية "نزرع الكينوا منذ نحو خمس سنوات ومع زيادة حجم السوق فان اعدادا أكبر من المزارعين الاخرين تقبل على الكينوا". وقد استحوذ الكينوا -وهو المحصول الأساسي لمزارعي منطقة جبال الانديز منذ آلاف السنين- على اهتمام الدول الغربية التي يحرص مواطنوها على صحتهم.

وأفادت بيانات من منظمة الأغذية والزراعة بان الطلب على الكينوا قفز بنسبة 300 في المئة بين عامي 2007 و2012 فيما تبذل الدول التقليدية الموردة لهذا المحصول -وهي بوليفيا وبيرو وشيلي والاكوادور- جهودا مضنية لتلبية الطلب من جانب مستهلكين غربيين يعتنون بصحتهم. وتشير بيانات الامم المتحدة إلى أن أسعار الكينوا تضاعفت بين عامي 2007 و2009 ثم انطلقت كالصاروخ حتى بلغت ذروتها عام 2014 ولم تظهر أي بوادر على ان الطلب على المحصول ذي النكهة الشبيهة بالبندق قد تأثر.

وأشار تقرير لمؤسسة (ريسيرش آند ماركتس) إلى أن حجم السوق العالمية للمحاصيل الخالية من الجلوتين مرشح للزيادة بنسبة عشرة في المئة سنويا ليتجاوز 6.2 مليار دولار بحلول عام 2018 . ويسبب الجلوتين حساسية لبعض الاشخاص في الامعاء الدقيقة نتيجة اضطراب خلقي وراثي المنشأ ما يتسبب في عدة القدرة على امتصاص العناصر الغذائية. ويشتد الاقبال على محصول الكينوا لمحتواه العالي من البروتين وخلوه من الجلوتين فضلا عن كونه المحصول الغذائي الوحيد الذي يحتوي على جميع الاحماض الأمينية والعناصر النادرة والفيتامينات.

وإنتاج التقاوي السليمة واختيار طرق الزراعة الملائمة لانتاج محصول الكينوا -الذي يزرع عادة في مساحات صغيرة بجبال الانديز- بكميات كبيرة هو الطريقة المثلى لدخول سوق بدأ الطلب العالمي فيها يلفظ الامدادات التقليدية من المحاصيل. ويقول العلماء في استراليا إنه لا يزال أمامهم ليس أقل من ثلاث سنوات قبل استنباط اصناف من الكينوا تتناسب ومناخ البلاد الحار الجاف. بحسب رويترز.

ويقوم المزارعون الامريكيون بإنتاج الكينوا في كولورادو بجبال روكي منذ ثمانينات القرن الماضي إلا انهم لم يصلوا بعد الى مستوى الإنتاج الضخم. واستعدادا لمرحلة بيع الكينوا على نطاق واسع فيما بعد تسعى بوليفيا إلى استنباط اصناف فريدة من الوجهة الوراثية تباع بأعلى الاسعار. ويجري المزارعون من أقصى شمال غرب استراليا وحتى جزيرة تسمانيا الجنوبية تجارب على إنتاج الكينوا. لكن إحدى العقبات الكبرى بالنسبة لمزارعي استراليا هي ضرورة زراعة الكينوا على المرتفعات صيفا لكن في حالة عدم وجود الجبال فانهم يحاولون زراعتها عند مستوى سطح البحر شتاء.

اضف تعليق