حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع الأسبوع أن منظمة أوبك ستمدد خفض إنتاج النفط، كاشفا عن اتفاق قبل حتى أن تجتمع المنظمة وتقره، أغضبت تلك الخطوة بعض الدول الأعضاء في أوبك، واستاءت تلك الدول من الدور القيادي لبلد، ليس عضوا في أوبك...
(رويترز) - حينما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع الأسبوع أن منظمة أوبك ستمدد خفض إنتاج النفط، كاشفا عن اتفاق قبل حتى أن تجتمع المنظمة وتقره، أغضبت تلك الخطوة بعض الدول الأعضاء في أوبك، واستاءت تلك الدول من الدور القيادي لبلد، ليس عضوا في أوبك وكان يعتبر سابقا عدوا في أسواق النفط، في تشكيل ملامح سياسات المنظمة، لكن الواقع لم يلبث أن فرض نفسه، وجاء معه القبول بأن موسكو يمكن أن تساعد أوبك في تحقيق هدفها المتمثل في دعم أسعار النفط في وقت تواجه فيه ضغوطا مكثفة على جبهة أخرى هي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويمارس ترامب ضغوطا غير مسبوقة على أوبك وعلى السعودية القائد الفعلي للمنظمة، مطالبا إياهم بضخ مزيد من الخام لدفع أسعار البنزين للهبوط، وهي قضية داخلية مهمة له في سعيه لإعادة انتخابه العام القادم.
وأبدى وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه في البداية غضبه من الإعلان الاستباقي لبوتين حول تمديد خفض الإنتاج، وقال زنغنه صباح يوم الاثنين ”أوبك ستموت جراء هذه الممارسات“، قبيل اجتماع وزراء المنظمة لإقرار اتفاق محسوم بالفعل، منتقدا هيمنة روسيا والسعودية على شؤون المنظمة، لكن بحلول مساء يوم الاثنين، أبدى زنغنه دعمه للاتفاق، وقال ”كان الاجتماع جيدا بالنسبة لإيران، وحققنا ما كنا نريده“.
وخلافا لكل التوقعات أصبح فرقاء الأمس شركاء اليوم، وشكلت أوبك مع روسيا تحالف أوبك+ لخفض إمدادات النفط العالمية بهدف التصدي للارتفاع الكبير في إنتاج الولايات المتحدة وضعف الاقتصاد العالمي، إنه زواج مصلحة، حيث يريد كل من الطرفين رفع أسعار النفط لدعم أوضاعه المالية، كما أن التحالف من شأنه أيضا دعم موقف أوبك في مواجهة مطالب ترامب، وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح حينما سئُل عما إذا كان بوتين قد أصبح الآن رئيسا لأوبك، ”لا أعتقد أن روسيا هي التي تدير الأمور، ”أعتقد أن نفوذ روسيا موضع ترحيب“.
واتفق حسين كاظم بور أردبيلي محافظ إيران في أوبك مع هذا الرأي، عاكسا النبرة التصالحية لرئيسه زنغنه، وقال ”روسيا لاعب كبير. إذا كانت قد أعلنت شئ ما بالاتفاق مع بقية أعضاء أوبك، فهذا أمر مُرحب به، فنحن نعمل سويا“.
كما قال العراق، الذي تجاوز إيران ليصبح ثاني أكبر منتج في أوبك بعد السعودية واستحوذ على حصتها السوقية في أوروبا وآسيا، إن الدور المتنامي لموسكو أمر إيجابي، ويشكل مثل هذا التوافق تحولا حادا في العلاقات بين أوبك وروسيا، بعدما ناصبتها المنظمة العداء وعدم الثقة لعقود، في عام 2001، اتفقت روسيا مع أوبك على خفض الإنتاج، لكنها لم تلتزم على الإطلاق بتعهداتها وبل وعززت إنتاجها. وسبب ذلك أضرارا بالغة للعلاقات بين الطرفين، ولم تنجح محاولات أخرى للتعاون حتى تم تشكيل التحالف الأخير.
وفي كتابه ”خارج الصحراء“، قال وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي إنه اجتمع مع مسؤولين روس في عام 2014، ولم يستغرق الاجتماع سوى دقائق، مضيفا أنه جمع أوراقه قائلا ”أعتقد أن الاجتماع انتهى“ وذلك بمجرد أن علم بأن روسيا لن تخفض الإنتاج.
تغير الديناميات
أعلن بوتين يوم السبت أنه التقى مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا، واتفقا على تمديد تخفيضات إنتاج أوبك وحلفائها، وقال جاري روس الرئيس التنفيذي لبلاك جولد إنفستورز إنه حتى وإن كان ”من غير اللائق“ للسعودية أن تسمح لبوتين بالإعلان عن الاتفاق، إلا أن ذلك يظهر تغير ديناميات سوق النفط.
وأضاف روس، أحد المراقبين المخضرمين لأوبك ”لا يهتم ترامب إلا بأمر واحد - انخفاض أسعار النفط. أما بوتين فيريد ارتفاع الأسعار، ”بوتين بالغ الأهمية لأوبك. ولا يزال من مصلحة روسيا العليا أن تتعاون مع أوبك، إذ أن نصف ميزانيتها يأتي من إيرادات الطاقة“.
تحتاج روسيا لأسعار تتراوح بين 45 و50 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها، وتتعرض ماليتها العامة لضغوط جراء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد ضمها لشبه جزيرة القرم. أما السعودية فتحتاج لسعر أعلى يبلغ 80 دولارا للبرميل.
ويدور سعر خام القياس العالمي برنت حاليا حول 65 دولارا للبرميل، ولكن في حين أن التعاون قد يمنح السعودية بعض الدعم في مواجهة ترامب، الذي طالب الرياض بزيادة إمدادات النفط إذا كانت تريد الدعم العسكري الأمريكي في مواجهتها مع غريمتها الإقليمية إيران، فإنه يمنح بوتين أيضا الكثير من العوائد الإضافية.
فالعلاقات الطيبة مع الرياض، حليفة الولايات المتحدة، تعزز نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وتدعم حملة بوتين في سوريا بل وربما تساهم في إصلاح العلاقات مع واشنطن، وفقا لما ذكره مصدران في الوفد الروسي إلى فيينا، محل انعقاد اجتماع مسؤولي أوبك.
ومما يسلط الضوء على تلك الأدوار المتشابكة، يرأس وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عددا من اللجان الحكومية الروسية المعنية بالتجارة والتعاون بما في ذلك مع السعودية وإيران وتركيا وقطر، ويوضح تغير نبرة إيران بصفة خاصة الضغوط السياسية والاقتصادية المتضاربة التي تواجهها، فانخفاض إنتاج طهران، بسبب العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها ووسع ترامب نطاقها، قلص من دور إيران داخل أوبك بينما يعزز دور السعودية وروسيا غير العضو بالمنظمة، وهبطت صادرات إيران النفطية إلى 0.3 مليون برميل يوميا في يونيو حزيران من نحو 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل نيسان 2018، غير أن إيران نفسها تتطلع للحصول على المساعدة من روسيا، وهي واحدة من دول قليلة عرضت مساندة طهران في مواجهة العقوبات التي تخنق تجارتها النفطية وتعرقل اقتصادها، وقال مصدران بقطاع الطاقة الروسي إن هناك بعض العمل الذي يجري لتعزيز الاقتصاد الإيراني، لكن المحادثات بطيئة وصعبة، دون أن يكشفا أي تفاصيل بخصوص طبيعة هذه الخطط.
اضف تعليق