يعد النفط الصخري أحد أنواع البترول الخفيفة ويتم إنتاجه من صخور ورمال عميقة تحتوي على ترسباته. بدأ هذا النوع من النفط يأخذ دورا متزايدا في السوق العالمية بعد تطور التقنيات القادرة على استخراجه بعد بداية الألفية الحالية، وتعد الولايات المتحدة أهم منتجي النفط الصخري وهناك معلومات...
يعد النفط الصخري أحد أنواع البترول الخفيفة ويتم إنتاجه من صخور ورمال عميقة تحتوي على ترسباته. بدأ هذا النوع من النفط يأخذ دورا متزايدا في السوق العالمية بعد تطور التقنيات القادرة على استخراجه بعد بداية الألفية الحالية، وتعد الولايات المتحدة أهم منتجي النفط الصخري وهناك معلومات تفيد بأنها تنوي بفضل زيادة إنتاجه تصدر الدول المنتجة للنفط إلى جانب السعودية وروسيا. وهناك دول عربية في مقدمتها ليبيا والجزائر ومصر لديها احتياطات هامة منه لم يتم البدء باستخراجها حتى الآن. ومع استمرار تطور تقنياته يتوقع زيادة انتاجه بأسعار أنسب تناسب النفط المستخرج من الآبار التقليدية.
وتزامن انحدار أسعار النفط الخام في الفترة الأخيرة مع بدء منتجي النفط الصخري في تحقيق عوائد جيدة بعد سنوات من الإنفاق الكثيف لتعزيز الإنتاج والحصة السوقية. وأبهج التحول المستثمرين الذين أضجرهم انتظار جني الثمار وهم يشاهدون طفرة خام غرب تكساس الصخري تجعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم ومُصدر رئيسي، لكن تراجع أسعار النفط الخام الأمريكي 29 بالمئة منذ أكتوبر تشرين الأول بات يهدد هوامش الأرباح المتحسنة تلك، وإذا بقيت الأسعار دون 50 دولارا للبرميل فربما ينال ذلك من قيمة احتياطيات النفط الصخري، التي تستخدمها البنوك لتحديد قوة الاقتراض.
وذكر ستيفن بروت الرئيس التنفيذي لمنتج النفط الصخري إليفيشن ريسورسز إن النشاط في أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة قد ينخفض عشرة إلى عشرين بالمئة العام القادم إذا بقيت الأسعار منخفضة. وأوقد تراجع الأسعار شرارة موجة بيع في أسهم شركات النفط الصخري وقد تكدر انتكاسة أخرى مزاج المستثمرين تجاه القطاع لسنوات، وفي ظل هذه الدينامية، يعلق منتجو النفط الصخري الآمال على إنقاذ يأتيهم في شكل تخفيضات إنتاج من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عندما تجتمع لاحقاً، وهو ما يضعهم على طرف نقيض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يضغط على أوبك لإبقاء الصمامات مفتوحة.
ورغم أن ترامب داعم متباه بشكل عام لشركات الوقود الأحفوري، فقد سخر من احتمال خفض إنتاج أوبك باعتباره ”يسرق من بقية العالم“ عن طريق التضخيم المصطنع لأسعار بيع الوقود إلى المستهلكين. يذكر انه قد ارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي، وبلغ سعر التسوية 52.89 دولار للبرميل بفعل توقعات بأن تتفق أوبك على خفض الإنتاج في اجتماعها. وقد أشاد ترامب بالسعودية على تويتر لقيامها بزيادة الإنتاج مما ساعد على دفع أسعار النفط للهبوط نحو 30 بالمئة، إلى ما يقرب من 50 دولارا، فيما وصفه الرئيس الأمريكي بأنه ”مثل خفض ضريبي كبير“.
في حين أفاد بروس كامبل، رئيس المكتب الاستشاري كامبل لي آند روس لإدارة الاستثمار، إنه حتى لو تراجعت أوبك واستقرت الأسعار العالمية عند المستويات الحالية، فقد لا يكون ذلك كافيا لكي يستعيد النفط الصخري حظوته لدى المستثمرين. وتملك الشركة أسهما في رويال داتش شل نظرا لتوزيعات أرباحها وميزانيتها القوية، لكنها لم تعد ترى سببا يشجعها على الاستثمار في النفط الصخري، وأضاف كامبل أن شركات النفط الصخري تستطيع خفض التكاليف أكثر، ”لكن الأمر يستغرق 12 إلى 18 شهرا للتمدد عبر النظام“ وجعل الأرباح ترتفع مجددا. وتابع أنه ما لم ترتفع أسعار الخام، فسيكون من الصعب على المستثمرين ”أن يجدوا مكانا يتحمسون له“.
فمنذ اندلاع حرب الأسعار في 2014-2016 بين أوبك ومنتجي النفط الصخري، حين دفع الارتفاع الكبير في الإمدادات العالمية الأسعار للهبوط إلى نطاق العشرين دولارا للبرميل، تعلم مستخرجو النفط الصخري في تكساس اعتصار الأرباح عند انخفاض الأسعار لما يصل إلى 38 دولارا للبرميل، نزولا من حوالي 71 دولارا في 2014، حسبما ذكرته ريستاد إنرجي الاستشارية، لكن أسعار التعادل في حقول النفط الأمريكية الأخرى تدور بين 43 و48 دولارا للبرميل، وأضافت ريستاد أن التكلفة التي يتحملها المنتجون في الشرق الأوسط تُقدر بنحو 11 دولارا للبرميل في العراق، و17 دولارا في السعودية، وأقل من 21 دولارا في الكويت.
لكن هذه الدول تحتاج إلى أسعار نفط أعلى بكثير لتمويل الإنفاق الحكومي. وقد صرح مسؤول بصندوق النقد الدولي إن السعودية تحتاج إلى متوسط سعر للنفط عند 85-87 دولارا للبرميل لتغطية ميزانيتها الحكومية لهذا العام، ومازالت الصناعة الأمريكية تتوسع في استخدام تقنيات حفر أكثر كفاءة، وتتوسع شركات النفط الكبرى بي.بي وشيفرون وإكسون موبيل في عمليات النفط الصخري وتشييد البنية التحتية لخطوط الأنابيب للحفاظ على زيادة الإنتاج.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة لمستهلكي النفط الرئيسيين بشأن سياسة الطاقة، أن يرتفع إنتاج النفط من خارج أوبك 2.3 مليون برميل يوميا هذا العام، بينما من المنتظر أن ينمو الطلب 1.3 مليون برميل يوميا العام القادم. وربما يؤدي ذلك مجددا إلى فائض في المعروض بالسوق، ويدفع الأسعار العالمية للهبوط. ويجب أن تقرر أوبك ما إذا كان الاقتصاد العالمي سيحتاج مزيدا من النفط أو أقل. فبعد أشهر من الإنتاج بأقل كثيرا من المستوى المستهدف، قام قادة المنظمة بزيادة إنتاجهم في الصيف الماضي وبحلول أكتوبر تشرين الأول ارتفع إنتاجهم نحو 400 ألف برميل يوميا عن سبتمبر أيلول. وزادت روسيا أيضا إنتاجها نحو 460 ألف برميل يوميا فوق سقفها. وأظهرت بيانات حكومية أن الشركات العاملة في الحوض البرمي، أكبر مكمن للنفط الصخري في الولايات المتحدة، ضخت 1.6 مليون برميل يوميا في يونيو حزيران 2014، حينما كانت الأسعار في ذروتها عند 107 دولارات للبرميل وارتفع الإنتاج إلى نحو مليوني برميل يوميا بعد ذلك بعامين مع هبوط الأسعار إلى 26 دولارا.
كيف تدعم سياسة النفط السعودية منتجي الخام الصخري في أمريكا؟
يمكن للمسؤولين عن قطاع النفط في الولايات المتحدة الأمريكية، أن يأخدوا قسطا من الراحة، بعد أن صرحت المملكة العربية السعودية، إنها ستدعم سوق الخام العالمية. وأعلنت السعودية عن نيتها خفض الشحنات بنصف مليون برميل يوميا، وضغطت المملكة بثقلها لتقليل المعروض في أسواق النفط، العام المقبل. وحدث تغير كبير في وضع السعودية، إذ كانت قبل شهر تزيد إنتاجها تحت ضغط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتجنب وصول سعر برميل النفط إلى 100 دولارا للبرميل، مما يعني أن أكبر مُصدر للنفط في العالم لن يترك الأسعار تتهاوى.
ويعتبر التوجه السعودي بدعم سوق النفط، خبرا إيجابيا لشركات النفط الصخري الأمريكية، وخاصة الشركات التي تعاني من ديون مرتفعة مما يجعلها أكثر حساسية لتقلبات الأسعار.
وأدت المخاوف من زيادة العرض إلى انخفاض أسعار النفط الأمريكي، وكانت تلك المخاوف مدفوعة جزئيا بالتطورات في الولايات المتحدة، حيث زادت شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية من الإنتاج بشكل أسرع من المتوقع ليصل الإنتاج الأمريكي إلى 11 مليون برميل يوميًا في أغسطس/آب للمرة الأولى على الإطلاق، بالإضافة فرض عقوبات بأقل من المتوقع على نفط طهران، بعد أن منحت الإدارة الأمريكية استثناءات مؤقتة لثمان دول لمواصلة شراء النفط الإيراني.
وقد قفزت أسعار النفط في الولايات المتحدة في بداية التعاملات حوالي 1 ٪، متحدية عمليات بيع في سوق الأسهم، مع ذلك تلاشى الإندفاع واستقرت الأسعار دون 60 دولارا للبرميل، ويعتبر الهبوط الذي دام 11 يوماً هو أطول ركود منذ بدء تداول العقود الآجلة عام 1983. وبينما انخفض مؤشر داو جونز بنحو 2٪، تحسن آداء بعض شركات النفط الصخري، بما في ذلك هييس وبايونير ناتشيورال ريسورسز. ولدى السعودية، أسبابها الخاصة للدفاع عن الأسعار، وبحسب بنك أوف أمريكا ميريل لينش، فإن المملكة تحتاج خام برنت حول 89 دولارا للبرميل لتوازن ميزانيتها لعام 2018، وهذا أعلى بكثير من الأسعار الحالية. وفي عامي 2014و2015 اتبعت السعودية نهجا مختلفا للغاية يهدف لوفرة المعروض، إذ غمرت السوق بفائض من النفط في محاولة لطرد المنتجين ذوي التكلفة العالية، بما في ذلك شركات النفط الصخري في الولايات المتحدة. وانخفضت أسعار النفط الخام إلى 26 دولار للبرميل في أوائل عام 2016 لتسبب في إفلاس عشرات الشركات النفطية وتسريح عمالها، لكن شركات النفط الصخري خرجت من الأزمة بميزانيات أقوى وتكنولوجيا أفضل، ويبدو أن السعودية ليس لديها رغبة في خوض هذه الحرب ضد النفط الصخري مرة أخرى.
أمريكا تبلغ روسيا والسعودية أن النفط الصخري لن "يعرقل" الأسواق
أبلغ وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري روسيا والسعودية، أكبر منتجي النفط في العالم، أنه يعتقد أن طفرة النفط الصخري الأمريكي لن تصبح عاملا معرقلا لأسواق النفط لأن الانتاج الجديد سيستوعبه طلب عالمي يتزايد سريعا. وكان بيري ،وهو حاكم سابق لولاية تكساس معقل طفرة النفط الصخري الأمريكي، يتحدث في ظهور مشترك نادر مع وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك ووزير الطاقة السعودي خالد الفالح في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
وأفاد ”لا أظن أن انتاج النفط الصخري الأمريكي سيكون عاملا معرقلا. هناك الكثير من الإصلاحات الجارية حول العالم- في المملكة (السعودية) وفي المكسيك وفي الهند- تلك الإصلاحات من الممكن أن تحفز الاستهلاك“. وتخفض أوبك بقيادة السعودية، وروسيا وهي منتج بارز خارج المنظمة، الانتاج في 2017-2018 لدعم أسعار النفط، لكن الولايات المتحدة، التي تنافس روسيا والسعودية على موقع أكبر منتج نفطي في العالم، لا تشارك في تخفيضات الانتاج.
من جهة أخرى ذكر نوفاك والفالح إن الأسواق تركز بشكل كبير على التقلبات في انتاج النفط الصخري الأمريكي، الذي ما زال يمثل نسبة متواضعة من الانتاج العالمي، واضاف الفالح إن انتاج النفط في المكسيك وفنزويلا يتراجع وتكهن بأن الطلب العالمي على الخام سيقفز في الأعوام الخمسة والعشرين القادمة ليصل إلى 120 مليون برميل يوميا من مستوياته الحالية التي تقترب من 100 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع أن يرتفع انتاج النفط الصخري الأمريكي بمقدار مليون برميل يوميا هذا العام، ليرفع مجمل انتاج الولايات المتحدة فوق 10 ملايين برميل يوميا، في حين ذكر نوفاك أيضا إن الطلب يشهد زيادة سريعة وإن الاحتياطيات في حقول النفط المتقادمة حول العالم تنفد، وهو ما يعني أن نمو الانتاج الأمريكي من غير المرجح أن يعيد أسواق النفط مجددا إلى فائض في المعروض، وأضاف أن منتجي النفط سيعودون في نهاية المطاف إلى المنافسة المباشرة عندما ينتهي الاتفاق بين أوبك والمنتجين المستقلين، لكنه لم يذكر متى قد يحدث هذا.
وقد أظهرت توقعات حكومية شهرية أن إنتاج النفط من سبعة أحواض صخرية كبرى في الولايات المتحدة من المتوقع أن يسجل مستوى قياسيا عند 7.94 مليون برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول. وصرحت إدارة معلومات الطاقة إن من المتوقع أن يرتفع إجمالي الإنتاج من الأحواض السبعة بمقدار 113 ألف برميل يوميا، بقيادة زيادة كبيرة في حوض برميان في تكساس ونيو مكسيكو، حيث من المتوقع أن يقفز الإنتاج بمقدار 63 ألف برميل يوميا إلى نحو 3.7 مليون برميل يوميا في ديسمبر كانون الأول، ومن المتوقع أيضا ارتفاع الإنتاج في كل من الأحواض الأخرى باستثناء هاينزفيل، حيث سيظل الإنتاج مستقرا عند مستوى 43 ألف برميل يوميا.
ويبدو ان زيادة إنتاج النفط الصخري يعني أن الولايات المتحدة لن تعتمد أكثر من ذلك على النفط السعودي، فالسعودية تعتمد على الجيش الأمريكي في توفير الأمن لإنتاج وتصدير نفطها، حيث يتمركز الأسطول الأمريكي الخامس في مياه الخليج ليحمي الملاحة في مضيق هرمز الذي تعبر منه إمدادات النفط السعودية، وإنه من غير المرجح قريبا أن يغادر هذا الأسطول المنطقة بشكل مفاجئ لكن حاليا بدأت جدوى بقائه تقل، وأن الولايات المتحدة أصبحت لا تشعر بالضغط الكبير كما كان في السابق لتأمين مرور النفط السعودي من الخليج بهدف إيصاله إلى الأسواق الأمريكية بأقل تكلفة ممكنة لدفع عجلة الإنتاج وأن واشنطن بدأ شغفها بموارد النفط في المنطقة المضطربة سياسيا يقل بسبب وصول حجم الإنتاج اليومي للنفط الصخري إلى 10 ملايين برميل يوميا.
اضف تعليق