تدخل بريطانيا خلال الشهور المقبلة منعطفاً تاريخياً، حيث ستنهي عضويتها في الكتلة الأوروبية التي دخلتها في عام 1973 على عهد رئيس الوزراء تيد هيث، لتبدأ عهداً جديداً من المفاوضات والترتيبات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم، كدولة مستقلة بقرارها المالي والاقتصادي والسياسي، وعلى الرغم من المزايا العديدة التي يوفرها الفكاك من قيود الاتحاد الأوروبي، فإن هنالك تحديات عديدة تواجه بريطانيا في فترة ما بعد"البريكست". اذ كشف تقرير أجرته مؤسسة "ريزولوشن فاونداشن" أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء في بريطانيا قد اتسعت خلال السنوات العشرة الماضية، وحسب التقرير فإن واحد في المئة من السكان يمتلكون نحو 14 في المئة من الأصول في البلاد، إذ يمتلك 488 ألف شخص أصولا تبلغ قيمتها نحو 11 تريليون جنيه استرليني، وعلى الجانب الآخر، كشف التقرير أن 15 في المئة من السكان، الذين يصل عددهم إلى 7.3 مليون شخص، إما لايمتلكون أي أصول على الإطلاق أو مثقلون بالديون، وفي المقابل، ردت الحكومة على التقرير بتأكيد أن معدل عدم العدالة في الدخول لجميع المواطنين عند أقل مستوى له منذ ثمانينات القرن الماضي، وتعد مؤسسة "ريزولوشن فاونداشن" إحدى المؤسسات غير المنحازة سياسيا، وأسسها عدد من المفكرين والخبراء عام 2005 بهدف تحسين مستويات المعيشة بين أكثر من 15 مليون شخص من أبناء الطبقة الوسطى والدنيا في المجتمع البريطاني.
وكشفت المؤسسة أن سياسات امتلاك العقارات في بريطانيا في نهاية القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي، أدت إلى اتساع فجوة الثراء بين المواطنين طوال السنوات العشرة المنصرمة.
وذكرت المؤسسة إن نسبة العقارات التي يمتلكها ثمانين في المئة من البريطانيين، ارتفعت من 35 في المئة إلى 40 في المئة في الفترة بين عامي 1995 و2005، لكن منذ ذلك العام وحتى الآن، بدأت هذه النسبة في التراجع لصالح الأغنياء، كما ذكر التقرير أن تراجع نسبة امتلاك السكن في بريطانيا "يزيد من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وبين الشباب وكبار السن، وذلك بعد أن كان امتلاك السكن يسهم في دحر عدم المساواة بين طبقات المجتمع".
من جهة أخرى صرح وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند لبي بي سي إن الشركات تحجم عن الاستثمار في بريطانيا نظرا لحالة الغموض المتوفرة بعد تصويت بلاده على الخروج من الاتحاد الأوروبي، اذ أنه من الواضح للغاية أن الشركات ليس لديها حرية التصرف فيما يتعلق بالاستثمارات، لذا تحجم نشاطها ويمكن تفهم ذلك، وجاءت تصريحات هاموند في الوقت الذي تشير فيه دراسة أجراها اتحاد الصناعة البريطاني إلى أن 42 في المئة من الشركات البريطانية تعتقد أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يضر بخطط استثماراتها، ودعا اتحاد الصناعة البريطاني حكومته إلى سرعة إبرام اتفاق تجاري في المستقبل مع الاتحاد الأوروبي.
في حين أفاد ريان نيوتون-سميث، كبير الاقتصاديين في مجموعة "سي بي آي" الضاغطة للأعمال يتعين على الحكومة البريطانية من أجل مساعدة الشركات على الاحتفاظ بالتفاؤل وحصار حالة عدم اليقين أن تتحرك بسرعة نحو الاتفاق على شروط الانتقال الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والترتيبات التجارية في المستقبل، وأضاف أن هذا سبب اقتراح (مجموعة) سي بي ىي البقاء في سوق موحدة واتحاد الجمارك حتى تسري الاتفاقية النهائية.
تباطؤ اقتصادي على خلفية بريكست والازمة السياسية
حذر اتحاد الصناعيين البريطانيين من تباطؤ الاقتصاد البريطاني في السنوات المقبلة بسبب الازمة السياسية التي تعيشها البلاد وتداعيات بريكست، غداة بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وبحسب التوقعات الاخيرة للاتحاد فان الاقتصاد البريطاني سيسجل نموا بنسبة 1,6 بالمئة هذا العام، قبل أن تتراجع هذه النسبة الى 1,4 بالمئة في 2018، وبلغت نسبة نمو الاقتصاد البريطاني 1,8 بالمئة عام 2016، واضاف اتحاد الصناعيين البريطانيين، اكبر تجمع بريطاني لارباب العمل، الانتخابات البريطانية التي لم تنتج غالبية واضحة في مجلس النواب الى قائمة الاسباب المؤدية الى هذا التباطؤ، وكانت التوقعات السابقة تشير الى نمو بنسبة 1,3 بالمئة للعام 2017 وبنسبة 1,1 بالمئة للعام 2018.
كما اعلنت المديرة العامة لاتحاد الصناعيين البريطانيين كارولاين فيربرن أنه يجب المحافظة على ثبات النمو، على مدى السنوات القليلة القادمة التي ستشهد تباطؤا لوتيرة الاقتصاد، وشددت فريبرن على ان قطاع التصدير البريطاني يجب ان يؤدي دور المحفز الحقيقي للنمو، مشيرة إلى ان ارتفاع نسبة التضخم والنمو الشديد البطء للاجور يعني ان الناس بدأوا بالفعل يشعرون بالضغط، وبدأت بريطانيا والاتحاد الاوروبي رسميا مفاوضات بريكست في بروكسل بالتعهد بالعمل بشكل بناء من أجل التوصل لاتفاق على الرغم من الجدل في لندن حول اعتماد مقاربة "قاسية" ام "مرنة" للطلاق، وشددت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مرارا على ان بريطانيا ستخرج من السوق الاوروبية المشتركة والوحدة الجمركية بهدف الحد من الهجرة الى بريطانيا انطلاقا من اراضي الاتحاد الاوروبي، متحدثة عن بريكست "قاس"، وقد دعت المجموعات التي تضم اتحاد الصناعيين البريطانيين وغرف التجارة البريطانية، واتحاد الشركات الهندسية، واتحاد شركات الأعمال الصغيرة ومعهد المديرين، الحكومة الى اعطاء الاقتصاد الاولوية.
بريطانيا تشهد أطول انخفاض في القدرة الشرائية منذ السبعينات
أظهرت بيانات حكومية أن المستهلكين البريطانيين شهدوا أطول موجة انخفاض في قدرتهم الشرائية منذ سبعينيات القرن العشرين، لكن هناك مؤشرا على أن الاقتصاد ربما اكتسب بعض الزخم في الآونة الأخيرة، وتعطي الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية صورة قاتمة للمستهلكين الذين يواجهون الصدمة المزدوجة الناتجة عن تباطؤ نمو الأجور وارتفاع التضخم الذي يرجع لأسباب على رأسها انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني منذ التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وبين مكتب الإحصاءات الوطنية إن الدخل القابل للإنفاق، المعدل في ضوء التضخم، انخفض للربع الثالث على التوالي وعزا ذلك في جزء منه إلى توقيت دفع الضرائب. وتمثل موجة الانخفاض أسوأ موجة من نوعها منذ السبعينات وهبط معدل الادخار إلى أدنى مستوى على الإطلاق عند 1.7 في المئة.
ويترقب بنك انجلترا المركزي مؤشرات على تسارع الاقتصاد بعد بداية ضعيفة هذا العام في الوقت الذي يسعى فيه لتحديد موعد زيادة أسعار الفائدة للمرة الأولى في عشر سنوات، وأكد مكتب الإحصاءات الوطنية أن الاقتصاد نما 0.2 بالمئة فقط في الفترة بين يناير كانون الثاني ومارس آذار مقارنة مع الأشهر الثلاثة السابقة، ليسجل بذلك تباطؤ حادا مقارنة مع وتيرة النمو في الربع الأخير من 2016 البالغة 0.7 بالمئة على أساس ربع سنوي، ويتوقع بنك انجلترا المركزي أن تزيد وتيرة النمو إلى 0.4 بالمئة في الربع الثاني، بالرغم من النتائج غير الحاسمة للانتخابات العامة التي أجريت هذا الشهر، وذكر إنه قد يبدأ في رفع أسعار الفائدة إذا زادت الصادرات والاستثمار في الأشهر المقبلة.
وأضاف مكتب الإحصاءات الوطنية إن قطاع الخدمات المهيمن على اقتصاد بريطانيا نما بوتيرة شهرية بلغت 0.2 في المئة في أبريل نيسان بما يقل قليلا عن مستواه في مارس آذار، لكن نمو القطاع في ثلاثة أشهر حتى أبريل نيسان بلغ 0.2 في المئة ارتفاعا من 0.1 بالمئة في الثلاثة أشهر الأولى من العام، وإن استثمارات الشركات زادت 0.6 بالمئة على أساس ربع سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من 2017 دون تغيير عن التقديرات السابقة وبما يعوض جزئيا انخفاضا في الربع الأخير، وأضاف أن عجز ميزان المعاملات الجارية البريطاني زاد إلى 16.9 مليار جنيه استرليني في الفترة بين يناير كانون الثاني ومارس آذار بما يعادل 3.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من 2.4 بالمئة في الربع الأخير من العام الماضي.
ويرجع السبب الرئيسي وراء ارتفاع العجز إلى ضعف أداء الميزان التجاري لبريطانيا في مطلع 2017، وإن كان العجز جاء أقل قليلا من متوسط التوقعات البالغ 17.3 مليار جنيه، وفي إطار تفاصيل النمو الإجمالي للاقتصاد في أوائل 2017، ذكر مكتب الإحصاءات الوطنية إن إنفاق المستهلكين نما بوتيرة أبطأ مقارنة مع أواخر 2016، ليرتفع 0.4 في المئة مقارنة مع 0.7 بالمئة في الربع الرابع، وانخفض الدخل الحقيقي القابل للإنفاق 1.4 في المئة على أساس ربع سنوي وهو ثالث هبوط على التوالي وأكبر تراجع منذ الربع الأول من 2013.
منافسة شديدة على استضافة وكالتين اوروبيتين مغادرتين لبريطانيا بعد بريكست
تخوض الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي منافسة شديدة على استضافة وكالتين أوروبيتين ستغادران بريطانيا بعد بريكست ومعهما مئات الموظفين وعائلاتهم وما يرافق ذلك من عائدات اقتصادية، ويريد قادة الدول الأعضاء بأي ثمن تفادي فتح سوق مزايدات وسيغتنمون فرصة القمة الاوروبية الخميس في بروكسل لمحاولة تبني آلية توافقية للاختيار، واقترحت فرنسا مدينة ليل (شمالا) لاستضافة "الوكالة الاوروبية للدواء"، لكن المنافسة عليها تبدو محتدمة مع امستردام وكوبنهاغن وستوكهولم وبرشلونة.
اما المانيا فتريد ان تصبح فرانكفورت مقر "السلطة المصرفية الاوروبية" وسط منافسة باريس وبراغ، وبرزت كذلك مدن على غرار فيينا ودبلن ووارسو رشحتها بلدانها لاستضافة الوكالتين معا.
وتتخذ "الوكالة الاوروبية للدواء" مقرها منذ 1995 في حي الاعمال "كاناري وورف" في لندن، وهي مكلفة الترويج للصحة العامة من خلال أنشطة تقييم وإشراف على العقاقير للاستخدام البشري والبيطري، وتوظف الوكالة حوالى 900 شخص وسجلت 30 الف ليلة في الفنادق بفضل زوارها الكثر في العام 2015، بحسب وثيقة لمجلس الاتحاد الاوروبي، في حين أنشئت "السلطة المصرفية الاوروبية" في 2011 واتخذت مقرا في لندن، وباتت معروفة عبر اختبارات الاجهاد التي تجريها على المصارف الاوروبية، وهي توظف حوالى 190 شخصا، فيما يراكم زوارها حجوزات فندقية توازي حوالى 9000 ليلة سنويا، بحسب الوثيقة نفسها، ووضع مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم الدول الاعضاء آلية بعدة مراحل تتيح لها توزيع النقاط على المدن المرشحة المرغوبة، وما زالت الآلية طور البلورة ويفترض ان تطرح الخميس على قادة الدول الأعضاء الـ27 المجتمعين في بروكسل.
وينص مشروع المجلس على منح كل من الدول الأعضاء 6 نقاط يجوز لها توزيعها في دورة تصويت أولى بمنح خيارها الاول ثلاث نقاط والثاني نقطتين والثالث نقطة واحدة، ويفوز موقع مرشح في حال حصوله على ثلاث نقاط من 14 دولة على الاقل، والا فستنظم دورة تصويت ثانية على المدن المرشحة الثلاث الأولى، لكن هذه المرة بموجب صوت واحد لكل دولة عضو.
يستلزم الفوز بالدورة الثانية 14 نقطة، وفي حال فشل أي من المدن المرشحة الثلاث في جمعها، فتنص الآلية على دورة تصويت ثالثة ونهائية على البلدين اللذين تصدرا تصويت الدورة الثانية على مدنهما المرشحة، وفي جميع الأحوال، وأيا كان البلد الفائز، فيترتب على لندن تسديد تكاليف نقل المقار، على ما أنذر اعضاء الاتحاد الـ27.
تحديات مابعد الانفصال
يمكن تلخيص هذه التحديات في النقاط التالية:
أولاً: الحفاظ على سعر صرف ثابت للجنيه الإسترليني في نطاق ذبذبة ضيقة خلال الفترة التي تلي توقيع فض الشراكة مع أوروبا. ويلاحظ أن الإسترليني انخفض في التعاملات ، إلى أقل من 1.22 مقابل الدولار. لكن هذا الانخفاض ليس كبيراً إذا أخذنا في الاعتبار قوة الدولار هذه الأيام وهجمة المضاربين قبل توقيع الاتفاق، وللحفاظ على سعر صرف الإسترليني، يرى مصرفيون أن بنك إنكلترا (المركزي البريطاني)، سيتدخل بكثافة في السوق لحمايته حتى لا تتزعزع ثقة المستثمرين الكبار، أو تشجيع هجمات المضاربة عليه مثل تلك التي حدثت في عقد التسعينيات.
في هذا الصدد يرى مصرف "ميريل لينش" الاستثماري الأميركي، أن الإسترليني سينخفض قليلاً، ولكنه سيعود للارتفاع بقوة في النصف الثاني من العام.
ثانياً: إشراك حي المال البريطاني في ترتيبات ما بعد "البريكست"، حتى تكون الشركات المالية والمصارف الاستثمارية في بريطانيا على ثقة تامة من أن الترتيبات التي ستتخذ لن تضر بمصالحها في المتاجرة مع أوروبا.
ثالثاً: المضي بثبات في الشراكات التجارية مع الكتل الاقتصادية، مثل اتفاقية الشراكة مع أميركا والشراكة التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي.
اضف تعليق