بعد هزات عديدة في الماضي، تواجه منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) مجددا تحديا يتعلق بقدرتها على الاستمرار في دورها المنظم لسوق النفط مع التدفق الكبير للنفط الصخري (الشيست) الاميركي الذي يتعارض مع جهود المنظمة لاعادة رفع الاسعار، ورغم الاتفاق غير المسبوق نهاية 2016 بين اعضاء اوبك ودول منتجة من خارج المنظمة بينها روسيا على خفض الانتاج، فان وفرة العرض مستمرة في التاثير على الاسواق خصوصا مع النفط الصخري الاميركي واستمرار كبر حجم المخزون، ما يمنع حدوث قفزة في الاسعار، وتم تمديد الاتفاق الذي كان من المقرر ان يستمر لستة اشهر، لتسعة اشهر لكن دون تاثير حقيقي حتى الان، ويرى الباحث تييري بروس ان اوبك كانت تتحكم جيدا بالوضع حين كان البرميل الهامشي لدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في بحر الشمال في حدود 50 و60 و70 دولارا، لكن حين بات البرميل المنافس ادنى سعرا بكثير، لم تعد الامور تسير" بحسب ارادة اوبك، غير ان محمد باركيندو الامين العام لمنظمة اوبك، دافع مجددا عن ذلك "القرار التاريخي" الذي يظهر قدرة المنظمة على التأقلم مع المتغيرات.
وهي ليست المرة الاولى التي لا تحقق فيها اوبك التي تأسست في 1960 غاياتها من المرة الاولى. ففي 2008 تطلب الامر خفض الانتاج ثلاث مرات خلال اربعة اشهر، للتمكن من احداث تغيير مستدام في السوق، وفي هذه المرة ايضا تطرح مسألة الخطوة التالية خصوصا مع اجتماع لجنة المتابعة للاتفاق في نهاية تموز/يوليو في سان بطرسبورغ، ويذكر المحلل بن ييرغلين انه بالتأكيد فان هذا الاتفاق يجسد "معطى جديدا" من خلال "مأسسة" التعاون بين الدول الاعضاء في اوبك والمنتجين من خارجها عبر لجنة المتابعة، بيد ان النفط الصخري الاميركي باحجامه الكبيرة وتعدد منتجيه المستقلين وحلقة تطويره القصيرة وقدرته على خفض سريع للكلفة، يوجد وضعا جديدا، ومع الانتاج الاميركي وصعود منتجين جدد على غرار البرازيل او المكسيك، فان "كمية من الخيارات الاخرى في السوق" باتت موجودة وهذا "يمارس ضغطا على اوبك"، وفق ما اوضحت سارة اميرسون وهي رئيسة مكتب تحليل حول امن الطاقة بالولايات المتحدة.
ولم يعد انتاج اوبك يمثل سوى نحو ثلث المعروض العالمي من النفط، في مقابل اكثر من 40 بالمئة قبل عشر سنوات، وفي مؤشر على هذا الوضع غير المسبوق حاولت اوبك التقارب مع ابرز منتجي النفط الصخري الاميركي في آذار/مارس 2017 في هيوستن، ومع ان تاثير اوبك يتراجع فان الخبراء لا يتوقعون ان يؤدي ذلك الى ضعف المنتجين التاريخيين، واوضحت اميرسون ان اوبك تتكون من 14 دولة لكن "في النهاية الدول المؤثرة فيها خمس وهي السعودية والامارات وايران والعراق والكويت، ولازالت تتمتع بنفوذ كبير لانها تملك ادنى كلفة انتاج في هذه الصناعة".
وتابعت ان هذه الدول الخمس "لو ارادت لرفعت بشدة انتاجها ودمرت باقي المنتجين كافة" لكن ذلك سيخفض بشكل كبير عائداتها وهي لا تفعل ذلك "خشية رد فعل شعوبهم"، وتأثير اوبك لايقاس فقط عند السعي لخفض الانتاج. ففي الحالة المعاكسة، اي مع تراجع الانتاج بسبب اضطرابات سياسية مثلا "فان الجميع سيسارع للاتصال هاتفيا بوزير النفط السعودي"، بحسب المحلل في مجال الطاقة فرنسيس بيرين، واضاف ان السعودية تبقى الدولة الوحيدة التي يمكنها ان ترفع سريعا انتاجها لتفادي ارتفاع كبير للاسعار، دون الحاجة الى استثمارات جديدة، وتابع بيرين ان السعودية تحرص دائما على الابقاء على هامش قدرات متاح سريعا وهي خصوصا تملك "احد ارخص كلفة انتاج في العالم" الامر الذي لا يمكن للنفط الاميركي ان ينافس فيه.
شكوك حول التزام أوبك بخفض الإنتاج
أفادت وكالة الطاقة الدولية إن التزام أوبك بتخفيضات الإنتاج تراجع في يونيو حزيران إلى أدنى مستوياته في ستة أشهر في الوقت الذي يضخ فيه العديد من الأعضاء المزيد من الخام فوق المسموح به وفقا لاتفاق الإنتاج مما يؤخر استعادة السوق لتوازنها، وانخفض التزام أوبك بالتخفيضات إلى 78 بالمئة الشهر الماضي من 95 بالمئة في مايو أيار، حيث بدد إنتاج يفوق المسموح به من الجزائر والإكوادور والجابون والعراق والإمارات العربية المتحدة وفنزويلا أثر الالتزام القوي من جانب السعودية والكويت وقطر وأنجولا، وأضافت الوكالة التي مقرها باريس "في كل شهر يحدث على ما يبدو شيء ما ليثير الشكوك بشأن وتيرة عملية استعادة التوازن. هذا الشهر توجد عقبتان: التعافي الكبير في إنتاج النفط من ليبيا ونيجيريا وانخفاض معدل التزام أوبك باتفاقها الخاص بالإنتاج".
واتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول وعدد من المنتجين غير الأعضاء في أوبك من بينهم روسيا على خفض الإنتاج حوالي 1.8 مليون برميل يوميا حتى مارس آذار 2018 لتقليص تخمة المعروض العالمية التي يحفزها ازدهار الإنتاج الأمريكي، وتقرر إعفاء ليبيا ونيجيريا من التخفيضات بسبب سنوات من عدم الاستقرار الذي ألحق الضرر بإنتاجهما، وقد بينت وكالة الطاقة الدولية إن البلدين استطاعا زيادة إنتاجهما أكثر من 700 ألف برميل يوميا في الأشهر الأخيرة، وذكرت وكالة الطاقة الدولية "بالنسبة لأعضاء أوبك، الذين اتفقوا على خفض الإنتاج 1.2 مليون برميل يوميا، فأن يروا خفضهم يتقلص نحو الثلثين أمر محبط جدا، خاصة أن اتفاقهم، حتى اللحظة، يجرى الالتزام به على نحو جيد بالمعايير التاريخية"، وأدت التخفيضات إلى استقرار أسعار النفط عند نحو 45 إلى 50 دولارا للبرميل، لكن الأسعار تتعرض لضغوط متجددة في الأسابيع الأخيرة بسبب نمو الإنتاج الأمريكي ومحدودية الدلائل على أن المخزونات العالمية تنخفض من مستوى قياسي مرتفع فوق ثلاثة مليارات برميل.
وأوضحت وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة للدول الصناعية بشأن سياسات الطاقة، إن النمو القوي للطلب في النصف الثاني من 2017 وفي 2018 سيسرع وتيرة استعادة السوق لتوازنها، وإن الطلب على نفط أوبك من المتوقع أن يزيد باطراد خلال 2017 وأن يبلغ 33.6 مليون برميل يوميا في الربع الأخير من العام بزيادة مليون برميل يوميا عن إنتاج المنظمة في يونيو حزيران، وإن مخزونات الدول الصناعية بلغت في مايو أيار ما يزيد على 266 مليون برميل فوق متوسط خمس سنوات انخفاضا من 300 مليون برميل في أبريل نيسان. وتظهر بيانات أولية انخفاضا بوتيرة أقل للمخزونات في يونيو حزيران، وإنه في الوقت الذي يعود فيه المنتجون من خارج أوبك كالولايات المتحدة وكندا والبرازيل بقوة إلى وضع زيادة الإمدادات فإن انخفاض أسعار النفط قد يجبر بعض المنتجين الأمريكيين على إعادة تقييم المشاريع، كما أن البيانات المالية تشير إلى أنه في الوقت الذي قد يكون الإنتاج فيه وفيرا فإن الأرباح ليست كذلك وقد نقلت تقارير صدرت في الآونة الأخيرة عن مسؤولين تنفيذيين بالشركات إن أسعار النفط ينبغي أن تدور حول 50 دولارا للبرميل للحفاظ على نمو الإنتاج".
توقعات بانخفاض الطلب في 2018
صرحت أوبك إن إنتاجها من النفط زاد في يونيو حزيران وتوقعت أن ينخفض الطلب العالمي على خامها في العام المقبل في الوقت الذي يضخ فيه المنافسون المزيد من النفط مشيرة إلى فائض بالسوق في 2018 على الرغم من خفض الإنتاج الذي تقوده المنظمة، وفي أول توقعاتها بخصوص 2018 في تقريرها الشهري قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إن العالم سيحتاج إلى 32.20 مليون برميل يوميا من الخام الذي ينتجه أعضاؤها في العام المقبل بانخفاض قدره 60 ألف برميل يوميا مقارنة مع العام الحالي، وأعلنت أوبك أن إنتاجها قفز في يونيو حزيران ليفوق الطلب المتوقع بقيادة زيادات في إنتاج ليبيا ونيجيريا عضوي أوبك المعفيين من الخفض الذي يستهدف تقليص فائض المعروض، لكن مسؤولي أوبك ما زالوا متفائلين بشأن الآفاق المستقبلية.
وارتفع النفط فوق 48 دولارا للبرميل في الوقت الذي أثار فيه تقرير أمريكي أظهر انخفاض المخزونات في الولايات المتحدة آمالا بأن التخمة تتقلص. وأشارت أوبك إلى "استعادة توازن مستمرة" بالسوق، وبموجب اتفاق الإنتاج تقلص أوبك إنتاجها نحو 1.2 مليون برميل يوميا بينما تخفض روسيا ومنتجون آخرون غير أعضاء بالمنظمة إنتاجهم بنصف ذلك القدر، وزاد إنتاج أوبك في الأسابيع الأخيرة لأسباب منها تعافي الإمدادات في ليبيا ونيجيريا المعفيتين من اتفاق أوبك لخفض الإنتاج نتيجة تضررهما من صراعات، وتعني البيانات أن مستوى التزام أوبك بتعهدات خفض الإنتاج بلغ 96 بالمئة انخفاضا من أكثر من 100 بالمئة في مايو أيار وإن كان مستوى الالتزام ما زال مرتفعا بمعايير أوبك.
من جهة أخرى في ظل تنامي مخزونات النفط رغم الاتفاق العالمي لخفض الإنتاج وهبوط أسعار الخام بنسبة 20 بالمئة في الشهر المنصرم يبدو أن منظمة أوبك تخسر معركتها لتحقيق التوازن في السوق، لكن المنظمة تحقق نصرا في معركة مهمة هي زيادة إيرادات الدول الأعضاء هذا العام مقارنة بالعام الماضي ومن المرجح أن تدفع إمكانية زيادة الإيرادات أوبك للتمسك بتخفيضات الإنتاج بل وزيادتها، وحقق أول خفض للإنتاج تقرره أوبك في ثمانية أعوام إيرادات بلغت 1.64 مليار دولار يوميا للمنظمة منذ بداية العام بزيادة أكثر من عشرة بالمئة عن النصف الثاني من 2016 من واقع بيانات أوبك لمتوسط الإنتاج وسعر سلة خاماتها حتى 20 يونيو حزيران، ومقارنة بالنصف الأول من 2016 حين هوت الأسعار لأقل مستوى في 12 عاما قرب 27 دولارا للبرميل تكون الزيادة بنسبة 43 بالمئة رغم عدم حدوث تغير يذكر في مستوى إنتاج الدول الأعضاء في أوبك.
وذكر شكيب خليل وزير النفط الجزائري السابق أن هناك توقع أن تحقق أوبك مكاسب أكبر في النصف الثاني من 2017 نتيجة لشح السوق في الربعين الثالث والرابع رغم زيادة الإمدادات من دول من خارج أوبك لم يشملها الاتفاق وإنتاج يفوق التوقعات من ليبيا ونيجيريا، وتوقع أن ترتفع إيرادات أوبك نحو ثمانية بالمئة في النصف الأول من العام الجاري بعد أن تحركت المنظمة في نهاية العام الماضي لخفض الإنتاج نحو أربعة بالمئة، وأن الزيادة الكلية لإيرادات أوبك ستتراوح بين تسعة وعشرة بالمئة في 2017 كاملا مقارنة بعام 2016، ويرحب أعضاء أوبك بالزيادة في الإيرادات لكنها لم تسد بعد العجز الذي أصاب الميزانيات، وتقدر شركة ايه.بي برنشتاين لإدارة الأصول أن السعودية تحتاج لسعر يقترب من 75 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن بين الايرادات والنفقات.
ومن أجل تفادي الوقوع في خسائر أكبر لاسيما بعد زيادة الانتاج من النفط الصخري وارتفاع حجم الصادرات النفطية لأنخفاض الالتزام بقرار التخفيض، فان أوبك تبحث حالياً طرقا لتسعير النفط من قبل الدول المنتجة من دون الاعتماد على البورصات النفطية العالمية، بسبب الاثار السلبية للمضاربات في هذه البورصات، في حين ذكر وزير الطاقة القطرية السابق عبد الله العطية أن هناك من يسعى للنيل من أوبك، ويقصد بذلك منتجي النتفط الصخري، وأن تعميق "أوبك" لتخفيضات الإنتاج سيسهم بارتفاع أسعار النفط، ما سيدفع النفط الصخري ومنتجين آخرين إلى زيادة إنتاجهم وأخذ حصة "أوبك" من سوق الطاقة، في ذات الوقت استبعد العطية مسألة أن يؤدي الخلاف الدبلوماسي بين قطر والسعودية والإمارات إلى تقويض صفقة خفض الإنتاج المبرمة بين المنتجين نهاية العام الماضي، التي تقرر أخيرًا تمديدها إلى نهاية مارس 2018.
وهنا على أعضاء أوبك إن فشلهم في السابق وفشلهم المرجح حالياً، قد يصبح ممكناً اذا مابقت الظروف نفسها والآليات ذاتها المتبعة في حماية الثروة النفطية، كما على أوبك أن تعيّ مسألة مهمة أن الحفاظ على اتفاق اعضائها المشتتين، فضلا عن عن انشقاقهم عن بعض وضعف التواصر ولغة التواصل بينهم، سيما وان دول مثل كازخستان تسعى حاليا للانسحاب من هذا الاتفاق، مما يعني انهاء سيطرة أوبك على سوق النفط والطاقة.
اضف تعليق