حين تعهدت السعودية، أكبر منتج في منظمة أوبك، في مايو أيار "بفعل كل ما يلزم" للدفاع عن أسعار النفط العالمية، فإنها لم تتوقع أن يختبر السوق تعهدها بعد شهر واحد فقط، وفي الوقت الذي مددت فيه منظمة البلدان المصدرة للبترول تخفيضات إنتاج النفط، انخفضت أسعار الخام 18 بالمئة في 20 يوما فحسب، ويبدو أن أعضاء أوبك عازمون على عدم الاندفاع صوب تنفيذ تخفيضات أكبر في الإنتاج رغم ضغوط السوق، واختار متعاملو النفط تجاهل الأنباء التي تدفع باتجاه صعود الأسعار، بما في ذلك انخفاض طال أمد انتظاره في مخزونات النفط الأمريكية، وركزوا بدلا من ذلك على عوامل سلبية على غرار استمرار تخمة المعروض العالمي، نتيجة لهذا، سجلت سوق النفط أسوأ أداء لها في الستة أشهر الأولى من العام خلال 20 عاما مما يشير إلى رفضها القبول بجدوي موقف أوبك ورغبتها في تخفيضات أكبر للإنتاج.
الصين والهند واليابان تعرقل جهود إعادة التوازن
في الوقت الذي تشكو فيه سوق النفط العالمية من تخمة مستمرة في المعروض، يعرقل تباطؤ نمو الطلب في أسواق آسيوية رئيسية مستوردة للنفط الجهود التي تهدف إلى استعادة السوق لتوازنها، وتكبح تخمة الوقود في الصين، والتأثيرات الباقية من إلغاء أوراق النقد ذات الفئات الكبيرة في الهند، وتقدم أعمار السكان وانخفاض أعدادهم في اليابان نمو الطلب على الخام في ثلاثة من أكبر أربعة مشترين للنفط في العالم، وتسهم الدول الثلاث بما يصل إلى خمس استهلاك النفط العالمي البالغ 97 مليون برميل يوميا، وأي مشكلات في هذه الدول ستعني نموا يقل عن التوقعات للطلب على النفط في آسيا مما سيسهم في تقويض المسعى الذي تقوده أوبك لدعم الأسعار.
وفي الصين، التي تتنافس مع الولايات المتحدة على صدارة مستوردي النفط في العالم، تظل الواردات في مايو أيار قرب مستوى قياسي عند تسعة ملايين برميل يوميا، لكن من المنتظر أن يؤثر انخفاض متوقع في عمليات شركات التكرير سلبا على الطلب على النفط الخام في الربع الثالث من السنة، وفي الهند، التي تجاوزت اليابان لتصبح ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم في العام الماضي، هبطت واردات الخام أكثر من أربعة بالمئة في الفترة بين أبريل نيسان ومايو أيار إلى نحو 4.2 مليون برميل يوميا، في الوقت الذي تضرر فيه الاستهلاك بفعل التأثيرات المتبقية من برنامج لإلغاء أوراق النقد من الفئات الكبيرة والذي طبقته البلاد حديثا، وفي الخمسة أشهر الأولى من العام، لم تشهد واردات الهند تقريبا تغيرا يذكر مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، بعد زيادة سنوية بلغت 4.7 بالمئة العام الماضي.
وفي اليابان، أكثر اقتصادات آسيا تقدما، يمر الطلب على النفط بانخفاض هيكلي منذ سنوات بسبب تقدم أعمار السكان وانخفاض أعدادهم وظهور سيارات أكثر توفيرا للوقود أو تستخدم الوقود البديل، واستوردت اليابان في أبريل نيسان نحو 3.5 مليون برميل يوميا انخفاضا من مستوى الذروة البالغ 5.9 مليون برميل يوميا في 2005، ومع وفرة الإمدادات، فإن تقلب الطلب في آسيا ساهم في انخفاض سعر خام القياس العالمي برنت 20 بالمئة إلى نحو 45 دولارا للبرميل في أكبر انخفاض في النصف الأول من أي عام منذ 1997، وتتفاقم المشكلة مع ما يعرف بالمخزونات العائمة، ففي أحدث مؤشر على فائض المعروض، اذ جرى تأجير خمس ناقلات نفط عملاقة في الأيام الأخيرة لتخزين النفط غير المبيع، وبإمكان كل ناقلة عملاقة حمل مليوني برميل من النفط، وتضاف الناقلات الخمس المستأجرة إلى نحو 25 ناقلة عملاقة ترسو بالفعل في مياه جنوبي ماليزيا.
وفي وضع للسوق تتسم فيه أسعار النفط للتسليم الفوري بالانخفاض عن أسعار التسليم الآجل، فإن تخزين النفط من أجل بيعه في وقت لاحق أمر مربح، وفي الوقت الحالي، يقل السعر الفوري لخام برنت 1.50 دولار عن سعر تسليم أوائل 2018، ويأتي انخفاض السعر الفوري رغم الجهود التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لخفض الإنتاج 1.8 مليون برميل يوميا منذ يناير كانون الثاني، وأدت الشكوك بشان التزام أوبك بمستهدفاتها وارتفاع الإنتاج الأمريكي إلى شكوك في أن تستعيد الأسواق توازنها قريبا.
انتاج النفط الأميركي يعيق اعادة التوازن الى السوق
ذكرت منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ان زيادة انتاج النفط في الولايات المتحدة يعيق الجهود لتحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق، وأن اعادة التوازن الى السوق" تجري حالياً ولكن "بوتيرة أبطأ من المتوقع أصلا"، والسبب في ذلك يعود الى التغيير في الأساسيات، خاصة التحول الذي طرأ على الانتاج الأميركي من انكماش متوقع الى نمو ايجابي، ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وافق أعضاء أوبك على خفض الانتاج بمعدل 1,2 مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر منذ بداية العام، في محاولة لتخفيف التخمة في الانتاج وبالتالي رفع أسعار النفط، وساعدت هذه الاجراءات على استقرار اسعار النفط في بداية العام، وارتفع مؤشر خام برنت الى ما فوق ال 50 دولارا للبرميل، وفي اجتماع في نهاية أيار/مايو، قررت الدول الاعضاء وغير الأعضاء في أوبك تمديد خفض الانتاج لمدة تسعة أشهر أخرى، الا ان زيادة الانتاج في الولايات المتحدة شكّل عائقا أمام عملية اعادة التوازن، وهذا ما ادى الى تراجع خام برنت لأدنى من 50 دولارا منذ اجتماع أوبك.
في حين ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في توقعاتها الأولى لعام 2018، إنها تتوقع من الدول خارج المنظمة زيادة إنتاجها بنحو 1.5 مليون برميل يومياً، متجاوزة بذلك النمو في الطلب العالمي، وأضافت الوكالة إن الولايات المتحدة وحدها ستشكل قرابة نصف تلك الزيادة في المعروض، ويعني ذلك أنه من المرجح أن تستمر وفرة المعروض الراسخة التي وضعت سقفاً لأسعار النفط، رغم جهود الانضباط التي بذلها أغلب منتجي الأوبك لكبح إنتاجهم، في المقابل انخفضت العقود الآجلة للنفط الخام الأمريكي بنسبة 1 في المائة ليتداول عند 45.97 دولار للبرميل بعد صدور التقرير.
وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وبعض الدول خارجها، بقيادة روسيا، قد وافقت الشهر الماضي على تمديد القيود المفروضة على الإنتاج لمدة تسعة أشهر حتى نهاية مارس/ آذار 2018. ودخلت تخفيضات الإنتاج حيز التنفيذ في بداية عام 2017 في محاولة لإنعاش الأسعار، وتعهد كبار اللاعبين مثل المملكة العربية السعودية وروسيا «بكل ما يلزم» لتحقيق الاستقرار في السوق، وعائدات النفط التي تعتمد عليها اقتصاداتها، ولكن هذه الجهود تعثرت بسبب طفرة هائلة في إنتاج شركات الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، التي أصبحت أكثر كفاءة. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو إنتاج النفط الخام الأمريكي بمقدار 780 ألف برميل يومياً في العام القادم.
وأضافت الوكالة أن المنتجون الأمريكيون لا يزيدون الإنفاق بشكل حاد أكثر مما كان يتوقع في البداية فحسب، ولكن وتيرة الإضافات الجديدة لمنصات الحفر وأنشطة الحفر تجاوزت كل التوقعات، وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أيضا زيادة الإنتاج من البرازيل وكندا وبريطانيا وكازاخستان وغانا والكونغو في عام 2018، واستفاد المنتجون الأميركيون من الجهود التي بذلتها الدول الأعضاء وغير الأعضاء في اوبك لرفع الأسعار، فمنتجو النفط الصخري على وجه الخصوص بامكانهم التفاعل بسرعة مع تطورات السوق، وقد ضاعفوا الانتاج مع ارتفاع الاسعار، واشار تقرير أوبك الى ان "مراجعة النمو في الانتاج خارج أوبك كان أكبر بكثير من التعديلات التصاعدية لنمو الطلب العالمي على النفط، ما زاد من عدم التوازن في السوق"، وبالنظر الى النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط هذا العام، أكدت أوبك على توقعاتها بـ 1,27 مليون برميل في اليوم.
ارتفاع إنتاج الدول المعفاة من خفض أوبك يهدد الاتفاق
تتعرض المعركة التي تخوضها منظمة أوبك في مواجهة تخمة المعروض من النفط لتهديد مع إغراق حوض الأطلسي بالخام غير المباع من نيجيريا وليبيا عضوتي أوبك المعفاتين من اتفاق عالمي لخفض الإنتاج، ويذكر تجار يتعاملون في نفط نيجيريا إن لديها أكثر من 60 مليون برميل من النفط غير المباع، وهو يتجاوز المستوى الذي جرى تسجيله عندما بلغ فائض الإنتاج العالمي مستوى الذروة قبل عامين. وهناك المزيد من خطط التصدير لأسبوع قادم من المرجح أن تضيف ما يربو على 50 مليون برميل، في الوقت ذاته تضخ ليبيا كميات من الخام في الأسواق العالمية تقترب من ثلاثة أمثال المستويات التي كانت تضخها قبل عام.
وكان القليل يتوقعون تعافي إنتاج البلدين بهذه السرعة. وقد تفسد تلك الزيادة خطط أوبك لرفع أسعار النفط بعد الهبوط الذي سجلته على مدار نحو ثلاث سنوات، ومددت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تضم 14 عضوا قبل أسبوعين اتفاقا جرى التوصل إليه في ديسمبر كانون الأول مع عدد من المنتجين غير الأعضاء بها يقضي بخفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا من مستويات جرى تسجيلها أواخر العام الماضي، بيد أن أوبك جددت أيضا إعفاء ليبيا ونيجيريا اللتين تعانيان من صعوبات جراء صراعات داخلية تسببت في خفض الإنتاج وإن كانت هذه الصراعات آخذة في الانحسار.
وذكرت أمريتا سين من إنرجي أسبكتس للاستشارات لقد أضافتا 600 ألف برميل يوميا منذ إبرام الاتفاق الأصلي، وأضافت أن هذا يمثل نصف تخفيضات أوبك، ورفعت رويال داتش شل حالة القوة القاهرة عن خام فوركادوس النيجيري، وهو ما جعل البلد الأفريقي يصل إلى كامل طاقته التصديرية للنفط للمرة الأولى في 16 شهرا ويؤكد إضافة نحو 250 ألف برميل يوميا للأسواق العالمية، في حين بلغ إنتاج ليبيا من النفط أعلى مستوياته منذ أكتوبر تشرين الأول 2014 عند 835 ألف برميل يوميا هذا الشهر على الرغم من إغلاق وجيز لحقل الشرارة، أكبر حقول النفط بالبلاد، وعلى الرغم من ذلك تقول مصادر في أوبك إن دعوات ضم ليبيا ونيجيريا إلى التخفيضات لم تكسب دعما كافيا على الإطلاق. وقال محمد باركيندو أمين عام أوبك هذا الشهر إن من المبكر للغاية بحث مشاركة البلدين في تخفيضات الإنتاج.
وثمة شكوك ما إذا كان البلدان سيحافظان على استمرار الإنتاج خاصة بالنظر إلى المشكلات السياسية في ليبيا، لكن العقود الآجلة لخام برنت يجرى تداولها بانخفاض يبلغ نحو 20 في المئة مقارنة مع مستوياتها المرتفعة التي سجلتها هذا العام ودون المستوى المسجل قبل اجتماع أوبك في مايو أيار بأكثر من عشرة بالمئة، والنفط القادم من الولايات المتحدة أيضا يبحر شرقا بحثا عن مشترين في أوروبا وآسيا وهو ما يقوض أكثر خام القياس العالمي، حيث يبين تجار ومحللون إن هذا الحراك يشير إلى الحاجة لمزيد من الإجراءات من جانب أوبك.
أوبك تدرس تعميق تخفيضات الإنتاج
صرح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إن أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يدرسون تعميق تخفيضات إنتاج الخام لكن عليهم أن ينتظروا حتى يتضح تأثير مستويات الإنتاج المخفضة الحالية، واتفقت أوبك ومنتجون رئيسيون خارجها في الخامس والعشرين من مايو أيار على تمديد الخفض الحالي للإمدادات حتى مارس آذار 2018 لكن أسعار النفط هبطت بشكل حاد منذ ذلك الحين بسبب تزايد الانتاج في الولايات المتحدة وأيضا في نيجيريا وليبيا وهما عضوان في أوبك معفيان من خفض الانتاج.
وذكر زنغنه أن سبب المناقشات هو زيادة في مستويات إنتاج الولايات المتحدة لم يكن يتوقعها أعضاء أوبك، وتصريحات زنغنه هي أول تلميح من وزير في أوبك إلى إجراء إضافي محتمل رغم أن مندوبين بالمنظمة هونوا من شأن فكرة خفض جديد مشيرين إلى صعوبة جعل الأعضاء المعفيين من اتفاق خفض الانتاج يقيدون انتاجهم، ونيجيريا وليبيا مستثنتان من الخفض الحالي للإمدادات بسبب خسائر في الانتاج ناتجة عن اضطرابات وتم منح إيران زيادة صغيرة حتى تتمكن من استعادة حصتها السوقية التي خسرتها أثناء العقوبات الغربية.
وذكرت مصادر أن أوبك ناقشت خفضا إضافيا للإنتاج في اجتماعها في الخامس والعشرين من مايو أيار وقد تدرس المقترح مرة أخرى إذا ظلت المخزونات مرتفعة وواصلت التأثير على الأسعار، ويعتقد وزراء نفط بارزون من بينهم وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن السوق تسير في المسار الصحيح، في حين أفادت روسيا إنها لا ترى حاجة إلى مراجعة الاتفاق، اذ يرى مندوبون أخرين في "أوبك" أن المنظمة ليست في عجلة من أمرها لإجراء مزيد من الخفض في إنتاج النفط أو إنهاء الإعفاء الممنوح لبعض الدول بشأن سقف الإنتاج، رغم أنه من المرجح أن يتناول اجتماع في روسيا الشهر القادم اتخاذ مزيد من الخطوات لدعم السوق.
اضف تعليق