يشهد المغرب في الوقت الراهن إنشاء بنوك وشركات تأمين إسلامية بعد صدور تشريع جديد يسمح بدخولها السوق، وأنشأ البنك المركزي هيئة شرعية مركزية تضم علماء للإشراف على هذا القطاع، ونمت أعمال التمويل الإسلامي في العالم خلال العقود الماضية، حيث اتسعت قاعدة مستثمريه في أرجاء الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.
بدأ "أمنية بنك" أعماله كأول مصرف إسلامي في المغرب بعد خمسة أشهر من موافقة البنك المركزي على طلبات إنشاء مؤسسات مالية إسلامية تحت اسم "البنوك التشاركية"، وافتتح أمنية بنك -وهو مشروع مشترك بين بنك قطر الدولي الإسلامي وبنك القرض العقاري السياحي المغربي- ثلاثة فروع في المملكة؛ فرعين منها في الدار البيضاء والثالث في الرباط، ويخطط البنك لافتتاح فروع جديدة في 18 مدينة مغربية خلال الشهور المقبلة، واجتذب فرع أمنية بنك في الرباط عددا كبيرا من العملاء، بعضهم دفعه الفضول للتعرف على التمويل الإسلامي.
اعتماد خمس صيغ للمعاملات الاسلامية
اعتمد البنك المركزي المغربي خمسة أنواع من المعاملات المصرفية الإسلامية، في موافقة نهائية على إطلاق التمويل الإسلامي في البلاد، وذكر البنك في تعميم نشر في الجريدة الرسمية إنه وافق على خمسة أنواع شائعة من المعاملات المصرفية الإسلامية هي المرابحة والمشاركة والإجارة والمضاربة والسلم، وتشهد المملكة المغربية في الوقت الراهن تأسيس بنوك إسلامية بعد أن تبنت قانونا لعمل هذه المؤسسات، وأنشأ البنك المركزي المغربي هيئة شرعية مركزية للإشراف على القطاع المالي الإسلامي.
وذكر البنك في تعميمه أن أي معاملة سوف تخضع لموافقة مبدئية من الهيئة الشرعية التي تسمى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية. ووضع البنك أيضا قواعد للبنوك التقليدية لفتح نوافذ للمعاملات الإسلامية، ووضع التعميم الشروط والأطر التنظيمية للبنوك لإدارة الودائع والأموال والاستثمارات وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، وكان البنك المركزي منح موافقته لثلاثة بنوك مغربية كبرى على فتح بنوك إسلامية تابعة لها هي بنك التجاري وفا والبنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا والبنك الشعبي المركزي، إلى جانب بنوك صغيرة مثل كريدي أغريكول وبنك القرض العقاري والسياحي، وحصلت بنوك أخرى تابعة لبنوك سوسيتيه جنرال الفرنسي والبنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب على موافقة البنك المركزي على فتح نوافذ للخدمات المالية الإسلامية، وتخطط الحكومة المغربية لإصدار أول سندات إسلامية لها بالسوق المحلية في النصف الأول من عام 2017 وهو ما يذكره الخبراء إنه سيكون تنشيطا لهذه السوق، غير أن البرلمان لم يوافق بعد على تشريع لتنظيم نشاط التأمين الإسلامي.
سوق واعدة للبنوك الاسلامية رغم الانتقادات
على الرغم من أن عددا من التقارير الاقتصادية توقعت أن تكون المغرب سوقا واعدة، لاعتبارات منها أن سوق البنوك الإسلامية تقدّر قيمتها بنحو 1300 مليار دولار، وتسجل سنويا نسبة نمو تتراوح بين 15 و20%، فإن المسار الذي أخذه قانون البنوك الإسلامية (وتم التوافق على تسميتها في المغرب بالبنوك التشاركية) لم يُثمر بعد على أرض الواقع بنوكا لا تتعارض مع الشريعة، ولأنها مطلب اجتماعي وشعبي، وموضوع اهتمام من الكثير من المستثمرين داخل المغرب وخارجه يرى رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي عبد السلام بلاجي أن البنوك التشاركية بالمغرب تملك أسباب النجاح بالنظر إلى الأرضية القانونية التي تم إعدادها على ضوء تجربة المصارف الإسلامية بباقي البلدان العربية والإسلامية على مدى أربعين سنة ماضية.
وأخضع البرلمان القانون الذي اقترحته الحكومة بهذا الخصوص (قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها) بداية 2014 إلى نقاش امتدّ إلى ما يقرب من سنة كاملة بين مجلس النواب ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، حيث لم تتم المصادقة عليه إلا في نهاية 2014، غير أن البعض لا يتفق مع وصف المسار الذي مرّ منه إقرار قانون البنوك التشاركية بالمعركة، وأن البعض رأى المشاورات التي قام بها مجلس المستشارين مع مؤسسات أخرى بخصوص هذا القانون وجها من أوجه العرقلة، "بينما هي في الحقيقة ممارسة دستورية عادية لإنتاج نصوص قانونية بجودة عالية".
ورغم مصادقة البرلمان على هذا القانون، فإن هذه البنوك لم تخرج بعد إلى الوجود، وفي هذا السياق يوضح الخبير الاقتصادي عبد النبي مرزوقي إن هناك من يرجع هذا التأخر إلى جهات مناوئة وتجمعات (لوبيات) مستفيدة من الوضعية الحالية، بينما يعزو البعض الأمر إلى عدم الاستعداد الكافي للبنوك من الناحية الإدارية والتقنية والشرعية لخوض هذه التجربة الجديدة، وللحسابات السياسية نصيبها في الموضوع، إذ لا يستبعد مرزوقي أن يكون هذا التأخر نتيجة للصراع السياسي الداخلي، خاصة أن المغرب مقبل على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري، مما يعني أن إنشاء بنوك إسلامية سيحسب للحكومة الحالية، وهذا من شأنه الزيادة في شعبية رئيس الحكومة وحزبه، ولكن هذه الحسابات لا يجب أن تحجب أهمية هذه البنوك بالنسبة للمغرب، فهي في صالح اقتصاد الوطن وفي صالح المستثمرين، وتوصّل بنك المغرب، باعتباره مؤسسة رسمية مكلفة بالسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنشاط ومراقبة مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، بما لا يقل عن 17 طلب للترخيص لبنوك تشاركية، ويتعلق الأمر بطلبات واردة من مجموعات مصرفية مغربية، وأخرى مختلطة، وطلبات لمصارف أخرى من قطر والكويت والإمارات والسعودية والبحرين، مع العلم أنه يعمل في المغرب عشرون بنكا، ويشكل قطاع التمويل الإسلامي نسبة ضئيلة من إجمالي الجهاز المصرفي البالغة أصوله نحو 13 مليار دولار.
ولم يتجاوز حجم معاملات المنتجات الإسلامية حتى أواخر عام 2010 نحو تسعمائة مليون درهم، أي ما يعادل 0.1% من المعاملات المصرفية التقليدية، مقارنة مع 4.9% في مصر و4.3% في تركيا و15% في ماليزيا، كما شهدت المنتجات التي طرحت في 2007 إقبالا محدودا بسبب ارتفاع تكلفتها قياسا إلى المعاملات التقليدية.
اضف تعليق