ذكر صندوق النقد الدولي إن اقتصاد الصين قد ينمو بوتيرة أسرع من توقعاته لعام 2017 بعد أن فاق الأداء التوقعات في الربع الأول من العام، وأظهرت البيانات أن اقتصاد الصين نما بوتيرة أسرع من المتوقعة بلغت 6.9 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بعد نمو قياسي في الائتمان وازدهار سوق العقارات وزيادة الإنفاق الحكومي على البنية التحتية، ودفعت البيانات الأفضل من المتوقعة الصندوق لرفع توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني في 2017 و2018. وصرح شانجيونج ري مدير إدارة أسيا والمحيط الهادئ بالصندوق إن هناك احتمالا لأن يرفع الصندوق توقعاته لعام 2017 من جديد، ورفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في 2017 إلى 6.6 بالمئة من 6.5 بالمئة.
تسارع نمو الاقتصاد الصيني محققا نسبة 6,9% في الفصل الأول من العام الجاري، فيما سجل العملاق الآسيوي زيادة قوية في انتاجه الصناعي في آذار/مارس على خلفية التزايد المتواصل في الاستثمارات في البنى التحتية وقطاع البناء، وفاق إجمالي الناتج الداخلي لثاني اقتصاد في العالم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2017 توقعات مجموعة من 16 خبيرا استطلعتهم وكالة فرانس برس وترقبوا استقرار النسبة عند متوسط 6,8%، وذلك بحسب أرقام كشفها مكتب الاحصاءات الوطني.
وعرفت الصين عام 2016 نموا بنسبة 6,7%، في أضعف أداء منذ 26 عاما. وحدد النظام الشيوعي هدفه للنمو عام 2017 بمستوى "حوالى 6,5%"، وأورد مكتب الاحصاءات الوطني أن "الاقتصاد الوطني حافظ في الفصل الأول على اندفاعه القوي"، مشيرا إلى "تحولات إيجابية تأكدت (في الأشهر الأخيرة)، ما أدى إلى مؤشرات أفضل من التوقعات"، وازداد الانتاج الصناعي في آذار/مارس بنسبة 7,6% بمعدل سنوي، فسجل تسارعا ملفتا بعد زيادة بنسبة 6,3% في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، متخطيا بفارق كبير نسبة 6,3%، واتفق الخبراء على الإقرار بمتانة الظروف الاقتصادية في الصين، نتيجة تكثيف الاستثمارات في مختلف المجالات، على خلفية الفورة العقارية وتزايد الإنفاق العام على البنى التحتية.
واستفاد قطاع البناء الذي يعتبر دعامة للاقتصاد الصيني، منذ العام الماضي من قروض متدنية الكلفة، ما جعله يجتذب مدخرين ومضاربين ساهموا في ارتفاع أسعار العقارات في المدن الكبرى، وساهم ذلك أيضا في تسارع النشاط الصناعي والانتاج بشكل ملموس في الأشهر الأخيرة، كذلك ازدادت الاستثمارات في البنى التحتية في الفصل الأول من السنة بنسبة 23,5% بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، فيما ارتفعت الاستثمارات في القطاع العقاري ـ9,1% محققة تسارعا في آذار/مارس بالنسبة إلى كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، وذلك رغم تشديد القيود المفروضة في المدن حرصا على منع المضاربات، وبصورة إجمالية، ازدادت الاستثمارات في الرأسمال الثابت لفترة كانون الثاني/يناير إلى آذار/مارس بنسبة 9,2%، مقابل زيادة بنسبة 8,1% فقط لمجمل العام 2016، وأخيرا، سجلت الصين زيادة أيضا في الاستهلاك الداخلي الذي يشكل عنصرا أساسيا لخطة بكين القاضية بإعادة التوازن إلى نموذجها الاقتصادي، بلغت 10,9% الشهر الماضي، محققة تسارعا بعد زيادة بنسبة 9,5% في الشهرين الأولين من السنة، ومتخطية توقعات الخبراء البالغة 9,7%.
رفع لأسعار الفائدة القصيرة الأجل للحفاظ على استقرار اليوان
رفع البنك المركزي في الصين أسعار الفائدة قصيرة الأجل فيما يرى اقتصاديون إنه مسعى لدرء شبح تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد والحفاظ على استقرار اليوان بعدما رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة، والزيادة في أسعار الفائدة القصيرة الأجل هي الثالثة للصين في عدة أشهر وتأتي بعد يوم من انتهاء الدورة السنوية للبرلمان حيث حذر قادة من أن معالجة المخاطر الناتجة عن سرعة تراكم الديون ستحظى بأولوية هذا العام،
ورفع المركزي الأمريكي سعر الفائدة الرئيسي مثلما كان متوقعا على نطاق واسع ولمح إلى مزيد من الزيادات في الوقت الذي يكتسب فيه الاقتصاد الأمريكي قوة دفع.
وكان بعض المحللين توقعوا زيادة أخرى في أسعار الفائدة في الوقت الذي تتطلع فيه الصين إلى احتواء المخاطر الناجمة عن سنوات من التحفيز المدعوم بالديون وزيادة التكلفة التي يتحملها المضاربون على انخفاض الين، وصرح يانغ تشاو الخبير الاقتصادي لدي نومورا رفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية الأمريكية ربما يطلق المزيد من التدفقات الرأسمالية الخارجة ويكون له بعض التأثير السلبي على النظام المالي الصين، ورفع بنك الشعب الصيني مؤشر نقطة المنتصف اليومية المرجعية لليوان بأعلى وتيرة في نحو شهرين، وهبط اليوان 6.5 في المئة مقابل الدولار العام الماضي وذلك في مواجهة ارتفاع الدولار والضبابية التي تلف الاقتصاد الصيني مما حفز الحكومة على اتخاذ إجراءات صارمة تجاه تدفقات رؤوس الأموال الخارجة من البلاد لتخفيف عملية استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي.
أرتفاع احتياطي النقد الأجنبي ليصل لـ3 تريليون دولار
ارتفعت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي على نحو غير متوقع للمرة الأولي في ثمانية أشهر في فبراير شباط متجاوزة ثلاثة تريليونات دولار في الوقت الذي ساهمت فيه حملة تنظيمية صارمة وتراجع الدولار في تعزيز تدفقات رأس المال، وزادت الاحتياطيات 6.92 مليار دولار خلال فبراير شباط لتصل إلى 3.005 تريليون دولار في أول زيادة منذ يونيو حزيران 2016 مقارنة مع انخفاض بلغ 12.3 مليار دولار في يناير كانون الثاني حين هبطت الاحتياطيات إلى 2.998 تريليون دولار، وتوقع خبراء اقتصاد استطلعت آراءهم انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي 25 مليار دولار إلى 2.973 تريليون دولار في فبراير شباط، وشددت الصين القواعد المتعلقة بنقل رأس المال إلى خارج البلاد في الأشهر الأخيرة في الوقت الذي تسعى فيه لدعم اليوان ووقف تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي.
واستهلكت الصين نحو 320 مليار دولار من الاحتياطيات العام الماضي لكن اليوان هبط على الرغم من ذلك 6.6 في المئة مقابل الدولار ليسجل أكبر انخفاض سنوي منذ 1994، واستقر اليوان في الأسابيع الأخيرة مع انحسار زخم ارتفاع الدولار. وربحت العملة الصينية 0.2 في المئة في فبراير شباط وارتفعت 0.8 في المئة منذ بداية 2017، لكن التوقعات بزيادة أسعار الفائدة الأمريكية والمقرر النظر فيها في وقت مبكر من الأسبوع المقبل أذكت المخاوف بأن اليوان قد يتعرض لضغوط من جديد. وقد يشعل احتمال تخفيض قيمة اليوان فتيل توترات تجارية مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وزادت احتياطات الصين من الذهب إلى 74.376 مليار دولار بنهاية فبراير شباط من 71.292 مليار دولار بنهاية يناير كانون الثاني وفق ما أظهرته بيانات نشرها بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) على موقعه الإلكتروني.
تنامي مخاطر البطالة الجماعية وتعديل لقواعد مكافحة الإغراق
ذكرت الحكومة الصينية إن مخاطر البطالة الجماعية في بعض المناطق والقطاعات تفاقمت وتعهدت بمزيد من الدعم المالي والنقدي لمواجهة الزيادة المحتملة في معدل البطالة، وتخطط الحكومة لخفض الطاقة الفائضة وغير المستغلة في قطاع التعدين والصناعات "الملوثة للبيئة" خلال العام الحالي في إطار جهود لتحديث اقتصادها والحد من التلوث. غير أن هذه الخطوة تهدد بتسريح الملايين، وأفادت الحكومة إن الصين تواجه "نناقضات هيكلية كثيفة" في سوق العمل الراهنة لكنها يجب أن تضع التوظيف على قمة أولوياتها وأن تتعامل مع التحديات الجديدة للحفاظ على استقرار معدل التوظيف لديها.
واستقر معدل البطالة الرسمي في الصين، الذي يشمل فقط سكان المدن المسجلين، عند نحو أربعة بالمئة لأعوام رغم التباطؤ الاقتصادي الذي أدى لانخفاض معدل النمو من مستوى في خانة العشرات إلى أدنى مستوى في 25 عاما عند أقل من سبعة بالمئة، كما افادت الحكومة إنها ستواصل تشجيع المشروعات التجارية ودعم ازدهار الشركات الصغيرة كوسائل مهمة لخلق المزيد من فرص العمل عن طريق بناء المزيد من المناطق الصناعية الناشئة وقواعد النمو إضافة إلى تقديم المزيد من الحوافز الضريبية للمبتدئين.
وذكرت تقارير الإعلام الرسمي أن الصين أتاحت 3.34 مليون فرصة عمل جديدة خلال الربع الأول من العام الحالي وساعدت نحو 720 ألف عامل جرى تسريحهم في العثور على فرص عمل جديدة في العام الماضي، في حين ذكر تقرير العمل الحكومي للعام الحالي إن بكين تسعى لخلق 11 مليون فرصة عمل إضافية في العام الحالي أي ما يزيد على هدف العام الماضي بمليون فرصة عمل.
كما اقترحت الصين تشديد القواعد بشأن متى يمكن للدول أن تفرض تعريفات جمركية لمكافحة الإغراق ومكافحة الدعم موضحة إن استخدامها يزداد وإن مثل تلك الرسوم كثيرا ما يُساء استخدامها وتشوه التجارة الدولية، وفي وثيقة نشرتها منظمة التجارة العالمية ذكرت الصين إنها تريد منع إجراءات مكافحة الإغراق من "التجاوز" أو أن تصبح دائمة وإعطاء اهتمام خاص للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وفرض معايير أكثر صرامة في استخدم مثل تلك التعريفات، ومن غير المرجح أن يحصل الاقتراح، الذي يقع في خمس صفحات، على التأييد بالاجماع المطلوب من أعضاء المنظمة المئة والأربعة والستين وقد يواجه رفضا قاطعا من الولايات المتحدة حيث وزير التجارة ويلبور روس منتقد قوي للممارسات التجارية للصين، وقد يسعى الاقتراح إلى صرف الاهتمام عن الدعم الصيني لقطاع صيد الأسماك والذي يتعرض لانتقادات قوية في مفاوضات في نفس اللجنة التابعة للمنظمة، وإلى جانب مصايد الأسماك قدمت الولايات المتحدة وثيقة من 584 صفحة الى منظمة التجارة تحدد الكثير من البرامج الاقتصادية التي تقول واشنطن إن الصين كان يجب عليها أن تبلغ بها المنظمة.
الخلاصة
تواجه الصين خطر خارجي مهم، فقد دفعت صادراتها المزدهرة في منتصف العقد الأول من القرن الحالي المسؤولين في الولايات المتحدة إلى التهديد بالانتقام تجارياً ما لم تتخذ السلطات الصينية الخطوات اللازمة لتقييد الصادرات، ودفع قيمة اليوان للارتفاع، والتحول إلى "النمو القائم على الاستهلاك". وهي نفس الرسالة التي وجهت إلى اليابان ذات يوم. وقد اشتد إصرار الولايات المتحدة على رفع قيمة اليوان بعد اندلاع الأزمة المالية عام 2008، وقد بدأت قيمة العملة تسجل ارتفاعاً حاداً عام 2007. وكما كانت حال اليابان، تسبب ارتفاع القيمة في إشعال شرارة تدفقات رأس المال المزعزعة للاستقرار إلى الصين على افتراض أن اليوان -شأنه كشأن الين قبله- لن يتجه إلا إلى الصعود.
ويرى العديد من الاقتصاديين أنه لا يُسمح لقيمة اليوان بالانخفاض لأربعة أسباب: خفض القيمة ربما يستفز حرب عملة في آسيا، والشركات الصينية غارقة في الديون المقومة بالدولار، وخفض القيمة ربما يؤدي إلى تجدد الاتهامات من قبل الولايات المتحدة بالتلاعب بالعملة، كما قد يؤدي أيضاً إلى عكس اتجاه التقدم الذي حققته الصين في تحويل اليوان إلى عملة احتياطية دولية"، والواقع أن هذا التفكير المضلل هو على وجه التحديد ما أدى إلى جيل من تباطؤ النمو بلا داع في اليابان، وقد يحدث مرة أخرى في الصين.
اضف تعليق