إتسعت رقعة الاحتجاجات من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، وبات آلاف الغزويين يطالبون بإقالة حكومة الوفاق الوطنية، إثر قرارها خفض رواتب موظفيها بـ30 بالمئة، حيث لا تزال حركة الاحتجاجات متواصلة في قطاع غزة، إثر قرار الحكومة في رام الله خفض 30 بالمئة من رواتب موظفيها في القطاع، مما اضطر حكومة رام الله اعلانها أنها قررت خفض رواتب موظفيها في قطاع غزة مؤكدة أن هذا الإجراء "يطال العلاوات فقط وجزءا من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي".
ويسلط القرار الضوء على أوضاع نحو 70 ألف موظف تابعين للسلطة في قطاع غزة باتوا في حال من البطالة بعد سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع وطرد السلطة منه في سنة 2007، وتستمر السلطة في دفع رواتب الموظفين القدامى رغم عدم قيامهم بأي عمل في حين قامت حماس بتوظيف قرابة 50 ألف موظف مدني وأمني في القطاع، كما أعلنت حماس الجمعة 7 أبريل/نيسان استعدادها لتسليم الوزارات لحكومة التوافق الفلسطيني إذا تحملت مسؤولياتها تجاه القطاع. ولطالما طالبت حماس السلطة الفلسطينية بدفع رواتب الموظفين الجدد، وتقدر نسبة البطالة في القطاع بنحو 45% وهي بين الأعلى في العالم.
أزمة في الميزانية ومعاشات التقاعد
صرح البنك الدولي إن المساعدات الأجنبية للسلطة الفلسطينية هبطت بنحو 50 في المئة في السنوات الثلاث الأخيرة وهو ما يفرض ضغوطا شديدة على الميزانية ويضع نظام المعاشات على شفا الانهيار، وأبلت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس بلاء حسنا في خفض العجز على مدى السنوات العشر الأخيرة حيث تمكنت من خفضه 15 نقطة مئوية إلى عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلا أن المساعدات المالية الخارجية تراجعت بوتيرة أسرع.
وفي 2013 قدم المانحون الدوليون - لاسيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة - مساعدات مباشرة لدعم الميزانية بلغت نحو 1.3 مليار دولار. وفي العام الحالي من المتوقع أن يقل هذا الرقم عن 700 مليون دولار بما يتسبب في فجوة تمويلية كبيرة، وقد ذكرت مارينا ويس مديرة مكتب الضفة الغربية وقطاع غزة بالبنك الدولي "آفاق الاقتصاد الفلسطيني تبعث على القلق وما لذلك من تداعيات وانعكاسات خطيرة على الدخل والفرص والرفاه.
وبشكل عام من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الفلسطيني بنحو 3.5 في المئة في الأعوام المقبلة. لكن الآفاق تختلف اختلافا كبيرا بين الضفة الغربية - التي تتخذها السلطة الفلسطينية مقرا لها - وقطاع غزة الساحلي المحاصر الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ 2007.
ويبلغ معدل البطالة في غزة 42 في المئة ويكافح القطاع لإعادة البناء بعد حرب مع إسرائيل استمرت شهرا في 2014. ولم يتم الوفاء بكثير من تعهدات المساعدات، وعلى النقيض يبلغ معدل البطالة في الضفة الغربية 18 في المئة وتبلي السلطة الفلسطينية بلاء حسنا في إدارة الإنفاق وجني إيرادات إضافية من الرسوم والضرائب، غير أن المشكلة الخطيرة تظل متمثلة في الفجوة التمويلية. وذكر البنك الدولي أن السلطة الفلسطينية تقترب من الحد الأقصى للاقتراض من البنوك المحلية الذي حدده البنك المركزي وربما تلجأ إلى تأخير أموال المعاشات ومستحقات موردي القطاع الخاص لسد الفجوة.
وأفاد البنك في أحدث تقارير المراقبة تبلغ المتأخرات المستحقة لنظام المعاشات 1.6 مليار دولار ويهدد ذلك جدوى هذا النظام بأكمله، وتابع تبلغ المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص حاليا 590 مليون دولار وهو ما يضغط بشدة على قدرة القطاع على العمل بالشكل المعتاد ويضر الاقتصاد، وأضاف البنك الدولي إن السبيل الوحيد لتفادي حدوث مشكلات اقتصادية أوسع لنحو 4.8 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة يتمثل في زيادة المانحين الأجانب للمساعدات وتعويض التراجع في الدعم، ودعا البنك أيضا الحكومة الإسرائيلية -التي تقوم بتحصيل كثير من الضرائب والرسوم نيابة عن الفلسطينيين- إلى البحث عن وسائل لتقليص خسائر المالية العامة وتحويل مزيد من الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية.
الخسائر تفوق ما أعلنه البنك الدولي "بكثير"
صرحت وزيرة الاقتصاد الوطني عبير عودة إن حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني جراء السياسات الإسرائيلية يتجاوز "بكثير" ما أعلنه البنك الدولي في بيان نشره في الآونة الأخيرة، وأشارت عودة إلى أن الخسائر التي حددها البنك الدولي بمبلغ 285 مليون دولار لم تشمل الخسائر في المنطقة "ج" التي قالت إنها تقدر بنحو 3.5 مليار دولار سنويا في منطقة الأغوار وحدها.
وكان البنك الدولي وضح في تقريره الأخير إن خسائر السلطة الفلسطينية السنوية من الإيرادات في ظل الترتيبات الاقتصادية الحالية مع حكومة إسرائيل "لا تشمل الإيرادات التي تحصلها حكومة إسرائيل في المنطقة ج" التي تمثل 61 بالمائة من الضفة الغربية رهن السيطرة الإسرائيلية والتي لا يمكن حسابها بسبب القيود المفروضة على تداول البيانات، وأضاف البنك أن هذه الإيرادات من الممكن أن تخفف "بشكل ملموس من ضغوط المالية العامة للسلطة" مشيرا إلى أن حجم الإيرادات التي ما زالت معلقة لدى الحكومة الإسرائيلية بلغ 669 مليون دولار شاملة "اشتراكات المعاشات المتحصلة من الفلسطينيين العاملين في إسرائيل ومن جهات توظيفهم."
وانه كان من المتوقع أن يتم تحويل هذه الاشتراكات إلى صندوق متخصص للمعاشات والذي لم تقم السلطة الفلسطينية بإنشائه بعد، وذكر المدير القطري للضفة الغربية وقطاع غزة بالبنك الدولي ستين لاو يورجنسن في التقرير "يمكن خفض عجز الموازنة عام 2016 إلى أقل من مليار دولار وتضييق الفجوة التمويلية المتوقعة بأكثر من 50 في المائة" إذا تم تخفيف خسائر الإيرادات.
ويشكوا الفلسطينيون من غياب آلية واضحة تمكنهم من معرفة حجم أموال الضرائب التي تقوم إسرائيل بجمعها مقابل عمولة مالية على البضائع التي تدخل الى السوق الفلسطينية من خلالها وفق اتفاق باريس الاقتصادي، كما بينت عودة "الآلية المتبعة غير واضحة في تحصيل ما تسمى بالمقاصة(أموال الضرائب) التي تحصلها إسرائيل للجانب الفلسطيني مقابل عمولة ثلاثة في المئة.. لكن لعدم إطلاعنا على جميع الوثائق لا يوجد لدينا تأكيدات على قيمة المبالغ المحصلة من الإسرائيليين رغم مطالبتنا بذلك."
واوضحت عودة أنه "تمت الموافقة من الجانب الإسرائيلي على تسليم بعض المبالغ التي تعتبر لنا ولم يتم تحويلها." وكان البنك الدولي أفاد في تقريره إن الحكومة الإسرائيلية وافقت مؤخرا على تحويل 128 مليون دولار "لتعويض بعض هذه الخسائر التي تراكمت عبر السنوات" داعيا إلى "القيام بمزيد من الجهود من أجل التغلب على الخسائر المتعلقة بالضرائب وحفز النمو في اقتصاد لا ينمو بما يكفي لرفع مستويات المعيشة وخفض البطالة المرتفعة."
لكن عودة ترى إن المشكلة الكبرى في الاتفاق الاقتصادي الذي صمم ليكون لمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات إلا أنه استمر العمل به 22 عاما.. عندما تم وضع عمولة الثلاثة في المئة في ذلك الوقت كانت مقبولة لكن عمليا مع مضي 22 سنة هذا لا يتناسب مع الوضع الحالي، وأضافت "هذه الاتفاقيات (اتفاقية باريس الاقتصادية) لا تؤدي إلى الغرض التي تم وضعها من أجله والتي هي بصراحة بحاجة إلى إلغاء لأنها عندما وضعت كانت لخمس سنوات لفترة انتقالية لم توضع كي تبقى للأبد.
وأرجعت عودة تدني قيمة الإيرادات الضريبية التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية إلى أنها تتم حسب تقديرات إسرائيل وليس على حسب تقديرات الجانب الفلسطيني، وهذا سبب كبير لتدني قيمة الإيرادات المحولة إلينا إضافة إلى بعض الخصومات تكون على شركات خاصة ويتم خصمها من المقاصة، وإن اللقاءات الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلية لم تعقد منذ عام 2009 مشيرة إلى أن ما يتم من لقاءات إما تكون "أمنية أو لاسترداد مخصصاتنا من المقاصة.
وعبرت عودة عن أملها في أن يساهم تقرير البنك الدولي الأخير في عرض المشاكل التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني أمام اجتماع الدول المانحة الذي سيعقد في بروكسل بمشاركة وزير المالية الفلسطيني شكري بشارة، وأضاف البنك الدولي في بيان إن تقريرا سيتم رفعه إلى لجنة الارتباط الخاصة في 19 أبريل نيسان 2016 في بروكسل وهو اجتماع على مستوى السياسات للمساعدات الإنمائية للشعب الفلسطيني.
أضرار جراء سوء تطبيق الاتفاقيات الاقتصادية مع اسرائيل
اكد تقرير للبنك الدولي نشر ان الاقتصاد الفلسطيني يخسر سنويا مئات الملايين من الدولارات بسبب ترتيبات واتفاقيات مع اسرائيل لم تعد صالحة بفعل مرور الزمن او غير مطبقة بشكل كاف، وبين التقرير ان السلطة الفلسطينية تخسر سنويا 285 مليون دولار من الايرادات اي ما يعادل 2,2 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الفلسطيني، بسبب هذه الاتفاقيات، وسيعرض البنك الدولي التقرير في الاجتماع نصف السنوي في بروكسل للجنة الارتباط الخاصة التي تنسق المساعدات الإنمائية للشعب الفلسطيني.
وبحسب التقرير، "لم تنفذ بشكل منتظم ترتيبات تقاسم الإيرادات التي وضعها برتوكول باريس، والتي من خلالها تتولى حكومة إسرائيل تحصيل ضريبة القيمة المضافة ورسوم الاستيراد والإيرادات الأخرى نيابة عن السلطة الفلسطينية، ثم يتقاسمها الطرفان على أساس شهري"، وتم توقيع "بروتوكول باريس" الذي يحكم العلاقات الاقتصادية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في عام 1994، واضاف التقرير "تأتي غالبية الخسائر التقديرية للمالية العامة من تسرب الضرائب المفروضة على التجارة الثنائية مع إسرائيل، ومن خفض قيمة الواردات الفلسطينية من بلدان ثالثة".
واشار البنك الدولي ايضا الى ان الرسوم الادارية التي تتقاضاها اسرائيل والبالغة 3 % "ربما كانت مناسبة وقت توقيع الاتفاقية"، موضحا ان "المقدار الذي تتقاضاه حاليا يتجاوز كثيرا التكاليف التي تتكبدها حكومة اسرائيل لتداول الواردات الفلسطينية"، واوصى البنك بخفض معدل الرسوم الى 0,6%، كما اكد البنك انه لم يكن بالامكان تحديد خسائر السلطة الفلسطينية بسبب عدم القدرة على الوصول الى البيانات الاسرائيلية، وتابع ان السلطة الفلسطينية لم تنجح حتى الان في انشاء "صندوق متخصص للرواتب" للحصول على 669 مليون دولار كدفعات تقاعد جمعتها الحكومة الاسرائيلية للفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل.
وتطرق البنك الدولي الى اجتماع عقد مؤخرا بين وزيري المالية الفلسطيني والاسرائيلي حول هذه القضايا، بالاضافة الى تعهدات اسرائيل بتحويل 128 مليون دولار "لتعويض بعض خسائر السلطة التي تراكمت على مدى السنين"، واكدت وزارة المالية الاسرائيلية، انها تضمن تطبيق اتفاقيات باريس وانها قامت بتخفيض الرسوم بمعدل 21 مليون دولار.
وأفادت الوزارة في رد مكتوب "نأسف لكون تقرير البنك الدولي قدم تحليلا مبالغ فيه ومن جانب واحد حول الضرر في واردات السلطة الفلسطينية"، واكدت الوزارة الاسرائيلية انها "تواصل الحفاظ على حوار ايجابي مع السلطة الفلسطينية بهدف مصلحة الجانبين"، واتفق المسؤولون الاسرائيليون والفلسطينيون في اوائل الشهر الجاري على وضع حد لايام من انقطاع الكهرباء في الضفة الغربية المحتلة بسبب تراكم ديون السلطة الفلسطينية التي وصلت الى 450 مليون دولار.
وضع الاقتصاد الفلسطيني في 2017
توقعت سلطة النقد الفلسطينية، في تقرير صادر أخيراً، نمو الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 3.1% خلال العام 2017، ليبلغ إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، في الضفة الغربية وقطاع غزة 22.8 مليارات دولار، وأشارت إلى أن ذلك سينعكس ارتفاعا في معدل دخل الفرد بنسبة 0.8%، ليصل إلى 1.776 دولار أميركي، وبالرغم من نمو الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تقارب الـ 3% خلال السنوات الماضية، بقي معدل دخل الفرد ثابتا، نظراً لنمو السكان نتيجة الزيادة الطبيعية بذات النسبة تقريباً، وهو ما يعني تآكل القدرة الشرائية في ضوء معدلات التضخم السنوية.
ومن غير المتوقع أن يكون لهذا النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تأثير إيجابي كبير على زيادة فرص العمل والتشغيل، حيث يتوقع استمرار ارتفاع معدلات البطالة في فلسطين إلى حوالي 27.6% من إجمالي القوى العاملة في العام 2017، وعزت سلطة النقد الفلسطينية عدم قدرة الاقتصاد تحقيق معدلات نمو تفوق الزيادة الطبيعية في عدد السكان إلى مجموعة من العوامل؛ أبرزها: استمرار حالة عدم اليقين، والجمود السياسي، والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى الإجراءات والقيود والمعيقات الإسرائيلية وأثر ذلك على ثقة المستثمرين، ومن تلك العوامل أيضاً، ضعف القطاع العام وعدم مقدرة القطاع الخاص على النهوض بالاقتصاد الوطني، فضلا عن استمرار الاستيطان وتقييد النشاط الاقتصادي في المناطق المسماة (ج) في الضفة، واستمرار حصار وإغلاق قطاع غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وإغلاق معبر رفح وتأثير ذلك على حركة التبادل التجاري ومجمل النشاط الاقتصادي في قطاع غزة.
اضف تعليق