هي مسؤولية وطنية. فالمواطن الذي يعيش في وطن ويستفيد من امتيازاته يرتبط بعقد اجتماعي (المواطنة)، وعليه واجب أداء حق المواطنة، وأقل هذا الحق هو أداء مسؤولية المشاركة في الانتخابات. فالمشاركة الانتخابية هي عملية بناء النظام السياسي المستقر الذي يقود إلى التداول السلمي للسلطة. وهذا الحق هو حق أخلاقي...

ان الانتخابات ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل هي مسؤولية وطنية وأخلاقية تقع على عاتق كل مواطن، وهي الأداة الوحيدة لبناء نظام سياسي مستقر وتحقيق التداول السلمي للسلطة.

فالمشاركة في الانتخابات في العراق تعني ضرورة تطوير الوعي لدى الناخبين والمرشحين على حد سواء عبر فهم الآلية الحقيقية للتغيير في النظام البرلماني؛ حيث المعارضة الفعالة يجب أن تكون من داخل البرلمان، والصوت العقابي هو أداة للمواطن لإسقاط التحالفات الحاكمة. لذلك فإن المطلوب هو ايجاد زخم اعلامي تثقيفي لتشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة في الانتخابات.

الانتخابات وحق المواطنة

ان قضية الانتخابات ليست قضية خيار متروك، بل هي مسؤولية وطنية. فالمواطن الذي يعيش في وطن ويستفيد من امتيازاته يرتبط بعقد اجتماعي (المواطنة)، وعليه واجب أداء حق المواطنة، وأقل هذا الحق هو أداء مسؤولية المشاركة في الانتخابات.

فالمشاركة الانتخابية هي عملية بناء النظام السياسي المستقر الذي يقود إلى التداول السلمي للسلطة. وهذا الحق هو حق أخلاقي وعقلاني، ويرتبط بالنظر إلى المستقبل الذي يريد المواطن تحقيقه لنفسه ولعائلته.

المرجعية والحوزة (الإرشاد لا الوصاية)

فيما يخص دور المرجعية الدينية العليا، فإن المرجعية لها الجانب الديني والفتوائي، لكن قضية الانتخابات هي قضية وطنية ومسؤولية أخلاقية وإنسانية. وهذه القضية لا ترتبط بجانب فقهي أو ديني بقدر ما ترتبط بالجانب الوطني وحق المواطنة.

حيث ان أغلب الأحكام الشرعية هي أحكام إرشادية إلى حكم العقل، والعقل هو الذي يقول بوجوب تصدي الإنسان للمسؤولية. كما أن الأوساط الحوزوية لا تؤمن بـ "الوصاية"، التي تعني أن هناك من لا يفهم ولا يعي فيكون عليه وصي يقوده. بل تؤمن بـ الإرشاد والهداية، حيث يتم توجيه الناس إلى قضايا أساسية في حياتهم ليختاروا بوعي. ولكن في نفس الوقت هناك ضرورة لتشجيع الشعب على الوعي والالتزام وتحمل المسؤولية الوطنية.

المقاطعة والمعارضة وآلية التغيير

هناك فرق بين فئتين: العازفين انتخابياً (غير المبالين والذين لا يهتمون بمن يأتي للحكم)، والمقاطعين (الذين يعتبرون أنفسهم معارضة).

وفيما يتعلق بالمعارضة في النظام البرلماني، فإن المعارضة لا يمكن أن تكون خارج إطار النظام البرلماني. فالتغيير يجب أن يكون بالتصويت ومن داخل البرلمان، أما ما يحدث خارج البرلمان فهو "معارضة شعبية" لا تستطيع أن تفعل شيئاً. ولكن يمكن للمقاطعة ان توصل رسالة رمزية برفض النظام السياسي، لكنها في النتيجة غير مؤثرة في اللعبة السياسية، التي تُدار من داخل العملية السياسية.

ومن هنا فإن المعارضة المنتجة والتغيير الفعال يحصل من خلال استخدام المواطن لصوته كسلاح في معركة التغيير والاصلاح، وهو في جانب يمكن التعبير عنه بالصوت العقابي أو التصويت العقابي. فالناخب الذي لا يؤمن بالكتل السياسية الحاكمة يمكنه أن يمارس الصوت العقابي ليسقط التحالف الحاكم ويعاقبه، عبر إعطاء صوته لشخص أو كتلة معارضة جديدة. فصوت المواطن في الانتخابات هو سلاحه الذي يستطيع به إسقاط حكومة أو صعودها، وإسقاط شخص أو صعوده.

ويمكن ان نرى تأثيرا للجيل الناشئ الجيل الجديد (جيل زد) الذي نشأ في رحم التكنولوجيا، حيث يتوقع البعض أن يكون لمشاركته تأثيرا جيدا في الانتخابات، قد يدفع بوجوه شبابية جديدة إلى الواجهة.

الوعي الانتخابي ونقد المرشحين

ان الانتخابات تشهد ممارسات طبيعية كما في انتخابات في العالم لاستغلال القضايا الطائفية أو القومية او الشعبوية لتحشيد الجمهور مع غياب المشروع السياسي الواضح، حيث أن النظام الديمقراطي السليم يقوم على محاسبة الكتلة أو الشخص على المشروع الذي قدمه.

ان ضعف الوعي عند الناخب يجعل المرشحين يركزون على "عالم الأشخاص" بدلاً من "عالم الأفكار". فهم يخاطبون غرائز الناخب، ويتعاملون مع العملية الانتخابية كبيع سلعة. فالمشكلة لا تقتصر على المرشح (البائع)، بل تشمل الناخب (المشتري) الذي يستجيب للإغراءات. ومن هنا لابد من رفع مستوى الوعي لدى الناخب للتحول من المستوى الغرائزي إلى التطور التعقلي والعقلاني.

فالمرشح يخاطب حاجات الناخب ومتطلباته السريعة (توزيع الأموال أو الخدمات الصغيرة) بدلاً من معالجة المشاكل الهيكلية. ولتغيير هذه الثقافة، يجب رفع مستوى الوعي لدى الناخب ليدرك أن مصلحته تكمن في تشريع القوانين التي تحميه، وليس في المكاسب اللحظية.

ومن عيوب المرشحين هو عدم احتكاكهم المباشر بالناس، فمعظمهم يضعون صورهم فقط ولا ينزلون إلى الشارع ليعرفوا حاجات المواطنين ويتحاورون معهم ويقدموا رسائل إيجابية.

دور المقاطعة في تشريع القوانين 

ان القوانين السيئة، مثل تلك المتعلقة بمراقبة الانتخابات أو قانون سانت ليغو، هي كانت نتاج البرلمان الذي انتخبه الناخب. فكلما قل تصويت الناخبين وازدادت نسب المقاطعين، ازدادت القوانين المشرعة سوء وضعفت الرقابة الشعبية. وكمثال على تشريع القوانين السيئة قانون انتخابات سانت ليغو هو "تشريع سيئ" لأنه يخدم مصالح الكتل المهيمنة ويؤدي الى عدم صعود شخصيات جديدة، وعدم احداث التغيير المطلوب لمصالح البلاد. كما ان الكتل السياسية تستفيد من المقاطعة لوجود طبقة انتخابية ثابتة لها.

لذلك كلما ازدادت نسبة المشاركة في الانتخابات، ازداد مؤشر التغيير في تشكيلة البرلمان والحكومة، مما يؤدي إلى صعود مجموعة جديدة من الشباب والوجوه الجديدة، وزادت جودة تشريع القوانين، وارتفع مستوى الرقابة والمحاسبة.

كذلك لابد من العمل على التحول الرقمي (الرقمنة) في إدارة البلد والانتخابات. حيث تزيد الرقمنة من سهولة التصويت (مثل استخدام البطاقة الوطنية الموحدة كبطاقة انتخابية) وتصعّب عملية التزوير. ولا يزال العراق يعتمد على نظام بيروقراطي ورقي يحتاج إلى تطور تكنولوجي وزمني.

المعايير الشخصية للمرشح المثالي

ان التغيير يبدأ من انتخاب جيل جديد من الشباب. وهناك معايير للمرشح الذي ينبغي انتخابه بما يلي:

1. أن تكون له شجاعة في التصدي داخل البرلمان.

2. أن يتجه نحو تشريع القوانين التي تخدم الناس ولا تخدم مصالح الكتل الحزبية فحسب.

3. أن يمارس دوراً رقابياً قوياً في محاسبة الحكومة.

4. أن لا يشارك في عملية التحاصص والمحاصصة.

5. أن يمارس دور المعارضة والمحاسبة في البرلمان لتمثيل حق المواطن.

وهذا يعني ضرورة عدم السعي وراء المصالح الصغيرة (كالتوظيف والتعيين) وبدلاً من ذلك السعي لتشريع قوانين تحمي المواطن وتضمن له التعيين الحقيقي. 

ان الانسحاب من المشاركة لا يفيد، وأن صوت المواطن هو الأداة الوحيدة لإجبار النخبة السياسية على التغيير والانتقال من مرحلة التفكير في المصالح الصغيرة إلى مرحلة بناء وطن قائم على القانون والمحاسبة والمشروع السياسي الواضح.

* مقتطفات بتصرف من حوار في برنامج (من التاسعة على قناة الامام الحسين الفضائية)، حول قبل الانتخابات في العراق وبعدها رؤية استشرافية

اضف تعليق