دراسة نوع البديل، أي العمل على دراسة الدعم الذي سيحل محل الدعم الحالي، من حيث الجدوى والفاعلية؛ أي الدعم الكمي أفضل أم الدعم السعري أم النقدي؟ توجيه الدعم وتحديده، أي لابد أن يتم تحديد الفئات المشمولة بالدعم، وكذلك تحديد الدعم وفق حدين أدنى وأعلى، لتجنب الاثار السلبية...
رغم تحول العراق نحو اقتصاد السوق بعد 2003 إلا إنه لازال يعتمد سياسة دعم المشتقات النفطية، فما هي ايجابياتها وسلبياتها؟
قبل معرفة ما هي ايجابياتها وسلبياتها لابد من معرفة أولاً ما هي سياسة الدعم بشكل عام، ودعم المشتقات النفطية بشكل خاص وما هي دلائل استمرار اعتمادها في العراق.
ما هي سياسة الدعم؟
سياسة الدعم بشكل عام، هي تحمل الدولة جزء من تكاليف العمليات الاقتصادية وذلك لزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد او تعزيز الرفاهية الاجتماعية أو كلاهما معاً.
أما دعم المشتقات النفطية، فهي تتمثل في تحمل الدولة جزء من تكاليف انتاج المشتقات النفطية وتكاليف استيرادها وتقديمها بأسعار اقل من الاسعار العالمية للمستهلك النهائي او المستهلك الوسيط بهدف تحسين المستوى المعاشي او الاقتصادي أو كلاهما معاً.
دلائل دعم المشتقات النفطية
هناك العديد من الدلائل التي توضح اعتماد العراق سياسة دعم المشتقات النفطية يمكن تناول بعضها أدناه:
اولاً: انخفاض اسعارها
عند اجراء مقارنة بين الاسعار المحلية والعالمية للمشتقات النفطية سنلاحظ هناك اختلاف كبير بينهما، فعلى سبيل المثال بلغ السعر المتوسط للبنزين في العالم هو 1634 بالدينار العراقي فيما يبلغ سعر البنزين في العراق 850 دينار (0.649 دولار امريكي) في يوم 20 كانون الثاني من العام الجاري، حسب موقع اسعار البترول العالمية.
بمعنى ان الدولة تقف الى جانب المستهلك وتتحمل 784 دينار عن كل لتر بنزين يستهلكه، بينما لو لم تقف لجانبه وتعمل وفق الاسعار العالمية للمشتقات النفطية سيدفع المستهلك في هذه الحالة 1634 دينار عن كل لتر بنزين وليس 850 دينار، مما يعني ان الدولة تدعم المستهلك بـ 784 دينار عن كل لتر بنزين يشتريه.
ثانياً: الموازنة العامة
حيث تتضمن الموازنة العامة ما يُعرف بـالنفقات الحاكمة، وجزء من هذه النفقات الحاكمة هو استيراد الطاقة، والتي تتضمن النفقات المخصصة للكهرباء والوقود، فعلى سبيل المثال لا الحصر بلغت النفقات المخصصة لاستيرادات الطاقة 1.129,000,000,000 تريليون دينار عراقي في عام 2023 حسب الموازنة الثلاثية للأعوام 2023- 2025.
نظراً لعدم توفر المشتقات النفطية بشكل يلبي الطلب المحلي تلجأ الدولة لاستيراد المشتقات النفطية وتوفيره للمستهلك بسعر مدعوم كما اتضح أعلاه، فقيام الدولة بتخصيص مبالغ لاستيراد المشتقات النفطية هو دليل على دعم الدولة للمشتقات النفطية.
ثالثاً: التسعير الاداري
يتم تسعير المشتقات النفطية في العراق ادارياً لا اقتصادياً، حيث يتم اصدار اوامر ادارية من دوائر الدولة ذات العلاقة كوزارة النفط وشركة توزيع المنتجات النفطية (شركة عامة تأخذ على عاتقها توزيع المنتجات النفطية في العراق) بتحديد اسعار المشتقات النفطية، تأخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية والظروف الاقتصادية بعين الاعتبار.
بينما التسعير الاقتصادي، يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب، بمعنى إذا ما كانت الكميات المتاحة من المشتقات النفطية أقل من الطلب عليها سترتفع اسعارها، وهذا الارتفاع عامل مشجع لإنتاجها او استيرادها، وإذا ما كانت الكميات المتاحة منها أكبر من الطلب عليها ستنخفض اسعارها، وهذا ما يُثبط من عملية انتاجها أو استيرادها.
وفي كلا الحالتين التسعير الاقتصادي لا يأخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية والظروف الاقتصادية، ونظراً، لتحديد اسعار المشتقات النفطية من قبل الدولة العراقية ودوائرها، إذن التسعير الاداري أحد دلائل دعم المشتقات النفطية في العراق.
ايجابياتها
1- تحسين مستوى المعيشة
حيث تسهم سياسة دعم المشتقات النفطية في توفير جزء من المبالغ التي كان من المُفترض أن تُنفق على شراء المشتقات النفطية، بمعنى ان الدولة تحملت جزء، بنسبة 47% تقريباً من السعر العالمي المشار إليه آنفاً؛ من تكاليف شراء تلك المشتقات النفطية؛ وهذا ما يعني توفير مبلغ من المال من الممكن انفاقه على الحاجات الاخرى وتحسين مستوى المعيشة.
2- تعزيز الاستقرار الاجتماعي
ان رفع الدعم عن المشتقات النفطية في العراق سيسهم في رفع تكاليف الكهرباء والنقل والتدفئة وغيرها، وهذا ما سيقلل من مستويات المعيشة واللجوء للعمل في الاقتصاد الاسود، ورُبما يؤدي لانحراف الاخلاقيات المجتمعية كالسرقة وغيرها، فضلاً عن الاحتجاجات السياسة، فدعم المشتقات النفطية اسهمت في الاستقرار الاجتماعي حتى وإن كان على مستوى الأمد المتوسط فضلاً عن الأمد القصير.
3- تشجيع النشاط الاقتصادي
ان توفير المشتقات النفطية بسعر مدعوم يسهم بلا شك في تشجيع النشاط الاقتصادي، لان السعر المدعوم يعني تخفيض تكاليف النشاط الاقتصادي أيّاً كان نوعه، وانخفاض التكاليف يعني تحقيق مزيداً من الارباح، وهذا ما يشجع النشاط الاقتصادي على الاستمرار وكذلك زيادة القدرة التنافسية بحكم القدرة على التحكم بالأسعار بسبب اسعار الطاقة المدعومة.
سلبياتها
1- العبء المالي
تسهم سياسة دعم المشتقات النفطية في زيادة الاعباء المالية على الموازنة العامة وتفاقم العجز فيها، مما يدفع الحكومة إما للضرائب ومساوئها او للاقتراض ومساوئه.
وما ذكر آنفاً في الموازنة العامة يمثل تلك الاعباء المالية التي تتحملها الموازنة العراقية باستمرار نظراً لاعتبارها من النفقات الحاكمة.
2- تشجيع الهدر
ان توفر المشتقات النفطية بأسعار مدعومة يجعل سلوك المستهلك غير رشيد، أي سيهدرها، بينما لو كانت المشتقات النفطية تُباع بالأسعار العالمية (الحقيقية) سيكون سلوك المستهلك سلوكا رشيدا لان التكاليف التي سيدفعها ستكون باهظة إذا لم يكن سلوكه رشيداً.
3- التهريب
ان توفير المشتقات النفطية بأسعار مدعومة يجعلها أرخص من اسعار الدول الاخرى التي لا تتبع سياسة الدعم وتكون الاسعار فيها اسعار حقيقية، وهذا ما يدفع لظهور التهريب، أي شراء المشتقات النفطية المدعومة وبيعها في الدول التي ترتفع فيها اسعار تلك المشتقات رغبة في توفير مزيد من الارباح.
ودائماً ما تصرح وسائل الاعلام العراقي عن احباط عمليات تهريب المشتقات النفطية، ونظراً لزيادة تهريب المشتقات النفطية من العراق للخارج، لجأ العراق لتشريع قانون يكافح التهريب وهو قانون مكافحة تهريب النفط ومشتقاته رقم 41 لسنة 2008، ومع ذلك لازلت وسائل الاعلام تصرح بعمليات التهريب وضبطها.
4- التلوث
يُعد القطاع النفطي من أبرز المصادر الرئيسية للتلوث في العراق، سواء من حيث آثار الانتاج او من حيث تكرير المشتقات النفطية او من حيث استهلاك المشتقات النفطية بواسطة المركبات بشكل رئيس.
حيث معروف، ان العراق من اوائل الدول في حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط الخام، وهذا ما ينعكس سلباً على البيئة.
5- الركوب المجاني
ان اعتماد سياسة الدعم للمشتقات النفطية من خلال الاسعار، سياسة لا تنسجم ومبدأ العدالة، حيث يستفيد الاغنياء كما يستفيد الفقراء من الدعم الحكومي للمشتقات النفطية دون أي تمييز بينهم على اساس المستوى الاقتصادي.
اتضح، مما سبق، وخصوصاً الدلائل، ان العراق يعمل بسياسة دعم المشتقات النفطية التي تُعد سلاح ذو حدين، حيث لا يمكن الاستمرار فيها نظراً للسلبيات المرافقة لها، كما اتضح بعضها آنفاً؛ ولا يمكن الغاءها نظراً للإيجابيات المرافقة لها، كما اتضح آنفاً، مما يستلزم العمل على اصلاح تلك السياسة من خلال عدّة نقاط يمكن الاشارة لبعضها:
اولاً: رسم خطة اصلاحية، أي الابتعاد عن العشوائية والقرارات الانفرادية والعمل على رسم خطة واضحة لإصلاح الدعم الحكومي للمشتقات النفطية، من قبل الجهات المعنية كوزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة النفط وحسب الظروف المناسبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ثانياً: دراسة نوع البديل، أي العمل على دراسة الدعم الذي سيحل محل الدعم الحالي، من حيث الجدوى والفاعلية؛ أي الدعم الكمي أفضل أم الدعم السعري أم النقدي؟
ثالثاً: توجيه الدعم وتحديده، أي لابد أن يتم تحديد الفئات المشمولة بالدعم، وكذلك تحديد الدعم وفق حدين أدنى وأعلى، لتجنب الاثار السلبية للدعم اللامحدود.
رابعاً: الضريبة مقابل التلوث، أي العمل على فرض الضرائب تصاعدية تتناسب وحجم التلوث، الناجم عن الانتاج او التكرير او الاستهلاك للمشتقات النفطية.
خامساً: ضبط الحدود لمنع التهريب، حيث ان ضبط الحدود من خلال تحفيز الموظفين بمكافآت مجزية وتحديث وسائل الرصد والمراقبة وتغليظ العقوبات لكل من سيشارك بالتهريب.
* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025
www.fcdrs.com
اضف تعليق