وبدل ان يتم تخفيض الضرائب وزيادة الانفاق الحكومي على مستوى السياسة المالية، نلاحظ ان السياسة المالية سارت بالاتجاه المعاكس وهذا ما تسبب في تفاقم سوء الاحوال الاقتصادية وشجع المجتمع على تأييد أي ما يسهم في اسقاط الحكومة. الاسباب الاقتصادية لا تقل أهمية عن الاسباب الاخرى، في التحضير لإسقاط...

لم تكن الاسباب الاقتصادية وحدها وراء سقوط الحكومة السورية في 8/ 12/ 2024 بل هناك توليفة من الاسباب التي دفعت لسقوطها والاسباب الاقتصادية من أبرزها.

بمعنى سيتم التركيز على الاسباب الاقتصادية مع الاشارة للأسباب الاخرى، بقدر تعلق الاسباب الاقتصادية بها بحكم الترابط الوثيق بينهما.

حيث يمثل الاقتصاد عصب الحياة في أي مجتمع، إذا ما تعرض هذا العصب لأي خلل سيتعرض البلد برمته للانهيار كما هو حال العديد من الدول ومنها واقع سوريا حالياً.

إذ ان أغلب المؤشرات الاقتصادية كانت تؤشر بشكل واضح مدى تدهور الاقتصاد السوري مما يعني ان المجتمع السوري كان يعاني من الالم والمعاناة، ومن الممكن في أي لحظة أن يطيح بالحكومة السورية وهذا ما حصل على ارض الواقع بالفعل.

ولا يمكن تناول المؤشرات الاقتصادية بمعزل عن الاسباب الاخرى، حيث تتعاضد الاسباب فيما بينها لتكون كرة متحرجة تؤدي للانهيار.

حيث التحق الشعب السوري بثورة الربيع العربي التي انطلقت عام 2011؛ رغبة بالتغيير المنشود أسوة بدول المنطقة لكن الحكومة السورية لم تستجب لتلك الاحتجاجات وواجهتها بالقمع والقمع العنيف مما دفع لولادة المعارضة المسلحة، حيث ان كثرة الضغط تولد الانفجار.

وتجدر الاشارة الى ان العامل الخارجي كان له دور بارز في اشتداد الأزمة وإطالتها، تجاه كلا الطرفين؛ حيث وقفت روسيا وإيران لجانب الحكومة، بينما وقف الغرب والخليج وتركيا الى جانب المعارضة خصوصاً في المراحل الاولى.

حيث فرضت الولايات المتحدة (اوامر تنفيذية وقانون قيصر 2020)[i] والاتحاد الاوربي (تدابير تقييدية 2013 صعوداً)[ii] عقوبات على سوريا أثرت بشكل واضح على اداء الاقتصاد، لان العقوبات تعني قطع العلاقات الدولية والتمويل والتجارة عن سوريا، هذا ما دفع بإيران لتمويل الحكومة السورية بما لا يقل عن 6 مليار دولار سنوياً[iii] ولا يقل عن هذا الرقم بل أكثر بالنسبة لروسيا.

ان عدم استجابة الحكومة من ناحية واصرار المعارضة على مواجهة الحكومة من ناحية ثانية، دفع لغياب الاستقرار في البلد، وتعثر الاداء الاقتصادي وانعكاسه سلباً على المجتمع.

والأسوأ من ذلك، وبدلاً من اعادة النظر بإدارة الاقتصاد لتحسين اداء الاقتصاد وانعكاسه ايجاباً على حياة الناس، لجأت لزيادة معدل ضريبة الدخل الشخصي من 20% عام 2009 الى 22% عام 2010 ولغاية 2023 مما دفع لتدهور الاداء الاقتصادي وكما هو واضح في المؤشرات أدناه.

1- اجمالي الناتج المحلي الاجمالي، حيث انخفض اجمالي الناتج المحلي من 67 مليار دولار عام 2011 الى 23 مليار دولار عام 2022، حسب بيانات البنك الدولي.

2- الايرادات السياحية، حيث انخفضت الايرادات السياحية من 6 مليار دولار عام 2010 الى 78 مليون دولار امريكي عام 2020.

3- معدل البطالة، حيث ارتفع هذا المعدل من 8.3% عام 2011 الى 13.5% عام 2023، وهذا ما ينعكس على معدل الفقر بشكل تلقائي.

4- معدل التضخم، حيث ارتفع هذا المعدل من 11% عام 2011 الى 150% عام 2023، وهذا ما ينعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين.

5- سعر الصرف، ارتفع سعر صرف الدولار الامريكي أمام الليرة السورية، حيث ارتفع من أقل من 1500 ليرة لكل دولار قبل 2013 الى أكثر من 12000 ليرة لكل دولار عام 2023 وبالخصوص بعد جائحة كورونا 2020 والعقوبات الاقتصادية.

6- الانفاق الحكومي، انخفاض الانفاق الحكومي من 252 مليار ليرة سورية عام 2011 الى 224 مليار ليرة سورية عام 2020 باستثناء عاميّ 2014 و2021 ارتفع الى 269 مليار ليرة سورية و283 مليار ليرة سورية على التوالي.

7- الانفاق الاستهلاكي، حيث انخفض الانفاق الاستهلاكي من 1 تريليون ليرة سورية عام 2011 الى قرابة 125 مليار ليرة سورية عام 2021 بسبب سوء الاوضاع الاقتصادية[iv].

إلى جانب المؤشرات أعلاه، ان الارهاب والفساد مؤشران يحتلان مراتب متقدمة دولياً، حيث تقع سوريا ضمن أول خمسة دول في كلا المؤشرين، مما يعطي صورة قاتمة جداً سوء بيئة الاعمال السورية.

عموماً، اقتصادياً ان أي بلد يدخل مرحلة الانكماش يُصار لاتباع سياسات اقتصادية توسعية لإخراج الاقتصاد من حالة الانكماش، وحين يدخل مرحلة التضخم يُصار لسياسات اقتصادية انكماشية لمعالجة التضخم واعادة الاقتصاد للوضع التوازني.

وهذا ما لم يحصل في الاقتصاد السوري، حيث دخل مرحلة الانكماش منذ عام 2011 مع بدء الاحتجاجات الشعبية، وبدل ان يتم تخفيض الضرائب وزيادة الانفاق الحكومي على مستوى السياسة المالية، نلاحظ ان السياسة المالية سارت بالاتجاه المعاكس وهذا ما تسبب في تفاقم سوء الاحوال الاقتصادية وشجع المجتمع على تأييد أي ما يسهم في اسقاط الحكومة.

خلاصة القول، ان الاسباب الاقتصادية لا تقل أهمية عن الاسباب الاخرى، في التحضير لإسقاط أي حكومة لا تعير أهمية كبيرة لتحسين اقتصاد الناس، وسقوط الحكومة السورية مثال بارز على ذلك.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

.......................................

مصادر تم الاعتماد عليها

[i] - موقع وزارة الخزانة الامريكية، متاح على الرابط أدناه

https://ofac.treasury.gov/sanctions-programs-and-country-information/syria-sanctions

[ii] - موقع الاتحاد الاوربي، متاح على الرابط أدناه

https://ofac.treasury.gov/sanctions-programs-and-country-information/syria-sanctions

[iii] - عُلا الرفاعي وآخرون، لعبة ايران الطويلة الأمد في سوريا، مقال متاح على موقع معهد واشنطن.

[iv] - بيانات المؤشرات الاقتصادية مأخوذة من موقع الاقتصاد التجاري متاح على الرابط أدناه

https://ar.tradingeconomics.com/syria/indicators

اضف تعليق