خلق مزيد من الوظائف الجيدة في أميركا يجب أن يكون على رأس أولويات صناع السياسات الفيدراليين. لكن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات لن يُـفضي إلى هذا. يتمثل نهج أفضل كثيرا في تعزيز تطوير العلوم الرائدة وتشجيع تسويق هذه الأفكار الجديدة تجاريا في الشركات التي تؤسَّـس في...
بقلم: سايمون جونسون
واشنطن، العاصمة- يتلخص جوهر السياسات الاقتصادية الـمُقترحة من قِـبَـل دونالد ترمب في فرض رسوم جمركية ضخمة جديدة على كل السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة. يزعم الرئيس الأميركي السابق أن التعريفات الجمركية ستحمي الوظائف، وتزيد الأجور، وتبشر بعصر جديد من الرخاء الأميركي. ويبدو أن ترمب مقتنع بأنه وجد حلا اقتصاديا شافيا من كل داء، ولهذا يُـطلِـق على نفسه بفخر لقب "رجل التعريفات الجمركية".
لكن التعريفة الجمركية ليست أكثر من اسم مُـفـتَـخَـر لضريبة مفروضة على الناس الذين يشترون السلع المستوردة (وأي شيء يُـنـتَـج محليا باستخدام مدخلات مستوردة)، وعلى هذا فإن اقتراح ترمب من شأنه أن يضغط على جميع الأسر الأميركية، وسوف يكون تأثيره قاسيا بشكل خاص على العاملين من أصحاب الدخول الأدنى. وحتى لو لم تَـجُـرّ هذه التعريفات الجمركية العالم إلى حرب تجارية مدمرة للذات، فمن المرجح أن ينتقم شركاء الولايات المتحدة التجاريون ــ وهذا من شأنه أن يلحق الأذى بكل من يعمل في قطاع التصدير الناجح العالي الإنتاجية في أميركا.
يحمل ترمب شهادة من كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا، وبالتالي ينبغي له أن يعرف كيف تعمل التعريفات الجمركية. الواقع أن ترمب تخرج في عام 1968، لكن تحليل التعريفات الجمركية كان مفهوما تماما قبل خمسين عاما ــ وتظل الحقائق الأساسية كما هي.
تشير تقديرات كيمبرلي كلوزينج وماري لوفلي، وهما من أبرز الخبراء على مستوى العالم في القضايا الضريبية، إلى أن التعريفات الجمركية التي يريد ترمب فرضها ستكلف الأسرة الأميركية المتوسطة أكثر من 2600 دولار. (نَـشَـرَ هذا التقدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، الذي كنت أنتمي إليه سابقا؛ لكنني لم أشارك في إعداد هذا التقرير أو أي عمل مرتبط به).
تحلل كلوزينج ولوفلي نظام التعريفات الذي من شأنه أن يفرض ضريبة بنسبة 60% على الواردات الصينية وضريبة إضافية بنسبة 20% على جميع الواردات الأخرى، وهو هدف ترمب الـمُـعلَـن. وتمثل الزيادة الضريبية السنوية البالغة 2600 دولار على الأسرة المتوسطة خسارة هائلة في القدرة على الإنفاق (4.1% من دخلها بعد الضريبة). لكن "خسارة المستهلك بسبب التعريفة المقترحة" ستكون أكبر كثيرا بالنسبة لأدنى 20% على سُـلَّـم توزيع الدخل ــ أكثر من 6% من الدخل بعد الضريبة.
في المقابل، لن تتجاوز خسارة المنتمين إلى فئة الأعلى 1% دخلا بسبب هذه التعريفات الجمركية 1.4%. يعكس هذا التأثير المتفاوت حقيقة مفادها أن أصحاب الدخل الأدنى يستهلكون، بشكل مباشر وغير مباشر، قدرا أكبر من الواردات، كنسبة من إنفاقهم، مقارنة بالأشخاص الأكثر ثراء.
تتصدى كلوزينج ولوفلي أيضا لتقييم التأثيرات المترتبة على تمديد التخفيضات الضريبية من عهد ترمب، والتي تعود بالفائدة بشكل خاص على الأشخاص الأعلى دخلا. والتأثير الصافي المشترك الذي يخلفه تمديد هذه التخفيضات ــ وهو ما يريد ترمب فعله بكل تأكيد ــ مقترنا بفرض تعريفات جمركية عالية على كل الواردات، من شأنه أن يجعل أعلى 1% دخلا في حال أفضل. لكن الجميع غيرهم سوف يخسرون. لذا فإن ما يقترحه ترمب في حقيقة الأمر هو إعادة توزيع هائلة للدخل لصالح الأميركيين الأعلى دخلا.
في واقع الأمر، يريد ترمب زيادة الضرائب على الأميركيين العاملين لتغطية تكلفة التخفيضات الضريبية التي تحابي في المقام الأول أشخاصا أثرياء بالفعل. يزعم الحزب الجمهوري مرارا وتكرارا أنه ضد زيادة الضرائب على معظم الأميركيين. لكن هذا هو بالضبط ما يقترحه ترمب. وكما يقول جروفر نوركويست، مؤسس ورئيس منظمة "أميركيين من أجل الإصلاح الضريبي"، فإن "الرسوم الجمركية هي في حقيقة الأمر ضرائب". هذه الضرائب سوف يدفعها أميركيون، وليس شركات أجنبية، كما يزعم ترمب زورا.
إن خلق مزيد من الوظائف الجيدة في أميركا يجب أن يكون على رأس أولويات صناع السياسات الفيدراليين. لكن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات لن يُـفضي إلى هذا. يتمثل نهج أفضل كثيرا في تعزيز تطوير العلوم الرائدة وتشجيع تسويق هذه الأفكار الجديدة تجاريا في الشركات التي تؤسَّـس في الولايات المتحدة. كما أوضحت أنا وجوناثان جروبر في كتاب "دفع عجلة أميركا"، الذي نُشر في عام 2019، اعتادت الولايات المتحدة على القيام بقدر كبير من هذا (نسبة إلى حجم الاقتصاد) في العقود التالية للحرب العالمية الثانية.
ما يدعو إلى التفاؤل أن إدارة الرئيس جو بايدن عملت، بدعم من الحزبين، على الدفع بهذه الأجندة في قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم لعام 2022، كما طرحت نائبة الرئيس كامالا هاريس، خصم ترامب، مقترحات من شأنها أن تدفع الولايات المتحدة إلى الأمام في هذا الاتجاه. صحيح أن التمويل الكافي لدعم هذه الجهود كان أبطأ من أن يظهر، لكن البقاء على المسار أمر منطقي. فقد اقترحت حملة هاريس "إعفاء ضريبيا تقدميا لأميركا"، والذي "سيستهدف الاستثمار وخلق فرص العمل في صناعات استراتيجية رئيسية".
إن الاستيلاء على الريادة التكنولوجية والاحتفاظ بها أمر مهم. فإذا كنت أول من يَـخترِع وأول من يَـطرَح في السوق، فسوف تحظى بالفرصة لخلق مزيد من الوظائف الجيدة التي قد تنشأ في أي صناعة عالمية جديدة. وقد فعلت الولايات المتحدة هذا من قبل، في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن العشرين ــ عقود من الرخاء المشترك التي شهدت خفض التعريفات الجمركية، وليس زيادتها.
اضف تعليق