لن تجد أحداً راضياً عن أحد في أغلب الوظائف العامة، ولن تجد من يشعر بالرضا عن موقعه ودوره في هرم السلطة والإدارة، ولا شك في أن سيطرة هذه المشاعر السلبية على أجواء العمل تنذر بتراجع الإبداع وانخفاض الإنتاج والتقصير في الواجبات، فتصبح المؤسسة مثل سفينة مثقوبة تنتظر بقلق لحظة الغرق...
لو سألت اليوم أي موظف عن دائرته، وطبيعة العلاقات السائدة في أجواء العمل الوظيفي، فسوف تجد عشرات القصص التي تؤكد توتر العلاقات وغياب الثقة وطغيان الرشوة والفساد، والتنافس غير المشروع على مغانم السلطة، وتصاعد الشعور بالظلم والخداع، سواء بين المدير والموظفين، أو بين زملاء العمل أنفسهم، وهذه المعادلة التي تشير إلى خلل إداري فادح نتيجة غياب مبدأ العدالة في توفير الفرص، وعدم اعتماد الكفاءة والنزاهة في تولي المناصب في جميع مستوياتها، تجعل الوظيفة في هذه الظروف الصعبة، نوعاً من المعاناة لدى الكثيرين، بالرغم من حاجتهم إلى الراتب الشهري في تدبير شؤون حياتهم ومتطلبات أسرهم، فضلاً عن التقاعد في نهاية المطاف.
لن تجد أحداً راضياً عن أحد في أغلب الدوائر والوظائف العامة، ولن تجد من يشعر بالرضا عن موقعه ودوره في هرم السلطة والإدارة، إلاّ نادراً، ولا شك في أن سيطرة هذه المشاعر السلبية على أجواء العمل تنذر بتراجع الإبداع وانخفاض الإنتاج والتقصير في الواجبات، فتصبح المؤسسة مثل سفينة مثقوبة تنتظر بقلق لحظة الغرق في دوامات الفشل والانهيار .
ظاهرة الرضا أو عدم الرضا الوظيفي تمثل موضوعاً مهماً في مجال علم الإدارة الحديثة، وقد خضعت لدراسات عميقة في الدوائر والمؤسسات والشركات في الدول المتقدمة منذ نحو قرن، وكانت تهدف إلى اعتماد مبدأ وضع (الشخص المناسب في المكان المناسب)، وتحقيق الشعور بالسعادة والارتياح خلال ساعات العمل، وتوفير ضروريات الحياة لكل موظف، في مقابل جهده وإخلاصه في عمله، فتصبح المؤسسة ميداناً مفتوحاً للمنافسة الشريفة المنتجة، في سبيل زيادة الإنتاج وتضاعف الأرباح والتطور والاستمرار في العطاء.
تعود بدايات الاهتمام بموضوع الرضا الوظيفي وتأثيره في سلوك الأفراد، إلى بدايات القرن العشرين، وكانت أولى المحاولات الجادة لتحليل هذه الظاهرة هي محاولة (تايلور)، صاحب نظرية الإدارة العلمية ((Scientific management theory))، وصاحب هذه النظرية قام بدراسة سلوك العامل في المنظمة، وبحث في كيفية تحفيزه من أجل مزيد من العطاء والجهد، ولكن منطلق النظرية لم يكن كيفية تحسين أحوال الفرد الاجتماعية وزيادة راتبه وتوفير حريته الفردية وديمقراطية الإدارة في المنظمة، وإنما كانت تسعى إلى مناقشة مشكلات الإنتاجية وسبل رفع إنتاجية الفرد العامل، وقد أدت هذه النظرية إلى اعتبار العامل أداة من أدوات الإنتاج، ولكي يتمكن الفرد من إعطاء أقصى طاقاته الإنتاجية، فلا بد من أن تهتم الإدارة بتدريبه على العمل، وان تراقبه بواسطة المشرفين، مع تشجيعه مادياً ومعاقبته إذا قصر في إنتاج الكمية المطلوبة.
هذه النظرية لم تحقق الرضا المطلوب من قبل العمال والموظفين، وكان مما يؤخذ عليها إهمالها للجوانب الإنسانية في حياة هذه الشريحة النشيطة، إلاّ أنها لفتت الانتباه للعنصر البشري ودوره المحوري في نجاح المنظمة، وإمكانية تحفيزه وتأهيله، وخلال الفترة نفسها ظهرت حركة العلاقات الإنسانية والعلاقات العامة التي اهتمت بالجانب الإنساني في العمل الوظيفي، ومن رواد هذه الحركة التون مايو Elton mayo وزملاؤه، وقد رأت هذه الحركة أن المكافآت والحوافز غير المادية تلعب دوراً رئيسياً في تحفيز الأفراد وشعورهم بالرضا، مستخدما لأول مرة عبارة (الرضا الوظيفي) للتدليل على تكيف الأفراد في وظائفهم، وان حجم العمل الذي يؤديه الفرد ومستوى كفاءته الإنتاجية، لا تحددهما طاقته الفسيولوجية فحسب، بل تحددهما إرادة الجماعة وخلفيته الاجتماعية، وقد شخصت هذه المدرسة دور المعنويات لدى العاملين وعلاقات العمل بالتأثير في إنتاجيتهم وإبداعهم.
الحكمة الإدارية والتعامل الإنساني وبث مشاعر الانتماء للوظيفة والإخلاص لها، تجعل من بيئة العمل واحة زاخرة بالبهجة والإخلاص، فالموظف المجتهد يتلقى ثمن عطائه من خلال المزيد من الفرص والمكافآت المادية والمعنوية، ليكون قدوة للآخرين، أما الموظف المقصر، فيجد اليد الأمينة التي ترشده وتوجهه وتضعه في المسار الصحيح، من خلال التدريب واختيار العمل المناسب لقدراته، من دون تحيز أو إحباط، أما النوع الثالث، وهو الموظف الفاسد، فيكون العقاب جاهزاً بعد محاولات الإصلاح والتقويم، وهذه المسارات الثلاثة ينبغي أن تديرها قيادة رشيدة!
اضف تعليق