لماذا عندما تقوم "السلطة النقدية" باتّخاذ قرار بتخفيض سعر الدولار مقابل الدينار بنسبة معيّنة، لا يكون هناك انخفاض فعلي في الأسعار بنفس النسبة في السوق، أو أنّ الأسعار لا تنخفِض أصلاً، كما نشهدهُ الآن في العراق؟ الجواب: في الاقتصاد بشكلٍ عام، وفي الاقتصادات "المُستقِرّة" و "غير المُختَلّة" بشكلٍ خاص...
السؤال: لماذا عندما تقوم "السلطة النقدية" باتّخاذ قرار بتخفيض سعر الدولار مقابل الدينار بنسبة معيّنة، لا يكون هناك انخفاض فعلي في الأسعار بنفس النسبة في السوق.. أو أنّ الأسعار لا تنخفِض أصلاً، كما نشهدهُ الآن في العراق؟
الجواب:
في الاقتصاد بشكلٍ عام .. وفي الاقتصادات "المُستقِرّة" و "غير المُختَلّة" بشكلٍ خاص..
فإنّ الأسعار والأجور لا تستجيب بذات النسبة للانخفاض في سعر الصرف.
إنها أقلّ "مرونةً" من ذلك بكثير.
إن أثر السياسة النقدية يتم نقله من قبل سعر الصرف الى التضخم بصورة مباشرة من خلال قناة التضخم Channel Inflation ، التي تعرف أيضا بــ "أثر النفاذ المباشر "ThroughPass -dir-ect Effect ، إذ تؤثر تحركات سعر الصرف على التضخم مباشرةً من خلال زيادة أسعار الواردات، و/أو الأسعار المحلية للسلع الخدمات التي تدخل في التجارة الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن "آلية النفاذ" هذه تعمل في ظل نظام "سعر الصرف المرن" ، حيث يوجد مدى واسع نسبيا يتحرك سعر الصرف في إطاره.. أما في اطار سعر الصرف "الثابت" أو "المُدار" بواسطة السلطة النقدية (كما هو الحال في العراق) فإن فعالية السياسة النقدية تقل، وقد تتلاشى تماما.
كما أنّ معدلات الفائدة المحلية قد تختلف عن المعدلات العالمية إذا ما كانت الأصول المحلية والأجنبية تعد بدائل غير كاملة، وفي هذه الحالة فإن تأثير السياسة النقدية سيكون محدوداً للغاية.
و حتّى إذا كانت السياسة النقدية فاعلة وحكيمة وكفوءة.. فإنّ هناك أيضاً ما يسمى بـ "التباطؤ الزمني" TIME LAG بين تغيير "أداة" من أدوات السياسة النقدية، وبين ظهور تأثيرها في السوق.. وتتراوح هذه المدة بين 6 إلى 9 أشهر.. وأحياناً لا يظهر التأثير الفعلي لذلك إلاّ بعد أكثر من عام.
إذا كان استخدام "أدوات" السياسة النقدية" خاطيء أساساً في الأجل القصير، فإنّ العواقب ستكون وخيمة في الأجل الطويل.
لا يعرف الكثيرون ذلك.. ومنهم الكثير من "رؤوس" الإدارات التنفيذية العليا ذات الصلة بالشأن الاقتصادي في العراق.
الأرقام مهمة وحاسمة، و"تكسِر الظَهر" في الاقتصاد.
الأرقام لا تستُخدُم في الإقتصاد، كما تُستخدَم في لعبة "حيّة و دَرَج".
جاءت حكومة السيد الكاظمي وجعلت الدولار الواحد يُعادل 1460 ديناراً.
و جاءت حكومة السيد السوداني وجعلت الدولار الواحد يُعادل 1300 ديناراً.
لا أحد قال لنا لماذا 1460 في حينه، ولا أحد قال لنا لماذا 1300 الآن.
لا أحد بإمكانه أن يقول لنا، لماذا لم نَعُد إلى 1190، وهو "سعرنا" المُفضّل القديم.
وحدها "القرارات" التي تهبط علينا من السماء بالمظلاّت تفعل ذلك.
لا تتلاعَبوا بسعر الصرف كما يحلو لكم، ولا تستَخِفّوا بالعواقب الوخيمة التي قد تترتّب على ذلك.
كونوا "دولة".. و تحكّموا بالأسباب الحقيقية و"المقدمات" المنطقيّة لكل هذه "الفوضى" في الإقتصاد، وأفعلوا شيئاً بصددها، ولا تُطارِدوا (لاهثينَ) تلك "النتائج" المنطقيّة، و"الظواهر" العاديّة المترتّبة عليها، واللصيقةِ بها.
إذا لم تكن قادراً على الدفاع عن سعر 1460 للدولار مقابل الدولار، وأصبح سعر الدولار في السوق 1700 دينار للدولار، فكيف ستتمكّن من الدفاع عن سعر 1300 دينار مقابل الدولار، وكم سيصبح الفارق في السوق بين السعرين؟
إذا كان السيّد الكاظمي، و وزير ماليّته السيد علي عبد الأمير علاّوي، قد برّروا رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار إلى العجز في تمويل رواتب الموظفين(والمتقاعدين والرعاية الإجتماعية) في حينه، فإن هذه "التخصيصات" قد أرتفعت الآن(استناداً للبرنامج الحكومي).. فمن أين سيأتي السيّد السوداني و وزيرة ماليّته السيدة طيف سامي، بما يتمكنّون من خلاله من سدّ العجز بين بيع وزارة المالية الدولار إلى البنك المركزي بسعر 1460 دينار، وبين بيعه الآن بسعر 1300 دينار؟
لا تتلاعبوا بسعر الصرف.
الحقائق على الأرض هي من تتحكّم في ذلك، وليس "القرارات" التي تهبط علينا بالمظلاّت.
اضف تعليق