q
تزداد الضغوط على دول تحالف اوبك+ من اجل رفع الانتاج لخفض اسعار النفط وتقليص الضغوط التضخمية وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي، في حين تسعى أطراف اخرى، داخل التحالف، الى ضبط الانتاج بما يحقق توازن الاسعار ويديم حوافز الاستثمار في قطاع النفط من اجل رفع معدلات الطاقة الانتاجية واستيعاب نمو الطلب...

شهدت اسواق الطاقة مؤخرا موجة هبوط قادت اسعار النفط الى دون 80 دولار للبرميل بفعل جملة من العوامل التي زادت عنصر اللايقين المرافق لتطورات اسواق الطاقة منذ النصف الثاني من العام الجاري.

فعلى الرغم من استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، والتضخم العالمي (خاصة في أسعار الغذاء والطاقة)، ومخاطر التباطؤ الاقتصادي، ونقص الاستثمار في إمدادات الطاقة، وعمليات الإغلاق في الصين، والاقتصاد العالمي المضطرب، وتشديد السياسات النقدية، ومعضلة سلاسل الامداد، الا ان تركيز الاسواق توجه مؤخرا الى عوامل جديدة قد تكون المحدد الابرز لبوصلة الأسعار حتى نهاية العام الجاري وما بعده.

وفي مقدمة هذه العوامل اجتماع تحالف "أوبك +" يوم الأحد المقبل لتحديد مستوى الإنتاج. الاجتماع القادم يعقب خفض قياسي في إنتاج دول التحالف بمقدار (2 مليون) برميل يوميا. مع ذلك شهدت الاسواق تراجعا في اسعار النفط رغم سريان القرار بسبب تشديد القيود الصحية في الصين وتراجع الطلب العالمي على النفط.

ويرجح بعض الخبراء تخفيضات إضافية لتحالف "أوبك +" من اجل الحد من تدهور الاسعار مع بوادر تراجع في الطلب العالمي على النفط، في حين يتوقع البعض الآخر ان يحول تباطؤ الاقتصاد العالمي وتداعيات حضر النفط الروسي وتطبيق سياسة السقف السعري دون اجراء تخفيضات اضافية وتأجيل قرار خفض الانتاج الى مطلع العام القادم بعد سريان العقوبات الاوربية على روسيا ومتابعة مديات استيعاب اسواق الطاقة للصدمة الجديدة. وتشير مصادر من داخل تحالف "أوبك +" الى وجود متابعة دقيقة من قبل كبار المنتجين لبيانات العرض والطلب وأساسيات السوق، اخذين ضعف الطلب الصيني في الاعتبار عند اتخاذ قرار جديد، سواء بتثبيت الإنتاج أو إجراء خفض جديد، لتفادي مضاعفة المخاطر الكامنة اساسا في الأسواق.

من جانب ثاني، تركز اسواق النفط على تداعيات تطبيق قرار الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على إمدادات النفط الروسي المنقول بحرا، مما يزيد اللايقين باتجاه الاسعار خلال الاسبوع القادم وما بعده. ويرجح أن يرافق بدء الحظر على النفط الروسي الاثنين المقبل، تنامي طلب المصافي الأوروبية على نفط الشرق الأوسط، نظرا لتوجهات الاتحاد الأوروبي في تغيير خارطة موارد الطاقة، بعد اعتماد سياسة إنهاء الارتباط بإمدادات النفط والغاز الروسية.

من جانب اخر تعكف الأسواق على تقييم تأثير سقف الأسعار الذي سيحدده الغرب على النفط الروسي. وتناقش مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي سقفا يتراوح بين (65 - 70) دولارا للبرميل بهدف الحد من الإيرادات التي تستخدم في تمويل الهجوم العسكري الروسي في أوكرانيا دون تعطيل أسواق النفط العالمية. ومن المقرر أن يدخل السقف السعري حيز التنفيذ في (5 ديسمبر)، عندما يسري أيضا حظر الاتحاد الأوروبي على الخام الروسي.

اما العامل الثالث المؤثر على اتجاهات الاسعار فيتمثل بتطورات سياسة "صفر كوفيد" الصينية التي عززت حالة عدم اليقين، وزادت من تقلبات اسعار النفط خلال الشهور الماضية. فقد شهدت أسعار النفط تعافيا طفيفا وسط آمال بأن تخفف الصين من القيود التي فرضتها لمكافحة (كوفيد – 19) بعد احتجاجات شعبية على الاستراتيجية التي تنتهجها البلاد، والتي تعرف باسم "صفر كوفيد" مؤخرا في كبرى المدن الصينية.

وعلى ما يبدو ان تحديد السياسة الانتاجية لتحالف اوبك+ في الاجتماع المقبل مهمة شاقة في ظل ظروف عالمية شديدة الحساسية والخطورة نظرا لتداخل العوامل الجيوسياسية والاقتصادية واساسيات السوق بشكل كبير.

فمن جهة تزداد الضغوط على دول تحالف اوبك+ من اجل رفع الانتاج لخفض اسعار النفط وتقليص الضغوط التضخمية وتحفيز النمو الاقتصادي العالمي، في حين تسعى أطراف اخرى، داخل التحالف، الى ضبط الانتاج بما يحقق توازن الاسعار ويديم حوافز الاستثمار في قطاع النفط من اجل رفع معدلات الطاقة الانتاجية واستيعاب نمو الطلب العالمي في المستقبل، نظرا لما يحتاجه الاستثمار في قطاع النفط من وقت وكلفة لحين الوصول الى مرحلة الانتاج.

فضلا على دور روسيا في تحريك تحالف اوبك+ بما يخدم مصالحها في الضغط على الدول الكبرى عبر ملف الطاقة للحد من سياسة العقوبات الدولية على موسكو.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق