اقتصاد - مقالات اقتصادية

جهود مكافحة الفقر المدقع في العالم

قراءة في التقرير الأول لحالة الشمول الاقتصادي 2021

الفقر المدقع ظهر لوصف حالة من الحرمان الشديد من الحاجات الإنسانية بما في ذلك المواد الغذائية ومياه الشرب ومرافق الصحة والايواء والتعليم، وهو مزيج من فقر الدخل وفقر التنمية البشرية والاستبعاد الاجتماعي وهو منتهى الحرمان والعوز. ما بين 119 و124 مليون شخص حول العالم سيقعون في الفقر المدقع...

شهدت السنوات المنصرمة (قبل جائحة كورونا Coved-19) زخماً عالمياً كبيراً لمحاربة الفقر بجميع اشكاله (الهدف 1 في جدول اعمال التنمية المستدامة 2030)، إذ تعهدت بعدم ترك أحد يتخلف وراء الركب والوصول إلى الجميع، من خلال سياسات ذات رؤية لنمو اقتصادي مستدام وشامل ومنصف، يدعمه الاستيعاب الكامل في مجال التوظيف وإيجاد العمل اللائق للجميع والرعاية الاجتماعية وتراجع عدم المساواة وزيادة الإنتاجية والحفاظ على البيئة، وتحقيق النمو الشامل والمستدام (الهدف 8) للقضاء على الفقر بكافة أشكاله بحول عام 2030.

وبالفعل حقق العالم نتائج جيدة في هذا الإطار لتنخفض أعداد الفقراء الواقعين في فخ الفقر المُدقع (يعيش الفرد على دخل 1.90 دولار في اليوم) بشكل ملحوظ، إذ انخفض بأكثر من مليار شخص إلا إن تفشي فيروس كورونا وتحولهُ الى جائحة وما تبعه من تداعيات أدت الى فرض أعباء إنسانية واقتصادية تحتاج الى ضخ مئات المليارات لإعادة أوضاع ما قبل الجائحة، وللمرة الأولى ومنذ عقدين من الزمن يزداد الفقر المدقع في جميع انحاء العالم، ومن المتوقع ان ينعكس هذا المسار بالاتجاه المعاكس بسبب تفشي فيروس كورونا في اغلب دول العالم.

وتجدر الإشارة الى إن الفقر المدقع ظهر لوصف حالة من الحرمان الشديد من الحاجات الإنسانية بما في ذلك المواد الغذائية ومياه الشرب ومرافق الصحة والايواء والتعليم والمعلومات...الخ، وهو مزيج من فقر الدخل وفقر التنمية البشرية والاستبعاد الاجتماعي وهو منتهى الحرمان والعوز.

وتُشير تقديرات البنك الدولي الى إن ما بين 119 و124 مليون شخص حول العالم سيقعون في غياهب الفقر المدقع في عام 2021 (يُحسب عدد الفقراء الجدد بسبب جائحة كورونا بأنه الفرق بين معدل الفقر المتوقع في ظل وقوع الجائحة ومعدل الفقر المتوقع دون وقوع الجائحة) (1).

وانطلاقاً مما تحقق وإدراكاً لما يجب تحقيقه، ظهرت العديد من المشاريع والبرامج للتصدي لهذه الظاهرة وتأتي مبادرة البنك الدولي للشمول الاقتصادي Economic Inclusion والذي يمثل أحد أهم البرامج الحديثة والناشئة التي تبنتها بعض الدول لمجابهة الفقر والتخفيف من آثاره، والتي تتمثل في حزمة من الإجراءات والتدخلات التي تدعم الافراد والاسر لتحسين فرص معيشتهم وزيادة دخولهم للإفلات من الفقر

وفي هذا الإطار، صدر التقرير الأول لحالة الشمول الاقتصادي في عام 2021 وقد جاء بعنوان تقرير عن حالة الشمول الاقتصادي 2021: إمكانية التوسع The State of Economic Inclusion Report 2021: The Potential To Scale والصادر عن مجموعة البنك الدولي.

ويعد التقرير ثمرة تعاون فريد من نوعه في إطار الشراكة من أجل الشمول الاقتصادي PARTNERSHIP FOR ECONOMIC INCLUSION وهي منصة مخصصة لتقديم المساندة لاعتماد وتكييف برامج الشمول الاقتصادي الوطنية التي تعمل مع مجموعة متنوعة من الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات الوطنية والمنظمات الثنائية والدولية والمنظمات غير الحكومية ومراكز البحث ومؤسسات القطاع الخاص(2).

وقد جاء هذا التقرير في خضم ارتفاع مستويات الفقر المُدقع وتفاقم أوضاع الفقراء حول العالم بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا وما افرزته من انعكاسات سلبية على مجمل أوضاع الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أيضاً أن تصل نسبة الفقراء في العالم والذين يعيشون في بلدان هشة ومتأثرة بالصراعات الى 50% بحلول عام 2030.

وقد حدد التقرير 219 برنامجاً نشطاً وقائماً للشمول الاقتصادي في 75 دولة تشمل 92 مليون شخص، وتغطي البرامج التي تقودها الحكومة 90% من المستفيدين ونصف المشروعات التي غطتها الدراسة، وتُشير البيانات الواردة في هذا التقرير الى وجود 3 نقاط تقوم الحكومات من خلالها بالبناء على برامج مكافحة الفقر الحالية لتكييف جهود الشمول الاقتصادي وهي:

• شبكات الأمان الاجتماعي

• سبل العيش والوظائف

• الشمول المالي

يتكون التقرير من جزأين، يتناول الجزء الأول اطاراً عاماً حول الشمول الاقتصاديA Moving to Scale: Concepts, Practice, and Evidence ويُركز على ثلاث محاور مهمة وهي، الشمول الاقتصادي والتعافي من جائحة كورونا، وتعزيز تمكين المرأة من خلال الشمول الاقتصادي، وربط الشمول بالأسواق لصالح الفقراء، ويختتم هذا الجزء بتقييم لتكاليف برامج الشمول.

في حين جاء الجزء الثاني بعنوان حالة دراسية "Case Study" ليسلط الضوء على دراسات حالة (أربع حالات وتجارب) في منطقة الساحل وبنغلادش وبيرو وولاية بيهار الهندية.

تتمثل الأولى ببرنامج الحماية الاجتماعية التكيفية في منطقة الساحل "Productive Inclusion Measures and Adaptive Social Protection in the Sahel" (بوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر والسنغال) وبمساندة البنك الدولي، اذ يتلقى نحو 50 ألف أسرة مجموعة متكاملة من الخدمات والمنتجات والبرامج من أجل المساعدة للإفلات من براثن الفقر المدقع.

في حين يتمثل البرنامج الثاني "The State of Bihar’s Approach to Economic Inclusion: JEEViKA and the SJY Program" الذي تنفذهُ جمعية النهوض بسبل العيش بولاية بيهار الهندية لدعم سبل العيش، ويهدف البرنامج الى الوصول الى 100 ألف أسرة قابعة في براثن فقر مدقع.

أما البرنامج الثالث فقامت به اللجنة البنجلادشية للنهوض بالريف(BRAC’s) "Adapting Graduation Program to the Changing Poverty Context in Bangladesh" ويشمل البرنامج نحو 2 مليون أسرة و100 ألف أمرأه مُعيلة كل عام.

في حين كانت الحالة الدراسية الرابعة في بيرو برنامج (هاكو ديناي) "Haku Winay: An Economic Inclusion Program in Peru" الذي تنفذهُ وزارة التنمية والشمول الاجتماعي من خلال شمول الأسر الريفية الفقيرة والمُهمشة والأكثر حرماناً.

وتجدر الاشارة الى إن البنك الدولي يمول في الوقت الحاضر 157 برنامجاً من هذا النوع في جميع أنحاء العالم، في قطاعات تشمل الحماية الاجتماعية، وخلق فرص العمل، والزراعة، والبيئة، والتمويل، والابتكار، والتنمية الاجتماعية، والتعليم، ومستمرة في العمل من اجل اتباع نهج متعدد الأبعاد للحد من الفقر والتخفيف من أثر حالة الطوارئ العالمية، وخلق رأس مال بشري له أهميته وسيكون مطلوباً لدعم الانتعاش الاقتصادي(3).

أشار التقرير الى إنه وعلى الرغم من وجود بعض الثغرات إلا إن هذه التقديرات تمثل خط أساس مهم لتتبع تطور البرامج في السنوات القادمة، وإن هذه البرامج بحاجة الى مزيد من التحسينات والتطور لاستهداف أشد الفئات فقراً.

إجمالاً، أسفرت عمليات التقييم التي أجرتها الوكالات والمؤسسات الدولية عن نتائج إيجابية ومُشجعة مما يساعد على تطبيق هذه البرامج والاستفادة منها في مناطق أخرى، وتُمثل التجارب الناجحة لبعض الدول بارقة أمل جديدة من أجل التخلص من براثن الفقر المُدقع وتحسين حياة وسبل معيشة الملايين من الافراد حول العالم، وستكون الاستفادة من هذه التجارب العالمية امراً حاسماً لتعزيز القدرات وبناءها لمستقبل أفضل للفقراء والمهمشين، والتصدي لمسألة الفجوات في راس المال البشري لا سيما في الدول النامية.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2021
www.fcdrs.com

.................................
(1) كريستوف لانكر وآخرون، التقديرات المحدَّثة لتأثير جائحة كورونا على الفقر في العالم: النظر إلى عام 2020 والتطلع إلى آفاق 2021، متوفر على الرابط
https://blogs.worldbank.org/ar/opendata/altqdyrat-almhdwatht-ltathyr-jayht-kwrwna-ly-alfqr-fy-alalm-alnzr-aly-am-2020-walttl-aly
(2) أربع ملاحظات كاشفة من التقرير الجديد عن حالة الاشتمال الاقتصادي 2021، متوفر على الرابط https://blogs.worldbank.org/ar/voices/arb-mlahzat-kashft-mn-altqryr-aljdyd-n-halt-alashtmal-alaqtsady-2021
(3) ماري إلكا بانجستو، برامج الشمول الاقتصادي: نقطة انطلاق للخروج من الفقر المدقع، 2021، متوفر على الرابط، https://blogs.worldbank.org/ar/voices/bramj-alshmwl-alaqtsady-nqtt-antlaq-llkhrwj-mn-alfqr-almdq

اضف تعليق