ويعد التعاون متعدد الأطراف عاملا أساسيا في مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وعلى عدة أصعدة، فمساعدات السيولة النقدية مطلوبة بشكل عاجل للبلدان التي تواجه أزمات صحية ونقصا في التمويل الخارجي، بما في ذلك تخفيف أعباء الديون والتمويل من خلال شبكة الأمان المالي العالمية. ويجب أن...
صدر في شهر حزيران يونيو الجاري تقرير آفاق الاقتصاد العالمي عن صندوق النقد الدولي والذي يتناول مستجدات الاقتصاد العالمي تحت عنون "أزمة لا مثيل لها، وتعافٍ غير مؤكد". وتفصح تقديرات الصندوق عن تراجع اقتصادي حاد لم يشهده العالم منذ الكساد الكبير عام 1929. وحسب التقرير، من المتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي العالمي بقرابة (4.9%-) عام 2020، نظرا لتأثير جائحة كوفيد-19 على مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي في العالم، ومن المتوقع ايضا أن يكون التعافي أكثر تدرجا مما أشارت إليه التنبؤات السابقة. ويتسم التأثير السلبي بشكل خاص على الأسر منخفضة الدخل، مما يهدد التقدم الكبير الذي تحقق في الحد من الفقر المدقع على مستوى العالم منذ تسعينات القرن الماضي.
وعلى صعيد الارقام، يتوقع ان يتراجع النمو الاقتصادي في البلدان الصناعية المتقدمة بشكل حاد عام 2020، ففي الولايات المتحدة وكندا يرجح ان يبلغ معدل التراجع قرابة (8%-)، وفي المانيا (7.8%-)، وفي فرنسا اكثر من (12%-)، وفي المملكة المتحدة قرابة (10%-)، اما في ايطاليا واسبانيا فيتراوح معدل التراجع بين (12-13%-) خلال هذا العام. وفيما يخص الاقتصادات الصاعدة فان هبوط النمو الاقتصادي اقل حدة، ففي الصين يتوقع ان يتراجع النمو الاقتصادي بمقدار (1%-) فقط خلال العام الجاري في حين يتوقع ان يتراجع النمو في الهند الى قرابة (4%-) وفي روسيا (6.6%-). وفي الشرق الاوسط اجمالا يتوقع ان يتراجع النمو الاقتصادي بقرابة (4.6%-) خلال العام 2020، وخاصة اذا ما بقيت اسعار النفط عند معدلاتها الحالية.
مع ذلك، هناك درجة من عدم اليقين، أعلى من المعتاد، تحيط بهذه التنبؤات بسبب تباين معدلات تفشي فيروس كورونا. وترتكز توقعات السيناريو الأساسي على افتراضات أساسية تتعلق بتداعيات فيروس كورونا، ففي الاقتصادات التي تشهد تراجعا في معدلات الإصابة بالفيروس، يعود بطء التعافي الاقتصادي، في ظل التنبؤات المحدَّثة، إلى استمرار التباعد الاجتماعي في النصف الثاني من عام 2020؛ ووقوع أضرار عميقة نتيجة الصدمة التي أصابت النشاط الاقتصادي بدرجة تجاوزت التوقعات في فترة الإغلاق العام التي شملت الربعين الأول والثاني من 2020؛ والضرر الذي لحق بالإنتاجية في ظل سعي مؤسسات الأعمال الناجية لتكثيف ممارسات الأمان والنظافة الضرورية في أماكن العمل.
اما بالنسبة للاقتصادات التي تجد صعوبة في السيطرة على معدلات الإصابة، سيؤدي امتداد الإغلاق العام لفترة أطول إلى إلحاق ضرر إضافي بالنشاط الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك، تفترض التنبؤات أن الأوضاع المالية ستظل في مستوياتها الحالية بوجه عام. ولا شك أن هناك نتائج بديلة ممكن ان تتحقق خلافا لما ورد في السيناريو الأساسي، وهو ما لا يُعزى فقط إلى كيفية تطور الوباء، فمدى التعافي الذي حدث مؤخرا في مزاج الأسواق المالية يبدو منفصلا عن التحولات في آفاق الاقتصاد العالمي، مما يعزز احتمالية تشديد الأوضاع المالية بدرجة تتجاوز المفترض في السيناريو الأساسي.
ما العمل؟
يتوجب على جميع البلدان، بما فيها البلدان التي يبدو أنها تجاوزت ذروة الإصابات بفيروس كورونا أن تتأكد من توافر الموارد الكافية لنظم الرعاية الصحية. ويجب على المجتمع الدولي أن يحقق زيادة كبيرة في دعمه للمبادرات الوطنية، بما في ذلك تعزيز المساعدات المالية للبلدان ذات القدرات المحدودة في مجال الرعاية الصحية، وتوجيه التمويل لإنتاج اللقاح مع تقدم التجارب الطبية، حتى تتاح لكل البلدان جرعات كافية وميسورة التكلفة في فترة قصيرة.
وحيثما كان الإغلاق العام ضروريا، ينبغي أن تستمر السياسة النقدية في وقاية الأسر من خسائر الدخل باتخاذ إجراءات كبيرة وموجهة بدقة إلى جانب توفير الدعم للشركات التي تعاني من عواقب القيود الإلزامية المفروضة على النشاط الاقتصادي. وفي البلدان التي تعيد فتح اقتصاداتها، ينبغي أن يكون التراجع عن تقديم الدعم الموجه تدريجيا مع التقدم في مسار التعافي، وأن توفر السياسات الاقتصادية دفعة تحفيزية لزيادة الطلب وتيسير وتحفيز إعادة تخصيص الموارد بعيدا عن القطاعات التي يرجح لها أن تخرج من الجائحة أصغر حجما رغم ما تلقته من موارد داعمة.
ويعد التعاون متعدد الأطراف عاملا أساسيا في مواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وعلى عدة أصعدة، فمساعدات السيولة النقدية مطلوبة بشكل عاجل للبلدان التي تواجه أزمات صحية ونقصا في التمويل الخارجي، بما في ذلك تخفيف أعباء الديون والتمويل من خلال شبكة الأمان المالي العالمية. ويجب أن يتعاون صناع السياسات الاقتصادية على تسوية التوترات التجارية والتكنولوجية التي تعيق التوصل إلى التعافي التام من أزمة كوفيد-19.
وبالإضافة إلى ذلك، ونظرا للهبوط القياسي في مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أثناء الجائحة، ينبغي أن يفي صناع السياسات بتعهداتهم المتعلقة بتخفيف آثار تغير المناخ والعمل معا للتوسع في نظام ضرائب الكربون المصممة على نحو منصف أو ما يعادله من النظم الأخرى. ويجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بسرعة لتجنب تكرار هذه الكارثة عن طريق بناء مخزونات عالمية من الإمدادات والمعدات الوقائية الضرورية، وتمويل الأبحاث ودعم نظم الصحة العامة، وإرساء آليات فعالة لتعزيز وايصال المساعدات اللازمة لتخفيف أعباء الفئات الأشد فقرا واحتياجا.
اضف تعليق