بالكاد ستفعل التخفيضات الضريبية شيئا يذكر لتحفيز الاستثمار. إذ هناك وفرة كبيرة في القدرة الزائدة، ويقين يكاد يكون بالمنعدم بشأن الطلب في المستقبل. ومن المستحيل تحديد إلى أي مدى ستنخفض عائدات الضرائب العالمية نتيجة أزمة كوفيد-19. ولكن، نظرا للإعفاءات الضريبية للشركات وتراجع الدخل، يجوز أن...
بقلم: خوسيه أنطونيو أوكامبو/توماسو فاسسيو
نيويورك- إن جائحة كوفيد-19ستُحدث ندوبا ونزيفا في الاقتصاد العالمي. وستفاقم السياساتُ الضريبية الخاطئة الضرر على المدى القصير، وتعرقل الانتعاش الطويل الأمد.
بعد بضعة أشهر فقط من الأزمة، أصبحت الميزانيات العمومية للقطاع العام تتعرض لضغط شديد بالفعل. ونظرًا لأن عمليات الإغلاق، وغيرها من بروتوكولات التباعد الاجتماعي، تحد من النشاط الاقتصادي، فقد أطلقت العديد من حكومات البلدان المتقدمة تدابير التحفيز النقدي والمالي على نطاق واسع. وفي الوقت نفسه، تتراجع عائدات الضرائب، وترتفع معدلات البطالة إلى مستويات كبيرة، مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في الإنفاق الحكومي مستقبلاً.
إن التوقعات قاتمة خاصة بالنسبة للبلدان النامية، التي يفتقر العديد منها إلى الحيز المالي لمتابعة التحفيز، وتخشى من أن يهرب رأس المال إذا حاولت ذلك. بل إن بعض هذه البلدان تعتمد تدابير التقشف المالي، الأمر الذي سيجعل من المستحيل فعليًا إعادة تشغيل اقتصاداتها، وتجديد خزائن الحكومة.
والواقع الذي لا مفر منه هو أن إحياء الطلب في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء– ومن ثم نمو الناتج المحلي الإجمالي- سيكلف الكثير من المال. وسيأتي هذا المال أساسا من الميزانيات الحكومية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وحتى عندما تتعهد الشركات الخاصة الكبيرة بالاستثمار، فإنها تحافظ على الإعفاءات الضريبية، وضمانات القروض، وغيرها من الحوافز الباهظة الثمن.
وفي بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، يحقق الأثرياء رغباتهم. ولكن في السياق الحالي، بالكاد ستفعل التخفيضات الضريبية شيئا يذكر لتحفيز الاستثمار. إذ هناك وفرة كبيرة في القدرة الزائدة، ويقين يكاد يكون بالمنعدم بشأن الطلب في المستقبل.
ومن المستحيل تحديد إلى أي مدى ستنخفض عائدات الضرائب العالمية نتيجة أزمة كوفيد-19. ولكن، نظرا للإعفاءات الضريبية للشركات وتراجع الدخل، يجوز أن نفترض أن الانخفاض سيكون أكبر بكثير من التراجع الذي بلغ نسبة 12٪، خلال الأزمة المالية العالمية التي حدثت في الفترة 2007-2009.
ومن الواضح أن الحكومات بحاجة إلى إيجاد طريقة لزيادة إيراداتها؛ وليس تخفيض ضرائب الشركات هو الحل، ولا حتى زيادة الضرائب على العمال العاديين، الذي من شأنه أن يفاقم التفاوتات الكبيرة بالفعل على مستوى الدخل والثروة.
وكما نناقش في أحدث تقرير للجنة المستقلة لإصلاح ضرائب الشركات الدولية، يجب على الحكومات التركيز على زيادة الإيرادات الضريبية للشركات، من خلال طرق عدة، بما في ذلك إدخال أنظمة ضريبية أكثر تصاعدية، ووضع حد أدنى لمعدلات الضرائب، من أجل كبح المنافسة.
ومن الواضح أن الإيرادات الضريبية المحتملة موجودة. إذ تزدهر بعض الشركات المتعددة الجنسيات خلال الجائحة. فخلال الربع الأول من عام 2020، عندما توقف معظم النشاط الاقتصادي، ارتفعت مبيعات أمازون بنسبة 26٪. وتسعى شركات الأدوية المتعددة الجنسيات جاهدة لتطوير التشخيص والعلاج واللقاح، على أمل أن تحقق براءات الاختراع أرباحًا كبيرة. كما استردَّ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 (S&P 500)، الآن، جميع الخسائر التي تكبدها منذ بداية الأزمة.
وفضلا عن ذلك، تعتمد العديد من الشركات المتعددة الجنسيات أسلوبا شبه احتكاري أو احتكارا فئويا، ومن ثم تستخرج إيرادات كبيرة منخفضة الضريبة أو معفية منها. وفي الواقع، من خلال استغلال الثغرات والملاذات الضريبية، أو الولايات القضائية المنخفضة الضرائب، غالبًا ما تتمكن الشركات الكبرى من دفع ضرائب أقل من تلك التي تدفعها الشركات الصغرى والمتوسطة. وهذا غير عادل، كما أنه يقوض خلق فرص الشغل. لذا يجب أن تخضع هذه الإيرادات للضرائب من خلال ضرائب الأرباح التصاعدية، مع معدلات أعلى على الشركات الكبرى، ومعدلات أقل على الشركات الصغرى في القطاعات التي تتسم بتنافسية شديدة.
وتتطلب الاستجابة الأكثر فعالية لهذا التهرب الضريبي تعاوناً دولياً. ولكن الإصلاحات المتعددة الأطراف، التي يتم اتباعها من خلال الإطار الشامل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح، لن تُنفَّذ إلا في وقت لاحق من هذا العام على أقل تقدير. وقد أدى انسحاب الولايات المتحدة من المفاوضات إلى تعقيد الأمور أكثر. وأي إيرادات إضافية تمخضت عن الإصلاحات لن تتحقق حتى عام 2022 على أقل تقدير.
وفي نفس الوقت، يجب على الحكومات التحرك بصورة فردية- أو على المستوى الإقليمي بالنسبة للاتحاد الأوروبي- لاقتراح معدل ضرائب فعال بنسبة 25٪ على الأرباح العالمية للشركات المتعددة الجنسيات. وسوف ينبني هذا الجهد فعليًا على الحد الأدنى من القواعد الضريبية الأمريكية.
ولا يجب أن تتوقف الحكومات عند هذا الحد. وعلى غرار فرنسا، والهند، والمملكة المتحدة، يجب على الدول أن تفرض ضرائب تصاعدية على الخدمات الرقمية، مما سيجبر الشركات الرقمية على دفع حصتها العادلة حيث يوجد عملائها. ونظرًا لأن الشركات الرقمية المتعددة الجنسيات غالبًا ما تواجه تكاليف هامشية لا تذكر، فإن ضريبة المبيعات تعادل فرض الضرائب على الأرباح؛ إذاً، فهي ليست تحريفية.
إن تعزيز الشفافية من شأنه أن يقطع شوطا طويلا نحو مكافحة التهرب الضريبي. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على الحكومات أن تطلب من الشركات المتعددة الجنسيات التي تتلقى الدعم أثناء الوباء، نشر تقارير تكشف فيها عن الدول، كل واحدة منها على حدة، التي حققت فيها الأرباح وأدت فيها الضرائب (إن وجدت).
كما يمكن لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تساعد في هذا الجانب. ففي عام 2018، قام ما يقرب من 100 جهة قضائية بتبادل المعلومات تلقائيًا حول 47 مليون حساب مالي بقيمة تقارب 4.9 تريليون يورو (5.5 تريليون دولار)، من خلال برنامج التبادل التلقائي للمعلومات التابع للمنتدى العالمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك، فإن البيانات الإجمالية المتعلقة بالثروة الخاصة في الخارج، حسب بلد المنشأ والمقصد، ليست متاحة علناً. لذا يجب على منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نشرها.
وسيؤدي ذلك إلى تمكين دافعي الضرائب من محاسبة حكوماتهم على الإخفاق في فرض ضرائب على الأصول الخارجية غير المعلنة. كما أنه سيسهل اعتماد ضرائب الثروة التصاعدية الفعالة، وسيساعد الحكومات على مراقبة معدلات الضرائب الفعالة المفروضة على أصحاب أعلى الدخول في ولاياتها القضائية.
إن تكاليف الوباء تتحملها الفئة الفقيرة والأضعف بصورة غير متناسبة. ولا يجب أن يكون العبء الاقتصادي لحُزم الإنقاذ كذلك. ومن خلال أنظمة ضرائب الشركات المطبقة تطبيقا جيدا، يمكن للحكومات أن تكفل أن يبدأ أكثرُ مَن تجنب دفع حصته العادلة منذ فترة طويلة بدفعها الآن.
اضف تعليق