q
اعتمدت الحكومة في الكثير من فقرات الموازنة على مبدأ تحقق الوفرة المالية والمراهنة على ارتفاع أسعار النفط وزيادة الصادرات، لكن هذه المراهنات وحتى القروض هي مجرد أمنيات غير كافية للحد من العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة في ظل مخاوف عودة الحرب على داعش وفي...

بعد تشريع الموازنة العامة للدولة والمصادقة عليها من قبل رئاسة الجمهورية ونشرها في جريدة الوقائع العراقية بتاريخ ١١/٢/2019 أثيرت عدة أسئلة عن كيفية إيفاء الحكومة والبرلمان بالتزاماتهما تجاه الوعود التي أقروها في تلك الموازنة التي حددت بـ(١٣٣) تريليون دينار عراقي، وبمقدار واردات حددت بـ(١٠٥) تريليون، وبعجز حدد بـ(٢٧) تريليون، على أساس حساب سعر برميل النفط بـ(٥٦) دولار، وبسعر صرف (1,118) الف دينار للدولار الواحد، وصادرات متوقعة بـ(3,800,000) ثلاثة مليون وثمانمائة الف برميل نفط شهريا، إضافة إلى 250,000 الف برميل من قبل إقليم كُردستان.

اعتمدت الحكومة في الكثير من فقرات الموازنة على مبدأ تحقق الوفرة المالية والمراهنة على ارتفاع أسعار النفط وزيادة الصادرات، لكن هذه المراهنات وحتى القروض هي مجرد أمنيات غير كافية للحد من العجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة في ظل مخاوف عودة الحرب على داعش وفي وقت لا تزال العديد من آبار النفط في نينوى ومناطق متنازع عليها غير مؤهلة وفاعلة في عملية التصدير.

كما أن المخططين للموازنة لم يعثروا على وسائل لخفض النفقات العامة ولم يجدوا طرق واقعية ناجزة لزيادة الإيرادات كالضرائب والجباية وغيرها.. وحتى الرقم المقرر لصادرات النفط غير ثابت شهريا صعودا ونزولا، أما أسعار النفط فلا توجد مؤشرات لاستمرار زيادة أسعار النفط بواقع ٦٨ -٧٠ دولار بسبب كثرة العرض في السوق وانخفاض الطلب ورخص تكلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، والعراق يبيع سعر نفطه أقل بـ(٧) دولار من سعر خام برنت، إضافة إلى أن تكلفة استخراج وإنتاج وتصدير النفط من قبل الشركات المستثمرة المعروفة بـ(جولات التراخيص) تصل إلى ١١ دولار، مما يجعل حساب سعر النفط (٥٦) دولار، ومع بقاء أسعار النفط بحدود (٧٠) دولار غير ضامن لتحقيق الوفرة المالية المعتمد عليها في الموازنة.

ومن جانب النفقات، لم تُقدم الحكومة على القيام بأي تخفيضات كبيرة بسبب حاجتها لتحسين الخدمات على خلفية الاحتجاجات في البصرة ومناطق أخرى، كما أن الخصخصة والجباية وضرائب المبيعات والهواتف النقالة والانترنت لن تفِ بالغرض.

صحيح، أن الحكومة اعتمدت على (٢٤) جهة اقتراض خارجية وداخلية وقد تعتمد على مبيعات السندات واحتياطي الذهب والعملة الأجنبية لكن الاعتماد على كل هذه الآليات سيعمل على زيادة التضخم.

كان من المفترض أن تتفق الحكومة والبرلمان على جملة من الخطوات لمواجهة العجز وضغط النفقات وعدم الاعتماد على القروض والديون والاستهلاك والمنح والوعود في إعداد الموازنة.

وعلى سبيل المثال، جاءت المواد التالية بمثابة وعود وأمنيات مرتبطة بحسابات تعول على ارتفاع ساعات النفط ومنها:

1- المادة (٥) من الموازنة كلها أمنيات مرتبطة بزيادة أسعار النفط لتغطية العجز من تعويض الشهداء والسجناء السياسيين وتغطية البطاقة التموينية والأدوية الصحية مع مراعاة حصة الإقليم.

2- المادة (١٠) التي نصت على تسوية المستحقات مع الإقليم منذ عام ٢٠١٤ من قبل ديوان الرقابة المالية مع وجوب تصدير 250,000 الف برميل عن طريق شركة النفط الوطنية سومو ويتم تأمين رواتب البيشمرگه وموظفي الإقليم فضلا عن نسبتهم من تنمية الأقاليم من النفط المصدر وفوائد المطارات والمنافذ الحدودية والضرائب. على افتراض التزام الإقليم بهذه المادة رغم أنه أعلن قبل أيام عدم التزامه بالتصدير وإرساله وفد إلى بغداد للتفاوض من جديد حول مستحقاته. لأن الإقليم كان يعول على نسبة (17%) وأكثر، لكن المادة (٩) أولا، ربطت حصة الإقليم بعدد نفوس كل محافظة داخل الإقليم مطروحا منها النفقات السيادية التي تقدر بـ(٥%). وهذا سيفتح خلافات سياسية بين الحكومة الاتحادية والإقليم.

3- المادة (١١) رابعا وخامسا تضمنت تثبيت عقود الكهرباء والمحاضرين المجانيين وعقود مفوضية الانتخابات، إضافة إلى استحداث درجات لرؤساء الوحدات الإدارية وإعادة تعيين الراغبين من أعضاء مجلس النواب والوزراء والمستشارين والمحافظين والوحدات الإدارية.

4- المادة (١٣): إطفاء السلف للسنوات السابقة.

5- المادتين (٢٨) و(٢٩) نصت على إعطاء مستحقات المقاولين منذ عام ٢٠١7.

6- المادة (٣٦) تضمنت منح مكافأة نهاية الخدمة لمنتسبي الجيش السابق لا يقل عن عشرة ملايين دينار.

7- المادة (٤٢) فقد نصت على إسقاط الفوائد على القروض لساكني المناطق المحررة.

8- المادة (٤٤) تضمنت تخصيص أموال لتسديد مستحقات إيران من الغاز المستورد لغرض تشغيل محطات الكهرباء.

9- المادة (٤٧) قد تضمنت إعادة ملاكات الشرطة للخدمة في المناطق المحررة قبل عام ٢٠١٤ واستحداث درجات للمفصولين من وزارة الداخلية والكهرباء عام ٢٠٠٨ وإعادة ملاكات الشرطة والجيش المفسوخة عقودهم للخدمة.

10- المادة (٤٩) نصت على استحداث 6500 درجة للحشد الشعبي في سامراء، ودرجات للحشد الشعبي والحشد العشائري والأمن الوطني وجهاز المخابرات لأبناء المدن المحررة.

11- المادة (٥٣) الزمت وزارة المالية توفير درجات وظيفية لتطويع ابناء المدن المحررة وكذلك ذوي الشهداء في عموم العراق في وزارة الدفاع.

12- المادة (٥٥) نصت على صرف الرواتب المدخرة للمناطق المحررة دفعة واحدة ودفع ١٢٥ الف دينار كأجور نقل للمحاضرين في وزارة التربية.

13- المادة (٥٦) تضمنت منح تعويضات للشهداء والجرحى وحرية الانتقال الوظيفي لبقية الوزارات ذات الأجر المرتفع.

14- المادة (٥٧) نصت على تثبيت عقود بشائر الخير في ديالى ونينوى.

15- المادة (٦٠) تضمنت تأجيل استيفاء الديون الحكومية بذمة الفلاحين.

16- المادة (٦١) نصت على دفع مستحقات شركة بوينغ للطيران لحساب وزارة النقل.

17- المادة (٦٢) دفع مليار دينار للمصالحة المجتمعية من موازنة ديوان الوقف السني.

18- المادة (٦٣) منحت حق تعديل العناوين الوظيفية للموظفين واحتساب الفروقات عنها ورفع درجاتهم الوظيفية من علاوة وترفيع.

19- المادة (٦4) تضمنت إعادة المفصولين السياسيين بشكل عام بعد تدقيق وضعهم الإداري.

هذه المزايا والمنافع ستصطدم برهانات تحقيق الوفرة المالية، وقد لا تتحقق وأن تحققت فستكون على حساب العجز والقروض وفوائدها وشبح التضخم.

قد تكون الجنبات السياسية والتوازنات ماثلة في هذه الموازنة إضافة إلى الترضيات وتهدئة الأوضاع، لكن أعباء هذه الجنبات ستتزايد وتبعيتها ترتبط بالجهات المُقرضة بشكل أكبر، وزيادة مخاطر التراجع الاقتصادي.

كل هذا يدل على أن الموازنة العامة العراقية لعام ٢٠١٩، موازنة مالية وليست اقتصادية محفزة للنمو والاستثمار المخطط له، كما أنها تكرس مناخات ثقافة الاستهلاك والاعتماد على النفط بشكل متواصل كمصدر وحيد في تمويلها، مما يؤشر لعقبات مستقبلية كبيرة في اقتصاد البلد في حال انخفاض أسعار النفط أو تناقص الحاجة إليه دون التخطيط والتركيز على الواردات الأخرى.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق