الدين العام أحد اهم اهداف السياسات الاقتصادية، فأزمات الدين العام لا تفرق بين دولة نامية ام متقدمة، دولة رأسمالية، او اشتراكية او ذو اقتصاد مختلط، فتداعياته تكون سواء على اقتصادات البلدان النامية او المتقدمة والتجارب كثيرة، وللحفاظ على استقلالية الحكومة وتنفيذها للبرامج التي وضعتها في...

الدين العام أحد اهم اهداف السياسات الاقتصادية، فأزمات الدين العام لا تفرق بين دولة نامية ام متقدمة، دولة رأسمالية، او اشتراكية او ذو اقتصاد مختلط، فتداعياته تكون سواء على اقتصادات البلدان النامية او المتقدمة والتجارب كثيرة، وللحفاظ على استقلالية الحكومة وتنفيذها للبرامج التي وضعتها في الموازنة العامة عبر خطط مالية ترسمها لسنة جديدة تلو الأخرى، ينبغي ان تُقيد بسقف معين للدين العام لا يمكن تجاوزه وسيمنع القانون اي تعاقد للديون إذا ارتفع عن الحد الأقصى.

وسقف الدين نقصد به الحجم الذي تحدده السلطة التشريعية عبر سن قانون كأن يكون اسمه "المسؤولية المالية او قانون ادارة المالية العامة" او تعديل القانون الحالي يُحدد على اساسه حجم الدين كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي، ويشبه نسبة الدين العام في اتفاقية "ماستريخت" في الاتحاد الاوربي والذي تم بموجبه الاتفاق على تحديد نسبة الدين العام بـ(60%) من الناتج المحلي الاجمالي كنسبة مستدامة ( النسبة التي تستطيع ان تستمر الدولة في خدمة ديونها دون التعثر مالياً، او الاستمرار في القدرة على تحمل الدين العام).

هناك بعض النماذج الدولية التي شرعت مثل هكذا قوانين فمثلاً: البرازيل، تم سن قانون "المسؤولية المالية" والذي يفضي الى وجود خطر عندما تصل نسبة الدين الى الناتج المحلي (70%)، أما في المجر، فقد حدد سقف (50%) من الناتج المحلي الاجمالي، ونص الدستور على رفض البرلمان تدابير مشروع الموازنة الذي يهدف الى اي زيادة عن الحد الاقصى المنصوص عليه في الدستور، أما في بولندا، يفرض قانون المالية العام قيوداً على النفقات العامة اذا تجاوز الدين العام (43%) من الناتج المحلي الاجمالي، وفي الجمهورية السلوفاكية، فيتطلب من وزير المالية ان يصدر رسالة مفتوحة عندما يصل الدين العام من (50-60%) من الناتج المحلي، والسبب في ذلك أنه إنذار للحكومة بعدم تجاوزه لضمان الاستدامة المالية.

تساعد ادارة الدين العام والتي تحمل في طياتها عدد من الاجراءات والسياسات الاستراتيجية، الى وجود دين عام مستدام (قابل للدفع) بأقل تكلفة ممكنة بما يتماشى مع درجة الحذر من المخاطر، وهذه ممكن ان يمنعها قانون المسؤولية المالية والذي يحمل فقرة مهمة تتمثل بسقف الدين (الحد الاقصى للدين) الذي يلزم الحكومات بعدم زيادته عن الحجم المحدد في القانون تحت اي ظرف كان إلا في حالة الضرورة القصوى ويتم الرجوع الى السلطة التشريعية لمنح الاذن للسلطة التنفيذية بالاقتراض.

فقانون الادارة المالية والدين العام في العراق رقم (95) لسنة (2004) لم يلزم الحكومة التنفيذية بحجم محدد من الدين العام نسبة الى (GDP) وانما نص على امكانية تخويل وزير المالية بالاستدانة وبالتعاون مع البنك المركزي في ادارة سندات الحكومة العراقية، ولذلك نجد في كل سنة مالية عند حصول العجز في الموازنة فقرة تخويل وزير المالية بسد العجز عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي دون تحديد حجم الدين العام بضابطة قانونية تشريعية، فالضرورة تقتضي على الاقل إضافة فقرة في الموازنة العامة تلزم الحكومة العراقية بعد تجاوز نسبة معينة من الدين العام/الناتج المحلي الإجمالي.

وهذا ما يعزز التدابير الرامية الى الانضباط المالي والاستدامة، والبحث عن مصادر أخرى لتنمية الايرادات وتغطية النفقات واستثمار الموارد، بدلاً من التوجه الى الدين العام في كل سنة مالية، إذ أصبح اليوم التوجه الى الدين العامة أبرز الحلول المالية لسد عجز الموازنة، وهذا بفضل سماح القانون بالاقتراض دون ضوابط وتنظيم قانوني.

* باحث اقتصادي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق