يمثل استمرار تحقيق نمو اقتصادي لأي بلد تحدياً صعباً، سيما في ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتي بفعل العولمة تلقي بظلالها على جميع الاقتصادات دون استثناء، ومنها الدول النفطية، سيما بعد الهزات المستمرة في أسعار النفط، وهو مادفعها الى اعتماد نهج التنويع الاقتصادي لتخفيف حدة التقلبات...
يمثل استمرار تحقيق نمو اقتصادي لأي بلد تحدياً صعباً، سيما في ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتي بفعل العولمة تلقي بظلالها على جميع الاقتصادات دون استثناء، ومنها الدول النفطية، سيما بعد الهزات المستمرة في أسعار النفط، وهو مادفعها الى اعتماد نهج التنويع الاقتصادي لتخفيف حدة التقلبات في نمو اقتصاداتها نتيجة لانخفاض معدل ايراداتها النفطية، وعلى الرغم من ان فكرة التنويع الاقتصادي هي ليست بالجديدة، الا انها يبدو اليوم أصبحت حاجة ملحة وضرورية للاقتصادات الريعية، وفي حين يرى الكثير انها ضرورية، يرى البعض استحالة او صعوبة تحقيق ستراتيجية للتنويع الاقتصادي في هذا الدول في المدى القصير، كون ان فكرة الريعية مترسخة في الهياكل الاقتصادية لهذه الدول، وبالتالي استحالة تحقيق التنويع الاقتصادي الحقيقي في المدى القصير. الا ان هذا لايمنع هذه الدول من الاخذ بالفكرة اذا ماارادت حماية اقتصاداتها من الانهيار المفاجىء، سيما بعد التواترت العالمية على مستوى الاقتصاد الدولي، من حروب تجارية وصعود للمد الشعبوي الحمائي والغاء لاتفاقيات اقتصادية واعادة رسم لخارطة العالم الاقتصادية.
ولكن يبقى السؤال هو، هل بإمكان الدول الريعية والتي بضمنها الدول النفطية، سيما دول الخليج وخصوصاً العراق قادرة على تحقيق التنويع الاقتصادي؟
بصراحة يرى الكثير ان العديد من دول الخليج وان كانت حققت تطوراً ملحوظاً في هذا المجال، الا ان كل هذا لايمثل الا الشيء القليل او الشيء الذي لايرتقي الى مستوى الطموح، فعلى الرغم من الطفرات الايجابية في النمو غير النفطي، الا اننا نلاحظ انها غير مرتكزة على منظومة انتاجية حقيقية، بل نجد انها مرتكزة على النمو في العقارات والاسواق المالية والسياحة لا على قاعدة صناعية متينة ذات قدرات تنافسية عالية، كما هو الحال في الهند وماليزيا وكوريا الجنوبية والصين. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يجب علينا أن نفهم ان مفهوم التنويع الاقتصادي لايعني تشغيل كل القطاعات الاقتصادية بذات الوتيرة فهذا امر غير ممكن على ارض الواقع، فبعض القطاعات قد يكون من الصعب ان يرتقي بذات التويرة التي يرتقي فيها قطاع اخر، كما ان نهوض بعض القطاعات قد يكون مكلفاً ويحتاج الى رؤوس اموال وخبرات يفتقد اليها البلد، وبالتالي علينا أن نفهم ان موضوع التنويع الاقتصادي يحتاج الى افهم وبحث أوسع لا ان يكون ستراتيجية محضة للجميع ظناً منهم انها قابلة للتطبيق.
وفي هذا المجال يطرح صندوق الدولي مجموعة من الاجراءات التي من شأنها تحقيق التنويع الاقتصادي، اذ يتعين وجود منظومة من السياسات الداعمة لإعطاء دفعة للصادرات غير النفطية وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. وتتمثل أولويات السياسات في النهوض برأس المال البشري، وزيادة الإنتاجية والتنافسية، وتحسين مناخ الأعمال، وتقليص الحواجز المتبقية أمام التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. ومن المهم، على وجه التحديد، مواصلة القيام بإصلاحات في المجالات التالية:
• تنمية رأس المال البشري: الاستمرار في تنفيذ استثمارات ترفع جودة التعليم للنهوض بالمعرفة وتعزيز المهارات.
• إصلاحات سوق العمل: استهداف تحسين الإنتاجية وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد غير النفطي.
• الأطر القانونية: ضمان إمكانية التنبؤ بالأطر القانونية وتوفير الحماية اللازمة للمستثمرين. وينبغي أن تتضمن الجهود المبذولة في هذا الصدد تعزيز حماية المستثمرين أصحاب حصص الأقلية وتسوية النزاعات؛ وتنفيذ إجراءات لمكافحة الرشوة وتعزيز النزاهة.
• إصلاحات مناخ الأعمال: التركيز على تحقيق تقدم أكبر في تخفيف القيود التي تفرضها القواعد التنظيمية على الملكية الأجنبية، وتعزيز حوكمة الشركات؛ والتركيز على إلغاء المزيد من الحواجز غير الجمركية على التجارة عن طريق التبسيط والتشغيل الآلي للإجراءات الحدودية، وتبسيط العمليات الإدارية المطلوبة لإصدار التصاريح.
الا ان ما يؤخذ على هذه الفقرات هو الاتي :
- لايوجد ضمان على ان الاستمرار في تنفيذ استثمارات ترفع من جودة التعليم وتعزيز المهارات ان يكون ذو فائدة سيما في ظل وجود فجوة تكنولوجيا ومعرفية في القطاعات الانتاجية، سيما تلك التي تحتاج الى معاجات جذرية من الداخل، مثل قطاع الزراعة الذي يحتاج الى اعادة النظر في ذهنية المزارع لا الى زيادة مستوى التعليم وحسب.
- فيما يخص باصلاح سوق العمل وتحسين الانتاجية، فهو امر ليس بالسهولة التي يتوقعها البعض سيما في ظل تنامي البطالة والغزو من الخارج للعمالة الاجنبية سيما في قطاع الخدمات.
- على الرغم من تحسين المناخ الاستثماري وتبسيط الاطر القانونية وتعديلها وتطورها، الا اننا لازلنا نلاحظ ان توجهات الاستثمارات لازالت تتجه حيث الربح السريع او تنصب في قطاعات معينة اغلبها مالي او عقاري او مصرفي ولا تنصرف الا تطوير المنتج المحلي وبناء قواعد انتاجية.
وبالتالي فأن موضوع التنويع الاقتصادي ليس بالسهولة التي يتوقعها الجميع وليست هدف سهل المنال او مجرد نقاط ممكنة التطبيق في الامد القصير على الاقل، فالأمر يحتاج الى دراسات مستفيضة في هذا المجال في الظروف الموضوعية للاقتصاد وهياكله الانتاجية، وفيما اين يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي وماهي القطاعات المشمولة بالتنويع والقادرة على تحقيق الاستمراية والتنافسية والتشابك القطاعي.
اضف تعليق