يبدو ان الاقتصاد المعرفي او ما يعرف بالاقتصاد الرقمي او الالكتروني، بات حقيقة مفروضة على الجميع ان يتعامل معها، اذ تسعى حالياً العديد من الدول تطبيق فقرات ومعطيات هذا الاقتصاد الجديد عبر التحول رقمياً في مجتمعاتها وداخل المؤسسات والهيئات سواء الحكومية او القطاع الخاص...
يبدو ان الاقتصاد المعرفي او مايعرف بالاقتصاد الرقمي او الالكتروني، بات حقيقة مفروضة على الجميع ان يتعامل معها، اذ تسعى حالياً العديد من الدول تطبيق فقرات ومعطيات هذا الاقتصاد الجديد عبر التحول رقمياً في مجتمعاتها، ويعني التحول الرقمي هو كيفية استخدام التكنولوجيا داخل المؤسسات والهيئات سواء الحكومية او القطاع الخاص على حد سواء اذ يساعد على تحسين الكفاءة التشغيلية وتحسين الخدمات التي تقدمها للعملاء والجمهور المستهدف من تلك الخدمات، فهو يقوم على توظيف التكنولوجيا بالشكل الأمثل مما يخدم سير العمل داخل مؤسسات الدولة في كافة أقسامها لتحسين الخدمات وتسهيل الحصول عليها مما يضم توفير الوقت والجهد في آن واحد.
لماذا الحكومات الالكترونية؟
بحسب صندوق النقد الدولي فأن الحكومة الإلكترونية هو نظام حديث تتبناه الحكومات باستخدام الشبكة العنكبوتية العالمية والإنترنت في ربط مؤسساتها بعضها ببعض، وربط مختلف خدماتها بالمؤسسات الخاصة والجمهور عموما، ووضع المعلومة في متناول الأفراد وذلك لخلق علاقة شفافة تتصف بالسرعة والدقة تهدف للارتقاء بجودة الأداء. ومن الأمور المهمة في هذا الصدد أن الرقمنة يمكن أن تجعل الحكومات أكثر إنصافاً وكفاءة، وهو ما تدلل عليه تجربة الهند مع نظام Aadhaar – النظام الأكبر في العالم لتحديد الهوية بالمقاييس البيومترية والذي يتيح رقم هوية يتألف من 12 خانة لعدد 1.2 مليار نسمة يقيمون في الهند.
ويرتبط نظام تحديد الهوية بمختلف البرامج الاجتماعية، بما فيها برنامج دعم الغاز البترولي المسال. ففي عام 2013، قامت الحكومة بربط أرقام المستفيدين من نظام Aadhaar ببرنامج الغاز البترولي المسال، مما ساعد على منع المطالبات من مستفيدين وهميين أو المطالبات المكررة. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت الحكومة تحول الدعم مباشرة إلى الحسابات المصرفية المرتبطة بنظام Aadhaar، مما جعلها تتجاوز الوسطاء وتُحسن الدعم الذي تقدمه للفقراء.
الفلبين، يعمل السجل الرقمي – Listahanan – كبوابة لما يصل إلى 52 برنامجاً اجتماعياً تتراوح بين التحويلات النقدية والمساعدات الطارئة، ويغطي المسجلين فيه 75% من السكان. وفي إندونيسيا، يبدو أن السجلات الاجتماعية الرقمية ساعدت أيضاً في توسيع النطاق الذي تغطيه برامج التحويلات النقدية المشروطة.
وحتى في البلدان التي لا تزال الرقمنة فيها وليدة، نلاحظ إطلاق مبادرات متزايدة في هذا المجال. وتستطيع الرقمنة تحسين توصيل الخدمات العامة. ففي بنغلاديش على سبيل المثال، تُستخدم عدادات المياه الذكية لمراقبة جودة المياه. ويمكن للمبادرات الرقمية أن تساعد أيضاً في إدارة المالية العامة – على غرار أداة التقييم الإلكترونية (e-Tool) التي ساعدت بوتان على توحيد المعايير المستخدمة في تقييم واختيار مشروعات الاستثمار العام، وتتجاوز المنافع جانب الإنفاق. فعلى جانب الإيرادات أيضاً، تنتشر مبادرات الإقرار الإلكتروني والدفع الإلكتروني والجمارك الإلكترونية في سياق الإدارة الضريبية في سنغافورة وماليزيا وفييتنام وإندونيسيا وتايلند، وكلها تؤتي الثمار المرجوة منها. ففي ماليزيا*، أدت الجهود الجارية في مجالي الإقرار الإلكتروني والمدفوعات الإلكترونية إلى تقصير المدة التي يستغرقها الامتثال بنسبة 30%.
ومع مزيد من تقدم الإلكترونيات، وانطلاقة علم "الذكاء الاصطناعي" في معالجة المعلومات، خصوصا منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أصبح التعامل مع المعلومات يتم بصورة "أذكى" أيضا. وفتح هذا الأمر الباب أمام تطبيقات عديدة مثل: "أنظمة الروبوت"؛ و"أنظمة التحكم" التي تُبنى داخل الأنظمة المختلفة لضبط عملها، كما هو الحال في أنظمة التحكم داخل الطائرات والسيارات والمصانع؛ و"أنظمة البيانات الكبرى" التي تستخلص معارف مفيدة من بيانات المعلومات المنتشرة عبر الشبكات؛ ناهيك أيضا عن ظهور "إنترنت الأشياء" وتطبيقاتها. وهكذا، فإن كل التقنيات تحدثنا عنها فيما سبق، باتت تحمل اسم "التقنية الرقمية"، لأنها تستند في بنيتها الأساسية إلى "الإلكترونيات الرقمية" التي تُخزّن، وتعالج، وتنقل المعلومات إلكترونيا باستخدام النظام الرقمي الثنائي ذي الحالتين "صفر، وواحد".
إذا كان التحول الرقمي يرتبط باستخدام "التقنية الرقمية" والاستفادة من مزاياها في "تفعيل عمليات التنمية في جميع مجالاتها، وتعزيز استدامتها على مستوى العالم"، فإن هذا التحول ليس جديدا، بل إنه قد بدأ منذ زمن. وإذا نظرنا إلى الأمر ابتداء من بداية الألفية الثالثة للميلاد، أي انطلاق القرن الحادي والعشرين، فإن هناك حدثين مهمين يستحقان الاهتمام لرصد ما تم بشأن دور التحول الرقمي في التنمية على مستوى العالم حتى عام 2015 من ناحية؛ وما يفترض أن يتم بحلول عام 2030 من ناحية أخرى.
كيف ينجح التحول الرقمي ومتى؟
ويرى الخبير الاقتصادي أ.د.سعد علي الحاج بكري ان من أهم عوامل نجاح أي برنامج تحول رقمي هو المستخدم أو المستفيذ أو الجمهور، لذلك يعتبر من الضروي والمهم وضع الجانب البشري في صميم وقلب عملية التحول، ولابد من ضمان مشاركتهم خلال رحلة التحول ومعرفة واستبيان أسباب عدم الرضا عن الخدمات المقدمة من قبل المؤسسة لهم ويمكن الاستعانة أيضا بوسائل التواصل الاجتماعي كتويتر أو فاسبوك لمعرفة آراء الجمهور حول مؤسسة معينه أو حول الخدمات المقدمة. كما يجب ان يمس الجانب البشري الاجراءات التي تتعلق بالخدمات المقدمة وكذلك الأدوات والوسائل التكنولوجيا التي سيتم استخدامها وذلك لتحقيق الهدف النهائي المرجو منها وهو تسهيل وتبسيط الاجراءات وضمان وصولها للمستفيد باستخدام كافة قنوات الاتصال الحديثة.
ولتنفيذ برامج التحول الرقمي لابد من خطة لتطوير الكفاءات والقدرات البشرية داخل المؤسسة وتنميتها، ويكون ذلك بتوظيف كفاءات وقدرات جديدة ذات خبرة ببرامج التحول وبالاستفادة من الوسائل التكنولوجيا وأيضا وبشكل موازي تطوير القدرات والكفاءات الحالية في المؤسسة، وهذا التطوير لايقتصر على تطوير كفاءات استتخدام الوسائل التكنولوجيا ولكن يتعداه لترسيخ أهمية الرنامج التحول الرقمي للمؤسسة وللموظف وتطوير روح المبادرة والمرونه وكيفية تطوير كفاءة عمله اليومية وذلك في أعمال ووظائف ذات أهمية اكبر وذلك بعد الاستفادة من التكنولوجيا في أعمالهم اليومية.
ويعتبر التحول في ثقافة المؤسسة وبيئة العمل وتطويرها أيضا من العوامل المهمة لتحقيق النجاح في برنامج التحول الرقمي، لذلك لابد من المهم التركيز على إدارة التغيير والعمل عليه في المراحل الاولى من برنامج التحول، وتمس إدارة التغيير بيئة العمل، وأصحاب المصلحة من تنفيذ البرنامج كالموظفين والمستخدمين الداخلين، القطاع الخاص والحكومي ممن سيتم التعامل معهم ، والجمهور أو المستفيد النهائي من الخدمات المقدمة من المؤسسة، لذلك لابد من وضع خطة واضحة للتوعية ولترسيخ المفاهيم واهداف برنامج التحول لكافة المستويات داخل المؤسسة، والعمل معهم في كافة مراحل تنفيذ برامج التحول وضمان تواجدهم ومشاركتهم والاخذ بارائهم وتهيئتهم وتدريبهم على آليات العمل الجديدة كنتاج لبرنامج التحول وبشكل دوري.
كما ان تحفيز بيئة العمل وتشجيع المشاركة وعلى كافة مستويات المؤسسة سيسهم بشكل إيجابي على تنفيذ البرنامج، ولابد من توعية العملاء والجمهور ومن خلال خطة تسويقية ومن خلال كافة قنوات الإتصال المختلفة ووسائل التواصل الإجتماعي بالتغييرات الايجابية وبالتحسينات التي تمس الجمهور والتي قد تكون على سبيل المثال من خلال الخدمات الالكترونية الجديدة التي تم تطبيقها ونشر التوعية حول كيفية استخدامها، كذلك يجب قياس ردود الأفعال لدى العملاء المستخدمين والجمهور بشكل مستمر ومدى القبول والرضى من هذا التحول وكذلك مدى الإستفادة منه.
توجد بعض الخطوط العريضة واتجاهات عالمية يمكن ان تؤخذ في عين الاعتبار في برامج التحول الرقمي، منها على سبيل المثال لا الحصر استخدام القنوات المتطورة في تقديم الخدمات مثل تطبيقات الجوال وقنوات التواصل الاجتماعي وأيضا توفير المعلومات والبيانات والمصادر المفتوحة وتوفير بعض البيانات والمعلومات الحكومية وجعلها متاحة للقطاع الخاص للاستثمار فيها، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الاتجاهات التي تركز على المستخدم والجمهور لبناء الثقة ومنها تحسين الكفاءة وجودة الخدمات وتوفير بوابات معلوماتية على شبكة الانترنت. ولابد كذلك ان يتم الاخذ بعين الاعتبار الامن السيبراني أو الرقمي وبناء الكفاءات المطلوبة لضمان أمن الانظمة وأمن المعلومات البيانات وهي عادة ما تسير بشكل موازي مع برامج التحول الرقمي بحسب موقع معلوماتية الالكتروني.
اضف تعليق