q
ان التكنولوجيا في ظل العولمة والانفتاح هي محتكرة بقوانين ما يعرف بحقوق الملكية الفكرية وما شابه من قبل الدول المتقدمة، والتي تمثل حق لها في حماية ابتكاراتها من السرقة وهي حجة وإن بدت مقبولة الا انها تخفي في طياتها سعي هذه الدولة ابقاء حجم الفجوة التكنولوجية هائل بينها وبين بقية الدول الأخرى...

بلا شك أن تقدم الأمم في الوقت الحالي يعود إلى تقدمها في مجال العلوم وخصوصا العلوم التقنية التي أصبحت مسيطرة على جميع الأمور، فلا يكاد يخلو أي مجال أو علم إلا وتداخل وبشكل كبير مع العلوم التقنية، حيث نلاحظ هيمنة أخبار التكنولوجيا في الوقت الحالي على معظم الأخبار العالمية وحتى على الأخبار السياسية رغم سوئها هذه الأيام.

بدأت ثورة التكنولوجيا تاريخيا في القرن التاسع عشر الميلادي لكونها طرأت ونشأت سريعا ولاقت رواجا بعدما أصبحت تُحول التشغيل اليدوي إلى التلقائي، واعتبروه حينها تحولا دراماتيكيا وانتصارا لهم في ذلك الوقت. بالنسبة لنا كجيل حالي معاصر، فنعتقد أن الثورة الحقيقة هي التي نعيشها في الوقت الحالي التي أصبحت لا تحول اليدوية إلى تلقائية فقط بل تشارك في اتخاذ القرارات الفردية والجماعية الإدارية منها والسياسية وأصبحت بكل اختصار الآداة الأهم التي بواسطتها يستطيع الإنسان إدارة العالم.

بعيدا عن دول العالم الأول وقريبا من دول العالم الثالث، نجد أن هناك ثورة في استخدام التقنيات الجديدة لدى الأفراد ونجدهم مدركين تماما لمعنى التقنية وأدواتها وكيفية استخدامها استخداما كليا حيث تكّون لدينا وعي فردي شامل في المجتمع، هذا الوعي للأسف يقابله خمول من بعض الجهات التي يجب أن تواكب هذا التطور الفريد في المجال التقني واقصد هنا بعض الجهات الحكومية التي ينالها الكثير من التقصير في استخدام وتطبيق التقنيات الجديدة، واحددها بتعمق أكثر، أعني بتقصيرها في تحولها لما يسمى بالحكومة الالكترونية.

في دول العالم الأول تكمن صعوبة التطور التكنولوجي لديهم في تطوير الفرد أولا ليتقبل التقنيات الجديدة، لدرجة أنهم أنشأوا نظريات ونماذج وأدوات تساعد وتسهل عملية قبول التقنيات الجديدة للمستخدم، كل هذا ليكون المجتمع قابل للتطور والتغير التكنولوجي. أما نحن، فلدينا انفتاح مجتمعي على التقنيات الجديدة وهذا سيساعد الجهات الحكومية على تطوير خدماتها سريعا لان مجتمعنا بجزئه الأكبر هو من فئة الشباب وهو مجتمع واع لما يدور حوله من تغييرات وهو متقبل تماما ومستعد لأي تغيير تقني، ومتأكد بأنه لن يكون هناك أي دواعي لإنشاء نماذج ونظريات تساعده على تقبل التقنيات الجديدة لان المجتمع الحالي هو من سيسعى خلف التجديد والتطور ويتمنى ألا يقابله ارتخاء في مستوى التطور التقني الحكومي من الجهة الأخرى.

من باب إعطاء كل ذي حق حقه، نعم نشهد حاليا بعض التطور ولكن تطور بطئ جدا ما ينفك أن يكتمل حتى يصبح هذا التطور متهالكا بسبب استخدام تقنيات لم تعد ذات فائدة وذلك يعود لبطئ المشاريع التقنية وكذلك قلة الخبرة عند اختيار تقنية ما لتطبيقها، وغالبا ما يتم اختيار تقنيات تمت تجربتها في دول متقدمة لعشرات السنوات ليتم تطبيقها هنا تأكيدا لفعاليتها وخوفا من فشلها، وهذا النوع من التقنيات يسمى بالتقنيات الأساسية (Base Technology) والتي لم يعد لها أي فوائد تنافسية وغالبا ما تكون من التقنيات القديمة المندثرة.

فضلاً عن ذلك، هناك مشكلة أخرى تظهر لتطور التكنولوجيا المشوه، ولربما لا غرابة أن نتصور أنه مقصود أو يُراد لمجتمعات العالم الثالث، سيما تلك التي شهدت تغييرات سياسية والتي بضمنها العراق أن لايكون التطور منتظم سيما فيما يتعلق بموضوع التكنولوجيا، فنحن نشهد مايعرف بالبناء او التطور المشوه في كل المجلات بضمنها التكنولوجيا والمعرفة، فهذه الدول وأن استخدمت تكنولوجيا متطورة فيما يتعلق بالاتصالات والسفر والتحويلات المصرفية ..الخ من مايعرف بالتكنولوجيا المستهلكة، الا انها لا تملك حق التكنولوجيا الانتاجية أو المنتجة، والمتمثلة بالمعرفة أو القاعدة لانتاج التكنولوجيا لا استخدامها، فضلاً عن عدم استخدامها لانواع هامة من التكنولوجيا مثل بعض انواع التكنولوجيا الخاصة بالطب والسلاح وصناعة المعدات والالات والفضاء.

بمعنى أخر ان التكنولوجيا في ظل العولمة والانفتاح هي محتكرة بقوانين ما يعرف بحقوق الملكية الفكرية وما شابه من قبل الدول المتقدمة، والتي تمثل حق لها في حماية ابتكاراتها من السرقة وهي حجة وإن بدت مقبولة الا انها تخفي في طياتها سعي هذه الدولة ابقاء حجم الفجوة التكنولوجية هائل بينها وبين بقية الدول الاخرى، سيما وتلك التي تختلف معها ايدولوجياً أو على الاقل تختلف معها سياسياً. وعليه فعلى هذه الدول ومجتمعاتها أن تنتبه لهذه المسألة المهمة من أجل ان لاتبقى أسيرة أو تعيش في ظل تبعية معرفية وتكنولوجية سلبية متسترة خلف بعض المزايا التي تمنحها تلك الدول سيما في بعض المجالات الاستهلاكية التي تعود بالفائدة الى من أنتجها لا الى من قام باستخدامها لأنها تمثل تجسيد لايدولوجيتها وفكرها كما نشهد اليوم من غزو ثقافي وفكري لمجتمعاتنا نتيجة الاستخدام السلبي للمعرفة والتكنولوجيا في ظل الاقتصاد المعرفي والرقمي الحالي.

اضف تعليق