q
الخصخصة هي تحويل ملكية المشاريع في القطاعات الاقتصادية التي تمتلكها الدولة عبر قطاعها العام إلى القطاع الخاص ملكيةً حتى يأخذ دوره في إدارتها بشكل كامل، في حين يعني القطاع الخاص هو السماح وفسح المجال امام القطاع الخاص ليقوم بإنشاء وإدارة المشاريع التي يرغب بإنشائها وإدارتها...

هناك خلط غالباً ما يحصل بين الخصخصة والقطاع الخاص والشراكة ولابد من توضيح هذا الخلط حتى يكون القارئ على دراية بمفاهيم المقال، فالمقصود بالخصخصة هي تحويل ملكية المشاريع في القطاعات الاقتصادية التي تمتلكها الدولة عبر قطاعها العام إلى القطاع الخاص ملكيةً حتى يأخذ دوره في إدارتها بشكل كامل، في حين يعني القطاع الخاص هو السماح وفسح المجال امام القطاع الخاص ليقوم بإنشاء وإدارة المشاريع التي يرغب بإنشائها وإدارتها بشكل مستقل، اما الشراكة فهي تعني اتفاق الدولة مع القطاع الخاص على إنشاء المشاريع وإدارتها وفق صيغة معينة تضمن تحقيق مصلحة الطرفين.

الخصخصة ومزاياها

المقصود في هذا المقال هو الخصخصة أي تحويل ملكية المشاريع المُعطلة أو المتعطلة التي تملكها الدولة إلى القطاع الخاص وذلك من أجل تحقيق عدة مزايا اقتصادية واجتماعية واستراتيجية وغيرها، إذ تسهم عملية الخصخصة في الآتي

1- رفد المالية العامة بما تحتاجه لتلافى مسألة اللجوء للاقتراض وخصوصاً الخارجي وذلك لما يترتب عليه من آثار تكون سلبية في حال إساءة توظيفها، كما تسهم في انتشال تلك المشاريع من الخسائر التي تحصل في حال ظلت مُعطلة أو متعطلة بقصد أو دون قصد وذلك لان بقاء الآلات ومكائن تلك المشاريع ستتعرض للصدأ والتلف فضلاً عن إمكانية تعرضها للسرقة كونها متوقفة عن العمل وهذا ما ينعكس على الاقتصاد بشكل عام.

2- تقليص البطالة والتخلص من الآثار المترتبة عليها المتمثلة بانحراف السلوك الانساني كالسرقة أو تكوين جماعات السطو والتسليب وغيرها بكثير، التي تسهم في ترهيب المجتمع وتدهور اقتصاده كون ظهور هذه الاعمال ستحتاج لمزيد من الانفاق للقضاء عليها سواء بشكل مباشر كتدخل الجهاز الامني او غير مباشر كالتربية والتعليم وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تحث على تجذير ثقافة الاخلاق الانسانية وعدم الانحدار للأخلاق الدنيئة.

3- كما تؤدي إلى زيادة كفاءة أداء الاقتصاد وتجعله أكثر قدرة على تلبية الاحتياجات المحلية وتصدير الفائض نحو الخارج، وذلك كون القطاع الخاص لا يعمل كما تعمل الدولة إذ إنه يحرص على استغلال الموارد افضل استخدام لأنه يبحث عن الربح وهذا ما يتطلب منه إنتاج السلع والخدمات بأقل الكلف ويقارن أسعاره مع أسعار السلع الاجنبية ويحاول أن يجعلها أقل ما يمكن عند مقارنتها بأسعار هذه الأخيرة كونها تمثل المنافس له وتحاول دائماً إلى تصفيته، في حين إن الدولة لا تنظر لمسألة الكفاءة والإنتاج باقل الكلف لأنها لا تبحث عن الربح الاقتصادي بقدر ما تبحث عن الربح الاجتماعي.

وبالتأكيد ومن البديهي لا يمكن إجراء الخصخصة في ظل عدم الاستقرار لأنه قد تستغل لأصحاب السلطة والنفوذ ولابد من اخضاعها إلى لجان مختصة محلية ودولية وأن تكون علنية أمام الملأ لتلافي مسألة الالتفاف عليها ومصادرة حقوق الشعب بأثمان بخسة.

الصندوق السيادي ومزاياه

أما بالنسبة للصندوق السيادي فله دور كبير في الاقتصادات بشكل عام والريعية التي تعتمد على الموارد الأولية بشكل خاص وذلك من خلال الآتي:

1- حماية الاقتصادات وتنشيطها، خصوصاً الاقتصادات الريعية التي تعتمد على الموارد الطبيعية، في ظل توفر الادارة الكفوءة والارادة الجادة والرؤية الستراتيجية، وذلك من خلال امتصاص الصدمات التي تتعرض لها الموارد الاولية في الاسواق الدولية، لكن في حال غياب الادارة والارادة والاستراتيجية مع توفر الموارد الطبيعية ستنهي الوضع إلى الفوضى وعدم الاستقرار وذلك لان هذه الموارد تخضع للأسواق الدولية ولا تستطيع الدولة التحكم بها وفقاً للمصالح الوطنية بالشكل الملائم إلا بنسب محدودة، فمجرد تعرض الاسواق الدولية لأزمة معينة ستنتقل آثار هذه الأزمة إلى الاقتصادات الريعية التي تعتمد على الموارد الأولية التي تعرضت اسواقها للأزمة.

2- كما يسهم الصندوق السيادي في تحقيق العدالة الاجتماعية لان الموارد الطبيعية هي موارد وطنية عامة لا تقتصر على جيل دون آخر بل تشمل جميع المواطنين والأجيال الحالية واللاحقة، إذ لا يتوفق اقتصار توزيع ايرادات الموارد الاولية على جيل دون آخر ومواطن دون آخر، مع المنطق الاقتصادي.

3- ويسهم الصندوق أيضاً في تقليص الفساد بأغلب اشكاله الذي يكون ظهوره في الغالب مرهون بالاقتصادات الريعية وبالتزامن مع القطاع العام الذي تديره الدولة وذلك لان فصل إيرادات الموارد الطبيعية عن مالية الدولة ووضعها في الصندوق السيادي سيقلص من قدرة الدولة على اللجوء إلى الفساد، كون الايرادات السهلة (لم تؤخذ من المواطن بشكل مباشر) تم تجفيفها ونقلها لاماكن ادارتها المناسبة والصحيحة، التي هي في الغالب غير مراقبة ولا تشكل محل اهتمام من قبل أغلب المواطنين إلا النزر القليل مادام إن الدولة لا تفرض عليهم ضرائب، ليس هذا فحسب بل تشعر الدولة إنها صاحبة الفضل في اعفاء المواطنين من الضرائب والمواطن يشعر بنفس الشعور!! وبهذا الصورة فإن دور كلا الطرفين تم تغييرهما بالكامل، فالدولة بدل أن تكون منتجة أصبحت موزعة والمواطنين بدل أن يكونوا مراقبين ومحاسبين للدولة أصبحوا تابعين ومستقبلين للإعانات!!

العراق في ضوء مزايا الخصخصة والصندوق السيادي

في الوقت الراهن العراق يعاني من عدة مسائل في الشأن الاقتصادي فمن جانب احادي الجانب أي يعتمد على النفط والغاز وعدم فعالية النشاطات الاخرى كالزراعة والصناعة والسياحة وغيرها، من جانب آخر انخفاض الايرادات المالية اللازمة لتمويل الموازنة العامة من ناحية كنتيجة لانخفاض اسعار النفط الدولية وارتفاع الانفاق العسكري لمواجهة داعش من ناحية ثانية، ارتفاع حجم البطالة من جانب ثالث حتى في صفوف حملة الشهادات العليا ناهيك عن حملة الشهادة الجامعية والبطالة المقنعة في كل الدوائر الحكومية، وزيادة الاستيرادات بكل صنوفها بسبب احادية الاقتصاد العراقي، وارتفاع حجم الفساد في أغلب مفاصل الدولة حيث العراق المرتبة 169 من أصل 180 دولة في عام 2017 حسب مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.

وعليه فالعراق لا يتمتع بالمزايا التي تولدها الخصخصة والصندوق السيادي مادام لم يفعل الخصخصة ولم ينشئ الصندوق السيادي إذ لايزال يعاني من عدم الاستقرار السياسي وعدم نضوج مسألة الوطنية لدى الساسة العراقيين ويبحثون عن مصالحهم الخاصة بالدرجة الأساس دون الاهتمام بالمصلحة العامة وجعلها من أولوياتهم واستمرار تعطل المشاريع الاستثمارية العامة وتحمل الدولة أعبائها المالية دون الاهتمام بحقوق الشعب.

إن بقاء المشاريع الاستثمارية العامة غير فعّالة ومعطلة أو متعطلة تعد خسائر اقتصادية من جانب وحرمان الشعب من التمتع بحقوقه من جانب آخر، ونظراً لعمومية هذه المشاريع أي إنها مشاريع عامة أي تعود ملكيتها للدولة نيابة الشعب لا يمكن الاستمرار في توقفها وفقاً للمنطق الاقتصادي لكونها ستتآكل وتنخفض قيمتها من ناحية وتتحمل الدولة الاعباء المالية من ناحية ثانية وهذا ما يزيد من سوء الأمر بالنسبة لجميع العراقيين، فالذين يتقاضون مرتبات من الدولة على اعتبار هم موظفين في تلك المشاريع وهم لا ينتجون نصف قيمة الرواتب التي يتقاضونها تمثل مشاريع خاسرة من جانب وتقليص خدمات المواطن من جانب آخر، إذ إن تغطية تلك الخسائر سيتم من خلال سحب جزء من الايرادات المالية التي من المفروض ان تقدم للمواطن على شكل فرص عمل أو خدمات تخفف من كاهله.

لذا يمكن اللجوء إلى حل المشكلة المعقدة المتمثلة في الرغبة بإنشاء الصندوق السيادي مع عدم توفر الأموال، في اللجوء إلى تفعيل خصخصة المشاريع العامة المعطلة ووضع أموالها في الصندوق السيادي المقترح وإدارتها بشكل مستقل ووفق أفضل نموذج استثماري مالياً وجغرافياً وقطاعياً، حتى يسهم في توليد المزيد من الارباح التي تزيد من تراكم رأس مال الصندوق من جانب، وتسهم في تمويل الموازنة العامة من جانب آخر عند أوقات الضرورة وتحقيق العدالة الاجتماعية من جانب ثالث، وحماية الاقتصاد العراقي من التقلبات الملازمة للإيرادات النفطية التي تشكل عماد المالية العامة من جانب رابع، وزيادة رفاه الشعب بشكل حقيقي ودائمي وليس وهمي ومؤقت كما هو الحال.

ولكن تحقيق ذلك يتطلب عدة امور منها:

اولاً: تهيئة البيئة الاستثمارية للمستثمر وإغراءه بالمحفزات والضمانات حتى يقدم على شراء تلك المشاريع ويقوم بالإنتاج وخلق فرص العمل وانطلاق مسيرة الاقتصاد.

ثانياً: توفير البنى التحتية اللازمة لتشجيع القطاع الخاص على شراء تلك المشاريع وتكون تكاليف إنتاجه منخفضة لأنه معروف إن توفر البنى التحتية سيسهم في تخفيض تكاليف الانتاج وهذا ما يشجع المستثمر على الاستثمار.

ثالثاً: حث البنك المركزي المصارف بكل أنواعها على تمويل المستثمرين الذين يرومون شراء المشاريع المعطلة أو المتعطلة على أن يستمر بمواصلة إنتاج السلع والخدمات التي كانت تنتجها سابقاً.

رابعاً: قيام الهيئة الوطنية للاستثمار بترويج معاملة الاستثمار الخاصة بشراء مشاريع الدولة لتخليص المستثمر من روتين الدوائر الادارية وبيروقراطيتها.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق