q
كشف تقرير وكالة بلومبرغ الاقتصادية أن الأزمة المالية المقبلة ستبدأ من وادي السيليكون وليس وول ستريت، وبحسب التقرير فإن العديد من الاقتصاديين، والمحللين، يغفلون أن تمركز قاعدة انطلاق الزلزال المتوقع للأزمة المالية المقبلة، سينطلق من وادي السيليكون، اذ يبدو اليوم عالم التمويل مختلفًا تماما عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما نمت البنوك الأميركية إلى أحجام مذهلة، وباتت أكثر دعما لصحة النظام المالي، ولم يعقل أن الحكومة ستسمح بفشل مؤسسات بهذه الأهمية...

كشف تقرير وكالة بلومبرغ الاقتصادية أن الأزمة المالية المقبلة ستبدأ من وادي السيليكون وليس وول ستريت، وبحسب التقرير فإن العديد من الاقتصاديين، والمحللين، يغفلون أن تمركز قاعدة انطلاق الزلزال المتوقع للأزمة المالية المقبلة، سينطلق من وادي السيليكون، اذ يبدو اليوم عالم التمويل مختلفًا تماما عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما نمت البنوك الأميركية إلى أحجام مذهلة، وباتت أكثر دعما لصحة النظام المالي، ولم يعقل أن الحكومة ستسمح بفشل مؤسسات بهذه الأهمية.

وإدراكا منها لموقعها الهام للدولة، قامت المصارف برهانات محفوفة بمخاطر كبيرة على أسواق الإسكان، وابتكرت مشتقات مالية أكثر تعقيدا مما مضى، وكانت النتيجة أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير، في السنوات التي تلت عام 2007، أحرزت أمريكا تقدما كبيرا في معالجة معضلة "فشل البنوك الكبرى"، وأصبحت المصارف الأميركية أفضل من أي وقت مضى من حيث الرسملة، ويفرض قانون "دود-فرانك" شروطا صارمة على المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية، لكن مع تمكن الإصلاحات من الحد من المخاطر المتسببة في الأزمة الأخيرة تم تجاهله وفي بعض الحالات تفاقمت المخاطر التي تنذر بأزمة جديدة.

ومنذ عام 2007، اجتاحت موجة هائلة من الابتكار والتطوير القطاع المالي، ما انعكس إيجابا على جوانب التمويل كافة تقريبا، وبدأت شركات ناشئة في تقديم المشورة المالية اعتمادًا على الخوارزميات الحسابية، مع مدخلات بشرية قليلة، وخلقت شركات التمويل الجماعي مثل "كيك ستارتر" وغيرها طرقًا جديدة للشركات والأفراد لجمع الأموال من شبكات من الأفراد، وغيرت العملات الافتراضية الجديدة مثل "بتكوين" و"إثريوم" فهمَ الجميع حول التعاملات المالية، وبحسب التقرير، أثمرت شركات التكنولوجيا المالية "فينتك" فوائد كبيرة للمستثمرين والمستهلكين، فمن خلال أتمتة عملية صنع القرار وخفض تكاليف التعاملات، تمكنت هذه الشركات من إعادة تدوير عجلة التمويل بشكل أسرع وأكثر كفاءة.

وهناك رأي يرى في أنه من الممكن أن تصبح شركة أبل أول شركة في العالم برسملة سوقية مقدارها تريليون دولار. وسواء فعلت أم لم تفعل، فإن "أبل" هي منذ فترة مثال يحتذى به. ادرس هذه الشركة، ويمكنك فهم الاتجاهات الخمسة الأكثر أهمية في السوق اليوم، الأول هو الهندسة المالية. مثل معظم الشركات متعددة الجنسيات والأكثر ربحًا، تمتلك "أبل" كميات ضخمة من النقد - 285 مليار دولار - إضافة إلى كثير من السندات "بحدود 122 مليار دولار". السبب في ذلك هو أنها - شأنها في ذلك شأن كل شركة كبيرة أخرى غنية - وضعت معظم أموالها الاحتياطية في محافظ سندات في مناطق الأوفشور خلال السنوات العشر الماضية. وفي الوقت نفسه، أصدرت سندات بأسعار فائدة زهيدة لتنفيذ معدلات قياسية من عمليات إعادة شراء الأسهم ومدفوعات الأرباح منذ الأزمة المالية. لاحظ أن "أبل" مسؤولة عن نحو ربع عمليات إعادة الشراء التي بلغ حجمها 407 مليارات دولار التي تم الإعلان عنها منذ إصدار قانون ضريبة ترمب في 2017.

لكن عمليات إعادة الشراء عززت بشكل رئيسي أعلى 10 في المائة من السكان الذين يمتلكون 84 في المائة من مجموع الأسهم. وحقيقة إن عمليات إعادة شراء الأسهم أصبحت أكبر استخدام منفرد لأموال الشركات على مدى أكثر من عقد من الزمان عززت الأسواق. لكنها زادت أيضا من فجوة الثروة، التي يعتقد كثير من الاقتصاديين أنها ليست فقط أكبر عامل في جعل النمو أبطأ من الاتجاه العام التاريخي، بل هي أيضاً تحرك الشعبوية السياسية التي تهدد نظام السوق نفسه.

نشطت هذه الظاهرة بشكل غير عادي من خلال الاتجاه الثاني الذي تجسده شركة أبل: صعود الأصول غير الملموسة، مثل الملكية الفكرية والعلامات التجارية "وكلتاهما تمتلكها الشركة بكميات ضخمة"، مقارنة بالسلع الملموسة، كنسبة من الاقتصاد العالمي. وكما يبين جوناثان هاسكل وستيان ويستليك في كتابهما الممتاز "الرأسمالية مع رأس المال" Capitalism With Capital ، هذا التحول أصبح ملحوظًا منذ عام 2000، لكنه انطلق حقًا بعد طرح جهاز آيفون في عام 2007.

ويغلب على الاقتصاد الرقمي أن يوجِد مجموعة من النجوم الكبار، لأن أشياء مثل البرامج وخدمات الإنترنت قابلة للتوسع إلى حد كبير وتتمتع بتأثيرات الشبكة. لكن وفقا لهاسكل وويستليك، يبدو أن ذلك يقلل من الاستثمار في الاقتصاد ككل. السبب ليس فقط لأن المصارف غير راغبة في إقراض الشركات التي قد تختفي أصولها غير الملموسة ببساطة إذا ما فشلت، لكن أيضا بسبب مفعول "الفائز يأخذ جميع الغنائم" الذي تتمتع به شركات مثل أبل "أو أمازون أو جوجل". ربما يكون هذا هو السبب الرئيسي لندرة الشركات الناشئة، وانخفاض استحداث الوظائف، وانخفاض الطلب، والاتجاهات الأخرى المزعجة في اقتصادنا المنقسم إلى جزأين.

تركيز القوة من النوع الذي تتمتع به شركات مثل أبل أو أمازون هو سبب رئيسي للنقطة الثالثة المتعلقة باتجاه السوق: مستويات قياسية لعمليات الاندماج والاستحواذ. كثير من الصفقات أو الصفقات المقترحة التي رأيناها في الأشهر الأخيرة – ابتداء من صفقة "سبرينت" و"تي موبايل" مرورا بصفقة "إيه تي آند تي" و"تايم وورنر" إلى شراء "إيتنا" لشركة سي في إس، أو شراء "وولمارت" لشركة فليبكارت - تدور حول الشركات الكبرى التي تحاول التنافس مع شركات رقمية أكبر حتى منها، عطلت نماذج أعمالها التقليدية.

ولا ينطبق هذا الأمر في أي مكان آخر على مجالات مثل الاتصالات والإعلام، حيث أخذت شركات كثيرة على عاتقها كميات كبيرة من الديون لكي تزداد حجما وتتنافس في هذه البيئة الجديدة من البث المباشر للفيديو والوسائط الرقمية. بعض السندات ذات العائد المرتفع تبدو الآن في وضع غير مستقر، ما يؤكد النقطة الرابعة الرئيسية التي يجب الانتباه إليها في سوق اليوم - وهي أن الأزمة الكبيرة المقبلة على الأرجح لن تنبع من المصارف، لكن من قطاع الشركات.

النمو السريع في مستويات السندات هو تاريخياً أفضل مؤشر لحدوث أزمة ما. وفي هذا العام شهدت سوق سندات الشركات حركة سريعة ونجاحا كبيرا، حيث أصدرت الشركات رقماً قياسياً بلغ 1.7 تريليون دولار في العام الماضي، وأكثر من نصف تريليون دولار خلال هذا العام حتى الآن. حتى إن الشركات العادية تستفيد من المال السهل. لكن مع تغير بيئة أسعار الفائدة، ربما بسرعة أكبر مما يمكن تخيله، قد يكون كثير من هذه الشركات معرضا للخطر.

بنك التسويات الدولية حذر من أن الفترة الطويلة من أسعار الفائدة المنخفضة أدت إلى نشوء عدد أكبر من المعتاد من شركات "الزومبي"، التي لا تملك أرباحًا كافية لتسديد مدفوعات ديونها إذا تغيرت بيئة أسعار الفائدة بسرعة. وعندما يحدث ذلك قد تكون الخسائر وآثار الاهتزازات أكثر حدة من المعتاد، بسبب تدهور الحماية القانونية المقدمة للدائنين، إلى جانب ظهور صناديق السندات التي تستفيد من الشركات المتعثرة.

بطبيعة الحال، عندما تتداركنا الأزمة التالية، فإن القوة الانكماشية للتكنولوجيا التي تجسدها شركات مثل أبل يمكن أن تجعل إدارتها أكثر صعوبة. هذا يأتي بنا إلى الاتجاه الخامس. الانكماش المرتبط بالتكنولوجيا يشكل جزءا كبيرا من الأمور التي أبقت أسعار الفائدة منخفضة إلى هذا الحد ولفترة طويلة – وهي لم تكتف فقط بتقييد الأسعار لكن الأجور أيضا.

حقيقة أن أسعار الفائدة منخفضة للغاية تعني أن مسؤولي البنوك المركزية سيكون لديهم مجال أقل للحركة خلال أي أزمة مقبلة. وقد استفادت "أبل" وغيرها من متعهدي الأصول غير الملموسة أكثر من الشركات الأخرى من هذه البيئة ذات الأسعار المنخفضة والسندات الرخيصة وأسعار الأسهم المرتفعة على مدى السنوات العشر الماضية. لكن قوتها زرعت بذور ما يمكن أن يكون التقلب الكبير التالي في الأسواق.

اضف تعليق