القطاع الزراعي في البلاد هو الاقرب لتجسيد هذه الشراكة فمقومات القطاع الزراعي متوفرة، منها ان هذا القطاع هو قطاع خاص وتعود ملكيته للفلاحين مع انه كثير من الاراضي الزراعية بصيغة عقد ايجار من الدولة، كما ان المشاريع الحيوانية والصناعات الغذائية وان كانت قليلة فهي مملوكة للقطاع الخاص....
أكد المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح ان أحد الاهداف الرئيسة لرؤية العراق الاقتصادية 2030 هو زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي الى أكثر من 50%، وتحقيق الشراكة الكاملة بين القطاع العام والقطاع الخاص عبر تمكين الاخير من خلال الدعم والتأهيل وفتح المجال امامه بقضايا الاستثمار. كما تهدف الرؤية ذاتها الى تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعين الزراعي والصناعي وتغيير مجرى الاقتصاد من ريعي الى انتاجي وعدم الاعتماد على الانتاج النفطي بشكل كامل.
هذه الاهداف الطموحة تدفعنا الى التفكير والتساؤل: في أي من القطاعات الاقتصادية ممكن ان تبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتحقق اهدافها؟
بداية ان الشراكة هي أحد اشكال التعاون بين القطاعين العام والخاص يتم من خلالها وضع ترتيبات تعاقدية يستطيع بمقتضاها القطاع العام توفير السلع والخدمات العامة والاجتماعية من خلال السماح للقطاع الخاص بتقديمها بنفسه بشكل مباشر. واحد صور هذه الترتيبات ان يساهم القطاع الخاص بتوفير السلع.
مؤكد ان ما شهدته البلاد لاسيما في العقود الثلاثة الاخيرة من حروب وحصار اقتصادي وصراعات ومكافحة الارهاب اثر تأثيراً سلبيا على كل قطاعات الاقتصاد واصابها بالشلل. ولكن مع ذلك بالإمكان وضع اهداف مرحلية يجري التركيز فيها على قطاع معين يكون اقرب لتحقيق الشراكة فهو القطاع الاكثر نسبة في تشغيل العمالة والتي تجاوزت نسبة 20%.
نرى ان القطاع الزراعي في البلاد هو الاقرب لتجسيد هذه الشراكة. فمقومات القطاع الزراعي متوفرة، منها ان هذا القطاع هو قطاع خاص وتعود ملكيته للفلاحين والمزارعين مع انه كثير من الاراضي الزراعية بصيغة عقد ايجار من الدولة، كما ان المشاريع الحيوانية والصناعات الغذائية وان كانت قليلة فهي مملوكة للقطاع الخاص.
تتوفر لدى القطاع بنية تحتية لم يمسها الضرر بفعل الاحداث التي يمر بها البلد على الرغم من تضرر بعض المنشآت الاروائية. وعلى الرغم من ازمة المياه في البلد، الا ان وزارة الموارد المائية لازالت مستمرة في التأكيد على ان ايرادات المياه مع المخزون كافية لتغطية حاجة الخطة الزراعية لاسميا في المناطق الشمالية والشمالية الغربية والوسطى من البلاد. كذلك تتوفر المقومات الاقتصادية المتمثلة بعامل الطلب والنابع من الحاجات المتزايدة للسكان من السع الزراعية الخضروات والمحاصيل والمنتجات الحيوانية.
ولابد من التذكير ان هناك صناعة اسمدة صاعدة في البلاد تساعد في توفير الاسمدة الكيمياوية للزراعة، ناهيك عن امكانية النهوض بصناعة الاعلاف، وصناعة الانابيب البلاستيكية التي تعمل على تقليل هدر المياه وهو السبب الرئيس لازمة المياه.
ومع كل تلك المقومات، الا ان مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي بلغ 4,6% بالأسعار الجارية لعام 2015 [1] وانخفضت تلك النسبة الى 3.81% في عام 2016 [2]. في حين انه كان يساهم بأكثر من 13% في 2002 و2003. وهذا يعني ان المبادرة الزراعية التي انطلقت خلال العام 2009 لم تؤتي ثمارها ولم تزيد من مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي والتي خصص لها مبلغ 1310,4 مليار دينار وتم استلام 1250.8 مليار دينار منها لغاية 2012.
الاسباب وراء ذلك مركبة تبدأ بعامل انعدام الاستقرار السياسي والامني والارهاب والنزوح القسري لكثير من قاطني المناطق الزراعية لاسيما في المناطق الغربية والشمالية الغربية بفعل سيطرة الجماعات الارهابية وعمليات القضاء عيها، فضلا عن عدم حماية المنتج وفرض التعرفة الكمركية على المستورد من المحاصيل والخضروات على الرغم من اقرار قانونها عام 2010، لأسباب تتعلق بالفساد السياسي وانعدام سيطرة الاجهزة الامنية والرقابية على المنافذ الحدودية.
لذا لابد من العمل على زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي تدريجيا عبر حماية المنتج الزراعي ومنح تسهيلات الاقراض لتوفير مستلزمات الزراعة الاساسية من انابيب ويرها لاسما وانها تنتج محلياً.
الامر الآخر، هناك صناعات صاعدة في القطاع الزراعي بشقية النباتي والحيواني – وان كانت قليلة - كمعامل تعفير وتعبئة التمور ومعمل تصنيع الزيت النباتي في محافظة بابل وتشغل اعداد من الايدي العاملة والتي تصدر جزء من انتاجها الى الخارج تحتاج الى الدعم ومنحها التسهيلات الضامنة للارتقاء بأنتاجها وزيادة التشغيل فيها، فضلا عن انها بحاجة ماسة الى حماية منتجاتها من الاغراق. ولتعزيز تلك الصناعات، فان الحاجة تظهر لوضع الاليات القانونية والتسهيلات الضامنة لتأسيس الشركات والمشاريع الصغيرة في القطاع الزراعي وتقديم القروض لها لتتمكن في المستقبل من ان تكون طرف في الترتيبات التعاقدية مع القطاع العام لتحقيق هدف الشراكة.
لذا لابد من التوجه نحو تفعيل العمل بالقوانين ذات العلاقة بالقطاع الزراعي لأهميتها في حماية المنتج المحلي (قانون التعريفة الجمركية، وقانون حماية المستهلك، وقانون حماية المنتجات الزراعية)، والإسراع بإصدار القوانين والتشريعات الخاصة بالقطاع الزراعي.
كذلك لاننسى الحاجة الى خفض كلفة الانتاج الزراعي لاسيما في مجالي الطاقة والنقل. تمثل مصادر الطاقة (الكهرباء والمشتقات النفطية) محوراﹰ رئيساﹰ في ارتفاع كلف إنتاج المحاصيل الزراعية (النباتية والحيوانية) والخدمية. لذلك ولتحقيق شراكة راسخة نرى أن يخصص دعم استثنائي ومستمر للمشتقات النفطية وتسعيرة الوحدة الكهربائية للفلاحين والمزارعين والمستثمرين في القطاع الزراعي للمساهمة في تخفيض كلف الإنتاج الزراعي وهذا مايوصي به مسؤولي وزارة الزراعة والمختصين مرارا وتكراراً.
كذلك تبرز الحاجة الى تشديد الرقابة والسيطرة على المنافذ الحدودية لمنع دخول المواد الزراعية (نباتية وحيوانية وأعلاف ومستلزمات زراعية وبيطرية مختلفة) والعمل بنظام الاستيراد المقنن الذي يأخذ بنظر الاهتمام كميات الانتاج المحلي من تلك المواد لسد العجز. ولتحقيق هذا الهدف نحن بحاجة الى التنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة المالية/الهيئة العامة للكمارك، ووزارة الداخلية/ المديرية العامة للمنافذ الحدودية، للالتزام بالخطة الاستيرادية لوزارة الزراعة بما يسهم في حماية المنتج المحلي عبر رفع التعرفة الكمركية الاستفادة من الايرادات الجمركية في تمويل الائتمان للقطاع الزراعي بعد اعادة تخصيصها.
وفي ضوء ماسبق نرى ان تحقق الاجراءات اعلاه تضمن ان يكون القطاع الزراعي هو القائد لاستراتيجية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص الذي يسيطر على القطاع الزراعي الامر الذي يجعل منه الرائد في تحقق زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، لاسيما وان القطاع الزراعي – كما ذكرنا في اعلاه – يتوافر على البنية التحتية المتكاملة بنسبة كبيرة وتؤدي دورا في تسيير اموره.
اضف تعليق