يبقى الإحباط حاضراً ما دامت نسبة الدين العام الى الناتج مرتفعة والتي ارتفعت نحو أكثر من (٦٠٪) بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما يقتطع جزءاً من النفقات العامة الموجهة نحو إطفاء الدين والذي بلغ في موازنة (٢٠١٨) نحو (٨) ترليون دينار، وهو مبلغ كبير ويشكل نسبة...
أصبحت تحليلات الاستدامة المالية جزءاً لا يتجزأ من تخطيط السياسة المالية، والسبب في ذلك هو الارتفاع المستمر في حجم الدين العام نتيجة انخفاض الموارد المالية من المصادر الأخرى والتي تسد حاجة الانفاق العام، وتهتم الكثير من الدول بتطوير اهداف السياسة المالية لضمان تحقيق الاستدامة المالية، والاخيرة تعني بوضوح منهج تقييمي لعمل المالية العامة على الاستمرار في سياسات النفقات والايرادات الحالية على المدى الطويل دون الرجوع الى اعادة هيكلتها، أو خفض ملاءتها المالية او التعرض لمخاطر الافلاس.
دائما ما يُفضل أن تقوم السياسة المالية بعملية الإصلاح المالي دون أن تقوم بالإعلان عن هيكلة الديون، لأن ذلك الاجراء سيفقدها جزء من سوقها المالي فضلاً عن تعرض سنداتها للعلاوة النقدية عبر رفع سعر الفائدة.
تؤكد تحليلات الاستدامة المالية على مبدأ توازن الموازنة، وهو ما يعني أن تكون الموازنة العامة متوازنة بشقيها الإنفاقي والإيرادي، وهذا ما يتطلب من السياسة المالية في العراق أن تخطط وتضع أهدافها على هذا الأساس.
وبالنظر لموازنة (٢٠١٨)، نلاحظ أنها لم تستطيع التخلص من الاختلال وتصر على أن تبقى موازنة بنود وأن لا تقوم على مبدأ التحليل المالي الاقتصادي فضلاً عن مبدأ أدارة شؤون المالية العامة.
معالم موازنة العام الحالي تتوضح من بياناتها التي تم الحصول عليها من مجلس النواب، اذ بلغت الايرادات العامة نحو (٩١) ترليون دينار، وبلغت منها الايرادات النفطية نحو (٧٢) ترليون دينار، اذ لا تزل نسبة الاعتماد على المورد الريعي كبيرة، وهذا يحمل في طياته مخاطر عدم الاستدامة نتيجة تقلبات أسعاره في السوق الدولية، وهذا ما يجعل اهداف المالية العامة تبتعد عن تحقيق مبدأ الاستدامة، بسبب انخفاض مواردها من المصادر غير الريعية والتي بالغالب تشكل (١٠٪) من مجموع الايرادات.
إما شق الموازنة الثاني المتمثل بحجم النفقات العامة وبلغت نحو (١٠٤) ترليون دينار، وبلغ منه الإنفاق الجاري نحو (٧٩) ترليون دينار للنفقات الجارية، فيما بلغ حجم الانفاق الاستثماري نحو (٢٤) ترليون وهي نسبة جيدة مقارنة بالسنوات السابقة، هذه النسبة جاءت بفعل نمو اسعار النفط والتوجه نحو زيادة حصة الموازنة الاستثمارية، إلا انها في نظر متطلبات الاستدامة المالية تعتبر ضعيفة ولا تحقق أهدافها، لأن الاستدامة على المدى الطويل تعبر عن التوازن المالي والذي يتحقق بفعل نمو الانتاجية الملبي للطلب الذي يزداد بفعل زيادة الانفاق وهو غالباً محفز لجانب العرض الكلي.
وفي ظل هذه النسب يمكن القول أن المالية العامة في العراق تسعى لتحقيق الاستدامة المالية، لأنه بمجر التفكير للعمل بمبدأ الاستدامة هو بحد ذاته خطوة نحو الامام، لكن يبقى الإحباط حاضراً ما دامت نسبة الدين العام الى الناتج مرتفعة والتي ارتفعت نحو أكثر من (٦٠٪) بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما يقتطع جزءاً من النفقات العامة الموجهة نحو إطفاء الدين والذي بلغ في موازنة (٢٠١٨) نحو (٨) ترليون دينار، وهو مبلغ كبير ويشكل نسبة تعبر عن عدم الاستدامة، لأن هذا الجزء سيكون بمثابة المبلغ المقتطع من الناتج المحلي الإجمالي.
ينبغي على المالية العامة وفي هذا الوقت تحديداً ان تخطط وتضع أهداف تنسجم مع متطلبات الاستدامة المالية، وأن تنمي مشروعات مختلطة يكون القطاع الخاص رائداً له دور حقيقي في صنع القرار وإدامة العملية الإنتاجية، لأنه سيقوم بتوفير عدد كبير من الوظائف التي ستحل جزء من مشكلة البطالة بنوعيها المقنعة والطبيعية، وسيوفر السلع والخدمات التي تستوردها الحكومة.
وفي ضوء ذلك سينخفض الضغط على الموازنة، فضلاً عن أن لأسعار النفط المرتفعة دوراً مهماً في توفير الأجواء لخلق صندوق سيادي يمول الموازنة تلقائياً وهو بمثابة مصد مالي لمواجهة خطر انخفاض اسعار النفط، فإرتفاع سعر البرميل والذي يربو نحو (٦٥$) وقدر في الموازنة (٤٦$)، هو نقطة تحول مهمة اذا ما تم إنشاء هذا الصندوق والذي سيمول فرقه عجز الموازنة إن وجد، وهي تماماً عملية تهدف الى تحقيق سياسة مالية مستدامة.
اضف تعليق