من المرجح أن يحافظ الاقتصاد العالمي على زخمه الحالي ما لم يحدث تصحيح في الأسواق المالية – التي شهدت تحركا صعوديا مستمرا في أسعار الأصول ودرجة تقلب بالغة الانخفاض، وهو ما لم يتأثر كما يبدو بالسياسات المتبعة أو عدم اليقين السياسي في الشهور القليلة الماضية.
لا يزال النشاط الاقتصادي العالمي يزداد قوة. وتشير التقديرات إلى نمو الناتج العالمي بمعدل 3.7% في 2017، أي أعلى بمقدار 0.1 نقطة مئوية مما كان متوقعا وأعلى بمقدار نصف نقطة مئوية مقارنة بعام 2016. وقد شمل تحسن النمو نطاقا واسعا، مع ارتفاعات واضحة تجاوزت التوقعات في أوروبا وآسيا. ومن ثم رُفِعت تنبؤات النمو العالمي لعامي 2018 و2019 بمقدار 0.2 نقطة مئوية ليصل إلى 3.9%. ويعكس هذا التعديل زيادة زخم النمو العالمي والتأثير المتوقع لتغييرات السياسة الضريبية التي أقرتها الولايات المتحدة مؤخرا.
ومن المتوقع أن تؤدي تغييرات السياسة الضريبية في الولايات المتحدة إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، حيث يأتي معظم التأثير قصير الأجل في الولايات المتحدة مدفوعا باستجابة الاستثمار للتخفيضات الضريبية على دخل الشركات. ومن المقدر أن يكون الأثر على النمو إيجابيا في الولايات المتحدة حتى نهاية 2020، إذ يسجل معدلا تراكميا يصل إلى 1.2% حتى نهاية ذلك العام، مع وجود نطاق من عدم اليقين حول هذا السيناريو المركزي. ونظرا للطبيعة المؤقتة التي تتسم بها بعض بنود حزمة السياسات الضريبية المقررة، فمن المتوقع أن تؤدي إلى خفض النمو لبضع سنوات بدءا من 2022. وتساهم آثار هذه السياسات على الناتج في الولايات المتحدة وشركائها التجاريين بنحو نصف التعديل التراكمي لتنبؤات النمو العالمي على مدار الفترة 2018-2019.
وفي الأجل القريب، من المرجح أن يحافظ الاقتصاد العالمي على زخمه الحالي ما لم يحدث تصحيح في الأسواق المالية – التي شهدت تحركا صعوديا مستمرا في أسعار الأصول ودرجة تقلب بالغة الانخفاض، وهو ما لم يتأثر كما يبدو بالسياسات المتبعة أو عدم اليقين السياسي في الشهور القليلة الماضية. بل إن هذا الزخم قد يحقق ارتفاعا غير متوقع على المدى القصير إذا استمر الدعم المتبادل بين الثقة في آفاق الاقتصاد العالمي والأوضاع المالية الميسرة.
أما رد فعل عائدات السندات الأطول أجلا والدولار الأمريكي إزاء تغير السياسة الضريبية في الولايات المتحدة فيبدو محدودا حتى الآن، وتتوقع الأسواق حاليا تشديد السياسة النقدية بوتيرة أكثر تدرجا ويمكن أن يحدث التصحيح في الأسواق المالية مدفوعا بعوامل مثل ظهور علامات على ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، حيث تؤدي الدفعة التي يتلقاها الطلب إلى فرض ضغوط خافضة لمعدل البطالة الذي وصل إلى مستوى بالغ الانخفاض بالفعل.
وإذا اقترن ارتفاع الضغوط التضخمية باعتماد الاحتياطي الفيدرالي وتيرة أسرع في رفع سعر الفائدة الأساسي مقارنة بسيناريو التوقعات الأساسية، يمكن أن يساهم ذلك في زيادة اتساع فروق علاوات العائد على الاستثمارات طويلة الأجل في الولايات المتحدة، وزيادة قوة الدولار الأمريكي، وانخفاض أسعار الأسهم.
ومن شأن تشديد الأوضاع المالية العالمية أن يسفر عن انعكاسات على أسعار الأصول والتدفقات الرأسمالية في العالم، مما يتسبب في درجة عالية من التعرض للعسر المالي في الاقتصادات التي تواجه احتياجات كبيرة لإعادة تمويل الديون الإجمالية وتتحمل التزامات دولارية غير المغطاة.
أما على الجانب السلبي، فيمكن أن تأتي استجابة الاستثمارات الأمريكية لتغييرات السياسة الضريبية أضعف من المتصور في السيناريو الأساسي، مع ما يصاحب ذلك من تداعيات على قوة الطلب الخارجي بالنسبة للشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، وعلى المدى المتوسط، لا تزال التوقعات محاطة بمخاطر كبيرة تتمثل في احتمال تراكم مواطن الضعف إذا استمرت الأوضاع المالية الميسرة واذا امتدت الأوضاع المالية الميسرة إلى المدى المتوسط، وصاحبتها فترة مطولة من الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة وانخفاض درجة التقلب المتوقع في أسعار الأصول، قد يسفر ذلك عن تراكم مواطن الضعف مع اتجاه المستثمرين الساعين لتحقيق العائد إلى زيادة انكشافهم للمعاملات مع الشركات والجهات السيادية المقترضة ذات التصنيف الائتماني الأقل والأسر ذات الجدارة الائتمانية الأضعف، وإمكانية اعتماد سياسات انغلاقية.
اذ نشهد حاليا إعادة تفاوض بشأن اتفاقيات تجارية مهمة طُبِّقَت لفترة طويلة، مثل اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة ("نافتا") والاتفاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة وبقية بلدان الاتحاد الأوروبي. وإذا زادت الحواجز التجارية وعمليات إعادة الاتساق بين القواعد التنظيمية، سواء في سياق هذه المفاوضات أو غيرها، فسوف تؤثر سلبا على الاستثمار العالمي وتحد من كفاءة الإنتاج، مما يشكل عبئا معوقا للنمو الممكن في الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
ويمكن أن تزداد الضغوط الدافعة لانتهاج سياسات انغلاقية إذا فشلت المساعي لتحقيق نمو أكثر احتواء لكل شرائح السكان وزادت الاختلالات الخارجية في بعض البلدان، بما فيها الولايات المتحدة، وبعض العوامل غير الاقتصادية المتمثلة بالتوترات الجغرافية- السياسية التي تخيم على الآفاق العالمية متوسطة الأجل، ولا سيما في شرق آسيا والشرق الأوسط. كذلك يؤدي عدم اليقين السياسي إلى نشأة مخاطر على تنفيذ الإصلاحات أو إمكانية تعديل وجهة جداول أعمال السياسات، وذلك في سياقات منها الانتخابات القادمة في عدة بلدان (مثل البرازيل وكولومبيا وإيطاليا والمكسيك).
وتشير التطورات المناخية المتطرفة مؤخرا – كالأعاصير في الأطلنطي، والجفاف في إفريقيا جنوب الصحراء وأستراليا – إلى مخاطر تكرار الأحداث المناخية العنيفة التي تتسبب في خسائر بشرية مدمرة وأضرار اقتصادية في المناطق المتأثرة. وقد يتسبب ذلك أيضا في زيادة تدفقات الهجرة مما يمكن أن يزيد من زعزعة الاستقرار في البلدان التي تستقبل اللاجئين والتي تعاني من الهشاشة بالفعل.
اضف تعليق