يُعد المواطن أعلى قيمة إجتماعية، وبصفته كإنسان فأن المواطنه كفلت له الحماية من شتى أنواع المخاطر، بل وضمنت له الحرية في الاختيار والتعبير عن الرأي والمشاركة..الخ. ومن جملة هذه الحقوق والحماية هو تقديم الأفضل له، وأهم مايمكن أن يرتبط به الانسان هو ما يتعلق بغذاءه الذي يمثل وسيلة العيش والاستمرار في الحياة. وبالتالي نجد الشركات والمصانع تتنافس بضراوة لتقدم أجود السلع الغذائية لهذا الانسان، ووفق معايير دولية ومحلية وضعتها العديد من المؤسسات العالمية.
الا أن الصورة تكاد تكون معاكسة للوضع في العراق، ففي ظل آلية السوق الحر والتي من المفترض أن تقدم خيارات مختلفة للمواطن العراقي من السلع الغذائية، وبسبب الانفتاح الاعمى على الاسواق العالمية وفي ظل الاغراق السلعي ومن شتى الانواع والاصناف وبسبب الفساد وغياب الرقابة باتت حياة المواطن العراقي مهددة بالخطر، نتيجةً للسلع الغذائية الفاسدة، بل وتعدى الأمر الى أن يصل المواد الطبية والعلاجية، فضلاً عن السلع الصناعية المختلفة.
ومن اسباب هذا الغش التجاري في السلع سواء كانت محلية أو مستوردة، التحول إلى اقتصاد السوق دون قواعـــد او ضــوابط محـددة اذ يعاني العراق مــن أنــظــمـــة رقــــابـــيـــة لا تلتزم بعملية المراقبة الشــهريـة أو الــدوريــة بالشكـــل المطلوب، والتحرريـــة التجـــاريـــة وفـــتح الحـــدود أمــام مختلف السلع والخدمـــات بغــض النظر عن مدى صلاحيتها ومدى مطابقتها للمـــعــايــــير والمواصـــفــــات الـفنية أو شهادة المنشأ، كذلك عدم وجود قوانين لحماية حقوق الملكية الفـــكرية المتــــــصـلة بتــــــجــارة السلع والخدمات خاصة ما يتــعلق مــــنها بالـــعـــــلامــات التجـــاريــة والأســـــــرار الصـــناعــــية والإشارات الجغرافية، وهو ما أقرته اتفاقية منظــــــمة التـــــجــــارة العالمية، فضلاً عن النقص الحـــاد في المعـــــروض السلــــعـــي مــن المنــــــتــــجات الوطــــنية والاعتماد الشديد على الإستيراد، رافق ذلك عدم تطبيق نظام (ألا يزو) العــالمي الــــــذي يمـــكن أن يســــهم بــدور كبير في الحد من الغش التجاري والصناعي بحــيث تـــقـــوم الهـــيأة المـخــــتـــصة بالمواصفات والجودة بوضع قواعد وآليات تطبيق هذا النظام طبـــقــاً لظــــــروف واحــــتياجات الاستثمار والصـــناعـــــة بما يحـــــقـــق في الــنـــهاية النـــتــــائج الــتي يستـــهدفـــها ويـــلزمها بضرورة اتباع النظم الدولية في إصدار المواصفات ومنح الشهادات.
ومن جملة الأسباب ايضاً هو تعدد المنافذ الحدودية لدخول البضائع فـلدينا 23 منفذاً حــــــدوديـــــاً مع دول الجوار بحيث لا يمكن السيطرة عليها خـــــاصة اذا ما أخــــذنا بنـــــــظر الاعتبار وجود الفساد الإداري والمـــال، لــذلك لابُــد مــن وجــود هـيأة مثل هــيأة الجمارك وشرطة حدود تكون قادرة عـلـــى السيـــطرة عــــــلـــى مســـالة دخـــــــول هـــذه السلع والبضائع وبصورة قانونية، حـــيث ضــــعــف القــــانــون ومــؤسســـــات الــدولة بسـبب الظروف الأمنية وعدم استقرار الوضع السياسي الـــــذي بــــدوره يؤدي إلى ضعف الجانب الرقابي وضعف إنفاذ القانون.
ومن ابســط وسائــل الــغــش عـــدم طلب ضمانات الشركــات المصنعة لتلك السلع من قبل المستهلكين والتي عادة ما ترفق بتلك المـنتــجــات أو تسجيل رقم المنتج على موقع الشركة عــلى الانــترنيت فـــمع انـــعدام جـــهة إشـــرافـــية متخصصة تعنى بجودة السلع ومحاربة الغش والـــتــزيــيف، وعدم القناعة بفتح ورش لفحص الأجهزة والــقطـع للمحافظة على جودة ومســتوى الســـوق المحــلي والحفاظ علـى الاستثمــارات فـــيه ومحـــاربة الــغـــش، فـــقــد أدى إلى اســتــمرار العمليات التي استنزفت السوق والمجتمع.
وبسبب ما يعانيه المستهلك العراقي من انخفاض القدرة عـــلى الــشراء طوال مدة الحصار فانه ياخذ بالسعر المنخفض بغض النظر عن الجودة وذلك ما يسمح بإنفاذ ووجود حالات الغش التجاري والصناعي بشكل كبير.
اذن كيف نحمي المستهلك العراقي من هذه المخاطر ؟.
الأجابة عن هذا السؤال، تتمثل في أن جميع الدول شعرت ومنذ فترات طويلة في إمكانية استغلال المستهلك وتقديم سلع فاسدة له، وبالتالي شرعت العديد من القوانين والتي أصبحت فيما بعد تعرف بقانون حماية المستهلك. التي من شأنها أن تراقب كافة أنواع السلع الغذائية، بل وتحرص على تقديم الافضل له أيضاً. اذ أن حماية المستهلك هي نوع من التنظيم الحكومي الذي يعمل على حماية مصالح المستهلكين،ولذلك فقد شرعت القوانين التي تنظم هذه العملية ،والتي تصب في النهاية في خدمة المواطن المستهلك.وقد صدرت في العديد من دول العالم قوانين لحماية المستهلك ،تهدف الى الحد من ظواهر الغش والتدليس ،وتحمي المستهلك من هذه الظواهر،وتعاقب من يقوم بها باشد العقوبات حفاظاً على صحة المواطن وسلامته وسلامة أفراد عائلته.وفي مثال العراق فقد صدر في العام 2010 قانون حماية المستهلك رقم 1لسنة 2010
الا أن ما يلاحظ ان الفساد والغش التجاري لايزال قائماً ومستمراً، وكأن قانون حماية المستهلك الذي اُقر غير نافع في تحقيق مبتغاه في حماية المستهلك العراقي، وبصراحة أن المشكلة ليست في القانون، بقدر ما هي متعلقة بالفساد الحكومي وغياب الرقابة وعدم فاعلية أجهزة السيطرة والقياس النوعية في البلد، فضلاً عن غياب الوعي الاقتصادي لدى الفرد العراقي، من خلال اختياره للسلع الرخيصة النسبية غير المعروفة وضعف قدرته على معرفة قراءة المعلومات الخاصة بالسلع، واخباره عن السلع الفاسدة او التي لاتحمل أي معلومات للجهات المختصة.
وبالتالي تبقى مسألة حماية المستهلك، مسألة عالقة اذا لم تكن هناك حملة وطنية حكومية ومجتمعية، وبمشاركة دولية لمحاربة الفساد الحاصل في المنافذ الحدودية وتفعيل دور الوزارات كوزارة الصحة والنقل وكافة الوزارات والهيئات والمنظمات التي لها صلة بالموضوع، وتكثيف الجهود في المدارس والجامعات والمعاهد والاُسر من أجل خلق وعي اقتصادي اجتماعي في كيفية التعامل مع السلع المختلفة وما هو الافضل له.
اضف تعليق