بما ان القطاع المصرفي هو الحلقة الاساسية في سلسلة حلقات الاقتصاد العراقي وان مشاكل الاقتصاد العراقي كثيرة ومتشعبه وهناك تشابك وخلط بين اليات ومتطلبات بناء مقدمات الانتقال الى اقتصاد السوق وفق مااشارت اليه المادة (25) من الدستور العراقي وبين التشريعات والضوابط والتعليمات ومحددات الادارة المركزية للاقتصاد يضاف الى ذلك عدم الاستقرار الامني والاقتصادي وسوء الادارة المالية والفساد الاداري والمالي للمؤسسات ذات العلاقة بالاقتصاد، مما ادى الى خلق عقبات حقيقية امام محاولات الاصلاح المصرفي.
التحديات والمعوقات
يواجه البنك المركزي بشكل خاص وباقي المصارف بشكل عام، جملة من المعوقات والتحديات العامة والخاصة او الخارجية بسبب التطورات الحاصة في القطاع المصرفي على مستوى العالم، واخرى محلية على مستوى البلد وتتعلق بالتشريعات والقوانين التي تحكم الجهاز المصرفي العراقي ، والتي تحد من قدرة الجهاز المصرفي في أخذ دوره بالشكل الذي يجعله قاعدة تنطلق منها التنمية من خلال تمويل التنمية والقطاع الخاص في البلد، ومن هذه التحديات والمعوقات هو الأتي:
- التطورات التكنولوجية المتلاحقة التي الغت البعد المكاني وساعدت في زيادة الاتصال والترابط بين الاسواق العالمية في مختلف أنحاء العالم.
- اعتماد الاقتصاد العالمي الجديد على المعلومات وسرعة في الاتصال والترابط، فيما اعتمد الاقتصاد التقليدي على الانتاج، وهذا يعني أنه لرفع القدرة التنافسية فأن على الاقتصاد الجديد معالجة المعلومات بسرعة واستغلال أفضل الفرص.
- دخول مؤسسات وشركات مالية غير مصرفية في مجال الخدمات المصرفية بحيث أصبحت تنافس المصارف التقليدية في تقديم الخدمات.
- توافر الادوات المالية والمصرفية المبتكرة التي تؤدي الى انواع جديدة من الخدمات المصرفية من خلال مصارف ومؤسسات مالية تعمل على نطاق السوق العالمية، ومن خلال استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة.
- الحاجة الملحة الى رفع قدرات وكفاءة الموارد البشرية في المصارف العراقية بالشكل الذي يمكنها من الاستغلال الامثل لنظم المعلومات الحديثة في القطاع المصرفي.
- الاتجاه نحو توحيد مختلف الاعمال المصرفية والخدمات المالية وحتى خدمات التأمين من خلال وضع ستراتيجية شاملة لعمل المصارف.
الاصلاحات المطلوبة
يمكن وضع جملة من النقاط التي تشكل مسار أولي لتحقيق الاصلاح في القطاع المصرفي العراقي، وكالأتي :
- تحرير أسعار الفائدة وعدم التدخل في عملية تخصيص التسهيلات الائتمانية وترك الأمر برمته الى المصارف وفق المعايير المصرفية المعمول بعا والتخلي عن سياسات الكبح المالي.
- منح مزيد من الاستقلالية أكبر من خلال ابعاد ادارة البنك المركزي عن المحاصصة السياسية ومنع التدخل الحكومي في آليات عمله، فضلاً عن تنشيط وتحفيز اداء السوق المالية العراقي.
- زيادة التنافس بين المصارف وذلك عن طريق فتح المجال لبنوك جديدة سواء كانت محلية أو اجنبية، وسن القوانين والتشريعات التي تحد من الاحتكار.
- اعادة هيكلة القطاع المصرفي عن طريق تشجيع الاندماج بين المصارف وخاصة المصارف الصغيرة، لتكون وحدات مصرفية كبيرة يمكنها تقديم خدمات مصرفية متنوعة ومتكاملة بتكلفة تنافسية.
- توسيع قاعدة ملكية المصارف لجعل ادارتها مسؤولة أمام شرائح أوسع من المساهمين ولتقليل نفوذ القطاع العام فيها، وتشجيع الاستثمار في التقانات المصرفية الحديثة ونظم المعلومات وزيادة الانفاق على التدريب وتطوير المهارات المصرفية للموارد البشرية المحلية لتوسعة الخدمات المصرفية.
- اعتماد منهج الرقابة الوقائية من خلال استخدام افضل الطرق اللازمة لتحقيق السلامة والأمن للأصول المصرفية وزيادة المقدرة على التنبؤ بالأزمات المصرفية قبل حدوثها، مثل الالتزام بمعيار كفاية رأس المال ونسبة السيولة والاحتياط مقابل القروض الرديئة او عالية المخاطر وسياسة توزيع الارباح وزيادة الشفافية ومنع ظاهرة التركيز الائتماني، كما بالامكان انشاء مركز لادارة المخاطر واستحداث نظام تأمين الودائع كما هو الحال في الولايات المتحدة وبريطانيا.
اجراءات البنك المركزي العراقي لإصلاح القطاع المصرفي
إتخذ البنك المركزي العراقي العديد من السياسات والتدابير الرامية الى رفع مستوى أداء مؤسسات الجهاز المصرفي ودرجة المنافسة بين وحداته وتعزيز قدرتها على إدارة المخاطر وذلك بإصدار تعليمات تحدد إطار العمل التنظيمي الذي تخضع له انظمة المدفوعات التي تديرها جهات غير البنك المركزي، وإصدار قانون الدفع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية، والطلب من المصارف التجارية زيادة رؤوس أموالها .
كما إعتمد البنك المركزي العراقي مؤخراً عدداً من الإجراءات الرامية إلى إصلاح القطاع المصرفي ومنها إعادة النظر بالقوانين والتشريعات المصرفية، حيث عقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ورشة عمل لتعديل قانون البنك المركزي رقم 56 وقانون المصارف رقم 94 وقانون مكافحة غسيل الأموال رقم 93. كذلك أعد مشروعي قانون لضمان الودائع وللصيرفة الإسلامية سيتم رفعهما إلى مجلس الوزراء العراقي. هذا بالاضافة إلى تعزيز الإحتياطي النقدي الأجنبي واحتياطه من الذهب بغية المحافظة على ثبات سعر صرف الدينار العراقي وتعزيز الثقة فيه لجذب الإستثمارات الأجنبية إلى العراق.
وبهدف تطوير القطاع المصرفي العراقي وتحسين الرقابة المصرفية، قام البنك المركزي العراقي بتفعيل مركز الدراسات المصرفية وتدريب موظفي الجهاز المصرفي من خلال تزويدهم بالعلوم المصرفية والمالية الحديثة وإطلاعهم على القواعد والمعايير المصرفية الدولية. بالإضافة إلى ذلك، طلب البنك المركزي العراقي من المصارف تطبيق مقررات لجنة (بازل 2 و3)، وقامت المصارف بإستحداث وحدات لإدارة المخاطر وتطبيق ما يمكن تطبيقه من الحد الأدنى من متطلبات رأس المال. كما أصدر تعليمات للمصارف برفع الحد الأدنى لرؤوس الأموال إلى 250 مليار دينار. ويعمل البنك المركزي العراقي على تأسيس مكتب للإستعلام الإئتماني وتنفيذ نظام تبادل المعلومات الإئتمانية.
الا أنه ليس هناك ما يشير إلى مساهمة حقيقية من جانب المصارف الخاصة في النشاط الاقتصادي المنتج، على رغم مرور نحو 13 سنة على السماح لها بالعمل في العراق. فهي اعتمدت أساساً في السنوات الماضية على شراء الدولار من مزاد العملة اليومي للبنك المركزي وتمويل عمليات استيراد، أظهرت الوقائع أن الجزء الأكبر منها كان وهمياً، وأن القطاع المصرفي في العراق لا يزال في حقيقته قطاعاً عاماً. وإذا أخذنا في الاعتبار أن نحو 25 في المئة من الشعب العراقي هو تحت خط الفقر وليس لديه ما يتعامل به مع المصارف، فإن القطاع الخاص العراقي الذي يتعامل مع المصارف يفضل التعامل مع بنوك حكومية لاطمئنانه على وضعها أكثر من المصارف الخاصة. لذلك، فإن أية خطط يتم تبنيها في الوقت الحاضر لتعزيز مساهمة القطاع المصرفي الخاص في النشاط الاقتصادي، قد تبقى في إطار التمنيات التي يستبعد تحقيقها في ظل الظروف الراهنة في العراق.
اضف تعليق