أعلن الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز عن تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد. وقررت اللجنة بعد ساعات من إعلان تشكيلها توقيف 11 أميرا وعشرات الوزراء السابقين وأربعة وزراء حاليين. وجاء في الأمر الملكي أن مهمة اللجنة “حصر المخالفات والجرائم والكيانات المتعلقة بقضايا الفساد، وإصدار أوامر منع السفر والقبض ولها الحق في اتخاذ الإجراءات الاحترازية لحين الإحالة للجهات القضائية، واتخاذ ما يلزم في المتورطين في قضايا الفساد، وأنه لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضرّ بالبلد وتطاول على المال العام.
أسباب إنشاء اللجنة
جاء في مرسوم إنشاء اللجنة أنه نظرا لما لوحظ "من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة، ساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية وحالوا دون قيامها بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء، مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة".
وأضاف البيان أن تشكيل اللجنة جاء "استشعارا منا لخطورة الفساد وآثاره السيئة على الدولة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، واستمرارا على نهجنا في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه من مهام وأعمال، نطبق ذلك على الصغير والكبير لا نخشى في الله لومة لائم، بحزم وعزيمة لا تلين، وبما يبرئ ذمتنا أمام الله سبحانه ثم أمام مواطنينا".
كما استند البيان أيضا ضمن سرده لمبررات ودعائم تشكيل اللجنة على ما "قرره علماء الأمة من أن حرمة المال العام أعظم حرمة من المال الخاص بل وعدوه من كبائر الذنوب"، وخلص إلى أنه "لن تقوم للوطن قائمة ما لم يتم اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة الفاسدين وكل من أضر بالبلد وتطاول على المال العام".
وقد أصدرت اللجنة بعيد الإعلان عن إنشائها قرارات متسارعة باعتقال وتوقيف عدد من الأمراء والمسؤولين الحاليين والسابقين ورجال الأعمال، في إطار تحقيق تجريه في قضايا تتعلق بالفساد، وكان من أبرز الموقوفين رئيس شركة المملكة القابضة الأمير الوليد بن طلال، ووزير الحرس الوطني المقال الأمير متعب بن عبد الله، وأمير منطقة الرياض السابق تركي بن عبد الله، والرئيس السابق للديوان الملكي خالد التويجري، ووزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه، ووزير المالية السابق إبراهيم العساف، وقائد القوات البحرية عبد الله السلطان.
وتباينت ردود الفعل بشأن هذه التطورات، حيث رأى البعض أن إنشاء اللجنة يعد ثورة على الفساد أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، وتداولوا مقطع فيديو له وهو يتعهد بمكافحة الفساد كائنا من كان الفاسد أميرا أو وزيرا.
ولكن آخرين شككوا في الخلفيات الحقيقية التي دفعت الملك وولي عهده لإنشاء اللجنة، وأرجعوا السبب الحقيقي إلى أن محمد بن سلمان يرغب في التخلص من كل المعارضين لتمهيد الطريق أمام تعيينه ملكا للبلاد، وخاصة الأمير متعب بن عبد الله وهو الرجل القوي في الدولة بعد إزاحة الأمير محمد بن نايف، وتساءل آخرون "كيف للملك أن يحارب الفساد، وهو من أنفق عشرات الملايين خلال إجازته في المغرب".
حالة من الترقب والاضطراب الاقتصادي
ويعتبر فوزي عبد الله أن حملة مكافحة الفساد التي دشنت بالسعودية تؤشر إلى إمكانية حدوث حركة تصحيحية في أسعار الأسهم والأصول في السوق السعودية في المستقبل بشكل يقلل الضغوط التضخمية ويحفظ مصالح المستثمرين والمستهلكين في آن واحد، ويلفت إلى أن السوق تعيش حالة ترقب لما قد تؤول إليه نتائج حملة الاعتقالات، خاصة أن أسبابها الحقيقية لا تزال غير معروفة.
من جهته، يرى حسنين مالك الرئيس العالمي لبحوث الأسهم في الأسواق الناشئة لدى بنك الاستثمار إكسوتكس "إن هذا آخر تحرك لمركزية السلطة في السعودية"، ويضيف "ربما تكون هذه المركزية أيضا شرطا ضروريا للمضي قدما في خطة التقشف وأجندة التحول، وهي مزايا يأخذها قليل جدا من المستثمرين في الاعتبار"، ويذكر أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون برنارد هيكل "سيرعب احتجاز رجال أعمال بارزين في البلاد القطاع الخاص، وربما يكون هناك نزوح للأموال أكثر من ذي قبل، ومعظم البيروقراطيين مذعورون الآن، وهو أمر له ما يبرره"، أما رضا آغا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "في تي بي كابيتال" فيبين أنه "ربما يخلق استبعاد أكثر الأجنحة قوة في العائلة المالكة السعودية ومواطنين أقوياء، لهم جميعا أنشطة أعمال كبيرة، ومزيدا من العقبات أمام النمو من خلال الاقتصاد غير النفطي".
وأعلنت السلطات السعودية أنها ستقوم بتجميد الحسابات المصرفية للشخصيات التي أوقفت في المملكة على خلفية قضايا فساد، مؤكدة رفضها أي معاملة تفضيلية، وذكر مركز التواصل الدولي التابع لوزارة الإعلام في بيان أمس إن المبالغ التي يتضح أنها مرتبطة بقضايا فساد ستتم إعادتها إلى الخزينة العامة للدولة السعودية.
من جهة أخرى شدد وزير المالية السعودي محمد الجدعان على أن القرارات المتعلقة بمكافحة الفساد التي اتخذتها السعودية أمس ستحافظ على البيئة الاستثمارية وتعزز مستوى الثقة في تطبيق النظام على الجميع، وتحولت الأسهم السعودية إلى الارتفاع في نهاية التعاملات بعد انخفاض حاد في المعاملات المبكرة إثر تحقيقات فساد أفضت إلى توقيف عدد من الأمراء والوزراء الحاليين والسابقين.
وأفاد محللون إن ردة الفعل المبكرة كانت طبيعية في ظل حجم المفاجأة، لكن المتعاملين عادوا وأطفأوا الخسائر ودفعوا المؤشر للارتفاع بعد أن استوعبوا الأخبار، وهو ما يحدث عادة في أسواق المال، ويخشى بعض المستثمرين من أن التحقيقات قد تجبر البعض على بيع حيازاتهم من الأسهم. لكن كثيرا يعتقدون أن الخطوة ستعزز مكانة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتساعده في تسريع إصلاحات اقتصادية مثل الخصخصة ومشاريع التنمية الضخمة.
اضف تعليق