شكل الاستفتاء الذي أجري في إقليم كردستان في الخامس والعشرين من شهر أيلول، صدمة قوية للاوساط المحلية والعالمية على حد سواء، اذ وعلى الرغم من الاعتراضات من الحكومة المركزية ومن دول اقليمية وعالمية، اجرت السلطات الكردية الاستفتاء في المحافظات الثلاث التي تشكل الإقليم، فضلا عن المناطق المتنازع عليها التي تسميها "المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم" وبالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تواجه الإقليم، اذ تصل الديون المترتبة على حكومته المحلية إلى 30 مليار دولار بسبب سياسة الحكومة النفطية الخاطئة وغير الشفافة، أصرت القيادة في الاقليم على اجراء الاستفتاء مستغلةً توقيات غير مناسبة تمر بها الحكومة المركزية، سيما مع نهاية حربها ضد تنظيم داعش الارهابي في ما تبقى من اراضي العراق، فضلاً عن محاولتها ضم المناطق المتنازع عليها في كركوك وسهل نينوى.
ووفقا لأحدى الدراسات فإن الطريق الذى يقوده برزانى إقليم كردستان نحوه والمفعم بالديون والأزمات الاقتصادية المستفحلة والصراعات السياسية الداخلية، لن يختلف عن مصير دولة جنوب سودان إذ تعصف بها المجاعة والحرب الأهلية، اذ مرت العلاقة بين أربيل والحكومة المركزية العراقية مؤخراً بفترات حرجة سياسياً واقتصادياً، لا سيما بعد أن امتنعت بغداد عن دفع رواتب موظفي الإقليم، ورفضها أيضاً دفع نسبة الـ 17% من عائدات النفط المخصصة بموجب الدستور لإقليم كردستان، وكذلك تقليص حصتها من الميزانية العامة للدولة؛ بسبب تشييد كردستان خط أنابيب يصل إلى تركيا، سعياً لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
الا أن الجوانب السلبية لانفصال إقليم كردستان عن العراق لن تكون واضحة لعدة اعتبارات؛ أهمها أن حكومة الإقليم لم تقدم منذ العام 2003 وإلى اليوم أي كشف بحساباتها لبغداد، وخاصة تلك التي تشمل الإيرادات والتحصيل الكمركي من المنافذ الحدودية، كما أن حكومة الإقليم دائماً ما كانت تخل بالاتفاقيات التي تُوقع في بداية كل موازنة جديدة تقرها الحكومة المركزية بشأن تصدير النفط، والتي تنص على وجوب قيام حكومة إقليم كردستان بتصدير 550 ألف برميل نفط يومياً، منها 300 ألف برميل من حقول كركوك، و550 ألف برميل يومياً من حقول كردستان"، اذ أن الاقليم كان ما دائماً يُصدر من دون تحويل الإيرادات النفطية إلى خزينة الدولة.
وعلى صعيد الانتاج الصناعي والشركات فقد اشار المجلس الاقتصادي في كردستان، إن مجموع الشركات المسجلة حتى الان 24 ألفاً و 800 شركة، منها 21 ألفاً و 700 شركة محلية و 3100 شركة أجنبية، ومثلت المعامل الحكومية في الأقليم البالغ عددها 22 معملا في جميع مناطق الاقليم، وأن اغلب هذه المعامل هي خارجة عن الخدمة. اي بعبارة أخرى فالاقليم لم يستطع خلال المدة ما بعد 2003، أن يطور قاعدته الصناعية وبالتالي هذا سوف يساهم في زعزعة الثقة في اقتصاد الاقليم محلياً وعالمياً، سيما بعد اعلان كل من ايران وتركيا قطع علاقتها مع كردستان في حال الاصرار على نتائج الاستفتاء. اذ يوجد في أربيل 775 مصنع مختلف، وفي دهوك 94 مصنع، وفي السليمانية 404، ويبلغ مجموع معدل البطالة في المحافظات الثلاث بحسب بيانات وزارة الصناعة والمعادن حوالي 23.2%، اي بمعنى ان الاقليم بحاجة الى تفعيل الاستثمارات من اجل تقليل معدلات البطالة هذه، هذا اذا ماعلمنا ان نية الاقليم بضم المناطق المتنازع عليها والتي اغلبها قد تعرض للتخريب بسبب الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.
أما بخصوص قطاع الزراعة، فأن نسبة الاكتفاء من الإنتاج المحلي لإقليم كردستان بلغت 66% للخضراوات و27% للفواكه، و54% للحوم الدجاج، و71% للبيض، و100% للقمح، و27% للحوم الحمراء، و32% للحليب، وقد كشف مسؤول في وزارة الزراعة والموارد المائية عن أن وزارته لم تتمكن من تنمية الانتاج الغذائي في مقابل ازدياد التعداد السكاني، بسبب النقص في الموازنة المخصصة لقطاع الزراعة، مشيرا إلى أن 90% من المواد الغذائية في اقليم كوردستان مستوردة، ويبلغ عدد السكان في اقليم كردستان، بحسب الاحصائيات الاخيرة، خمسة ملايين و472 ألفا و436 مواطنا، وتشير التوقعات إلى أن الاجمالي سيبلغ بحلول عام 2020 ستة ملايين و171 ألف شخص، ومع ازدياد النسبة السكانية ترتفع الحاجة إلى المواد الغذائية والزراعية، لكن حتى الآن لم يتم الاعتماد على المنتج المحلي بالمستوى المطلوب سوى في أربعة منتجات غذائية، ومن اجل تنمية وتطوير المنتج المحلي، تقوم غالبية الدول بتخصيص 10 % من موازناتها لقطاع الزراعة، لكن في كرددستان لا توجد استراتيجية واضحة لدى الحكومة لتطويره، وحتى الأن لم يتم سوى تخصيص 1.8% من الموازنة السنوية للقطاع الزراعي.
وبالتالي نفهم أن الاقليم وخلال هذه الفترة لم يكن بمقدوره تطوير اقتصاد محافظاته، فالسليمانية ودهوك بقت بعيدة ومعزولة عما يدور من تطوير واهتمام في اربيل بسبب طبيعة المعارضة لقيادة الاقليم في أربيل، ومن ناحية أخرى أن محاولة الاقايم بضم المناطق المتنازع عليها مؤكد ستبوء بالفشل، وبالتالي سوف تحدد منطقته بما يعرف بالخط الازرق وهذا يعني خسارته لكركوك التي يعول عليها كثيراً في كونها منتجة للنفط وللمحاصيل الزراعية الاخرى، فضلاً عن سهل نينوى، بالاضافة لذلك قد تشمل الخسائر تلك قطاع السياحة الذي يعد المرتكز للاقليم، كون أن اغلب السياح هم سياح الداخل، وبعد الانفصال فأن هذا القطاع سيعاني كثيراً بسبب الانفصال.
اضف تعليق