ينقسم ميزان المدفوعات إلى أربع موازين رئيسية هي ميزان الحساب الجاري وميزان حساب رأس المال وميزان حساب فقرة السهو أو الخطأ وميزان حساب الذهب والنقد الاجنبي، وينقسم ميزان الحساب الجاري Current account الى :
1- صادرات الدولة من السلع الملموسة ناقصاً واردات الدولة من السلع الملموسة.
2- صادرات الدولة من الخدمات ناقصاً واردات الدولة من الخدمات.
3- الحوالات النقدية الداخلة للدولة ناقصاً الحوالات النقدية الخارجة من الدولة ، مع ملاحظة بان المقصود بالحولات هي الحولات غير الناتجه عن مقابل خدمي أو سلعي أي مثل تحويلات المغتربين الذين يعملون خارج الدولة .
وبذلك يكون صافي الحساب الجاري هو : صافي صادرات الدولة من السلع والخدمات + صافي التحويلات بدون مقابل، وتمثل العلاقة بين رصيد الحساب الجاري والاستثمار والادخار الكلي متطابقة ولذلك فهي لا تبين لنا لماذا يعاني اقتصاد ما من عجز أو فائض في حسابه الجاري، لذا لا يمكننا القول بأن الحساب الجاري في حالة عجز لأن الادخار منخفض جداً وليس بسبب كون الاستثمار مرتفع جداً.
يوجد توجه عام في وسائل الاعلام وعند الجمهور لتفسير عجز الحساب الجاري بأنه إشارة ضعف وأن له أثراً ضاراً على رفاهية الدولة، كذلك يوجد تفسير أخر بأن العجز يُمكن من تحقيق استثمارات أكبر مما هو ممكن في الحالات الأخرى، وبما أن مستوى أعلى من الاستثمار مرتبط بمستويات أعلى للمعيشة، يمكن تفسير عجز الحساب الجاري كحالة مفيدة، يضاف لما تقدم أن التدفقات الداخلة لرأس المال المترافقة مع عجز الحساب الجاري تُعد دليلاً خفي على الثقة من قبل الاجانب، فمثلاً استثمرت اليابان بين عامي 1980و1991، أكثر من 25 مليار دولار من فائضها التجاري في قطاع الصناعة التحويلية الامريكي، اذ كان اليابانيون مع مطلع التسعينيات يمتلكون 66 مشغل حديد، 20 معمل مطاط واطارات، 8 مصانع تجميع سيارات رئيسة و270 معرضاً لقطع سيارات، وكانوا يشغلون أكثر من 100 ألف عامل.
أكثر من ذلك، جاءت هذه الاستثمارات في الوقت الذي كانت فيه الشركات الثلاث الأكثر أهمية لصناعة السيارات في الولايات المتحدة (كرايزلر، فورد وجنرال موتورز إم جي)، تقوم بتسريح بعض عمالها ونقل أو اعادة وضع انتاجها خارج الولايات المتحدة الاميركية، وكانت بعض الشركات اليابانية مستحوذاً عليها وبالتالي كان من الممكن أن تغلق فيما لو لم يتم شراؤها)، والكثير منها كان عبارة عن معامل جديدة بنيت باستخدام الادخارات اليابانية، حيث تابع المستثمرون الاجانب خلال فترة العجوزات التسعينيات استثمارهم وزيادة رأس المال مما مكن الولايات المتحدة الاميركية من رفع مستوى الاستثمار وزيادة الانتاجية بالرغم من تراجع معدل الادخار فيها.
في هذه الحالة بالذات كان عجز الحساب الجاري مفيداً لأنه مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة، قد مكن من تحقيق استثمارات أكبر مما كان ممكناً في غير هذه الحالة وعند معل الادخار نفسه، لكن تجب الاشارة الى إمكانية ان يتسبب عجز الحساب الجاري ببعض المشاكل، اذ تؤدي التدفقات لرأس المال التي تحدث عند وجود عجز في الحساب الجاري الى زيادة مجموع الأصول في الدولة المملوكة من قبل الاجانب في الاقتصاد الوطني وينجم عن ذلك زيادة احتمال أن يؤدي تغير توقعات المستثمرين حول مستقبل الاقتصاد الوطني الى زيادة مفاجئة في تدفقات رأس المال الى الخارج.
ويحدث في الحالة الأسوأ أن يُتبع ذلك بتراجع الاحتياطيات من العملات الدولية وأزمة مالية، وقد حدثت هذه الحالة في العديد من الدول النامية من القرن السابق، وهذا لا يجب ان يدفعنا الى الاعتقاد بان السياسة الأمثل لبلد ما هي في تجنب عجز الحساب الجاري، فقد يسمح العجز للدول باستثمارات أكبر مما هو ممكن في حالات عدم وجود العجز، وهذا مهم بشكل خاص للدول النامية حيث يكون رأس المال القابل للاستثمار نادر جداً. فضلاً عن ذلك فأن وجود فائض في الحساب الجاري لا يضمن تجنب الدول لأزمة في حال حدثت هذه الأزمة لدى أحد شركائها التجاريين، اذ تميل بعض الازمات المالية العالمية الى أن تنتقل من بلد لأخر بشكل يشبه بعض الأمراض البايولوجية المُعدية.
فعلى سبيل المثال، عندما وقعت المكسيك في أزمة البيزو في نهاية 1994 وبداية 1995، بدأ الاقتصاديون بالكتابة حول أثر (تكويلا)، على بلدان أمريكا اللاتينية، وهو الأثر الذي أصاب امريكا الجنوبية بسبب الازمة الاقتصادية التي أصابت المكسيك في 1994، اذ نجم عن التخفيض في قيمة العملة المكسيكية (البيزو) تراجع مماثل في قيم عملات الدول الباقية في امريكا الجنوبية، بشكل مماثل عندما فقدت العملة التايلاندية جزءاً كبيراً من قيمتها في 1997، نقلت وسائل الاعلام قصصاً عن انتشار الأزمة عبر دول آسيا الشرقية وباقي الدول النامية. وفي كلتا الحالتين السابقتين لم يكن حجم أرصدة الحساب الجاري للدولة مؤشراً جيداً ينبأ بإحتمال وقوعها في الأزمة. وبالتالي فأن الازمات تتحدد بعوامل متعددة أخرى أكثر من حجم العجز في الحساب الجاري، وأنه لا يوجد حد فاصل بين الحدود الامنة والخطرة لهذا العجز.
اضف تعليق