يرى البنك الدولي في تقريره عن الآفاق الاقتصادية للعراق في 2017، أنه من المتوقع أن تتحسَّن الآفاق الاقتصادية للعراق إذا توفَّرت بيئة أمنية مؤاتية، واستمرت جهود ضبط أوضاع المالية العامة، ومن المنتظر أن يتعافى الاقتصاد غير النفطي في 2017 بعد ثلاثة أعوام من الانكماش، وذلك بفضل تحسُّن الأوضاع الأمنية وزيادة الإنفاق الاستثماري غير النفطي. بيد أن التوقعات تشير إلى إن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي سينكمش بنسبة 3% في 2017 بسبب انخفاض متوقع نسبته 6% في إنتاج النفط، نتيجةً لاتفاق أعضاء منظمة أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 على خفض إنتاج النفط بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً. وقد يؤدي انخفاض إنتاج النفط إلى تراجع حجم صادراته بنسبة 5% في 2017. ومن المتوقع أن يعود إنتاج النفط وصادراته إلى مستوياتها في 2016 خلال عامي 2018 و2019. ومن المرتقب أن تبلغ أسعار صادرات النفط العراقي في المتوسط 47.4 دولار للبرميل في 2017 بالمقارنة مع المتوسط البالغ 35.6 دولار خلال 2016. في حال ارتفاع أسعار النفط فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض عجز كل من الموازنة العامة والحساب الجاري إلى 4.4% و4.5% على التوالي من إجمالي الناتج المحلي في 2017.
في حين يقر صندوق النقد الدولي في بيانه حول واقع الاقتصاد العراقي في 2017 ، وامكانية التزام بغداد باتفاق “أوبك” لخفض إنتاج الأعضاء في المنظمة من النفط الخام، وأن العراق تضرّر بسبب الصراع مع تنظيم داعش، والانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية، وقد استجابت الحكومة للأزمة المالية العامة، وأزمة ميزان المدفوعات، بتصحيح مالي كبير، ولكنّه ضروري، مدعوماً بمساعدة مالية من المجتمع الدولي.
وذكر كرستيان جوز رئيس بعثة الصندوق للعراق، إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط تسبب بانخفاض إجمالي الاحتياطيات الدولية للعراق من 53.7 مليار دولار أمريكي في نهاية 2015 إلى مستوى ما يزال مُريحاً، مقداره 46.5 مليار دولار أمريكي، في نهاية ديسمبر/كانون أول 2016، وأضاف أن مجموع الدين العام أرتفع من 32% إلى 64% من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2014-2016، “وتباطأ نمو الائتمان وارتفعت القروض المتعثرة لدى المصارف المملوكة للدولة والمصارف الخاصة بشكل كبير في عام 2016”، ولفت البيان إلى وجود حاجة لمزيد من الإصلاحات لخلق حيّز مالي للنموّ الشامل، وتعزيز بيئة الأعمال، والحدّ من الفساد، وإصلاح القطاع المصرفي لدعم النموّ الذي يقوده القطاع الخاص، والتنويع في الاقتصاد.
وبصراحة إن الارقام المذكوره أعلاه، لم تعد تهم المواطن بشيء كما هو الحال في السابق، وربما أن حالة اليأس والملل وتراكم الوضع سوءاً هي السبب في ذلك، فالفرد العراقي لا يرى بعينه ما يمكن أن يراه ايجاباً، فلا مشاريع ولابنى تحتيه ولا مصانع ولا وظائف تجعله يعتقد أن مسار البلد الاقتصادي قد تحسن. ففي ظل توقعات كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، فأن المشهد الاقتصادي يزداد سوءاً، وحتى في ظل التفاؤل القائم على اساس الانتصارات المتحققة في الموصل وغيرها، هو في الأساس تفاؤل قلق وحذر، بسبب علم وفهم الكثيرين من صعوبة الوضع الاقتصادي في العراق وتعقيده، لا سيما وأنه حتى في الانتصارات الأمنية والعسكرية على تنظيم داعش الارهابي، يبقى التناحر والتنازع السياسي على حاله وربما في ازدياد واشتعال مستمر.
وعلى الرغم من العديد من خطوات الاصلاح التي برزت على السطح في الآونة الأخيرة من أجل الحيلولة دون تفاقم الوضع الاقتصادي، الا انها لم تساهم في تحقيق ما كان مقدر له او مخطط له من تحسين الوضع في اظهر القطاع الخاص بمستوى المنافسة الحقيقي في الداخل أو الخارج، كما لم تساعد مسألة الدمج الوزاري والتعديل الوزاري على حل المشاكل المتعلقة بإداء الوزارات التي تم دمجها او تغيير الوزارء أنفسهم، والذي هم من الأساس شكلاً من التكنوقراط كونهم وجوه جديدة للاحزاب التي كانت من حصتها تلك الوزارات وما زالوا يأتمرون ويتبعون سياسات رؤساء الكتل الخاصة بهم، وفي ظل مجموع الديون الخارجية حتى نهاية 2016، والتي وصلت إلى 111.725 مليار دولار، فأن الصورة تبدو مأساوية للغاية.
وهنا يطرح تساؤل مهم هنا: ما لذي يحدث ؟ ولماذا لا توجد قدرة على تحسين الوضع او جعله يسير على الأقل ضمن المسار الصحيح؟ لماذا لا توجد خطوة حقيقية صحيحة في هذا البلد؟ وأين ذهبت وعود الاصلاح والخطط وبحوث المختصين وأفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم، وأين الندوات والملتقيات وكافة الجهود التي أنصبت في ذلك؟.
أن الجواب على ذلك يقبع وراء كيفية الجواب لا السؤال؟ بمعنى أن كل التفاصيل والخطط والمقترحات التي وضعت نقاط مطولة وعريضة من الاسهاب في أن على الحكومة أن تفعل هذا وتترك هذا وتجلب هذا وتغير هذا هي لن تتحقق ولن ترى النور أبداً؟!. والسبب في ذلك وهو ما نعلمه أن الاقتصاد منذ يوم وجد هو تابع للسياسة، فكيف نغير واقعه والمشكلة في السياسة اصلاً. بعبارة أخرى أنه لن تقوم قائمة للاقتصاد العراقي في ظل هذه الحكومة ولا حتى الحكومات القادمة، ما لم يتم احداث تغيير جذري في بنية النظام السياسي، والا في كل الجهود التي ستكتب وتنشر مهما بلغ أصحابها من مرامي العلم لن تكون الا مجرد أوراق على الرفوف لا أكثر.
وعليه فأن الحل يكون في الأتي:
1- اعادة كتابة الدستور من جديد وعلى أساس وطني، وليس التعديل عليه وحسب، وأن تتم كتابته من قبل أشخاص ذوي اختصاص وكفاءة ومهنية يختارهم الشارع العراقي ممثلاً بشخصياته الوطنية غير المنتمية الى أي حزب أو عقيدة ترى في نفسها الصواب على الاخرين وعبر تأسيس لجنة مؤقتة تشرف على اختيار أعضاء كتابة الدستور وأن تراعي فيهم المهنية والاختصاص والخبرة والوطنية بعيداً عن أي اتنماءات او توجهات حزبية وسياسية ودينية. وبأشراف المجتمع الدولي كالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني المستقلة، وعلى أن يكون واضحاً وبسيطاً كحال الدساتير الموجودة في الدول المتقدمة، لا أن يكون مفصلاً غامضاً بما هو عليه في الوقت الحالي.
2- تشكيل مجلس تشريعي مؤقت كبديل عن البرلمان الحالي، يضم لجنة كتابة الدستور مع امكانية زيادة العدد بما تقتضية الحاجة، وأن يقوم المجلس بتشريع القوانين الرئيسية للبلد كمرحلة أولى، ابتداءاً بتحديد شكل الحكم السياسي والذي يجب اعتماده هو أن يكون شكل الدولة هو الدولة المدنية القائمة على أساس المواطنه والعمل بموجب الحقوق والواجبات ووفقاً للقانون حصراً بغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي والمذهبي والعشائري وما شابه. وكذلك طبيعة والانتخابات والاحزاب وأن تاخذ في الاعتبار أن يكون عدد الاحزاب لايزيد عن 3 او 4 احزاب كمحصلة نهائية، وانه لايجوز لأي شخص الترشيح من اي حزب الا بعد ضمان خدمته او تواجده داخل الحزب لمدة لاتقل عن 5 سنوات كشرط للترشح، وان لا يجوز الترشيح بصفة مستقل من داخل الحزب او اي قائمة حزبية لم يمر على عملها وتأسيسها السياسي أقل من 5 سنوات على سبيل المثال، فضلاً عن ما يتعلق بموارد الحزب المالية وعدد اعضاءه وانتمائته الوطنية وحجمه وغيرها بما يضمن وجود احزاب وطنية وضمان حصول عملية من التنافس العادل وتساوي الفرص من خلال اعتماد نموذج او قانون انتخابي يتناسب والتجربة الحديثة للعراق في الديمقراطية. وأن يتم صياغة طبيعة النظام الاقتصادي للبلد وهنا لابد من التركيز ان الدستور العراقي بين ان الاقتصاد العراقي المفروض ان يكون اقتصاد السوق الحر، وهذا لايتناسب وطبيعة الاقتصاد العراقي الحالي اذ لابد من اختيار نمط ونموذج اقتصادي يتناسب مع الظروف الاقتصادية والهيكلية للاقتصاد العراقي، لتنصرف بعد ذلك الى تشريع واقرار القوانين الاخرى في المرحلة اللاحقة للقوانين الاخرى كقوانين حرية التكفير والتعبير عن الرأي وغيرها.
3- تغيير طبيعة ونظام الحكم في البلد من برلماني الى رئاسي وفق متبنيات وأصول جديدة، بداية من حل المفوضية المستقلة للانتخابات، وتأسيس مجلس الانتخابات المستقل والتابع للقضاء العراقي وبأشراف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني، فعلى سبيل المثال لن يكون هناك انتخابات لمجالس المحافظات، فهي حجر عثرة وسلبياتها أكثر من ايجابياتها، وأن تكون الانتخابات لأختيار المحافظ، على أن يقوم المحافظ خلال مدة زمنية تقدر لاحقاً في تقديم أشخاص يقومون بمهام الاشراف والرقابة على اللجان الخاصة بالمحافظة وكالأتي
- مسؤول لجنة الطاقة والتي تشمل (الكهرباء والنفط وكافة مصادر الطاقة والتكنولوجيا).
- مسؤول لجنة الخدمات والتي تشمل (الاسكان والبلديات والماء والمجاري والطرق والمواصلات وباقي الخدمات الاساسية).
- مسؤول اللجنة الاقتصادية والمالية والتي تشمل (الاعداد للخطط الاقتصادية والاشراف على الميزانيات الخاصة بالمحافظة والاداء المصرفي داخل المحافظة واقامة المشاريع).
- مسؤول لجنة الأمن والدفاع والتي تشمل (الشرطة والأمن الوطني وباقي التشكيلات الاخرى).
- مسؤول لجنة القانون حقوق الانسان والتي تشمل (الاعداد والاشراف والمتابعة للقوانين ولاداء الاجهزة الحكومية والمحاكم داخل المحافظة وبيان أوجه الخروقات وما شابه).
- مسؤول لجنة التربية والتعليم والتي تشمل (رياض الاطفال والمدارس والمعاهد والجامعات).
- ممكن تشكيل لجنة للصحة والبيئة او امكانية دمجها مع لجنة الخدمات، الا أنه من الافضل ان تكون منفصلة كلجنة مستقلة، وهذه تمثل أهم اللجان مع امكانية اضافة لجان أخرى حسب الحاجة، مع ضرورة أن يكون عدد اللجان مناسب مع حاجة سكان المحافظة لها، شرط أن يكون اختيار المسؤولين على اللجان مستقلاً. ولا ضير أن يكون في كل لجنة مجموعة مختصين تعمل كمنظومة ولها رئيس الذي هو مسؤولها المباشر مع المحافظة.
اما فيما يخص الانتخابات الخاصة بالرئاسة، فأن الانتخاب سيكون مباشر لرئيس الجمهورية الذي هو ذاته سيكون رئيس مجلس الوزراء. وبدوره يختار التشكلية الوزارية خلال مدة لاتتجاوز الـ 30 يوم كحد أقصى. وأن يلزم الرئيس في أي يكون إختياره للوزراء على أساس مبدأ التكنوقراط حصراً. اما مجلس النواب فيتم تحويله الى ما يعرف بالمجلس التشريعي والذي يكون فيه الانتخاب مناطقياً او مقاطعياً بعد تقسيم كل محافظة الى عدة مناطق او مقاطعات بحسب التوزيع الجغرافي والسكاني للمحافظة، وبالتالي تقليل عدد الممثلين لكل محافظة مع امكانية مراقبة ومتابعة ادائهم ومحاسبتهم لأن كل عضو مجلس تشريعي سيمثل منطقة بحد ذاتها في داخل كل محافظة.
4- أما فيما يخص الشأن الاقتصادي فأنه من الضروري إعادة هيكلة وزارة التجارة وعلى أن تكون تسميتها ونشاطها يتعلق برسم السياسات الاقتصادية لا التجارية وحسب وتحت مسمى وزارة الاقتصاد والتجارة، مع ضرورة التأكيد على إنشاء مجلس استشاري اقتصادي مستقل على مستوى البلد يكون اعضاءه مستقلين بالكامل ومن تشهد لهم الساحة بالكفاءة الاقتصادية والعلمية الرصينة، وأن يكون له برنامج عمل خاص وتنسيق كامل مع البنك المركزي ووزارتي المالية والتخطيط وأن تكون توصياته ملزمة للحكومة.
هذه النقاط هي مقترحات بسيطة يمكن أن تعدل او يضاف لها، بما ينسجم والمصلحة الوطنية للبلد، الا انه من الضروري أن نعلم ونعيّ أن لا يمكن وضع أي حل أو تصور بدون اعادة كتابة وتنظيم الدستور وقوانين الانتخابات الخاصة بالمفوضية المستقلة وقوانين الاحزاب السياسية (إزاحة كل ما هو موجود حالياً)، وبهذا نفهم أن الوضع الحالي لا يمكن اصلاحه الا من خلال تغيير المناخ والبيئة السياسية بالكامل لا ان يقتصر الامر على بحوث وندوات ومناقشات وتغيير وجوه هنا وهناك داخل الهيكل الاداري والسياسي والاقتصادي للدولة.
اضف تعليق