تعد قوانين التعريفة الكمركية احدى ادوات السياسة المالية والتي تندرج ضمن الادوات السعرية للسياسة التجارية، وهي على نوعين: الاول الرسوم النوعية وهي التي تفرض بشكل مبلغ ثابت على كل وحدة من السلعة على اساس الخصائص المادية لتلك السلعة . والثاني الرسوم القيمية وهي التي تفرض بنسبة معينة من قيمة السلعة سواء كانت صادرات ام واردات وهي عادة ما تكون نسبة معينة او استخدام الاسلوبين معا .
وقد بدأت الحكومة العراقية تطبيق قانون التعريفة الكمركية في بداية العام الحالي لسد العجز المالي الذي أصاب الموازنة، منذ عام 2014، بسبب انخفاض أسعار النفط وزيادة الإنفاق على الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي. لكن ما أن بدأت الحكومة بتفعيل هذا القانون، حتى تحول إلى بؤرة للفساد المالي والإداري.
اذ إن من المفترض ان يحصل العراق من الكمارك بما يقارب 8 مليار دولار سنويا، في حين ان المبلغ الإجمالي الذي يحصل عليه العراق الان هو 600 مليون دولار سنويا وخصوصا في السنوات الاخيرة ، كما إن قانون الكمارك تضمن نسبة اعفاءات تبلغ 63%، في حين حدد نسبة 37% مشمولة بالرسوم الكمركية، وهذا يعني أن 99% هي حصيلة الفساد في الكمارك.
وفي الوقت الحالي بدأت إجراءات حثيثة من قبل ادارة الكمارك من أجل رأب الصدع وتحجيم هوة الفساد في المنافذ الحدودية والكمارك، من خلال محاولة البدء بنظام الأتمتة او ما يعرف بالترسيم الالكتروني للبضائع الواردة للعراق، وانشاء منفذ الصفرة الداخلي للرسوم الكمركية من أجل احداث حالة من التوازن مع اقليم كردستان كون الاقليم لايعمل بنظام التعريفة الكمركية، وعلى الرغم من ذلك لايزال الفساد في الكمارك موجود، فعلى سبيل المثال قامت بعض الجهات بنصب سيطرات وساحة تعطل من مرور الشاحنات والبضائع الى هذا المنفذ الداخلي الا بعد دفع مبالغ محددة، مما ساهم في رفع وزيادة التكاليف على أصحاب الشاحنات والتجار أنفسهم، ومن ناحية أخرى يذكر المسؤولون ان هناك تجار يقومون بأستيراد بضائع فاسدة ومحاولة ادخالها للبلد، فضلاً عن حدوث حالات عديدة من عمليات تسريب العملة الاجنبية للخارج بحجة جلب واستيراد بضائع من الخارج.
مواجهة الفساد في الكمارك العراقية
من هنا نفهم أن قضية الفساد في العراق سواء في الكمارك العامة للدولة او في أي مفصل أخر من مفاصلها، باتت ظاهرة اجتماعية تتجه نحو أن تحظى بالقبول العام او على الاقل بأن يرضخ لها الجميع مرغمين ما لم يتم معالجتها بشكل صحيح، ومن هنا نؤكد مرة أخرى ومن جديد، على أن مشكلة الفساد لا تتعلق فقط بأتخاذ مجموعة من الاجراءات او تغيير بعض المسؤولين او محاسبة البعض وترك البعض، انما هي ذات بعد أوسع من ذلك، وبما أنه نتكلم عن الكمارك فعليه نقترح الأتي :
1- ذكرنا في مقال سابق ان الحل الاول هو سياسي بالكامل، ومع فرض أنه في حال تحقيق هذا الشرط، والذي يمكن الرجوع اليه في مقالنا السابق (كيف ننقذ الاقتصاد العراقي).
2- بعد استكمال الشرط السياسي في الحل، فأن مسألة الفساد في المنافذ الحدودية والكمارك، تتطلب وضع سياسة تجارية واضحة للبلد يقومها برسمها الاقتصاديين، مع مراجعة كافة الاتفاقيات التي تم عقدها في السابق وتعديلها والغاءها في حال لم تتناسب مع الوضع الحالي وبالتنسيق مع السياسة المالية والنقدية للدولة، مع ضرورة اعادة النظر في هيكل الضرائب والتعاريف والرسوم الكمركية للبلد بما ينسجم اولاً وحماية الصناعات الوطنية وثانياً في تطلعات البلد المستقبيلة، بعبارة أن تكون هناك ستراتيجية حقيقية في هذا المسار.
3- اعادة هيكلة ادارة الكمارك من جديد وبعيداً عن كل مظاهر المحاصصة السياسية والطائفية، بالشكل الذي يجعل قوانين التعريفة الكمركية والرسوم تنسجم وطبيعة البضائع واهميتها الاقتصادية والاجتماعية وكذلك فيما يتعلق بمنح اجازات الاستيراد والتصدير وجعل اجراءاتها الكترونية بالكامل ومبسطة وبالطريقة التي تسهل مراقبة وتسجيل كافة البضائع واعتماد معايير الشفافية في الفحص والتسجيل والترسيم فضلاً عن اعتماد أحدث الاساليب التي وصلت اليها الدول في هذا المجال.
4- انشاء جهاز مختص في المراقبة وتحقيق في شبهات الفساد او تأخير دخول وخروج البضائع وأن يكون مستقل ومرتبط بشكل برئاسة مجلس الوزراء او وزارة العدل والقضاء، مع ضرورة التأكيد على تفعيل دور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة والنوعية، فضلاً عن الغاء كافة السيطرات او نصبها أو اي اجراء زائد لا حاجة له سوى زيادة الروتين الاداري وبالنهاية زيادة الفساد الاداري والمالي، مع أن تكون هناك قوانين واضحة صارمة للابتزاز والغش التجاري.
5- تطوير بنية المنافذ الحدودية فيما يتعلق بشحن وتفريغ البضائع وطرق التوصيل والتأمين، أي أن يكون هناك برنامج وطني داعم لعمل الكمارك والمنافذ الحدودية ليس وحسب على الحدود وانما داخل البلد ايضاً، بما يشبه المنظومة المتكاملة من البنى التحتية والمعلوماتية التي تربط كافة المنافذ الحدودية بشبكة بيانات ومعلومات واحصاءات موحدة.
اضف تعليق