من الأسباب التي يتمسك بها المدافعون عن الاستثمار الأجنبي في القطاع النفطي العراقي هي ارتفاع تكاليف إعادة إعمار القطاع النفطي وتطويره، فضلاً عن إن ثلثي الحقول النفطية العراقية هي حقول نفطية غير مطورة، وبسبب الحاجة الى مبالغ هائلة لتطويرها، يعجز العراق عن توفيرها بسبب الأوضاع التي يمر بها البلد وعلى كافة الأصعدة، فأن الخيارات التي تبدو متاحة للعراق في مجال تطوير قطاعه النفطي هي كالأتي :
1- التمويل من الميزانية العامة
من أبسط طرق تمويل الاستثمارات النفطية في العراق هو تخصيص مبلغ سنوي من الميزانية العامة للدولة تستخدم لتطوير القطاع النفطي، ذلك لأن مقومات نجاح هذه الاستثمارات تكون مضمونة ولعدة أسباب من أهمها انخفاض درجة المخاطرة التي قد يتعرض لها رأس المال المستثمر، لوجود كميات كبيرة من الاحتياطي النفطي، فضلاً عن إن عمليات البحث والتنقيب تمتاز بانخفاض درجة المخاطرة وانخفاض تكاليف الاستثمار مقارنة بالعوائد المتحققة من النفط، في حين يرى المدافعون عن الاستثمارات الأجنبية إن تخصيص جزء من ميزانية العراق لتمويل الاستثمارات النفطية سيتم خصمه من مخصصات النفقات الاجتماعية (الصحة والتعليم)، بينما العراق بأمس الحاجة لهذه الخدمات.
2- الاقتراض من الداخل والخارج
يمكن لشركة النفط الوطنية أو الحكومة العراقية الاقتراض من أجل تمويل استثماراتها في القطاع النفطي وكالأتي :
- الاقتراض من البنك المركزي واستخدام النفط المستقبلي كضمان.
- الاقتراض من الوكالات والمؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين.
- اصدار سندات حكومية.
وفي الحالات الثلاث تكون كلفة التطوير منخفضة وفترة الاسترداد سريعة وبالتالي تكون فترة التسديد سريعة ايضاً، ويبين المختصين انه اذا اقترضت شركة النفط الوطنية 3 مليارات دولار لتطوير حقل مجنون لينتج بمقدار 600-700 الف برميل يومياً على سبيل المثال على أن يسدد القرض بعشر سنوات وبسعر فائدة مركب مقداره 10% سنوياً فسوف تبلغ خدمة الدين (الأصل+الفائدة) حوالي 352 مليون دولار سنوياً، أي بحدود 1.6 دولار للبرميل ولذلك فأن الريع الذي ستحصل عليه شركة النفط الوطنية هو 67.5 دولار للبرميل عند سعر 80 دولار للبرميل.
ومع هكذا أسعار لن تتردد البنوك من اقراض شركة النفط الوطنية أو الحكومة العراقية وذلك على أساس ما سيتحقق من ريع كضمان، وهنا يرى المدافعون عن الاستثمار الاجنبي إن اقتراض العراق سيؤدي الى تراكم الديون الصافية بوصف العراق من أكبر الدول المدينة في العالم وبالتالي فأن المقرضين سوف يمتنعون عن إقراض العراق ما لم يعقد اتفاقية لتسديد ديونه، هذا اذا مااخذنا التطورات الاخيرة الحاصلة في اسعار النفط عالمياً وتدهورها المفاجىء وهذا مايشكل زعزعة الثقة في اسعار النفط ومدى تحسنها في المدى المتوسط والبعيد مما يعمق عدم الرغبة لهذه المؤسسات في اقراض العراق مستقبلاً.
3- التعاقد من الشركات الاجنبية
في ظل هذا الخيار يمكن للعراق استخدام عقود مع الشركات النفطية الاجنبية على أن تكون هذه العقود أكثر مرونة من عقود المشاركة بالانتاج، كما هو الحال في ايران والسعودية والكويت، كعقود الخدمة التقنية وعقود اعادة الشراء وعقود المجازفة، وهي عقود طورت كنتيجة للحاجة الماسة الى رؤوس الاموال والخبرات والتكنولوجيا الحديثة.
غير أن العراق عرض قطاعه النفطي للاستثمار الاجنبي من خلال جولات التراخيص بعد حوارات ومداولات مع كبار مسؤولي الشركات النفطية، ليستقر الرأي بعدها على استدعاء تلك الشركات للعمل في العراق بموجب عقود الخدمة الفنية، سُميت بالتراخيص النفطية تستمر لمدة 20 سنة مددت بعد ذلك الى 25 سنة وكأنها عقود إمتياز.
ان الهدف الاساس من عقود جولات التراخيص النفطية هو زيادة الطاقة الانتاجية للحقول العراقية ومن ثم زيادة الانتاج والصادرات والحصول على عوائد أكبر، اذ ان الهدف كان يتمثل في أن يصل انتاج العراق من النفط الى 12 مليون برميل في نهاية 2016، الا ان الذي حصل في بداية 2014، هو وصول الانتاج الى معدلات غير مسبوقة ترافق ذلك مع انخفاض الاسعار بشكل دراماتيكي نتيجة افراط العرض النفطي وتزايد انتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز الصخري.
مما جعل الحكومة العراقية في مواجهة واقع جديد غير مخطط له وهو فائض الانتاج وانكماش اسواق الطلب مع عدم وجود طاقة خزنية كافية لاستيعاب الزيادة في انتاج النفط، مما اضطر الحكومة الى طلب اجتماع مع ممثلي الشركات العامة في جولات التراخيص النفطية ومن ثم الايعاز اليها بخفض الانتاج انسجاماً ورغبة أوبك في خفض الانتاج لتعزيز الايرادات ووقف انهيار اسعار النفط.
وفي الختام فأن العراق يأمل بتصدير 5 ملايين برميل يومياً في 2020، وربما أكثر من ذلك اذ هناك تقديرات لـ 2 مليون برميل طاقة احتياطية للتصدير يتم التصرف بها حسب ما تقتضيه الاجواء في أسواق النفط العراقية، كما أن العراق مضطر لزيادة صادراته النفطية نظراً لتراكم مستحقات الشركات وتدهو اسعار النفط، اذ تراكمت خلال 2014 مستحقات بحوالي 9 مليارات دولار، وان المستحقات (الكلف+عامل الربح) لعام 2015 تقدر بحوالي 4.5 مليار دولار، وهذا يعني أن العراق مدين بمبلغ 27 مليار دولار للشركات النفطية، وفي ظل بقاء العراق تحت مظلة أوبك وقرار تمديد تخفيض الانتاج، تبدو الصورة أكثر تشاؤماً*.
اضف تعليق