عندما بدأ الاقتصاديون يفكرون في كيفية أن تؤدي زيادة الانفتاح على الخارج الى التأثير في درجة حساسية الناتج الحقيقي للتغييرات في مستوى الاسعار، فقد ركزوا على الاطار الاساسي للطلب والعرض الكلي، وداخل هذا المنهج يوجد منظوران بديلان يقودان الى خلاصة مفادها، أن الدول الأكثر انفتاحاً تكون استجابة الناتج الحقيقي فيها أقل للتضخم.
أن زيادة الانفتاح تؤدي الى درجة أكبر من الربط بين الاجور والاسعار في الدول التي تتمتع اسواق منتجاتها بدرجة مرتفعة من التنافسية، فضلاً عن الصلة الوثيقة بين التغييرات في تكاليف المدخلات المستوردة وبين التغييرات في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات المنتجة، ويؤدي هذا الأثران الى زيادة الانفتاح والى جعل الناتج الكلي الحقيقي أكثر استجابة للتضخم؟
وفي نفس الوقت، فأن الدول التي تسود أسوق منتجاتها المنافسة غير التامة، يمكن أن يؤدي مزيد من الانفتاح الى تقليل المدى الذي من خلاله تستطيع الشركات رفع الاسعار، يضاف الى ذلك، أن زيادة الانفتاح تؤدي الى تقليل التضخم، لذلك فأن الحافز على تطبيق عقود تحدد الأجر الاسمي سوف يزيد، ويؤدي الأثران المشار اليهما الى جعل الناتج الاجمالي الحقيقي أقل استجابة للتضخم.
ولقياس كيفية تأثير الانفتاح على درجة استجابة الناتج الحقيقي للتغييرات في مستوى الاسعار، يستخدم الاقتصاديون بما يعرف (معدل التضحية)، وهو مفهوم يعبر عن الانخفاض في المدى القصير في الناتج نتيجة الانخفاض في التضخم مقسوماً على الانخفاض المقابل في معدل التضخم. وتشير الشواهد العملية الى امكانية وجود علاقة سالبة بين الانفتاح ومعدل التضحية، وهو مايعني أن زيادة الانفتاح تقلل من حساسية الناتج للتضخم.
إن الأثر الصافي للانفتاح على العلاقة بين الناتج والتضخم، يكون موجباً في بعض الدول وسالباً في دول أخرى، ومن منطور شمولي، تبدو زيادة الانفتاح مصاحبة لتضخم منخفض، وهناك سببان رئيسيان لتفسير السبب في ان الانفتاح الأكبر يؤدي الى تقليل التضخم، وهذا السببان هما:
- في الدول التي يؤدي فيها المزيد من الانفتاح الى جعل الناتج أقل حساسية للتغييرات في مستوى الاسعار، تكون هناك إمكانية محدودة للناتج للاستفادة من زيادة التضخم.
- في الدول التي تسود أسواق منتجاتها تنافسية غير تامة، فأن زيادة الانفتاح تجعل الشركات المحلية أكثر عرضة لمزيد من التنافسية، مما يقلل من قدرتها على فرض أسعار تزيد على تلك السائدة في ظل التنافسية التامة. ولذلك يكون المستوى العام للأسعار أقل استجابة لسياسات المصرف المركزي في الاقتصادات الأكثر انفتاحاً، الأمر الذي يقلل الاغراء أمام المصرف المركزي على انتهاج سياسة توسعية لتشجيع الناتج عن طريق ارتفاع الاسعار.
مدى قوة العلاقة بين الانفتاح والتضخم
من الأمور المضللة في بعض الأحيان، أن نفترض العلاقة المقطعية لمجموعة من الدول تعبر عن العوامل الهيكلية التي تنشأ في كل دولة وداخل كل دولة، ويظهر ذلك ايضاً على العلاقة بين الانفتاح والتضخم والتي تخفي مجموعة من الفروع المهمة عبر الدول.
1- الفروق في العلاقة بين الانفتاح والتضخم في الدول المتقدمة والأقل تقدماً
قام الاقتصادي (ديفيد رومر) الاستاذ في جامعة كاليفورنيا بدراسة العلاقة بين الانفتاح والتضخم، اكتملت في أوائل تسعينيات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين، ضعفت هذه العلاقة الى حد ما، وبوجه خاص في الدول المتقدمة، مع بقائها بنفس القوة تقريباً في الدول الأقل تقدماً، وأحد الاسباب التي يمكن أن تفسر ذلك الأمر هو تمتع البنوك المركزية في الدول المتقدمة بالاستقلالية عن الضغوط السياسية على العكس مما هو موجود في الدول الاقل تقدماً.
2- التعارض في العلاقات بين الانفتاح والتضخم داخل الدول
يتفاوت نمط العلاقة بين الانفتاح والتضخم بين الدول نفسها، سواء المتقدمة منها او الأقل تقدماً، فعلى سبيل المثال، اذا أخذنا دولتين متقدمتين هما الولايات المتحدة واليابان، ودولتين أقل تقدماً او من الدول الآخذة في النمو كالارجنتين وتركيا، فقد تم التوصل الى علاقة سالبة لدى الولايات المتحدة والارجنتين، في حين كانت العلاقة موجبة في كل من اليابان وتركيا.
معنى ذلك هو وجود عوامل أخرى تتفاعل مع الانفتاح للتأثير على متوسط التضخم، ويعود ذلك في الغالب الى الفروق الهيكلية بين الدول ذاتها، وعلى الرغم من أن زيادة العولمة ترجح انخفاض التضخم في كثير من دول العالم، فأنه في بعض الدول يمكن أن يرتفع التضخم.
اضف تعليق