لكي ننجح باستثمار الطاقات الكامنة لدى الكبار في السن يمكن ربط هذه التسمية بالخبرة والكفاءة، اذ يعطي ذلك مجالاً لاستثمار قدرات الإنسان في جميع مراحل عمره، فمن الهدر في الموارد البشرية أن يقتصر دور الإنسان عندما يكبر على ارتياد المجالس والمقاهي، دون الرغبة في العطاء والإنجاز، لاسيما عندما يكون متمتعاً بصحة جيدة، وقادراً على البذل والعطاء...
في بعض البلدان يطلقون على كبار السن بالثروة الوطنية او المواطنين المميزين، اذ تخصص لهم مقاعدهم الخاصة في حافلات النقل العامة، فضلا عن أماكن انتظار خاصة عند مراجعتهم للمؤسسات الحكومية، وغيرها من الامتيازات كمكافئة لما قدموه من عطاء حتى وصلوا لهذه المرحلة العمرية.
في العراق الحال يختلف كثيرا بالنسبة لهذه الشريحة المهمة في المجتمع، يصعد كبير السن في الحافلة العمومية، وربما يضطرون الى الانتظار طويلا لحين الحصول على مقعد شاغرة، وقد يوجد من ينهض منذ رؤيته ليجلسه في مكانه، وتبقى هذه المعاناة في مراجعة الدوائر قائمة.
السؤال هنا، ماذا قدمنا لكبار السن في العراق؟
كبار السن تعرضوا لمظلومية كغيرهم من الشرائح، ولا توجد ابسط الأشياء التي تشعرهم بالاحترام والاهتمام، أولها غياب المقاعد المخصصة لكبار السن في وسائل النقل العام، يتدافعون مع الشباب والشبان للحصول على مقد يريحون فيه انحناءة ظهورهم المثقلة بهموم ومتاعب السنين.
وفي المستشفيات يقفون ضمن الطابور المكون من عشرات الأشخاص وقد يستغرق ساعات طويلة من الانتظار من اجل الوصول للطبيب لشرح حالته الصحية، بينما من الصحيح والواجب ان يتم مراعاة هذه المسألة عبر وضع غرفة مخصصة لمراجعة كبار السن الذين لا يستطيعون الوقوف والانتظار طويلا كما الشباب.
هذا النوع من المعاملة يجب ان يكون ليس لتقدم هذه الشريحة في السن، بل يجب ان يكون هدية مقابل ما قدموه من جهد وخبرة في المؤسسات الحكومية والأهلية، فهم أفنوا حياتهم في خدمة المواطنين عبر المرافق العامة للدولة، وصار لزاما تكريمهم بهذه المميزات الي قد لا تشكل شيئا مقابل ما قدموه.
فكبار السن يفترض انهم مميزون دائماً، يحصلون على ما يحتاجونه قبل غيرهم، لأنهم ثروة قومية في بعض الدول يُعتمد عليها في النمو الاقتصادي، فعلى الرغم من أن الموارد المادية، كالمعادن بأنواعها، والزراعة، والموارد البحرية، تعتبر ثروات طبيعية للدول، فإن استثمار الموارد البشرية يبقى هو أهم مورد من موارد تلك الدول.
لذلك فإنه من المهم استثمار طاقات الإنسان في جميع مراحله العمرية، في فترة المراهقة، والشباب، والشيخوخة، وبذلك تتاح لهم الفرصة للمشاركة في عملية التنمية، فلا يعتبرون مجرد مستهلكين، وإنما هم ايضاً منتجون، وقد تنبهت الأمم المتحدة إلى الدور الذي يلعبه كبار السن، فخصصت لهم يوماً تحتفل فيه بهم، هو اليوم الأول من أكتوبر من كل عام، وفي هذا اليوم تتم إقامة الاحتفالات الترفيهية للمسنين، وحفلات التكريم لإنجازاتهم.
توجد العديد من الطرق التي بموجبها يحول كبار السن من المتقاعدين وغيرهم الى طاقة إنتاجية، فيمكن الاستفادة منهم بتوظيفهم كمستشارين كل بحسب اختصاصه، وبذلك يتم الانتقال الفعلي والطبيعي للخبرات المتراكمة لديهم وترسيخها لدى الموظفين الجدد او ممن لا يملكون الخبرة والمهارة الكافية في بعض المجالات.
جرى العرف القانوني بان يحال الفرد على التقاعد عندما يبلغ من العمر 63 عام وتم تغيير السن القانوني عند الستين عاما، وبهذه المرحلة وكأن الانسان تحول الى عبئ على اسرته ومجتمعه، ويبدأ شعور التقدم بالعمر في مداهمته، اذ ينطبق هذا الحال على النسبة الأكبر من المتقاعدين، الا بعضهم الذي اعتبر خروجه هو بداية لحياة جديدة لها مميزاتها وخصائصها.
والواقع أن عمر الإنسان لا يعتمد على مجرد مرور الوقت، فقد تكون أهمية العمر الزمني للإنسان محدودة في كونها مؤشراً على أحواله الصحية، ولكن احتمال الإصابة بالأمراض هو الذي يزداد مع التقدم في السن، كما إن هذه الأمراض قد تكون هي السبب الرئيسي في تراجع القدرات الوظيفية، وليس مجرد النهج الطبيعي للشيخوخة.
ولكي ننجح باستثمار الطاقات الكامنة لدى الكبار في السن يمكن ربط هذه التسمية بالخبرة والكفاءة، اذ يعطي ذلك مجالاً لاستثمار قدرات الإنسان في جميع مراحل عمره، فمن الهدر في الموارد البشرية أن يقتصر دور الإنسان عندما يكبر على ارتياد المجالس والمقاهي، دون الرغبة في العطاء والإنجاز، لاسيما عندما يكون متمتعاً بصحة جيدة، وقادراً على البذل والعطاء، فلا بد في هذه الحالة من استثمار طاقته وخبرته، ليخدم مجتمعه.
اضف تعليق