{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].
قال امام ائمة التفسير عند العامة؛ جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور: ((وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} أن علياً مولى المؤمنين {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس})(1).
وفي تفسير الكشف والبيان:
(عن ابن عباس في قوله {الرَّسُولُ بَلِّغْ} قال: نزلت في علي (رضي الله عنه) أمر النبي {صلى الله عليه وسلم} أن يبلغ فيه فأخذ (عليه السلام) بيد علي، وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(2).
أنّ العلاّمة الأميني (رحمه الله) ينقل في كتابه «الغدير» حديث الغدير عن (110) من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) مع اسنادها، وعن(84) من التابعين، وعن(360) من العلماء والأُدباء المسلمين المعروفين بما لا يدع مجالا للشك في أنّ حديث الغدير واحد من أوثق الأحاديث المتواترة، ولئن شك أحد في تواتر هذه الرّوايات فإِنّه لا يمكنه أن يقبل أي حديث متواتر آخر.
ولمّا كانت دراسة كل هذه الرّوايات الخاصّة بشأن نزول هذه الآية، وكذلك البحث في الرّوايات الخاصّة بحادث الغدير، يتطلب تأليف كتاب ضخم يخرجنا عن طريقتنا في التّفسير، فإنّنا نكتفي بهذا القدر، ونحيل طالب الإِستزادة حول هذا الموضوع الى الكتب التّالية: «الدر المنثور» للسيوطي، و«الغدير» للعلاّمة الأميني، و«إِحقاق الحقّ» للقاضي نور الدين التستري، و«المراجعات» للسيد عبد الحسين شرف الدين، و«دلائل الصدق» للشيخ محمّد حسن المظفر.
ان مختلف الكتب التي كتبها علماء من أهل السنة في التّفسير والحديث والتّأريخ، أوردوا فيها روايات كثيرة تقول جميعها بصراحة: إِنّ الآية المذكورة قد نزلت في علي (عليه السلام).
هذا الرّوايات ذكرها الكثيرون من الصحابة، منهم «زيد بن أرقم» و«أبو سعيد الخدري» و«ابن عباس» و«جابر بن عبدالله الأنصاري» و«أبو هريرة» و«البراء بن عازب» و«حذيفة» و«عامر بن ليلى بن ضمرة» و«ابن مسعود» وقالوا: إِنّها نزلت في علي (عليه السلام) وبشأن يوم الغدير.
(بعض هذه الأحاديث نقل بطريق واحد مثل رواية زيد بن أرقم. وبعضها نقل بأحد عشر طريقاً، مثل رواية أبي سعيد الخدري ورواية ابن عباس. وبعضها نقل بثلاثة طرق، مثل رواية البراء بن عازب، أمّا العلماء الذين أوردوا هذه الرّوايات في كتبهم فهم كثيرون، من بينهم: الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتابه «ما نزل من القرآن في علي» (نقلا عن «الخصائص» الصفحة 29). وأبو الحسن الواحدي النيسابوري في «أسباب النّزول» الصفحة 150. والحافظ أبو سعيد السجستاني في كتابه «الولاية» (نقلا عن كتاب «الطرائف»). وابن عساكر الشافعي (انظر «الدر المنثور» المجلد 3 من الصفحة 298). والفخر الرازي في «تفسير الكبير» المجلد 3 الصفحة 636. وأبو إِسحاق الحمويني في «فرائد السمطين». وابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمّة» الصفحة 27. وجلال الدين السيوطي في «الدر المنثور» المجلد 3 الصفحة 298. والقاضي الشوكاني في «فتح القدير» المجلد 3 الصفحة 57. وشهاب الدين الآلوسي الشافعي في «روح المعاني» المجلد 6 الصفحة 172. والشيخ سليمان القندوزي الحنفي في «ينابيع المودة» الصفحة 120. وبدر الدين الحنفي في «عمدة القاريء في شرح صحيح البخاري» المجلد 8، الصفحة 584. والشيخ محمّد عبده المصري في تفسير «المنار» المجلد 6 الصفحة 463. والحافظ ابن مردويه (المتوفى سنة 416) (عن السيوطي في «الدر المنثور»). وجماعة كثيرون غيرهم أشاروا إِلى سبب نزول هذه الآية.
انّ العلماء والمفسّرين الذين مرّ ذكرهم ذكروا الرّوايات الخاصّة ولكنّ بعضهم بعد أن نقلوا تلك الرّوايات المعروفة، امتنعوا عن قبولها، إمّا خوفاً من الظروف التي كانت تحيط بهم، وإمّا لأنّ التسرع في الحكم وقف حائلا دون إِصدار حكم سليم في أمثال هذه الأُمور، بل لقد سعوا ـ قدر إِمكانهم ـ أن يعتموا الرؤية الصحيحة لها ويظهروها بشكل هامشي.
وهناك آخرون اعتبروا نزول الآية في علي (عليه السلام) أمراً مسلّماً به، ولكنّهم ترددوا في الإِقرار بأنّها تدل على الولاية والخلافة.
ومع هذا فان الرّوايات المنقولة في كتب أهل السنّة المعروفة في هذا الموضوع من الكثرة بحيث لا يمكن إِنكارها أو تجاوزها بسهولة.
ويجب ان نشير الى ان في هذه الآية من الخصوصية بحيث تجعل تصلب الاخرين ضد مفادها الحقيقي تافه ولا معنى له.
ان الرّوايات الخاصّة بسبب نزول هذه الآية تقول انها نزلت في علي عليه السلام، أما الرّوايات الواردة عن حادثة غدير خم وخطبة الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وإِعلانه وصاية علي (عليه السلام) وولايته، فإِنّها أكثر بكثير من تلك.
المصرحون من علماء العامة بأية التبليغ:
ان عدّة من علماء العامّة يصرحون بنزول آية التبليغ في حقّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) منهم:
1- محمّد بن جرير الطبري المتوفّى 310 في كتابه الولاية.
2- أبوبكر الشيرازي المتوفّى 407 في كتاب ما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين.
3- والثعلبي النيشابوري المتوفّى 427 في تفسير الكشف والبيان.
4- الفخر الرازي المتوفّى 606 في تفسيره(3).
5- جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفّى 911 في تفسيره الدرّ المنثور.
7- الشيخ محمّد عبده المصري المتوفّى 1323.
وقد أطبقت كلمة أعلام الشيعة محدّثين ومفسّرين ومؤرّخين ومتكلّمين -ودون أدنى شائبة تردّد- أنّ الآية مرتبطة بواقعة يوم «الغدير»، وأنّ محتوى الرسالة وفحواها هو «الولاية» و«الإمامة العلويّة».
ومن ثَمّ ذهبوا إلى أنّ الآية المباركة نزلت في الثامن عشر من ذي الحجّة عام 10هـ لتؤكّد -والمسلمون محتشدون من كلّ حدب وصوب- على «الولاية العلويّه» للمرّة الأخيرة، في ظلّ أجواء أخّاذه مؤثّره تستعصي على النسيان.
أمّا علماء أهل السنّة فقد تفرّقت بهم السبل، فلم تتّفق كلمتهم بشأن زمن نزول الآية، كما لم يتوحّدهم رأي بشأْن محتوى الأمر الذي يتحتّم على النبيّ إبلاغه.
أنّ سورة المائدة هي من بين آخر السور التي نزلت على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إن لم تكن آخرها(4). فما الذي كان يريده اللَّه سبحانه من قوله: بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ، ولم ينزل على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) شي ء بعدُ؟ وما الذي كان يخشاه رسول اللَّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ويمنعه عن الإبلاغ ولمّا يواجهِ المشركون بعدُ آيةً أو آيات من تلك التي تقضّ مضاجعهم، وتبعث فيهم النقمة والاهتياج!
إنّ جمبع الذي يزعمونه في رسول الله ليبعدوا مراد الاية في ولاية علي عليه السلام لا يليق بمُبلِّغ عاديّ فضلا عن النبي الاعظم صلى الله عليه واله، وهو ليس خليق بإنسان متوسّط الحال لا يزال في أوّل الطريق، أفيجوز على رسول اللَّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وذلك القلب المجدول إلى السماء، الموصول باللَّه أبداً؟ وهل يتّسق مع خطاه الراسخة وتلك الارادة الصلبة التي لا تعرف الوهن!
ان السقيفة وما حصل فيها من هدم الاصطفاء والاختيار كجوهر للدين وفتح الباب لمن هب ودب ان يكون وليا لله ورسوله وخليفة للنبي الخاتم وإماما طاهرا عادلا للأمة، ان هذا التيه وتلك الفلتة العبثية لم تترك خيارا امام من يحترم عقله ان يفسر كتاب الله تفسيرا صحيحا او ان يقول الحق ويدلي بالحقيقة، لان الذي حصل هو الباطل متجسدا فن يستطيع ان يصرح بان الشيطان قد نجح في للوي الامة عن منهجها الرباني الصحيح؟؟؟
تعاضد اية التبليغ واية الولاية:
اية الولاية تقول: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(5).
آية التبليغ تقول: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(6).
هناك ملاحظات في الآيتين لابد من التدقيق بها:
اولا- الآيتان من سورة واحدة هي اخر ما نزل من القران، وهما في سبيل تبليغي واحد بمعنى انها جزء مما يوصى به في مراحل الرسالة الاخيرة.
ثانيا - الآيتان لهما موضوع واحد هو تشخيص وتعين الوالي على الامة بعد الرسول الاعظم، اي انهما يخصان الولاية باعتبارها اهم ما يتعبد به لاتصاله بالرسول وبالله فهو جل جلاله الولي المطلق، وأي ولاية لا تتصل بولايته باطلة.
ثالثا- انهما يشخصان مصداق الولاية نفسه المقصود وهو الولي على بن ابي طالب عليه السلام، بطريقة لا يمكن ان تنطبق على غيره فهو الوحيد الذي تشخص بالتصدق خلال الصلاة، وهو نفسه الذي تشخص بتعين الرسول صلى الله عليه واله برفع يده مع النداء (من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
رابعا- لذا كل من يحاول من المفسرين الانحراف بالمعنى عن مصداقه يجد نفسه يصطدم بسياق الايتين وبثوابت الصدق في الواقع(الحق).
اضف تعليق