في حقه وبإجماع المفسرين، بعد أن تصدق الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بخاتمه لسائل مرّ بقربه وهو (عليه السلام) راكع في صلاته، نزلت الآية (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(المائدة/55).
(إنما وليكم الله)، فالولاية إذاً أولاً لله (عز وجل)، (ورسوله)، ثم لرسوله الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، (والذين آمنوا)، الواو هنا عاطفة، فتكون الولاية أيضاً للمؤمنين، لكن (الذين) الثانية في الآية غير معطوفة، مجردة من أداة العطف، فهي في محل توكيد للأولى، وهي مقيّدة لها، بمعنى أن المقصد وهو (الولاية) لا ينصرف إلى الذين آمنوا بالمطلق، وإنما هو مقيّد ومحدّد حصراً بالذين (يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(المائدة/55)، حيث إن الواو الأخيرة تفيد الحال، أي حالة الزكاة، خشوعاً وتواضعاً لله، وقد ورد التعبير بالجمع، لترغيب الناس بالاقتداء.
وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، قد سأل السائل عمّن أعطاه الخاتم، فأجابه: "ذاك الراكع"، فنزلت الآية الكريمة، أما أن النص لم يسم الإمام (عليه السلام) بالاسم، فذاك لاختبار الناس وامتحانهم، وتمييز المؤمنين عن المنافقين منهم، وقد روى هذه الحادثة الطبري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنثور، والخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عباس، وغيرهم من أعلام القوم.
وليكتمل النص الإلهي بالنص النبوي كانت قضية الغدير، ففي العام العاشر الهجري، لمّا أدى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مناسك الحج، وانصرف راجعاً إلى المدينة، حتى وصل إلى أرض تسمى (خُم)، وكان وصوله (صلى الله عليه وآله) في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، من عام حجة الوداع، فهبط الأمين جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)(المائدة: الآية 67).
ولقد صرّح كثير من المفسرين بأن آية التبليغ قد نزلت في يوم الغدير (18 من شهر ذي الحجة من العام 10هـ)، عند تنصيب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لإمامة المسلمين، وقد روى نزول هذه الآية، في يوم غدير خم، ثلاثون رجلاً من أهل السنّة.
أخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم تحت شجرات فقال: أيها الناس يوشك أن أُدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيراً. فقال: (أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟...)، قالوا بلا نشهد بذلك.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): (يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه).
وقال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): (يا أيها الناس إني فرطكم، وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله (عز وجل)، سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض).
وهذا الحديث مشهور، قد نقله جميع أئمة الحديث، ومذكور في صحاح المسلمين، كمستدرك الحاكم ص109 ج3، ومسند أحمد بن حنبل ص372 ج4، والنسائي في خصائصه العلوية ص21، وابن حجر عن الطبراني في صواعقه، والحديث مخرج بعدة طرق وبروايات مختلفة.
والأمر هنا مطلق لم يتحدد بموقعة أو زمان، (كدعوى تكليفه القضاء في اليمن)، ولا يقبل الواقع أي اجتهاد في تفسير المفردة (مولاه)، بغير معنى الولاية، وهي ليست رواية مرسلة حتى ترتكز مصداقيتها على حجية السند، وذلك لجهة تواترها وتجاوز رواتها المئات، بل هي ترقى إلى مستوى الدراية، كونها ارتبطت بموقعة شهدها جميع المسلمين، ورواها الجميع من كبار الصحابة وسائر الرواة.
وبنزول الآية الكريمة، فقد أعلن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) إنجاز المهمة الإلهية، بإكمال الدين وإتمام الرسالة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، ثم بعدها يلبي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) نداء ربه (عز وجل)، والرحيل عن هذه الدنيا، والى الرفيق الأعلى.
إن الإقرار بولاية مولى الموحدين، ووصي رسول رب العالمين، الإمام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (عليه السلام) من سلامة الدين، وإن هذا الإقرار لا يعني إظهار المحبّة فحسب، بل يجب أن تنعكس هذه المحبّة على قول المُحب وعمله وسلوكه.
اضف تعليق