في موقفي من وجودي الخاص لا ينفك الإحساس في داخلي عن الله، في لحظات الأمل التي تتخطى إمكانات الحواجز، في لحظات اليأس التي تختبئ خلف حجابات الحواجز، في لحظات الخوف التي تتدارك أحلامي من خطر مجهول، في لحظات الرجاء التي تتماسك فيها أحلامي فتنشأ توقعات زمن/غد أجمل.
في لحظات القوة التي تكتنف المواقف فيكتنف الإحساس بداخلي الله الذي أستشعر به القوة في توقعات واحتمالات أكثر ضعفا، في لحظات الضعف التي تحاصرني إذ تطبق فكاك القوة على كل إمكاناتي فتبدو في أوهن قوة لها، هناك تنفتح كل أبواب الإحساس الداخلي على الله.
هل لأن النشأة دينية؟ هل لأن كلمات الله تتردد في الموقف من الانسان، الله معك، الله يحفظك، الله يحرسك، الله يرحمك، الله خلقك، الله الله الله الله..... التي نشأ السمع عليها وتربى الإحساس بها منذ الطفولة هي التي تمنحني كل ذلك العمق من الأساس بالله؟ وأتمثل استحضار الله في لحظات يكون فيها الوجود على المحك ويكون هناك اختبار نفسي/ذاتي في الكشف عن وجود الله، ويشتغل عليه أو به الإحساس بداية ثم المعرفة به في النهاية، هناك تمييز أقيمه بين ما هو نفسي وما هو ذاتي، فالذات مركبة والنفس منفردة وتدخل النفس في تركيبة الذات لكن الذات أكبر من انحسارها في النفس لذلك الإحساس في حقل النفس يشكل البداية، والمعرفة في حقل الذات تشكل النهاية.
إن الانسان دائما يحاول اختبار وجود الله في حقل النفس ليعرفه في حقل الذات، اختبار الإحساس هو البداية/البداهة، واختبار المعرفة هو النهاية/البرهانية، وهنا تنشأ الكلمات الدالة على المعرفة بالله في حقل البرهان بعد أن كانت في مجال الإحساس.
لكن العمق كواقعة مستقلة، كإحساس نفسي/ذاتي يمنحك إحساسا أقوى من الكلمات إنه إحساس الوجود الذي يلجأ بالإنسان بداهة الى الافصاح عنه الى الاعلان عن هويته عن ماهيته عن أصالته، لا ننسى اختلاف الفلاسفة في السبق في القدم أيهما ماهية الوجود أم أصالته؟، ويظل عمل الفلاسفة محاولة في الافصاح عن الوجود في تجربة العمق بالإحساس الداخلي، لكنه يظل في العمق ذلك الإحساس الباحث عن الافصاح عن ذاته دوما.
وحسنا فعل هيدغر حين أفصح في عمق تجربته الوجودية... أن اللغة مأوى الوجود.... فانها تختزن طاقة الافصاح عن الوجود، لكن اللغة تقترن هنا بالمعنى، بالمعنى في الوجود، من هنا تكون تجربة اللغة في الوجود تجربة شخصية يمتلكها البشر بصيغ متعددة ومنفردة، والوجود مأوى اللغة عبر أو من خلال الإحساس العميق بالمعنى الذي يتمخض عن تجربة الوجود، لكن تجربة الوجود تأخذ آفاقا تقف على الفاصل بين المتناه واللامتناه في أعلى تجارب الوجود ثم تأخذ صيغا متعددة بل منفردة في كل التجارب تلك التي تتمثل الوجود وتحاكيه من خلال اللغة، أي تعمل على توليد المعنى فيه.
واللغة حين تصنع المعنى أو بواسطتها يتم صناعة المعنى إنما تصنع وجودا جديدا على عدد المعاني التي توجدها/تصنعها، في كل التجارب الوجودية ذي الصبغة النفسية/الذاتية يكون حضور الله قاسما مشتركا للمؤمن والملحد، طبعا مع اختلاف صيغ الحضور وهويته، وفي تلك المعادلة الدقيقة فان نفي الله لدى الملحد تعبير عن نفي الوجود فلو لم يكن الله موجودا لما تعرض الى النفي، فالنفي تعبير غامض بخصوص الله حصرا عن الايمان بوجوده.
ان الإحساس الداخلي بأصالة او بماهية الوجود والسعي الى صناعة المعنى في العلاقة بالوجود يدع المعنى هنا يأخذ هوية الوجود بالنسبة للمؤمن والملحد، لكنها هوية قد تبدو مرتبكة بالنسبة للملحد فينتهي الى العدمية بينما تبدو سائرة بخط الوصل بين المبتدأ والمنتهى بالنسبة للمؤمن فتمنحه استقرارا نفسيا واكتمالا ذاتيا، هنا أحاول أن أخلع عن مفاهيم الماهية والأصالة اصطلاحاتها الفلسفية والفكرية واسبغها بصبغة إحساس بدهي بالوجود.
صبغة تعبر عن إحساس نفسي/ذاتي بحقيقة الوجود الذي يبدو عيانا أمام الذات، أو إحساسا في ثنايا النفس من خلال حركة الإحساس الداخلي في تناقضاته البدهية التي تتشكل وجوديا في الأمل في قبالة اليأس أو اليأس في قبالة الأمل، الخوف في قبالة الرجاء أو الرجاء في قبالة الخوف، القوة في قبالة الضعف أو الضعف في قبالة القوة، وليس عبثا تتبادل تلك الالفاظ/المعاني النفسية مواقعها في تلك المعادلة في تقابلها، بل للتأكيد على أنها غير محددة البدء فأيهما يبدأ قبلا اليأس أم الأمل، الخوف أم الرجاء، القوة أم الضعف. مما يؤكد صيغها الوجودية غير القابلة للأيواء في اللغة لأنها تأوي الى الله الذي يتموضع بين الكاف والنون، ليس محلا ولكن وجودا بين اللغة/المأوى والوجود وعلى غرار أمره تعالى بين الكاف والنون "إنما أمره بين الكاف والنون" في الرواية الدينية/الإمامية.
هنا أستشعر وجود الله وأحس به إحساسا مطلقا، وحين آوي الى اللغة في وجودي فاني آوي الى الله الذي شكل/كتب/خط الوصل/التواصل عبر اللغة في الكتاب المقدس/القرآن العظيم.
اضف تعليق