شهر رمضان بعث جديد لإنسانيتنا ومحفز لكوامن أحاسيسنا اتجاه معاناة الاخر وذلك يستدعي من كل منظماتنا المحلية والدولية ان تستثمر في هذا الجانب فلا يكون المستهدف هو الفقير او المحتاج وانما المتطوع والمتبرع عبر رسائل توضح معنى الصوم الحقيقي ومعنى ان هذا الشهر هو شهر الله...
في ظل الأجواء الإيمانية والإنسانية التي يطل بها شهر رمضان المبارك، تبرز جهود المؤسسات الخيرية والإغاثية كشعلة أمل تُضيء طريق المحتاجين، وتُجسد قيم التضامن والتكافل التي يحث عليها هذا الشهر الكريم. وفي هذا الإطار، يُعتبر عمل جمعية الهلال الأحمر العراقي مثالًا بارزًا للعمل المؤسسي المنظم الذي يسعى إلى تخفيف معاناة الفئات الأكثر احتياجًا، لا سيما في محافظة كربلاء المقدسة التي تُعد مركزًا دينيًا واجتماعيًا فريدًا.
ضيفنا اليوم هو الدكتور حميد الطرفي، مدير فرع جمعية الهلال الأحمر العراقي في كربلاء المقدسة، والذي يمتلك خبرةً واسعةً في العمل الإغاثي والإنساني، سواءً خلال الأزمات الطارئة أو في برامج الدعم المستمر. في هذا الحوار، سنستعرض معه آليات عمل الجمعية خلال شهر رمضان، والتحديات التي تواجهها، ودور المتطوعين، بالإضافة إلى رؤيته حول تعزيز ثقافة الإغاثة المستدامة.
من خلال تجربته الممتدة، سيُطلعنا الدكتور الطرفي على كيفية تحديد الفئات المستحقة للمساعدات، وضمان وصولها بإنصاف، وكيفية التعامل مع الحالات الإنسانية المعقدة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. كما سنتطرق إلى رؤيته حول التعاون بين المنظمات المحلية والدولية، وأهمية الاستفادة من التجارب العالمية في تحسين جودة الخدمات الإغاثية.
انطلاقًا من إيماننا بأن الحوار وسيلةٌ لفهم التحديات وإبراز الحلول، نرحب بالدكتور حميد الطرفي لنستلهم من خبراته، ونسلط الضوء على الجهود التي تُبذل لصناعة فرقٍ حقيقي في حياة الأسر العراقية خلال شهر الرحمة والمغفرة.
كيف يتم تحديد الفئات الأكثر احتياجًا لتلقي المساعدات في رمضان، وما هي المعايير المستخدمة؟
عمل جمعية الهلال الأحمر العراقي عمل مؤسساتي منظم يتسم بالبيروقراطية المتراكمة منذ التأسيس عام 1934 وحتى يومنا هذا وعليه فهناك لجان استبيان في كل فرع من فروع الجمعية في المحافظات تقوم اولاً بإجراء عملية استبيان ميداني ثم تعد الأسماء في قوائم وترسلها إلى المركز العام بعدها يتم استلام المساعدات أو المعونات أو السلال الغذائية الخاصة برمضان.
كيف يتم توزيع المواد الغذائية والإغاثية على الأسر المحتاجة؟ وهل هناك آلية لضمان وصولها إلى المستحقين بشكل عادل؟
هناك نوعان من المساعدات الأولى في الكوارث الطارئة كالفيضانات مثلمًا حصل في 2013 في الشهر العاشر حيث سقطت كميات من الأمطار فوق الطبيعي مما أدى إلى تضرر الكثير من المنازل في الأحياء الفقيرة فكانت هناك جولات ميدانية في الأزمة وتم توزيع المواد الإغاثية ليلاً ومن مخازن الجمعية في المحافظة وهناك نوع من الكوارث المزمنة موجود العوائل المتعففة أو ذوي الاحتياجات الخاصة فلا بد أولاً من إجراء استبيان ميداني ثم تتم عملية التوزيع لكي تصل إلى مستحقيها.
ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه فرق الإغاثة خلال شهر رمضان، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؟
إذا كان الحديث عن هذا التاريخ فالظروف الاقتصادية جيدة نسبياً قياساً للأعوام 2014-2017 حيث المئات من الأسر النازحة في كربلاء من مناطق مختلفة. التحديات الحقيقية لأي عمل إغاثي هو أن تكون الكوادر متسلحة بثقافة عالية في مجال الدعم النفسي للصغار وللكبار للنساء وللرجال ولكل فئة شكل من أشكال الدعم النفسي لأن الكبت الذي تعيشه العائلة المحتاجة يتفجر أمام المتطوع المغيث بركاناً من الغضب وعليك احتواء كل هذا الكم من الغضب وسيل الطلبات بكل رحابة صدر بل تعمل على امتصاصه من النفوس بشكل ودي، لذلك دأبت الجمعية وبالتعاون مع الكثير من جمعيات الهلال والصليب الأحمر على إقامة دورات بهذا الشأن.
كيف يتم تأمين التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع الإغاثة في رمضان؟ وهل هناك دعم من المجتمع المحلي أو الجهات الدولية؟
بالنسبة إلى جمعية الهلال الأحمر العراقي يوم كنت مديرها وإبان الأزمات التي مرت على البلاد من تهجير طائفي وسيطرة داعش على المحافظات الثلاث فإنها كانت تتلقى منحة من الدولة ومنح على هيئة برامج إغاثية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنح أخرى من جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الوطنية في عدد من الدول التي تشهد استقراراً وهذا سياق قد دأبت عليه الحركة الدولية للهلال الأحمر والصليب الأحمر فأي دولة تتعرض لكارثة طبيعية أو اصطناعية (حروب) ترسل نداء استغاثة فتتلقى تلك المنح.
كيف يتم التعاون مع المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية لتعزيز جهود الإغاثة في رمضان؟
واحد من المبادئ الأساسية لعمل جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر في العالم هو الاستقلالية وأنها تتعاون مع الدولة بحدود المساندة وتقديم أفضل المعونات للمحتاجين بعيداً عن أي إملاءات.
ما هي أنواع المساعدات في رمضان؟
يوم كنت مديراً للجمعية كانت هناك نوعان من المساعدات للعوائل والأفراد المتعففين في كل عام الاول: سلات غذائية متكاملة تحتوي على الأرزاق الجافة مثل الرز والعدس والفاصوليا والسكر والشاي والمعجون المعلب والزيت …إلى آخره. والنوع الثاني هو اقامة الموائد الرمضانية وتقديم الوجبات الساخنة وأكثر ما كان يتم ذلك في المناطق المحرومة وعلى عوائل النازحين.
كيف يتم التعامل مع الحالات الطارئة أو الأزمات الإنسانية التي قد تحدث خلال شهر رمضان؟
جمعية الهلال الأحمر العراقي تعمل وفق دورة متكاملة فهي متهيئة ومستعدة لأي كارثة طبيعية او غير طبيعية وتستثمر حالة الاستقرار لكسب المتطوعين وإعداد الكوادر وتدريب المسعفين لذا ففي حالة حصول أي طارئ تقوم الجمعية بمرحلة الإغاثة ثم بعدها مرحلة الإنعاش ثم تتولى إعادة التأهيل بعدها تعود للتهيؤ والاستعداد وفي خلال ذلك كله فإنها تمارس التقييم والتقويم.
هل هناك برامج خاصة لدعم شرائح معينة مثل كبار السن والأيتام وذوي الهمم خلال شهر رمضان؟
بالنسبة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة فهناك دوائر خاصة بهم تابعة للمديرية العامة للرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل لكننا نقوم بزيارات خاصة لهذين الفرعين أعني دار المسنين ودار الحنان (لذوي الاحتياجات الخاصة) ولأكثر من مرة تم رصد إعانات جيدة لهاتين الدارين وبالأخص دار الحنان كونهم يستهلكون كميات كبيرة من مواد التنظيف والملابس وحاجاتهم الإنسانية أكثر من غيرهم.
ما هي المبادرات التطوعية التي تشجع عليها مؤسسات الإغاثة في رمضان، وكيف يمكن للمواطنين المشاركة في جهودها؟
بالنسبة لشهر رمضان فهناك خصوصية دينية تنعكس على مستوى الشعور الإنساني لدى المواطنين فتكون هناك تبرعات أكثر بكثير من باقي الشهور يتم تقديم هذه التبرعات للكثير من منظمات المجتمع المدني المعنية بتقديم المساعدات للمتعففين، خصوصية شهر رمضان كونه شهر الرحمة والتكافل تخفف الكثير من معاناة العوائل المتعففة.
كيف يتم قياس تأثير جهود الإغاثة على المجتمع المحلي، وهل هناك تقييم بعد انتهاء الشهر؟
كوني امتلك تجربة سابقة في العمل الإغاثي أن المجتمع العراقي بعد جائحة كورونا وقبلها العنف الذي حصل في عدد من مدن العراق أقول بعد عام 2020 هناك قدر لا بأس به من الاستقرار الامني والمعيشي خاصة بعد رصد أموال إضافية من قبل وزارة العمل للمشمولين بقانون الرعاية والحماية الاجتماعية من حيث مقدار الاعانة وعدد المشمولين إضافة لما تقدمه منظمات المجتمع المدني الإغاثية. وعبر استبيانات يقوم بها الهلال الأحمر فقد بدأ ذلك واضحاً على العوائل في الأحياء الفقيرة.
كيف يمكن تعزيز ثقافة الإغاثة المستدامة بدلًا من المساعدات المؤقتة؟
في دولة مثل العراق تمتلك هذا المقدار من الثروات الطبيعية لا ينبغي أن تكون هناك عوائل متعففة أو فقيرة للحد الذي لا تجد قوتها او مسكنها وأظن ان ذلك ممكنا لو تم العمل وفق قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال الذي سرى مفعوله قبل عام تقريباً وخاصة فيما يخص الضمان الاختياري لكل العمال والكسبة ومن مختلف الحرف اذ ستتكفل الدولة بتقاعد معتد به يوفر حالة الكفاف للمشمول، إضافة إلى فتح مجالي الزراعة والصناعة لامتصاص البطالة وإنعاش سوق العمل وهناك قدر كبير من التحسن في هذا المجال.
كيف يختلف العمل الإغاثي في رمضان عن باقي أشهر السنة؟
كما أسلفت فلشهر رمضان خصوصية تسهل على العاملين في مجال الإغاثة الحصول على التبرعات والمتطوعين وسيكون هناك دافعان للعمل طاعة الله ورجاء رضاه والدافع الإنساني.
هل ترى أن التبرعات في رمضان تساهم بشكل كافٍ في سد احتياجات الفقراء؟
انسانياً أرى أن مجرد الحاجة إلى المعونة هو جرح إنساني ينبغي معالجته، فالحالة الأصح هو أن يتجاوز البشر حالة الفقر والحاجة إلى المعونة وإذا كان ذلك متعذراً طوال التاريخ فينبغي العمل على تقليل عدد الفقراء إلى أصغر عدد ممكن. وإجابةً لسؤالك فإن الإعانات الطارئة لا تسد الحاجة كاملةً ويبقى هناك فقراء بالغوا في التعفف فلا تصلهم المعونة وهؤلاء تحسبهم أغنياء في حين انهم بأمس الحاجة إلى الإغاثة.
كيف يمكن تعزيز استدامة مشاريع الإغاثة بحيث تستمر فوائدها حتى بعد انتهاء شهر رمضان؟
هذا العمل خاص بالحكومة التي يجب عليها أن توفر المزيد من فرص العمل وعليها أن تمنح فرص متكافئة للتوظيف العمومي إضافة إلى فتح باب الاستثمار في مجالي الصناعة والزراعة كما أسلفت وأن تكون هناك استبيانات دقيقة وشفافة تقوم بها لجان خاصة من وزارة العمل لكي تضع أموال الرعاية والحماية الاجتماعية في محلها فلا زال هناك العديد من المتجاوزين على هاتين الشبكتين ممن يأخذون حقوق غيرهم.
ما هو الدور المطلوب من الحكومات لدعم المنظمات الإغاثية خلال رمضان؟
بصراحة أقول على الحكومة أن تدع رمضان لأهل الخير والمنظمات الإنسانية والمتطوعين والمتبرعين وعليها أن تفكر لما بعد هذا الشهر، وأن تجد معالجة مدروسة لقضية الفقر في العراق.
كيف يمكننا الاستفادة من التجارب العالمية في تحسين حملات الإغاثة الرمضانية؟
أهم ما يجب التفكير به من وجهة نظري هو كيف نكتشف أفضل السبل لكي نقدم الإغاثة والإعانة دون ان نجرح كرامة المستفيد منها، يوم كنت في الهلال كنت أمنع أن يتم التصوير بطريقة تخدش إنسانية أحد حتى لو لم يتم التصوير رغم ان توثيق الحملات الإغاثية ركن من اركان التقرير الذي يجب رفعه للجهات العليا المحلية والدولية. كانت هناك طرق وفنون وهي كيف نجعل من عملية التوزيع عملية احتفالية ليس فيها مناً ولا اذىً، أكيد أن تجارب الدول المتحضرة غنية في هذا المجال.
ما هي الرسالة التي تودون توجيهها للمجتمع المحلي والدولي حول أهمية دعم جهود الإغاثة في رمضان؟
شهر رمضان بعث جديد لإنسانيتنا ومحفز لكوامن أحاسيسنا اتجاه معاناة الاخر وذلك يستدعي من كل منظماتنا المحلية والدولية ان تستثمر في هذا الجانب فلا يكون المستهدف هو الفقير او المحتاج وانما المتطوع والمتبرع عبر رسائل توضح معنى الصوم الحقيقي ومعنى ان هذا الشهر هو شهر الله فجزء كبير من معاناة الفقراء في العالم كله هو الجشع والطمع والحسد والتكالب على ملذات الدنيا، بناء أنفسنا يساهم في حل مشكلة العوز محلياً ودولياً.
ما هو أثر الصيام على العاملين في الإغاثة؟ وهل يؤثر على طاقتهم في تقديم المساعدات؟
كنا نعمل في أشهر الحر الشديد حينها كان الصوم يؤثر بشكل كبير على طاقة الموظفين والمتطوعين؛ شهر رمضان هذا العام في أجواء مثالية، وها هي رحمة رب العالمين بغيره الوافر تطل علينا مع أيامه الأولى، اللهم أدم النعم وادفع عنا النقم وتقبل منا صيامه يا ارحم الراحمين.
ما هي الطرق التي يمكن أن يشارك بها الشباب بشكل فعال في العمل الإغاثي خلال رمضان؟
أتمنى على كل الشباب أن يشكلوا مجاميع عبر الواتس اب وأن يكون عين الله التي تنظر للمحتاجين كل من موقعه وأن يجمعوا ما تيسر لهم ليقوموا برفد أولئك المحتاجين بما يتمكنون منه، فالمنظمات مهمًا أوتيت من القدرة والكفاءة فإنها لا تصل إلى كل المحتاجين، فعلى الشاب كل شاب في منطقته ان يكون مبادراً لعمل الخير.
لو كان بإمكانك تغيير شيء واحد في منظومة الإغاثة الرمضانية، فما هو؟
الأمثل هو لا تكون هناك إغاثة وأن يأتي شهر رمضان والجميع حالهم مستور وأمورهم جارية على الأقل بحد الكفاف، وأن كان ذاك متعذراً وهو الواقع فإني أتمنى لو تعاونت كل المنظمات عبر قاعدة البيانات التي لديها للوصول إلى جميع المحتاجين فهناك من يجيد طرق الأبواب فيحصل على الإغاثة من ثلاث أو أكثر من المنظمات في حين تجد عائلة لا يصل إليها أحد.
في ختام هذا الحوار الثري، نستذكر أن العمل الإنساني في شهر رمضان ليس مجرد توزيعٍ للمساعدات، بل هو رسالةٌ تُجسد قيم التضامن والرحمة التي يحرص عليها المجتمع العراقي الأصيل. تجربة الدكتور حميد الطرفي وفريق جمعية الهلال الأحمر العراقي في كربلاء المقدسة تُذكرنا بأن الإغاثة فنٌّ يحتاج إلى إخلاصٍ في النية، واحترامٍ لكرامة الإنسان، وإدارةٍ مؤسساتيةٍ حكيمةٍ تتعامل مع التحديات بمرونةٍ وعمقٍ إنساني.
لا شك أن الجهود المبذولة لتخفيف معاناة المحتاجين خلال الشهر الفضيل تُترك أثرًا يتجاوز الطعام والشراب، ليمسّ قلوبًا تئنُّ تحت وطأة الظروف، ويمنحها الأمل بأن يد العطاء لن تتوقف عن البذل. نشكر الدكتور الطرفي على إثراء هذا الحوار برؤيته الثاقبة، وعلى جهوده المخلصة التي تُضيء طريقًا للخير في مجتمعٍ يستحق الأفضل.
ندعو الله أن يكون رمضان هذا العام بدايةً لانفراجٍ حقيقيٍ في حياة الأسر العراقية، وأن تُترجم الجهود الإغاثية إلى مشاريع مستدامة تُحقق الكفاية والاستقرار للجميع. كل الشكر للمتطوعين، والمتبرعين، والكوادر التي تعمل في صمتٍ لصناعة الفرح وسط الظروف الصعبة.
كل عام وكربلاء المقدسة، والعراق بأكمله، بألف خير.
اضف تعليق