على الفتيات أن يرفضن العنف بكل أشكاله، حتى لو كان الثمن فقدان القصر والأموال والعودة إلى حياة البساطة، كما أن القصة تسلط الضوء على أهمية تربية جيل من الأبناء يحترم كرامة الآخرين، بحيث تكون بيوت الناس أماكن آمنة لبناتهم، فلا تكون الأميرات عرضة للتعذيب أو الإساءة في تلك البيوت...

في عالم الأدب، هناك أصوات تنبثق من الأعماق لتروي قصصًا تتجاوز الكلمات، وتصل إلى القلب مباشرة. واحدة من هذه الأصوات هي أسماء السومرية، التي صنعت لنفسها مكانة خاصة بين الكتاب بفضل أسلوبها الفريد والجرأة في تناول قضايا المجتمع والتحديات الإنسانية. تُحاكي في كتاباتها الواقع بكل تعقيداته، وتغوص في أعماق الروح البشرية لتستخرج منها أعمق الآلام وأعظم الآمال. من خلال أعمالها الأدبية المتميزة، تتنقل بين واقعها الشخصي ومشكلات المجتمع، تاركةً أثرًا لا يُمحى في نفوس قرائها. فما هي القصة وراء هذا الشغف الكبير بالكتابة؟ وكيف تعكس أعمالها حياة الفئات الأكثر تهميشًا في مجتمعها؟

كيف أثرت طفولتكِ وحبكِ للمكتبات ورائحة الكتب على تطور شغفك بالكتابة؟ وهل كنتِ تتوقعين يومًا أن يتحول هذا الشغف الطفولي إلى مسيرة أدبية غنية تعكس أسلوبكِ في طرح قضايا معاصرة؟ 

في البداية، لم أكن أتوقع أبداً أن أسير في طريق أدبي، لكن طفولتي وحبي للمكتبات ورائحة الكتب كان لها دور كبير في تشكيل شغفي بالكتابة. منذ صغري، كانت رائحة الكتب وطريقة ترتيبها في رفوف المكتبة تثير اهتمامي وتشجعني على استكشاف المزيد. كنت أستمتع بالذهاب إلى مكتبة أبو نبيل قبل أن أدخل المدرسة، حيث كنت أستمتع بتسليم الكتاب بعد الآخر، لأقلبه وأعيده. مع مرور الوقت، أصبح الكتاب رفيقاً دائماً لي، ولم أعد أستغني عن الكتابة والورقة.

منذ الصف الخامس الابتدائي، بدأت بشراء الكتب من مصروفي الشخصي، وشيئاً فشيئاً تحول هذا الشغف إلى شغف مستمر يرافقني طوال الوقت. ورغم أنني لم أكن أتوقع أن يتحول هذا الشغف الطفولي إلى مسيرة أدبية، فقد أصبح جزءاً من حياتي وأسلوب حياتي، وتطور ليصبح مصدراً لإلهامي في طرح قضايا معاصرة في كتاباتي.

من هو الشخص الذي تعتقدين أنه كان الأكثر تأثيرًا في دعمكِ على بدء الكتابة؟

‏أثر في دعمي شخصان بالضبط: الأول كانت أختي الكبيرة نداء، والثاني كان الدكتور أحمد حسن الطائي من محافظة البصرة. كان له دور كبير في مسيرتي الكتابية حيث قام بجمع ملفي لأول مرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. الكتاب الأول الذي نشرته كان بعنوان "إنخيدوانا تكتب الشعر الآن"، ومن هنا بدأت مسيرتي الكتابية بفضل مساعدة هذا الشخص الذي لم يكن يعرفني في الواقع.

لماذا اخترتِ عنوان "تحت عدسة نظارتي"؟ وماذا تعني لكِ العدسة كرمز؟

‏العنوان "تحت عدسة نظارتي" هو عنوان رمزي يهدف إلى تسليط الضوء على مشكلة محددة من خلال عدسة النظارة، التي تمثل الأداة الأكثر وضوحًا لتوضيح ما أمر به. تعني لي العدسة أيضًا رمزًا للوضوح والشفافية، وكشف الأشياء المستورة أو غير الظاهرة أمام العلن. في كتابي، قمتُ بإلقاء الضوء على العديد من الأسرار التي تتعلق بشخصيات الناس في محافظة ميسان، بما في ذلك اختلاجاتهم النفسية وأمورهم الشخصية. كان الغرض من ذلك هو توضيح ما تم إخفاؤه أو تغطيته بسبب الأعراف والعادات الاجتماعية السائدة في تلك المحافظة.

كيف يمكن أن تمثل اللوحات الخمس انعكاسًا لتجارب حياتكِ أو وجهات نظركِ؟

اللوحات الخمس تمثل واقع حياتنا، سواء من خلال قصص تخص الآخرين أو تخصني شخصيًا. بعض السطور كانت محفورة في مخيلتي لفترة طويلة. من أهم المواضيع التي تناولتها في هذه اللوحات هي الحياة الأسرية، وما يرتبط بها من جوانب إيجابية وسلبية. في الواقع، كشفتُ من خلال هذه الأعمال العديد من هذه الأمور من وجهة نظري الشخصية، بهدف خلق توازن بين ما نعاني منه وما نأمل في الوصول إليه، وبين الواجب والمطلوب، سواء كانت هذه الأحداث صغيرة أو كبيرة.

ما الرسالة الأساسية التي تريدين إيصالها من خلال الكتاب ككل، وخاصة من خلال قصة قرارات أميرة؟

‏ الرسالة الأساسية التي أريد إيصالها من خلال الكتاب هي:

1. الرسالة العامة:

الإنسان يستطيع خلق حياة جديدة من خلال التعلم من تجارب الآخرين بدلًا من خوضها بنفسه، وذلك لأن الحياة قصيرة ولا تكفي لتجربة كل التجارب، خصوصًا الفاشلة منها. لذلك علينا الاستفادة من دروس الآخرين وأخذ ما هو مفيد وتجنب الأخطاء.

2. الرسالة من قصة "قرارات أميرة":

على الفتيات أن يرفضن العنف بكل أشكاله، حتى لو كان الثمن فقدان القصر والأموال والعودة إلى حياة البساطة. كما أن القصة تسلط الضوء على أهمية تربية جيل من الأبناء يحترم كرامة الآخرين، بحيث تكون بيوت الناس أماكن آمنة لبناتهم، فلا تكون الأميرات عرضة للتعذيب أو الإساءة في تلك البيوت.

كيف توازنين بين الكتابة عن تجاربكِ الشخصية وتسليط الضوء على قضايا المجتمع، وكيف تعكس هذه القضايا تحديات المجتمع الذي تعيشين فيه؟

لتحقيق التوازن بين الكتابة عن تجاربي الشخصية وتسليط الضوء على قضايا المجتمع، ركزت في كتاباتي على قضية مهمة جدًا ألا وهي العنف ضد المرأة. جاءت هذه الخطوة نتيجة لمعاناتي الشخصية، حيث دفعتني تجربتي إلى تسليط الضوء على هذه المسألة الحساسة، مع التأكيد على أهمية تحديد المساحة الشخصية اللازمة للمرأة، لتعيش وفق نظام يحترم كرامتها ويحفظ حقوقها.

ومن أجل تعزيز هذا التوجه، شاركت في تنظيم نسوي بمحافظة ميسان يهدف إلى رفع مكانة المرأة. كان ذلك من خلال المكتب النسوي التابع لملتقى الطلبة والشباب في المحافظة، حيث سعيت عبر هذه الأنشطة إلى تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المرأة في مجتمعنا والعمل على تحسين وضعها ودعم قضاياها.

في قصة "بائعة السمك"، ما الذي أردتِ إبرازه حول تأثير العنف على المرأة؟

في قصة "بائعة السمك"، أردت تسليط الضوء على تأثير العنف على المرأة، خصوصًا استغلال جهدها بشكل كامل دون مراعاة لحقوقها أو إنسانيتها. من خلال القصة، أوضحت كيف يمكن لهذا العنف أن يساهم في ضياع القيم الأساسية في المجتمع.

في نهاية القصة، كتبت مناشدة حقيقية موجهة للرئيس، أكدت فيها أن المشكلة لا تكمن في ترميم الشوارع، بل في الحاجة إلى إعادة هيكلة الفكر. فقد أصبحت المفاهيم مختلطة وضائعة بين الفرح والدموع، الجوع والشبع، الفضيلة والرذيلة. وبهذا، أبرزت كيف أن العنف ضد المرأة هو انعكاس لفقدان التوازن في المجتمع ككل، حيث ضاع الوطن حين خذلت الأم، وتحرر الابن بلا ضوابط، ونسي الأب دوره ومسؤوليته.

كيف يعكس "أحمد نزار" من أربيل دور العلاقات الإنسانية في حياتكِ؟

 "أحمد نزار" يمثل دليلًا واضحًا على دور العلاقات الإنسانية التي يمكن أن تزدهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أتاحت لنا هذه الوسائل فرصة توثيق صداقات وعلاقات أخوية وإنسانية عميقة، ووفرت نافذة للاطلاع على حياة الآخرين والتواصل معهم بطرق غير مسبوقة. بالنسبة لي، أحمد نزار هو أكثر من مجرد صديق؛ هو بمثابة ولدي بكل معنى الكلمة، وتجربتي معه تجسد الأثر الإيجابي للعلاقات الإنسانية في تعزيز الروابط العاطفية والدعم المتبادل.

كيف تناولتِ موضوع الحياة الزوجية في اللوحة الثالثة؟ وهل وجدتي صدى لهذه النقاشات في مجتمع؟

في اللوحة الثالثة، تم تناول موضوع العلاقات الزوجية من خلال تقديم حلول للإصلاح بدلاً من اللجوء إلى البحث عن بديل. كان التركيز على أهمية إصلاح العلاقة مع الشخص الذي أمضيت معه حياتك، وتجديد المشاعر بين الزوجين، وهو أمر ممكن إذا توفرت الأرضية المناسبة لذلك. من جانب آخر، تم التأكيد على ضرورة تحديد مساحة الشخصية لكل طرف، مما يساعد كل شخص على معرفة حقوقه وواجباته. وقد أشارت بعض القارئات للكتاب إلى أنه لو قرأن الكتاب قبل الزواج، لكان لديهن خطوط واضحة وثابتة في حياتهن.

 قصة "العازف والقيثارة" تحمل رمزية قوية، كيف استطعتِ إبراز الاستمرارية رغم الفشل؟

 قصة "العازف والقيثارة" تحمل معاناة الشاب والشابة في مواجهة الزواج التقليدي المفروض عليهما، وهو ما يظل قائمًا في بعض المجتمعات. الرمزية التي تحملها القصة تتعلق بفشل الحياة الزوجية الذي غالبًا ما يكون نتيجة للزواج التقليدي، حيث يرتبط الشخص بشريك لا يتناسب مع مشاعره الحقيقية. هذه القصة تسلط الضوء على سلب اختيار الشخص لشريك حياته، وعدم قدرته على الموافقة أو الرفض بحرية. ورغم ذلك، تكشف القصة عن استمرارية العلاقة رغم تغير النوايا، وهو أمر خطير جدًا ويحتاج إلى كشف جريء مني.

كيف أثرت تجربتكِ الشخصية مع العنف والإساءات على اختياركِ لهذه المواضيع المحورية، وهل كان من الصعب عليكِ فتح الجروح القديمة لتقديمها بشكل أدبي؟

تأثرت تجربتي الشخصية مع العنف والإساءات باكتشافي أن الآخرين يمرون بنفس المعاناة، حيث أدركت أنني لست وحدي في هذه التجربة. لم يكن من الصعب عليّ فتح الجروح القديمة، لأنني كنت أعيش فيها بالفعل. بل كان فتح هذه الجروح بمثابة وسيلة للتشافي النفسي لي، ولتقديمها بشكل أدبي ونصحي للآخرين. في كتبي الأربعة السابقة، ناقشت هذه المواضيع باعتبارها طرق حياة فاشلة تحتاج إلى تغيير، وكنت دائمًا أقدم نصائح للآخرين حول كيفية التخلص من الأخطاء التي أدت إلى الوقوع في دائرة الإساءة.

ما الذي جعل لوحة "البقاء على قيد الحياة" مميزة بالنسبة لكِ؟

ما جعل لوحة "البقاء على قيد الحياة" مميزة بالنسبة لي هو ارتباطها بفكرة فلسفية عميقة، فالبقاء على قيد الحياة يتزامن مع وجود شغف محدد. أما فقدان الشغف، فيؤدي إلى فقدان أسباب الحياة. في لحظة من التأمل، طرحت على نفسي السؤال: لماذا أبقى على قيد الحياة؟ واستطعت إيجاد العديد من الأسباب التي تربطني بالحياة، مثل حاجة الآخرين إليّ أو حتى أسباب بسيطة قد يراها البعض تافهة، مثل الحيوان الأليف أو العناية بالنباتات. هذه الأسباب، مهما كانت بسيطة، يمكن أن تكون كافية للبقاء على قيد الحياة. الفكرة العامة هي أن إيجاد الشغف في شيء معين هو ما يجعلنا نستمر.

 هل ترين أن الأسلوب الأدبي يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتغيير المفاهيم المجتمعية حول العنف والدعم؟

نعم، أعتقد أن الأسلوب الأدبي كان ولا يزال من أهم الطرق لتغيير العادات السلبية في المجتمع وزرع عادات إيجابية أخرى.

كيف تصفين عملية المزج بين الخيال والواقع في كتاباتكِ؟

‏بالحقيقة، لا أمزج بين الخيال والواقع في كتاباتي. أنا أكتب من الواقع حرفيًا، حيث يكون الخيال فقط في رسم صورة النصوص الشعرية، مثل تخيل الصورة أو الموقف. أما بالنسبة للخواطر أو النصائح، فهي دائمًا واقعية 100%.

هل تعتقدين أن كتابة "شذرات على شكل سطور" في لوحة وهج التجارب أعطت حرية أكبر لتوصيل الأفكار؟

‏نعم، أعتقد أن الكتابة على شكل سطور مختزلة ومركزة تجعل الفكرة أوضح. كما أن استخدام الاقتباسات من الآخرين يعزز القدرة على احتواء الصورة والمعنى بشكل أعمق.

كيف تساهم التفاصيل التي ركزتِ عليها في جعل القصص أكثر تأثيرًا على القارئ؟

‏أعتقد أن التفاصيل كلما كانت حقيقية، كلما شعر بها المتلقي. وقد لمست هذا الأمر من خلال وسائل التواصل، حيث أقرأ دائمًا عبارات تشير إلى أن ما أكتبه يصل إلى القلب. أكتب بواقعية، ولذلك أركز على الأمور التي تخص العاطفة والتأثير على مشاعر الآخرين أثناء كتابتي.

ما الدور الذي تؤديه الثقافة المحلية (من الجنوب إلى أربيل) في تكوين شخصيات قصصكِ؟

‏تؤدي الثقافة المحلية، من الجنوب إلى أربيل، دورًا كبيرًا في تكوين شخصيات قصصي. في الحقيقة، نحن شعب يتماثل في معظم المناطق بالثقافات المحلية ونظرة العوائل لبعضها البعض. لذا، هناك تشابه كبير بين هذه القصص من جنوب العراق إلى شماله. الميزة التي تجمع الشعب العراقي هي أننا لا نسأل عن المذهب، بل نهتم بما يحتويه القلب. ولا تزال المحبة والتعاون وحسن النية هي القيم الجامعة التي تجمع الشخصيات معًا.

هل تعتقدين أن النساء في مجتمعاتنا بحاجة إلى المزيد من الكتابات المشابهة لكتابكِ؟

‏نعم، أعتقد أن النساء في مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى المزيد من الكتابات المشابهة لكتابي، بالإضافة إلى العديد من الدورات التثقيفية التي تساعد في تحديد هوية وشخصية المرأة.

ما هي أصعب لحظة مررتِ بها أثناء كتابة "تحت عدسة نظارتي"؟

‏أصعب لحظة مررت بها أثناء كتابة "تحت عدسة نظارتي" هي حين قررت ذات يوم أن أعيش بدون سعادة، واكتشفت فيما بعد أنني كنت مخطئة. في تلك اللحظة، قررت أن أسامح نفسي مرات عديدة وأتوقف عن جلد ذاتي، وهو ما اكتشفته لنفسي أثناء كتابة الكتاب.

إذا طلب منكِ القارئ أن تختصري الكتاب في جملة واحدة، ماذا ستكون؟

سأقول: "الإنسان هو من يحمل النور لنفسه، ولا يحتاج إلى البحث في نهاية النفق، بل يستطيع أن يحفر في جوانب النفق ليكتشف طريقًا جديدًا."

مع أسماء السومرية، لا تجد نفسك مجرد قارئ لعمل أدبي، بل تصبح جزءًا من رحلة مؤلمة وجميلة في آن واحد. فمن خلال أسلوبها الصادق والمباشر، تعكس ما لم يُقال وتكشف ما تم إخفاؤه. سواء كنت تكتشف عالمها لأول مرة أو تعيد اكتشافه، فإن كل صفحة تفتحها ستأخذك في تجربة لا تُنسى. إن كانت الأدب هو مرآة المجتمع، فإن كتب أسماء السومرية هي تلك المرآة التي تعكس بصدق ما يكمن في الظلال.

اضف تعليق